وبعدين ياأحمد ، ده كدة هيضيع نفسه ...
أنت بتسألنى انا ، أمال انا بعتلك ليه ؟
... منا مش عارف ، وانت عارف هشام اصلا ، يبان طيب ، لكن الحقيقة أنه عنيد جدا ، وبعدين فى الفترة الأخيرة دى وتصرفاته مبقتش تعجبنى ولما حاولت اتكلم معاه بدأ يبعد عنى ...
... يعنى من الاخر يامازن ، مفيش حل ، يعنى أتصرف انا ...
...لأ لا تتصرف انت ايه ، سيبنى أتكلم معاه الأول ، يمكن يرجع ، بس انت لسة مش متأكد هو ناوى على ايه ...
... معرفش ، بس حاول تبعده عنى فى الوقت الحالى يامازن ، انا على أخرى اليومين دول ، واللى هيقف قدامى هأذيه مهما كان هو مين ...
... إن شاء الله هتصرف ...
خرج مازن من مكتب أحمد وهو لا يعلم حتى ما سيفعله مع هشام ، كل ما يعلمه انه لابد أن يبتعد هشام فى الوقت الحالى عن احمد تماما وان لا يستفذه بأى شكل حتى لا تتطور الأمور بينهما .
انحنى أحمد للأمام وسند بيده على مكتبه ، وأخذ ينقر بقلم فى يده على زجاج المكتب وهو يفكر لثوانى،
وضع القلم من يده وامسك بهاتفه وبحث عن أحد الأرقام وضغط زر الإتصال ووضع الهاتف على أذنه ، ثوانى وانفتح الخط ،
.... Hi Mady how are you now ?. ..
... fine ,I need you her Gena ... (احتاجك هنا )
... in Egypt ... ( فى مصر )
.. yea, but hurry up , you have two days to prepare yourself ...
( ايوة ، بس بسرعة ، ادامك يومين تجهزى فيهم نفسك )
اتم جملته واغلق الهاتف دون إلقاء اى تحية وألقى بالهاتف أمامه على السطح الزجاجى للمكتب ،
كانت هذه جينا روبينسون ، مديرة أعماله فى الولايات المتحدة والمسؤولة الأساسية هناك عن كل القرارات فى غيابه ،
جينا امرأة أربعينية من أم مصرية وأب أمريكى مسلم ، تتحدث المصرية جيدا جدا وكأنها قضت حياتها فى مصر رغم أن وجودها فى مصر قليل متمثل فى زيارات قليلة لوالدتها،
كانت سكرتيرة لجدته فى بداية توظيفها ، ومع الوقت نالت ثقة جدته بكاملها ، بل أوصت أحمد أن يثق هو الآخر بها ، وبالفعل بل وأكثر ، وبمرور الزمن تزداد ثقته بها ، فهى مخلصة تماما له ولعملها ، والأكثر انها تمتلك درجة عالية جدا من الذكاء الاحترافي يمكنها وبسهولة إيجاد أكثر من حل للمشكلة التى تقف أمامها ،
وجد أحمد انه من الأفضل أن تعمل جينا لديه بنسبة من الأرباح وليس بمرتب ثابت ، وذلك من أجل التشجيع ورضاء نفسها ، والأهم ايفاء منه على وصية جدته .
يحتاجها هنا الآن من أجل حل مشكلة المصانع والمشاريع التى اوقفها بسبب تغيير جده والمجموعة فى شروط تشغيل هذه المشاريع بعد استغلال حادثته وفترة غيبوبته ، فللأسف لم يعد يثق فى احد الآن فى المجموعة بالكامل ليساعده فى اتخاذ القرار .
دخل طلعت بعدما طرق الباب ، كان أحمد مستندا بظهره ورأسه على الكرسى ومغمضا عينيه من شدة الإرهاق والألم الذى يهاجمه الآن ،
.. احمد بيه ...
رد دون أن يتحرك أو يفتح عينيه
... إيه ياجلال ...
.. حضرتك كويس ...
... أه كويس ، انده نادية من برة ...
... حاضر يافندم ...
كانت نادية هى السكرتيرة الثانية لمكتبه ، وبالنسبة له كانت نادية أهم من الأخرى ،
تحدث معها أحمد وهو على نفس وضعه ومغمضا لعينيه، فالألم بدأ يزداد .
... أيوة يافندم. ..
... المواعيد اللى عندك ايه انهارضة ...
