غادر الجميع الساعة الثانية عشر فى منتصف الليل ، كان أحمد هو من قاد السيارة التى استقلتها سارة وأخواتها ، وكان يتبعهما سيارة أخرى بها مجموعة من رجال الأمن .
ظنت سارة فى البداية انهم سيسافرون بالسيارة ، لكنها وجدته يتجه للمطار ، وبنظرة استفسار له ، رد عليها بكلمات موجزة
...أنتى كنتى متخيلة أن احنا هنروح الفيوم بالعربية ، عندك استعداد تقضى اكتر من 6 ساعات فى الطريق ؟
كانت سيارة أخرى تنتظرهم فى الممر ، بعد 10 دقائق وصلوا أمام طائرة ، أقل وصف لها أنها رائعة ، كانت صغيرة فى الحجم بالمقارنة بالطائرات العادية ، فرحت بها الفتاتان بشكل لا يوصف ، لكن روعة ما بداخلها اكثر بكثير من خارجها ، كانت وكأنها صالة رائعة تحتوى على كل شئ ، ومطبخ تحضيرى بسيط ، وغرفة نوم صغيرة ، وحمامين ، أحدهم فى مقدمة الطائرة ، والآخر فى نهايتها ، حتى نور رغم صغر سنه الذى يجب أن يشعره بالخوف من هذه الأشياء التى يراها لأول مرة ، لكنه أخذ يجرى هنا وهناك ، ويحاول اكتشاف كل مكان على الطائرة .
عندما جلس الجميع وربطوا الأحزمة ، أقلعت الطائرة بهم .
كانت سارة تجلس بالقرب من أحمد ، ظلت تنظر له وفى داخلها تساؤلات لا تنتهي ، كانت تعلم أنه غنى ، ولكن ليس لهذه الدرجة التى تمكنه من امتلاك طائرة خاصة .
...بتبصيلى كدة ليه ...
... كنت عارفة انك انسان غامض اوى ، ووراك كتير اوى معرفتوش ولا هعرفة ،،، بس ......
...بس ايه ؟
...مش عارفة ...
...كل ده عشان الطيارة دى ، على فكرة دى اشتريتها من سنتين بس ، يعنى مكانتش عندى وقت ما كنتى تعرفينى ، كنت مقضيها على طيارة جدى ...
...هو كمان عنده طيارة ؟
....طبعا ، ده سليم نورالدين ...
...بالمناسبة ، هو هيوافق على جوازك منى ؟
...اكيد مش بسهولة ، بس انا أحمد ياسارة ، مش أى حد تانى ..
تجمدت ملامح سارة من تلميحه ، ماذا يقصد ؟ هل يقصد هشام ؟ هل اجبره سليم نورالدين على التراجع عن فكرة الزواج منى ؟ وهل وافقه هشام على ذلك ونفذ له رغبته بهذه السهولة ؟
لم يبدوا لها انه ممن يجبرون على شئ كهذا ، فقد كان يبدوا مستقلا وشديد الاعتزاز لشخصيته وقوتها .
استمرا فى النظر لبعضهما وكأن كل منهما يسمع أفكار الآخر
....هو ده بقى اللى حصل ..
...هو ايه ؟
...أنت فاهم انا أقصد ايه ...
...سألتك قبل كدة وبس ألم تانى ، يفرق معاكى اللى حصل معاه ياسارة ؟
...وأنا جاوبتك قبل كدة وبجاوبك تانى وبنفس الإجابة ، انا أعرفه من اكتر من سنتين ، معملش معايا حاجة وحشة ، يعز عليا لو عمل فيا كدة ...
...بس كدة ...
...تقصد ايه ؟ شاكك فى اتجاه مشاعرى ...
... لا طبعا ، ولا واحد فى المية حتى...
....أمال تقصد إيه ؟
....ولا حاجة ، هو انتى قولتى ايه للبنات عن الرحلة دى ...
....قولتهم أنهم مكتئبين بعد وفاة ماما ومش عارفين يذاكروا ، لازم يغيروا جو عشان يقدروا يكملوا ...
...كويس د سبب مقنع ، وفعلا هتغيروا جوا ، هناك الجو تحفة ...
بعد أكثر من ساعة ونصف ، هبطت الطائرة فى مكان وجهتها ، عندما خرجت من الطائرة وجدت نفسها فى مكان هبوط للطائرة بكم صغير ، كل هذا وسط امتداد بصرى من المساحات الخضراء
...احنا فين ؟
...فى المزرعة ...
