برغم انطلاقهم بالسيارة من الساعة السابعة ، إلا أنهم وصلوا متأخرين عن ميعاد ابتداء مراسم الحفل فقد تقرر ابتدائه فى الساعة التاسعة ، بالطبع فاتهم كلمة البداية من سليم نورالدين ،
كانت الحفلة ضخمة جداً بالمعنى المفهوم ، تم إقامتها فى المساحة الخالية بين الثلاث مصانع ، نافورة فى الوسط ، يقابلها مسرح منخفض نسبيا لفرق الغناء ، تم دعوة اهم رجال الأعمال فى مصر والوطن العربى ، وعدد كبير من الإعلاميين والفنانين ،
دخل طارق ومها وتبعتهم سارة وحدها ، كانت ترتدى فستان كريمى هادئ يميل للون البنى ، وطرحة ساتان بنية اللون ، فتنته عندما رآاها من بعيد ، هل هى جميلة إلى هذا الحد أم هو من يراها دائما جميلة. لكنه غضب وشعر بغيرة عارمة عندنا رأى جاسر يقترب منها ، سلم عليها باليد ، وكل منهما يبتسم للأخر ، هو يعلم جيدا حبيبته وأيضا صاحب عمره ، لكنه كره المنظر هكذا ، لم يشعر جاسر إلا ويد أحمد تمتد ليدها وتسحبها بهدوء من يده ، قائلا
...الايد دى بتاعتى انا ، ممنوع الاقتراب أو التصوير
ولثانية بسيطة تعلقت عين أحمد بعين جاسر وكأنه نوع من التحدى ، فهمه جاسر ولاحظته سارة ،
انسحب جاسر مبتسما وهو يقول
...ماشى ياعم، هنيالك بالإيد وصاحبتها ، بس يارب تاخد بالك منها ...
التفت لسارة وهو يقول بنغمة تحزيرية
...ممنوع حد يسلم عليكى بالايد مرة تانية ، اوكى ..
...لأ مش اوكى ، ايه إلا حصل دلوقتى ده ...
...إيه ، بغير عليكى ، مش من حقى ولا ايه ...
...غريبة ، بتغير من مين وعشان ايه ، إذا مكنتش من مجتمع مسموح فيه كل شئ ...
...متقارنيش بينك وبين المجتمع اللى انا منه ، وبعدين اغير من أى حد ومن أى حاجة براحتى ..
...احنا ناوى نتخانق ولا حاجة ...
...بالعكس الليلادى بالذات مينفعش نتخانق. ..
...اشمعنى ، هتفهمى بعدين ، اتفضلى ندخل. .
..اوكى ...
لم يدرك كل منهما أن الحفل مملوء بالأعين التي راقبت ما حدث ، بداية من الجد مرورا بهشام وهيا ، وعمات أحمد وبنات عمه ، حتى جاسر الذى ابتعد عنهم ليراقب حديثهم من بعيد ،
وبالطبع كل منهم يضع الكثير فى جعبته ليفرق الاثنين ، لكن هيهات ، أحمد ليس بالشخص الهين الذى يترك شيئا للظروف .
وقفت سارة مع مها مرة أخرى ، واتجه أحمد لجده بعدما أشار له ليأتي ليسلم على بعض الضيوف ،
...إيه مالك ياسارة ، مكشرة كدة ليه ؟
...مدايقة ، ياريتنى ماكنت جيت ..
..ليه بس ، دى الحفلة حلوة ، وكمان ...
...وكمان ايه ، فى ايه ؟
...حاولى تمسكى نفسك عشان هشام جاى وراكى ...
...هشام ، كملت ، كدة خناقة رسمى ...
...مساء الخير ياجماعة ...
ردت مها ...مساء النور ياهشام ، اذيك ...
...الحمد لله ، اذيك ياسارة ...
...الحمد لله ، اذيك انت ...
...تمام ، مبترديش عليا ليه فى التيليفون ...