. ..حضرتك كنت مفضى نفسك انهارضة للمرور على المصانع ، والساعة 5 اجتماع مع مديرين المشروعات الجديدة ...
... أنا همشى دلوقتى ، وابعتيلى المديرين كلهم على البيت ...
... بيت نورالدين ...
... لأ ، التجمع ، عليكى تبلغيهم وبس وملكيش دعوة بالباقي. ..
.. حاضر يافندم ...
...اتفضلى انتى ...
... بعد إذن حضرتك. ..
حاول أحمد رفع رأسه ، لكنه أحس بصداع ودوخة شديدة، هذا بالإضافة للألم الموجود فى صدره ،
اقترب منه جلال ليساعده ، وقف أحمد وبصعوبة حاول الحركة ، وخلفه جلال فقد توقع سقوطه فى أى لحظة ،
خرج أحمد من مكتبه باتجاه الاسانسير ، وقبل أن يدخله ناداه هشام بعدما حاول اللحاق به ،
... احمد ، لو سمحت ، عايزك فى كلمتين ...
رد أحمد دون أن يلتفت له ... بعدين ياهشام ...
وتركه ودخل الاسانسير وخلفه جلال ، فلم يكن يريد اى شخص أن يلاحظ ما بدا واضحا على وجهه من إرهاق وألم، لكن هشام فهم تصرفه بشكل آخر ، فهم أن أحمد قد علم ما يهم هشام بعمله عن طريق هيا ، وانه يكن له عداوة وغضب شديدين ، ولديه النية فى الانتقام منه، بالطبع هذا زاد من قلقه واضطرابه الذى بدى واضحا لمن حوله .
وصل المنزل ، رأت سارة السيارة تدخل من الباب الحديدى نزلت لتستقبله وعلى وجهها ابتسامة سرعان ما انمحت فور رؤيتها له ،
ساعدته ليصل لغرفته ، وأيضا فى خلع ملابسه ، أعطته بعض أدوية الطوارئ التى أوصى بها الطبيب له ،
حالته لا تطمئن ابدا ، فهو غير قادر حتى على الكلام ، وجهه شاحب وحاجباه معقودان وكأنه يتألم .
اتصلت بالمستشفى فورا واخبرت الطبيب المسؤول عن حالته ، وفى خلال ربع ساعة كان يقف أمامه يجرى الكشف عليه ، ومعه أحد الممرضات ، وبعدما انتهى ، أعطاه حقنتين وغير له بعض الأدوية ، نام أحمد بعدهما بدقائق. .
خرجت سارة خلف الطبيب لتسأله عن الحالة
... خير يادكتور ...
... خير منين يادكتورة ، اذاى يرهق نفسه كدة ، انتو شايفة ان الموضوع سهل كدة ...
...ابدا والله ، بس انا مقدرتش امنعه ، وقاللى انه مش هيتعب نفسه زيادة عن اللزوم ...
... مجرد الخروج غلط يادكتورة ، أرجوكى خدى بالك ، إحنا فى غنى عن مضاعفات ممكن تحصل لمجرد الإهمال فى الراحة او فى أى ضغط عصبى. ..
... إن شاء الله مش هيحصل ...
... بعد اللى تم ده ، على الأقل أسبوع فى البيت ميخرجش ، مفيش إجهاد ، مفيش زعل ، أى حاجة ممكن تعمل لوود على القلب ممنوعة تماما ، وطمنينى بالتليفون ، وهجيله بعد بكرة ان شاء الله عشان اشوفه ....
لم يستيقظ أحمد من نومه إلى بعد 14 ساعة بفعل الأدوية التى أعطاها له طبيبه ،
كانت الساعة وقتها الثالثة والربع قبل الفجر ، كان يتململ فى نومه ويحرك رأسه يمينا ويسارا وهو يردد بضعف ... آدم ، آدم ...
انتفضت سارة من نومها بجانبه على حركته وتأوهه ، حاولت ايقاظه بهدوء ،
انتفض فجأة ، واعتدل جالسا ، وأنفاسه تتلاحق ووجهه وجسده غارق فى العرق ،
سحبت بضع مناديل من العلبة بجانبها وأخذت تجفف عرقه بها وهى تطمئنه انه مجرد كابوس لا أكثر ،
بدأ يهدأ بعدها بثوانى من تأثير لمسة يدها الحانية على وجهه ويدها الأخرى خلف ظهره ،
مجرد قرب أنفاسها التى يشعر بها بجانبه وقريبة منه بهذا الشكل جعلته يهدأ ،
رفعت إحدى الوسائد خلف ظهره وجعلته يستند عليها ليكون فى وضع نصف جالس ،
اغمض عينيه مرة أخرى ، فقالت له وهى تقوم من جانبه
... هروح اجبلك كوباية لمون تشربها ولا اقولك خليها لبن دافى ، انت مكلتش حاجة من أول اليوم ..