...نعم ، المزرعة فيها مكان لهبوط الطيارة، هى كبيرة اوى كدة ...
...احكمى بنفسك ...
وجدت سيارة كبيرة تنتظرهم ، وجو من الترحيب العارم من الموظفين بصاحب المكان ، شقت السيارة طريقها وسط هذا الكم الهائل من الجمال ، وصلوا لمبنى رائع ، رغم حجمه الكبير يبدوا بسيطا فى التنسيق كبيت ريفى جميل ،
...يظهر أن احنا هنستمتع بجد ...
...فعلا ...
...أنت واقف كدة ليه ، مش هتدخل معانا ولا ايه ؟
...لا ، انا هرجع دلوقتى عندى شغل وحاجات كتير لازم تجهز عشان موضوع اهلك ده ، انا كدة اطمنت عليكى ، اكتشفى المزرعة براحتك ، وعيشى يومين بهدوء ، بعيد عن المشاكل اللى فى حياتك كلها ....
ظهرت سيدة تبدوا فى نهاية الأربعينات ، كانت ترتدى عباءة بسيطة ،
...دى زينب ، مسؤولة عن البيت هنا ، هتكون تحت أمرك فى اى حاجة تطلبيها ، سلميلى على ريم ورغد وبوسيلى نور ...
ثم تركها وذهب
لأول مرة تكتشف أن عقلها بهذا الحجم ، صغير جدا لدرجة أنه لا يتحمل كل ما يحدث لها ، ارتعبت من صوت زينب الذى قفز فى اذنها مرة واحدة
...تأمرى بحاجة ياست سارة ...
...هم راحوا فين ...
...بيتفرجوا على البيت ...
...ممكن تعمليلى قهوة بعد اذنك ، هعمل تيليفون بسرعة كدة وهاجى ...
اتصلت سارة بمها التى وجدت منها أكثر من خمس مكالمات فائتة
...إيه ياسارة ، مبترديش ليه ، كنت عايزة أطمن انكوا وصلتوا.
. .. وصلنا من شوية ، بس أحمد رجع تانى ...
...على طول كدة ..
..بيقول عنده شغل ..
...مش مشكلة، هبقى أحاول اجى اقضى معاكوا يوم ...
...اوك ، انا هقفل عشان الشوف الليلة دى هترسى على ايه ...
...خدى بالك من نفسك ياسارة ...
...هنا ، مين هيأذينى هنا ؟ دا انا فى قارة تانية يابنتى ...
...ههههههههه، والفضل لواحد صاحبنا ، قصدى حبيبنا ...
...اتلمى يامها ، و روحى شوفيلك حاجة اعمليها ...
...ماشى ، سلام ...
...سلام ...
مر أكثر من ثلاثة أيام ، لم يحدث فيهم الكثير ، قضتهم سارة فى التأمل فى الهدوء والجمال الموجود حولها ، وريم ورغد ونور استمتعوا بالمكان جدا وقضوا وقتهم فى التجول والجرى مع الخيول .
أما عن مكالمات أحمد مع سارة لتسأله عما يحدث ، فكانت الإجابة بسيطة وموجزة ...لا شئ جديد ...
وفى اليوم الرابع حضرت مها ومعها تالا على نفس الطائرة لقضاء يومين معهم ، وكان لوجودها أثر جيد على سارة ، فطالما كانت مها جليس جيد لسارة ، فهى تحبها وتفضى لها بما فى داخلها بلا حرج أو خوف .
فى اليوم السادس ليلا ، اتصلت سارة بأحمد لتخبره أنها تريد العودة لمتابعة عملها ، ليس جيدا ان تترك المراكز بدون متابعة كل هذا الوقت ، لكنه رفض عودتها الآن وطلب منها أن تبقى فى المزرعة لفترة ، رجوعها الآن غير آمن عليهم ، فالصراع على أشده بينه وبين هؤلاء الأغبياء ، ولكنه لم يفسر لها ما يحدث بالتفصيل ، اكتفى باخبارها بخطوط عريضة عن الموضوع حتى لا يقلقها . ورغم كل ذلك فهو يحاول فى كل مكالمة بينهما أن يبعدها عن الموضوع بشتى الطرق ، بالحديث عن ذكرى بينهم ، أو عن موضوع معين فى العمل ، وما أشد ما يسعدها ذلك ، فقد ادمنت مكالماته كما ادمنها هو الأخر ، فهو يطلبها على مدار الساعة تقريبا ، قبل وبعد كل إجتماع ، وهو فى سيارته ، فى الاسانيير ، وبالطبع قبل نومهم ، فأصبح ينام كل منهما على صوت الآخر ، ويبقى الخط مفتوح .
