الجزء 48

كان يجلس واضعا قدم فوق الأخرى على كرسى منفرد وسط قاعة خالية من أى اثاث ،
أمامه صندوق يشبه نعش الأموات ولكن بشكل أرقى كثيرا ،
الصندوق مفتوح ، والمفاجأة ، أشرف السعدنى نائم فيه ، مغمض العينين بدون اى حركة وكأنه متوفى بالفعل ،
أشار أحمد لأحدهم ، فتقدم منه وكشف زراعه وأعطاه حقنة ، 
ثانيتين لا أكثر وبدأ يتململ فى مكانه ، 
تركه أحمد ليفوق تماما ويحاول اكتشاف ما حوله بنفسه ، 

اعتدل مكانه فى الصندوق وهو يتلفت حوله حتى ، يحوطه عدد لا بأس به من الرجال ثم وقعت عينيه على أحمد وهو فى وضعه هكذا وينظر له بعيون تملأها الغضب ، لو أن نظراته تطلق نارا ، لإحترق وهو مكانه ،

استمر فى صمته وترك له المجال والوقت ليدرك الوضع الذى هو عليه ، أنه الآن فى الوضع الذى لطالما خاف منه ، إنه بين يدى أحمد نورالدين بدون اى حماية ، 
هم بالخروج من الصندوق ، فأوقفه أحمد بقوله 

... خليك مكانك ، هو ده مكانك الطبيعى ...

عاد لصمته تانية فقال أشرف 

... جايبنى هنا ليه وعايز منى ايه ؟

... هو سؤال واحد وعايزله إجابة محددة ، 
سارة فين ؟ 

ابتسم أشرف بسخرية وهو يقول 

... سارة ، لا بجد ، انت متخيل أن انا اللى عملتها ؟

... لتانى وآخر مرة هسألك ، هى فين ؟

... معرفش ، دور عليها بعيد عنى ...

... أنت مصمم ، براحتك ...



أشار أحمد بعينيه فقط لأحد الرجال الواقفين ، على مقربة منه ، مد الرجل يده خلف ظهره واعادها بطبنجة ، رفع صمام الأمان ووجهها على أشرف وهو فى صندوقة ، ثم قال 

.... أنت كدة كدة فى نعش ، يعنى مش هنتعب معاك ، غير انى اصلا كنت ناوى اخلص عليك هناك ، مش عارف ليه طلبت معايا اشوف الموضوع ده بعينى ...

.. وقتلى هيفيدك بإيه ؟

... ده سؤال برده ، هقتلك عشان حاولت تقتلنى ، عشان اذيت مراتى ، عشان عايز تخربلى المجموعة وشغال على الموضوع من فترة ، عايز ايه أسباب اكتر من كدة ؟

كان أشرف رجل لا يستهان به أو برابطة جأشه ، كان متمالكا نفسه تماما خلال حديثه مع أحمد وكأنها مواجهة بين شخصين متوازيين فى القوة ، رغم موقفه الضعيف جدا الماثل فيه الآن .

... ومفيش اى حاجة عملتها ظبطت ، عارف ليه ياأحمد باشا ، عشان كل اللى عملته كان معتمد على أن جدك هو الراس الكبيرة ، متصورتش ابدا ان مجرد خيال مئاتة من سنين ، وأن انت اللى ورا كل حاجة ، انت اللى بتفكر وتخطط وتأمر ، وسليم نورالدين نفسه واحد من اللى بينفذوا ، 
للأسف عرفت متأخر ، واتصرفت متأخر ، عشان كدة كل حاجة باظت ...

... ههههههههههه ، غريبة ، كنت متخيلك أذكى من كدة ، على اى حال ، اللعب معايا بيكون النهاية ، مبحبش حد يقربلى أو يقرب لحاجة تخصنى ، مبسامحش ومبرحمش ، زمان رجالتك كلهم راحوا وحصلوا اللى قبلهم ...

اضطرب أشرف مما فهمه من كلام أحمد واتسعت عيناه قليلا ، 
أكمل أحمد كلامه وقال 

... أه ، صحيح ، دا انا مقلتلكش لسة ، أصل انا كنت مجهز لنهايتك انت وعصابتك كلها انهارضة ، عشان تحصلوا اللى قبلكم عشان فكروا يقربولى، بس اثتسنيتك انت على أمل انك تعرف مكانها ، وانت بتقول انك متعرفش ، يبقى وجودك بقى زى عدمه عندى ، سلام ...

وبمجرد أن أنهى الجملة ، أطلق الرجل رصاصة واحدة استقرت فى رأس أشرف فسقط بجسده داخل الصندوق ، قام أحمد من مكانه وهو يشعل سيجاره ،
اقترب رجل آخر ليساعد مطلق الرصاص ، رفعوا الغطاء واغلقوا به الصندوق ، وحملوه واتجهوا للخارج ،

فى نفس اللحظة دخل جلال وهو يجرى ويصيح 

... احمد بيه ، بتهيئلى لقينا مدام سارة ...

انتفض أحمد واستدار لجلال وهو يقول 

.. فين ؟

... المنوفية ، أم أشرف ليها بيت تانى غير اللى هى عايشة فيه ، فى وسط مزارع كبيرة ، بعيد عن المساكن ، أعتقد أن مدام سارة موجودة فى البيت ...

ألقى أحمد السيجارة من يده وهو يتجه للخروج 

... يلا مستنى ايه ؟

... ثوانى يافندم ، رجالتنا محاوطين البيت من كل اتجاه ، برنة يهاجموا البيت ، وبعدين الطريق من هنا لهناك مش أقل من ثلاث ساعات ...

... أنت مش بتقول مزارع ...

... ايوة يافندم ...