ثم قبلته من جبهته وخرجت من الغرفة ،
عادت بعدها بدقائق وفى يدها كوب من اللبن ، قبل أن تدخل الغرفة لمحت شيئا فى يده ، اخفاه تحت الوسادة بمجرد أن شعر بها قادمة .
لم تشعره انها رأت ذلك ، وتجاهلت الموقف ،
شرب كوب اللبن وساعدته ليدخل الحمام واحضرت له ملابس ليستحم ، طلب منها أن تتركه ليستحم وحده ، وكانت فرصة لترى ما اخفاه منها تحت الوسادة ،
كانت صورة ابنه آدم الذى توفى وهو فى غيبوبته وسافرت سارة لاستلام جثمانه بدلا من أحمد .
أعادت الصورة مكانها مرة أخرى ولم تخبره انها رأتها ،
خرج من الحمام وكان قد بدا عليه التحسن بعض الشئ ، ولكنه لم يجدها فى الغرفة ، عاد لمكانه على السرير وانتظرها ،
أحضرت له بعض الحساء ، شرب جزء منه ثم أعطته ادويته التى أوصى بها الطبيب ،
سند رأسه للخلف وقال
... هو جلال مشى امتى ...
... بعد ما اطمن عليك ...
...مقالش حاجة ...
...لأ ، ليه ؟
...كان المفروض جايلى فى موضوع مهم بس كنت تعبان ومقدرتش أتكلم ، هاتى تيليفونى واكتبيله رسالة يجيلى بدرى ...
...لأ ...
... نعم ...
...نعم الله عليك ، جلال بالذات لأ ، مش هتقابله قبل يومين على الأقل ...
...سارة ، انا مبهزرش. ..
...ولا انا على فكرة ...
... سارة ...
وقفت سارة بمواجهته وتنهدت وهى تطيل النظر له ثم اقتربت منه وجلست بجانبه على حافة السرير ،
... وبعدين ياأحمد ، وبعدين ، عملية صعبة مبيتحملهاش حد وكمان فضلت فى غيبوبة أسبوع وفقت منها من 6 أيام بس ، انت شايف نفسك تتحمل اللى انت بتعمله ده ...
هدأ غضبه وانخفضت نبرة صوته وامسك بيدها وادار وجهها له وهو يقول
... سارة ، انا عندى مصايب ، لو اتهاونت فيها ممكن تضيعنى ....
...هى دى المشكلة ..
... انت شايفة ان الموضوع سهل كدة ، وأن مفيش مشكلة ...
... مقلتش كدة ، انت مشكلتك انك محسس نفسك انك بتضيع ، دخلت نفسك دايرة هلاك انت اللى عملتها بايدك ، مش حد تانى ...
...أنا ...
... ايوة انت ، ومش حد تانى ، واضح ان فى حاجات كتير اتغيرت فى السبع سنين اللى فاتوا ، فاكر زمان ، أيام ما كنت معاك ، فاكر نفسك اذاى كنت بتتصرف مع المشاكل اللى بتقابلك ، انا فاكرة مرة انك حبست نفسك 3 أيام عشان كنت عايز تفكر فى حاجة معينة وتلاقيلها حل ، كنت بتحاول تهدا وتصفى ذهنك على قد ما تقدر ، وأوقات كنت بتخرج تجرى بعد الساعة 3 الفجر لو عندك حاجة بتفكر فيها ،
لكن دلوقتى ، بص لنفسك ، انت تعبان ، تعبان اوى ياأحمد ، ومرهق اوى ، دا غير الصدمات اللى اكتشفتها من وقت ما فقت ...
... صدمات ؟ !
... ايوة صدمات ، وصدمات جامدة اوى كمان ، هو أن فاكر عشان مبتحكليش ، يبقى انا مش عارفة ولا فاهمة اللى بيحصل ليك ، انا مبفكرش غير فيك طول الوقت ،
موت ابنك واللى محضرتش حتى دفنه ، خيانة معظم اهلك وعدم اهتمام حد فيهم باللى حصلك ، كلهم بدأوا يتصرفوا على أنك مت وكل واحد فيهم عايز يلحق حتة من التورتة ، حتى جدك نفسه ،
ده غير الحادثة ومحاولة القتل دى ، اللى انا متأكدة أن انت مش هتعديها ابدا ،
تفكر صح فى كل ده ازاى وانت تعبان ، مستحيل تقدر تواجه كل ده مرة واحدة ....
