الجزء 34

استمر الحديث بينهم أكثر من ثلاث ساعات حتى غلبها النوم وهى بين زراعيه ، تنعم براحة فعلية لم تحظى بها من سنوات ،
لم يحاول ايقاظها ، فقد كان مستمتعا هو الأخر بنومها بجانبه ، استمر يراقبها اثناء نومها ينعم بملامحها القريبة منه ، 
حتى أن إحدى الممرضات دخلت لاعطائه الحقنة الخاصة به ، فأشار لها من بعيد أن لا تحدث أى صوت ، مد يده لها المثبت بها الكانيولا ، دخلت على استحياء من الموقف ، أعطته الحقنة وخرجت مسرعة .

التفت لصاحبة الوجه الملائكى النائمة بجانبه ، ابتسم لها ، ثم اغمض عينيه ، ودخل فى نوم عميق .

استيقظ من نومه بعد حوالى ساعة ، فوجئ بجده يجلس على الكرسى المقابل لسريره ، كان مبتسما ويبدوا انه مستمتعا بمشاهدة هذا المنظر الرومانسى. 
...حمدالله على السلامة ياحمادة ...

لم يرد أحمد عليه إلا بنظرة غريبة لم يفهمها الرجل ،
مال على سارة ، وايقظها بهدوء وصوت منخفض ،

فى البداية لم تنتبه لوجود الجد فى الغرفة ، ابتسمت لأحمد ، أخذت تمدد فى السرير بعشوائية 

..حاسبى هتقعى ، السرير صغير ...

...هههههههههههههههه ، انا نايمة بقالى كتير ، صح ؟
.... بطلى دلع و قومى روحى يلا ...

اعتدلت من كلمته ، وهى تقول ...اروح ليه ... 

هنا فقط لاحظت وجود ثالث فى الغرفة ، حاولت الاعتدال فى مكانها ، والتأكد أن ملابسها تستر جسدها، لكن أحمد أخرجها من حالة الحرج التى اصابتها بكلامه ،
...هتروحى عشان تطمنى على نور واخواتك كمان ، مها قالتلى انك مكنتيش بتشوفيه غير لما تجبهولك هنا ، يلا بقى ...

...اوكى ...

قامت من مكانها واتجهت للحمام الملحق بالغرفة ، 
هم الجد بالكلام ، لكن أحمد أشار له أن يصمت ، 
خرجت سارة من الحمام واتجهت ناحية الباب ، حملت حقيبتها التى كانت قد ألقتها على الأرض صباحا ، واستدارت له قبل أن تخرج 

...هرجعلك بليل ...

...بليل ايه ، إحنا اصلا بليل ، الساعة عدت 5 ، تعالى بكرة ...

... أنا قلت هرجعلك بليل بس متأخر شوية ، عشان مش عايزاك تبات لوحدك ، خلص الكلام ، السلام عليكم ...

...عليكم السلام ورحمة الله. ..

استدار أحمد لجده وهو يقول ...افتكرتنى ...

...افتكرتك أذاى يعنى ، كل الحكاية أنى كنت مشغول شوية ، انت عارف المجموعة ... 

...أنت هتقوللى ، انا اكتر واحد عارف ، بس انا مش بلومك أساسا ، أعتقد احنا اتفقنا من أول ما رجعت ليك وللعيلة ، أن علاقتنا هتكون احترافية وعملية اكتر ، والواضح انك بتنفذ اتفاقاتك صح ...

...هى قالتلك ايه ؟

...هى مين ، سارة ، وانت عملت معاها ايه هى كمان ، انا عرفت انك كنت هنا من يومين ، واتكلمت معاها ، بس لسة معرفش فى ايه ، لكن معلوماتى من ناس انا اصلا سايبهم يتابعوا شغلى فى غيابى، وبلغونى باللى اللى حصل فى ال10 ايام اللى فاتت ..

...أنا معملتش غير الصح ياأحمد ولو انت كنت مكانى مكنتش عملت غير كدة ...

...الكلام ده قوله لحد غيرى ، حد ميعرفش قدرتك على تحويل كل الأمور لصالحك ، ولو أنا كنت مكانك ، كنت هنفذ كل اللى انت عايزه حسب الاتفاق والعقود ، مش بمجرد ما أبقى مش قادر امنعك ، تقوم تنفذ كل حاجة انا رفضت تنفيذها قبل كدة ، وبأقصى سرعة ممكنة لدرجة انك مكنتش بتنام ...

...على اى حال ، كل حاجة ممكن تتظبط ...
 



...لا ، انا مش هظبط حاجة ، انا هخرج من هنا على تنفيذ المشاريع والتعديلات اللى كنت ناوى عليها ، مش أصلح فى اللى انت عملته ...

...تقصد ايه ؟

... قصدى واضح ، كل اللى بدأته ترجعه زى ماكان ، والعقود اللى اتمضت تتلغى ...

وقف الجد وقال بحدة ....أنت اتجننت ، ده ممكن يخسرنا ملايين ، ده غير سمعتنا اللى هتتهز بسبب رجوعنا فى اتفاقاتنا. ...