..عادى ، بس مبتكنش الظروف سامحة ...
أشارت مها بهدوء لسارة فى الاتجاه الآخر ، كان أحمد يسير باتجاههم ومعه عمها حمدى ، بالطبع لاحظ هشام ويبدوا أن الرسالة وصلته من هذا ،
...مساء الخير ...
..مساء النور ، ازييك ياعمى ، هو انت ليك فى الحفلات دى ...
...أبدا يابتى ، جاسر هو اللى جال أنى لازم اجى ، عشان اشوف شغله ، والله يابتى ما انى فاهم حاجة لحد دلوجتى. ..
أجاب أحمد
..انا هفهمكم كلكم كل حاجة دلوقتى حالا ، بس بعد اذنكم سارة ثوانى ...
بدون الإجابة من أحد ، مد يده وامسك بيد سارة وتحرك بها لمكان بعيد عنهم نسبيا
...فى ايه ياأحمد ، مش تفهمنى ...
...أنت ليه مستعجلة كدة ...
...مبحبش أبقى زى الأطرش فى الزفة. ...
...اطرش ههههههههه، طيب ياستى ، انا سبق قولتلك أنى حددت ميعاد الفرح ، صح ...
...وبعدين ...
...وبعدين ايه ، انهارضة فرحك ياعروسة ...
...نعم ، انت مجنون ، مينفعش ...
... مجنون بيكى ياسارة ، ومش هسمح لمخلوق يبعدك عنى تانى ، واللى مينفعش لازم ينفع ، مادام انا عايزه ينفع ...
أنهى كلماته وهو يعود بظهره للخلف ويبتعد عنها ،
...ارجع يامجنون ، هتعمل ايه ...
...هو انتى لسة شفتى جنون ، هتشوفى دلوقتى جنانى على أصله ...
ثم استدار وابتعد عنها ، عادت هى للوقوف مع عمها ومها وهشام وانضم لهم جاسر وطارق ،
أما أحمد كان فى طريقه للاستيدج الذى يقف عليه أحد الفرق تعزف موسيقى هادئة ، عندما استوقفه جده قائلا
...احمد ، انت مش مركز مع ضيوفك الأساسيين فى الحفلة، ومركز مع ناس تانية ...
..بالعكس ياجدى ، اللى انا مركز معاهم هم الأساس الأهم ...
...يعنى إيه ؟
...هتفهم حالا ، هى الناس كلها مستعجلة انهارضة ليه ، ولا انا اللى بارد ...
أكمل طريقه للمكان الذى يريده ، تاركا جده فى حيرة من أمره .
فجأة سمع الجميع صوته يصدر من مكبرات الصوت التى تملأ المكان ،
...مساء الخير ياجماعة ، شرفتونا انهارضة ،
طبعا انتوا عارفين ان السبب الأساسى للحفلة دى علشان افتتاح مجمع المصانع التانى لمجموعة نور الدين ، لكن بالنسبالى انا السبب الأساسى للحفلة دى حاجة خاصة بيا انا ، وهتكون مفاجأة للكل ، بس قبل ما أقولها ، كنت عايز احكيلكم حكاية ، بصراحة، انا بعتبرها حكاية عمرى ...
زاد انتباه الجميع لما سيقول ، يبدوا أن مفاجاته ستأتي بثمارها وستكون صاعقة للجميع .
أما سارة فقد توقعت ما سيقوله ولكنها كذبت نفسها
أكمل أحمد كلامه ... معظمكم عارف أنى كنت عايش فى اميريكا ، حياتى كانت هناك ودراستى كمان ، مرجعتش هنا غير من 5 سنين ، لما كنت فى اخر سنة فى الجامعة ، قابلت بنت ، مصرية ، كانت بتدرس هناك بمنحة من رجل أعمال ، منحة قدمها لجامعة القاهرة لمساعدة اكتر طالب متفوق فى جامعة مرموقة برة مصر ...