كان يستمع لها وهو صامت وعينيه متعلقة بها ، كان يعلم تماما انها على حق فى كل كلمة قالتها .
تلئلئت عينيها بالدموع واقتربت منه ، واحاطت وجهه بكفيها وهى تقول ،
... عشان خاطرى انا ، أمسك نفسك تانى ، وخد بالك من صحتك ، أقف على رجلك وبعدين اعمل كل اللى انت عايزه ، لا همنعك ولا هقولك حاجة ،
أحمد ،، ابوس ايدك ، انا مبقاش ليا حد غيرك ، انت سندى الوحيد فى الدنيا دى ، خد بالك من نفسك ....
امتلأت عينيه بالدموع هو الاخر وتعالت انفاسه ولم يعد قادرا على منع نفسه عنها بعد هذه الكلمات التى اخترقت كل حصونه ووصلت بأسهم خارقة لقلبه , بل ولعن مرضه الذى يمنعه أن يفعل ما يتمناه الآن بعدما سمعه منها ، مد يده وجذبها من ظهرها حتى الصقها به ودفن وجهه فى رقبتها واغمض عينيه ، وفعلت هى بالمثل وكأنها تنفث عن قلقها عليه وغضبها منه فى ذات الوقت ،
تحرك ووجهه مازال يلامس وجهها واقترب بشفتيه
حتى الصقها بشفتيها ،
قبلة كانت كرسالة بينهما ، هى تعيد فيها كل ما قالتها ، وهو يوافق على كل كلمة بل وسينفذ ما تريد ،
ابتعدت هى عنه حتى لا ترهقه أكثر وهو تقبل ذلك ، سند جبهته لجبهتها وقال ،
... أنا مقصدش أدايقك اوى كدة ، لو كنت أنا دلوقتى سندك زى ما بتقولى ، فانتى بقيتى كل حياتى ، ماضى ومستقبل ياسارة ، وكل كلمة قولتيها بنفسك بتأكد ده ، كل الحكاية انى فجأة لقيت كل حاجة اتغيرت ، وكل النفوس اللى حواليا اتغيرت ، حاسس انى روحى بتطلع منى ياسارة ....
... أنا معاك وموجودة ومش هسيبك ، ومبقولش انك تتصرف فى كل ده ، بس ارتاح عشان تقدر تفكر احسن ، وتتصرف احسن ....
... حاضر ياسارة ، هرتاح ...
... تفضل هنا كام يوم ومتخرجش ، وإللى انت عايز منه حاجة يجيلك هنا ...
... ماشى أمرك ياستى ...
... ربنا يخليكى ليا وميحرمنيش منك ابدا ...
لم تسمح له أن يتحرك من الفراش إلا فى اليوم التالى ، حتى يكون قد استعاد جزء كبير من قدرته على الحركة ،
وفى اليوم التالى سمحت له بأن يتحرك فى الغرفة فقط ، كان يجلس فى الشرفة ونور يجلس معه يشاكسه ،
دخلت سارة وفى يدها كوبين من الشاى ،
... كفاية يانور ، تعبت عمو ...
رد أحمد عليها ... ملكيش دعوة انتى ، يبقى لا خروج ولا حتى نور ، وبعدين إيه ده ...
...شاى ...
... شاى ايه بس ، أنا عايز قهوة ...
... ممنوع ...
... مليش دعوة ، انا عايز قهوة ...
... أنت هتعمل زى العيال ولا ايه ...
دخلت سناء بعدما تركت الباب وقالت ،
... صباح الخير ياأحمد بيه ، ازى حضرتك دلوقتى ...
... صباح الخير ياسناء ، الحمد لله ، ...
... أنا آسفة ، بس البشمهندس جاسر تحت ومستنى حضرتك ...
... قوليله جاى حالا ..
وقف أحمد ، وألقى نظرة على الشاى وابتسم لها وقال ، اشربى انتى الشاى وابعتيلنا قهوة بقى .
وتركها وخرج ،
اضطربت سارة من وجود جاسر وفى الصباح المبكر هكذا ، ولا تعلم لماذا كل هذا القلق من جلال وجاسر بالذات .
يتبع