... مش مشكلتى ، انت اللى اتفقت ، وانت اللى هتلغى ، وانت اللى هتخسر ، انا مش هشتغل فى حاجة مش عايزها غصب عنى ، ياكدة ، ياننهى الليلة دى ونرتاح ...

...قوم بالسلامة بس وبعدين نتفاهم ، وأنا هوقف كل حاجة لحد ما ترجع ...

...أنا معنديش غير اللى انا قلته ، وبعدين هى سلامتى فعلا تهمك ، آمال لحد دلوقتى موصلتش للى حاول يقتلنى ليه ...

ارتبك الرجل بوضوح ، فليس من سماته الارتباك ، 

...لحد دلوقتى، مقدرناش نعرف حاجة ، غير أن تحقيقات النيابة شغالة على الموضوع ...

...نيابة ، انت سايب الموضوع ده للنيابة ، حفيدك اتضرب بالنار ، جو مصانعك وفى وسط حراستك ورجالتك ، وتقوللى نيابة ، حلو اوى ، عموما انا اللى هتصرف فى الموضوع ده ، وبدأت بالفعل ...

...كويس ، انا عارف انك هتقدر توصل ...

...طبعا ، من امتى موصلتش. ..

....أنا هسيبك دلوقتى ترتاح ، وابقى ارجعلك بعدين ...

...مفيش داعى ، انا مش هستنى هنا كتير ، بلاش تتعب نفسك ...

خرج الرجل دون حتى أن يلقى السلام، فيكفيه ما قاله له أحمد ، عن هدم ما بدأه وكلفه ملايين، 

 



مر يومان وسارة لا تتركه إلا أوقات بسيطة ، فقط لتطمئن على ابنها وتعود مرة أخرى ، 
جاسر أيضا كان يحضر ليطمئن عليه ولا يبقى كثيرا ، فهو يتجنب المكوث مع سارة فى مكان واحد لوقت طويل ، حتى لاحظت سارة نفسها طريقة تعامله معها، لدرجة أنها بدأت تحلل الأمور من بداية لقائه من سنة حتى الآن ،

أما هشام لم يظهر من وقتها ، واستخدم التيليفون كوسيلة للاطمئنان على أحمد لا أكثر ،

توالت الزيارات على أحمد من أفراد عائلته والمحيطون به وبعض رجال الأعمال والمسؤولين ، فور انتشار خبر خروجه من غيبوبته ، رغم انقطاع هذه الزيارات من رابع يوم من غيبوبته ، بعدما أكد كل الأطباء تضهور حالته وصعوبة رجوعه مرة أخرى ، 
 



كان احمد ممسكا ببعض الاوراق يقرأها ويمضى على ما يوافق عليه منها ، 
طرقت هيا الباب ودخلت ، رفع رأسه اليها بابتسامة فارغة ،

...أهلا هيا ...

...هاى أحمد ، اخبارك ايه ...

...الحمد لله ... وأعاد عينيه للورق مرة أخرى 

... هو مفيش حد معاك ولا ايه ...

...أنت شايفة ايه ، وحد مين اللى تقصديه ...

...مراتك مثلا ، مش المفروض أنها مش تسيبك خالص ...

رفع عينيه لها بسخرية وهو يقول ... وهو لو انتى مكانها مش هتسيبينى. ..

...sure baby ...

...لا والله ، يمكن ، عموما هى خرجت تجيب حاجة وجاية ...

...مع جاسر ؟

...أفندم ...

لم تكمل كلمتها ، وفوجئت بسارة تدخل من الباب ، وهى تقول ...أنا عملتلك العصير ...ثم سكتت حين رأت هيا ، لكنها أكملت وهى تقترب منه ، جلست بجانبه على السرير وهى تقول 

..فضلت اتحايل عليهم عشان يسيبونى اعمله بنفسى ، اتفضل ياحبيبى ...

... دماغك ناشفة ، أى عصير من هنا وخلاص ..

...مش انت اللى طلبته فريش ...

بدأ يشرب كوبه ، فى نفس الوقت التفتت لهيا ، 

...hi hya. ..

...hello Sara. ..

ثم التفتت لأحمد مرة أخرى ، الذي تعمد ذكر آخر كلمة قالتها هيا عن جاسر ،

...كنتى بتقولى ايه بقى عن سارة وجاسر ياهيا ...

بنظرة استفسارية ألقتها سارة لأحمد ، رفع حاجبيه بمعنى انتظرى وسنرى 

...أبدا ، كنت بقول يعنى ميسيبهاش لوحدها ، مهو من يوم الحادثة وهو مبيسيبهاش ...