لم تصدق سارة نفسها ، هل سيحكى حكايتها معه فعلا ، هل سيقول أنها كانت تعمل مدبرة لمنزله ، هل سيخبر الجميع عما حدث بينهما ؟
تابع أحمد روايته ... الغريب بقى أن هى متعرفش أن اللى قدملها المنحة دى هو نفسه ، سليم نورالدين
اتسعت عينا سارة من المفاجأة ، وكان رد فعل جده بنفس الطريقة ، ونظر كل منهما للأخر .
...وطبعا هو كمان ميعرفش هى هتكون ايه بالنسباله بعد كدة ، المهم فى الموضوع، انى اول ما شفتها شدتنى بشكل قوى جدا ...
أكمل كلامه وعينا كل منهما معلقة بالآخر ، وكأنهما منعزلين عن العالم الذى يحوطهما ، ويبدوا أن جميع الحاضرين لاحظوا عن من يتكلم من نظراته لها ، وتحوطها كل العيون تنظر لها .
...حاولت أقرب منها ، رفضتنى ، رفضت كل خطوط الاتصال بينا ، مكانش قدامى حل غير أنى اتجوزها ، وبرده وافقت بعد عذاب ، وافقت بشروطها ، رغم انه كان اتفاق عملى جدا وكأنه عقد شراكة ،رغم كدة ، سنة كاملة ، عشت فيها أجمل مشاعر ، من غير أى كلمة حب ، كل واحد فينا ملتزم باللى يخصه فى الاتفاق ده ، لكن المشكلة كانت عندى انا ،
للأسف حبيتها ، غرقت فيها بشكل مقدرتش حتى اقاومه ، مبقتش قادر أبعد عنها ، واتأكدت من كدة لما نزلت إجازة مصر تزور أهلها ، قررت فى الوقت ده أن أقولها ، لكن للأسف، أول ما رجعت ، كانت محضرالى مفاجأة رائعة ، طلب طلاق ،
رجعت وبدل ما تقولى وحشتنى ، قالتلى طلقنى ، وكانت مصممة تماما عليها ، وطبعا قصاد تصميمها ده مرفضتش ، طلقتها ، ومشيت ، ولما سألت عليها بعدها بيومين ، عرفت أنها اعتذرت عن منحتها ورجعت مصر ، من غير حتى ما أعرف السبب ،
سنين بدور عليها ، كنت هتجنن اعرف هى فين وعايشة ازاى ، لكن للأسف مقدرتش اوصلها،
حاولت أعيش ، اتجوزت مرة واتنين ، ومفيش فايدة ، دورت عليها فى كل ست عرفتها ، وقربت منها ،
وبرده مفيش فايدة ، لكن فجأة وبدون أى مقدمات ،
لقيتها قدامى ، تفتكروا ياجماعة ، لو أى حد منكم مكانى ، يعمل ايه ؟
رد عليه معظم الحاضرين الذين انفعلوا تماما مع حكايته .........تتجوزها طبعا ....
أصاب الذهول سارة من هذا التفاعل ، وبدأت عيناها تمتلئ بالدموع ، أما أحمد ابتسم وقال
...بالفعل ، هو ده اللى هعمله ، أبقى مجنون لو سبتها تروح منى تانى ...
ترك المايك من يده ، ونزل من على الاستيدج، واتجه صوبها والجميع يبتعد من طريقه حتي وصل إليها
ابتعد عنهم بخطوتين كل من كانوا يقفون معها ،
اقترب هو منها ومد يده فى جيب سترته وأخرج علبة مخملية صغيرة ، فتحها وأخرج منها خاتم رائع صغير الحجم بفص ماسى كبير ، امتدت يده به وهو يقول
... الخاتم ده معايا من اكتر من سبع سنين ، جبتهولك يوم ما سبتينى ، كانت هدية رجوع عشان اقولك بيه وحشتينى ، دلوقتى بيه برده بقولك
،،،،،،،تتجوزينى ياسارة ،،،،،،،،،
عند هذه اللحظة لم تستطع منع دموعها ، جهشت بالبكاء وهى تومئ له بالموافقة ، وتعلقت فى رقبته أمام الجميع ، حضنها ودار بها وسط تصفيق حاد من الحاضرين ، وتحت أنظار المزهولين أيضا ، حتى أنهم لم يستطيعوا رفع يدهم للتصفيق ، بالطبع منهم الجد وهشام ومعظم عائلة أحمد خاصة السيدات منهم .