... خلاص ، هاتلى الهليكوبتر ، يلا ، بسرعة ...

... تمام يافندم ... 

 



هبطت الطائرة على مسافة معينة من البيت المقصود حتى لا يصل صوت الهبوط للموجودين للبيت ، ثم تحرك مع رجاله على الأقدام ، 

كانت صدفة تجلس فى صالة المنزل حين اقتحم أحمد برجاله المنزل ، حاول أكثر من رجل من رجالها استخدام السلاح ، لكن بالطبع رجال أحمد كانوا اسرع واسبق ، وتم السيطرة على الموقف ببساطة شديدة وببضع طلقات قليلة ، وانتشر رجاله فى كل مكان فى المنزل بحثا عن سارة ، 

تقدم أحمد من العجوز الشمطاء وامسكها من رقبتها وهو يقول ... فين سارة ، انطقى ...

لم ترد المرأة بكلمة ، وفى نفس الوقت بدأ كل الباحثين فى أرجاء المنزل بالعودة الواحد تلو الآخر وهم على نفس الإجابة ... مش موجودة ..

أحمد ليست من عاداته أن يتعامل مع أى امرأة بعنف وبطريقة مهينة خاصة أن كانت بهذا العمر ، 
وقعت عينيه على أحد رجالها المصاب بالرصاص فى زراعه بسبب محاولته الهجوم أولا ، 

ترك صدفة وتوجه للرجل الجالس فى الأرض وحوله ثلاث رجال آخرين ، وقف أمامه ووجه له السؤال ... هى فين ؟

لم يجب الرجل بل اكتفى بالنظر للأرض فقط ، رفع أحمد عينه لأحد الرجال الواقفين بجانبه ،
جثا الرجل بركبتيه بجانب المصاب ، وجثا رجل آخر على الجانب الآخر ، وبدأ كل منهما فى تثبيته ، رفع أحمد قدمه ، ووضعها على كتفه وضغط بأقصى قوة عنده ، والرجل يصرخ من الألم ، 
وأعاد سؤاله عليه مرة أخرى ولم يجب ،
أعاد الكرة أكثر من المرة حتى استجاب الرجل فى المرة الرابعة من شدة الألم ، 
وأشار برأسه لأحد الطرقات الداخلية للمنزل ، 

فجأة صرخت صدفة وهى تقول ... ياابن الكلب ...
فوجئت بيد جلال وهى تطبق على رقبتها من الخلف ، وهو يقول ... اخرسى خالص ...

رفعوه وتحركوا به فى الاتجاه الذى اشاره عليه وأحمد خلفهم وبعض الرجال الآخرين ، 
ثم توقفوا أمام مكتبة كبيرة على طول الحائط ، أشار الرجل لأحد الارفف ، ألقى الكتب من على الرف ، وجد خلفه زر كبير ، ضغط عليه فانفرجت المكتبة من منتصفها وظهر خلفها باب داخلى ، تقدم رجلين من الباب ،وكسروه، ودخلوا وخلفه أحمد وبعض الرجال الآخرين ،

نزل السلم الداخلى الصغير وقبل أن يصل لأخره ، تجمد مكانه و توقفت انفاسه ، واتسعت عيناه من هول ما رأى أمامه ، 
سارة معلقة من قدمها ، يبدوا انها فاقدة للوعي تماما ، لا يستر جسدها إلا البنطلون و من اعلى بودى ممزق و ظهرها عارى تماما وآثار السياط على ظهرها واكتافها وزراعها واضحة تماما ، وكأنها خطوط دموية واضحة ، 
لمعت الدموع فى عينيه وهو لا يعى الحال الموجوده عليه معشوقته وحبيبته وزوجته الآن ، 

تمالك نفسه واتجه لها مسرعا وتبعه الآخرون ، ساعدوه فى فك وثاقها وانزالها ، أخذ يضمها ويقبلها باستمرار وهو يهمس باسمها ، وهى لا ترد ولا تتحرك وكأنها فقدت روحها تماما وأصبحت من الأموات ، 

بدأ أحمد يعلو صوته بطلب طبيب لها وهو يحاول افاقتها بدون جدوى ، حضر أحدهم وفى يده زجاجة برفان، 
أخذها أحمد من يدها وكسر عنقها بيده وسكبها على انفها ورقبتها ، 
بدأت تململ ببطئ شديد وهى تتأوه ، وهو الآخر كأنه استعاد روحه بأناتها هذه ، ضمها بقوة ، وهو يلمس على شعرها ووجهها ، 

استعادت وعيها فجأة وانتفضت مرة واحدة وهى تصرخ وجسدها يرتعش بشدة 
... كفاية ، كفاية ، حرام عليكى ...

وبدأ صوته هو يعلو لينبهها بوجوده بجانبها وهو يضمها ويهدئ من روعها
... سارة ، سارة ، انا أحمد ياحبيبتى ، سارة ، انا هنا ياقلبى ، انا اسف ، آسف ياسارة ...

بدأت تنتبه لوجوده ووجودها هى بين يديه ، أمسكت بزراعه بشدة وهى تبكى وتحاول الاختباء فى جسده ، وهى تصرخ 

... احمد ، خبينى ، خبينى والنبى ،
وغطينى يااأحمد ، غطينى ، قطعت هدومى ، غطينى. ..

بالفعل ورغما عنه سالت دموعه هو الآخر من عينيه ، لا يعلم من شدة غضبه أم من شدة خوفه عليها ، خلع جاكت بدلته والبسها إياه ، وحملها بين زراعيه وخرج مسرعا ، كانت الهليكوبتر قد هبطت قريبا من باب المنزل ، استقلها وهى بين يديه ولم يتركها وبدأت الطائرة بالارتفاع .

يتبع



إعدادات القراءة


لون الخلفية