بسهولة جدا فهمت سارة تلميحات هيا ، فهى تقصد موقف الحديقة مع جاسر ، وهى الآن تتعمد ذكره لأحمد لتوتر علاقته بها ، تمالكت جيدا فعلاقتهما اقوى بكثير مما تفعله هيا الآن ، وأحمد أذكى من ذلك بالإضافة انه يعلم طريقتها جيدا .
قامت سارة من جانبه ، وجلست على أحد الكراسى القريبة منه ، ورفعت وجهها لهيا بابتسامة مشاكسة ، تنتظر ما ستقوله ،
....وايه يعنى مبيسبهاش، انتى ايه مشكلتك فى كدة ، المفروض أن ده طبيعى ...

...طبيعى ، انت شايف كدة ، خلاص ، براحتك ...

...هاتى اللى عندك ياهيا ومن الآخر ... 

...اقولك انا اللى عندها ...كانت هذه جملة سارة ، وأكملت لأحمد 

...هيا تقصد موقف حصل تانى يوم الحادثة ، مع جاسر ، وليها مزاج تحكيهولك ، بس احكيهولك انا ، كنت تعبانة اوى ومش متحملة الجو فى المستشفى ، خرجت اتمشيت برة ، وخرج جاسر ورايا عشان يطمن عليا ، ولنا وصلى كنت منهارة وبعيط وقاعدة على الأرض ، قعد جمبى وطبطب عليا واخدنى فى حضنه ، وشافت هي الليلة دى ، فحبت تضرب كرسى فى الكلوب ...

...كرسى فى الكلوب ...

...أيوة ..
والتفتت لهيا وهى تقول ...مش صح ياسكر ...

...الكلام ده صح ياهيا ...

...عادى يعنى ، انا كنت بطمنك بس أن صاحبك مسابش مراتك ولا لحظة ...

..عارف ، وأنا موصيه بكدة ، وبرده زى ما انتى مكنتيش بتسيبيه لما انا كنت فى المستشفى هناك ... 
ارتبكت هيا لتلميح أحمد ، فهو بالتأكيد يقصد محاولة اغرائه هناك ، هل أخبره جاسر ، لكنه كان سكران ، تعمدت أن تجعله يشرب ويسكى ، لتقل مقاومته لها .

...تقصد ايه يااحمد ...

...ولا حاجة ، عايزك بس تعرفى أن سارة مختلفة عنك انتى واللى زيك ، مع السلامة ...

خرجت هيا وهى فى قمة غضبها ، فقد توقعت أن يحدث عكس ذلك تماما ، لا أن تدار دفة الموقف عليها بهذه الطريقة ، وأمام أعين سارة الشامتة. 

انا سارة ، لم تستطع تمالك نفسها بعد ما فعله أحمد من أجلها أمام هيا ، قامت وجلست بجانبه وارتمت فى احضانه وخبئت وجهها فى عنقه ، ضمها أحمد بكل قوة وهو يقول ، 

...أعتقد أن مفيش مخلوق يقدر يوقع بينى وبينك بعد كل اللى كان ياسارة ...

رفعت وجهها إليه ، اخذ يتلمسه بأطراف أصابعه بحنان وهو يقترب منها ، وقبل التقاء شفاههما، طرق الباب وظهر جاسر من خلفه ، 
أحس بنغذه داخله مما رأى ، لكنه تمالك نفسه فى لحظة ، حتى لا يلاحظه أحمد ، أما سارة فهو متأكد أنها تعلم ما بداخله ، 

... فى المستشفى ، طب استنوا لما تروحوا ...

...بس يالة ، كنت فين من امبارح ، ...

... أنت بقيت كويس بقى ، وأنا عندى شغل متأخر ، رحت اخلصه ...

أما سارة ، فتعمدت أن لا تترك مكانها بجانبه ، بل دخلت بين يديه مرة أخرى ، ووضعت رأسها على كتفيه، ولفها هو بيديه، اكمالا لما فعلت ، 
فقد أرادت أن ترسل لكل منهما رسالة معينة 

لأحمد : انه لها وهو له ، مهما كانت المغريات حولهما، وأن ما قالته هيا ليس له أساس من الصحة ، فهى بين يديه فى وجود جاسر ولا تأبه بأى شئ .

ولجاسر تقول : الافضل لك ان تبتعد فأننى ملكا للرجل الذى أقبع فى احضانه الآن ولن أكون لغيره .

أما جاسر فلم يعد يتحمل رؤيتها بين يديه بهذه الطريقة ، فتعلل بالعمل واستأذن بالانصراف .

أما أحمد فمن عادته إلا ينسى شيئا ، فهذه الصفة واحدة من أسرار نجاحه ، يسمع ويسجل كل شئ لحين احتياجه له ، وهذا ما حدث مع ما قالته هيا عن سارة وجاسر ،رغم تجاهله والتظاهر بعدم الاهتمام به

وجاسر خرج مهرولا لخارج المستشفى ، وعند سيارته ، سند عليها بيديه وانحنى للإمام محاولة منه لتنفيس غصبه من رؤيتها بين يديه بهذه الطريقة ، 
وقرر أن لا يحاول ابدا المكوث معهم هم الاثنين فى مكان واحد ابدا ، لتجنب تعرضه لما حدث الآن مرة أخرى 

يتبع



إعدادات القراءة


لون الخلفية