...المأذون جاهز ومستنى. ..
...نعم ، دلوقتى ؟
...طبعا دلوقتى ، كل حاجة جاهزة ...
...مينفعش ياأحمد ، انا مش جاهزة وبعدين اخواتى ...
..بس بس ، متكمليش. ..
أشار بيده فظهر أخواتها من خلف الناس وهم يبتسمون لها بالموافقة ،
...اسمعى بقى ، وكيلك موجود ، عم حمدى هنا ، وشهود فرحك موجودين ، سليم باشا بنفسه ..
نطق الاسم وهو ينظر له وكأنه لا يقبل منه الرفض
...والشاهد التانى جاسر ابن عمك ، اخواتك موجودين ، ومها كمان موجودة ، عايزة حد تانى غير كدة ، اؤمرى وهجيلهولك لحد عندك ...
... احمد ،،،انا ،،،
...بس وافقى ياسارة ، خلينا نبدأ نعيش ...
اماءت برأسها له ، ابتسم لها ورفع يدها وقبلها ،
وبدأت مراسم كتب الكتاب وسط التهانى والقبلات من بعض الأشخاص ، والكره وعدم التصديق من آخرين ، والغيرة والحقد من فئة ثالثة ،
أما هى فقد كانت فى عالم آخر تماما ، لم ترتفع عينيها عنه وعن فرحته الناضحة من عيونه ،
هل ستعيش ، هل آن لها الأوان لكى تحيا ، هل انتهت أيام وليالي الوحدة والبكاء على الأطلال ، لطالما عاش فى حياتها مجرد ذكرى وحلم ، هل سيتجسد الان أمام عينها ويملئ حياتها ،
وللأسف كان لها كل الحق للخوف والبكاء بل والنحيب أيضا ، يبدوا أن القدر لن يحقق لها مناها ، لقد كتب عليها أن تكون امرأة الذكريات ويبدوا أنها ستبقى هكذا ، سيبقى الحب فى حياتها مجرد ذكريات ،،،،،
عندما أنهوا اجرائاتهم وامضائاتهم ، اقترب منها ، اقترب من زوجته وحبيبته ، قبل يدها ورأسها ، مد يده ومسح دموعها ، سحبها من يدها لترقص معه على موسيقى لطالما عشقها الاثنان ، لطالما سمعاها ورقصا عليها ، ومارسا عليها كل مشاعر الحب والرومانسية المطلقة التى لم يعشها كل منهما إلا مع الآخر .
وفى لحظتها كان خط النهاية ، بل البداية ولكن لسلسلة أحزان جديدة لامرأة الذكريات ،
رصاصة ، مجرد رصاصة ، انطلقت من مسدس مجهول واتجهت أظهره مباشرة ، رصاصة دفع ثمنها الجد لتستقر فى صدرها هى ، ولكن كان لعائلتها رأى آخر ، هدم الجدار الذى احتمت به ، نهايته هو وليس هى ، لكل منهما رأيه وهدفه والنتيجة ضياعه وضياعها معه ،
لا نعلم هل عاش أم مات ، هل عاشت هى الأخرى أم ماتت ، دائما ياسادة تكون الكلمة للقدر ، مسار حياة كل فرد فينا ليس بيدنا ، مهما حاولنا التحكم فيه ،
فكلمة النهاية ، تكون فقط للقدر ،،،،،،،،،،