فى أحد المكالمات ، دخل جده المكتب دون أن يشعر به ، فقد كان مستغرقا تماما فى كلامه معها ، مستديرا بكرسيه وظهره للمكتب وبالطبع الباب ، وكان فى يده بعض الأوراق يقوم بامضائها ، ويتحدث معها بسماعة بلوتوث معلقة فى أذنه .
التفت ليضع الأوراق من يده ، وجد جده أمامه يجلس بأريحية تامة ويضع ساق فوق الأخرى وكأنه فى وضعه هكذا من فترة ،
التقت الأعين فى صمت استمر لثوانى ، وغضب واضح من جهة جده
..إيه ياسليم باشا ، بتبصلى كدة ليه ؟
...بتكلم مين ؟
... إيه السؤال الغريب ده ...
....مين اللى كنت بتكلمها ياأحمد ؟
...واحدة ..
...منا عارف ، هى مين ، بنت مين ...
...هو فى مشكلة ..
...سمعتك بتقولها ، مش هيقدروا يقربولك لما تبقى حرم أحمد نورالدين ، انت ناوى تتجوز ؟
...وافرض ، ايه المشكلة ؟
...المشكلة انك ناوى تبلغنى زى الأغرب ، ولا يمكن هتبعتلى دعوة للفرح ...
...ههههههههه ، لا مش للدرجة دى ، آمال مين هيشهد على عقد جوازى ..
...من غير حتى ما أعرف هى مين ...
...أولا انت تعرفها ، ثانيا ، ه تفرق فى ايه معاك ، كدة كدة هتجوزها ، وحضرتك عارف ان مبغيرش رأيي والمفروض أن فى اتفاق بينا من زمان على الموضوع ده ...
...اتفقنا أنى اعرف ب جوازك صدفة ، وأنك تخبى عنى مين هى ..
...اهدى ياباشا ، الهدوء احسن فى المواضيع دى
قطع كلامهم طرقات على الباب وتبعه دخول السكرتيرة
...الاجتماع جاهز ياأحمد بيه ، والمديرين كلهم موجودين .، وتوزع عليهم الأوراق زى ما حضرتك طلبت ....
...طيب يانيرة ، سيبيهم ربع ساعة لحد ما اشرب القهوة مع سليم باشا ، ونديهم فرصة يقروا اللى فيه عشان نتفرج على ردود أفعالهم عليه ، وابعتيلنا القهوة لو سمحتى...
...حاضر يافندم ... خرجت مغلقة الباب خلفها
...شوف ياجدى ، سبق واتفقنا أن ليك جوازة واحدة معايا ، وخلاص تمت ، بمشورتك واختيارك ، وأظن انت عشت معايا الموضوع من أوله ، لحد ما اكدتلك استحالة العيشة معاها ، وانتهينا من الموضوع ده ...
...أنت اللى كنت عايز كدة ...
...وايه المشكلة ، انا واحد عايز الزوجة هى الحبيبة والهدوء والسكن اللى أجرى عليه ، وهيا مكانتش اكتر من مجرد آلة مادية متحركة ، ولا المفروض أنى أعيش زييكم ، الزوجة حاجة والعشيقة حاجة تانية ...
....تعرف ياأحمد ، من يوم ما بدأ عقلك يشوف الدنيا وانا سعيد بيك جدا من وانت صغير كان واضح عليك انك بتشبهنى اوى ، طموح وتحكمك فى أمور حياتك ، وقدرتك على تحمل الصدمات ، وكمان تحويلها لصالحك ، كنت بتتعامل مع كل شئ باحترافية تامة ، عشان كدة نجحت ، ووصلت بسرعة ، حققت مكاسب خيالية فى وقت قصير جدا ، كان فعلا واضح انك هتكون ماتادور عيلة نورالدين فعلا ، عشان كدة كنت حريص أنى ماأخصركش ابدا ، بل بالعكس احميك وأنمى مهاراتك . لكن للأسف الحلو ميكملش ...
...ليه بس كدة ...
...الصفة الوحيدة اللى اخدتها من جدتك ،، قلبك ،، عايز الحب ،،وبتحاول تفرق بين الحب والشغل ، دى ليه وقته ومجاله ، وده ليه وقته ومجاله ...
...والله ياجدى ، أن على حد معلوماتى أن دى ميزة مش عيب ...
...ميزة لكل الناس ، عيب لينا احنا ، أقرب مثل ليك ،،،جدتك ،،، كان عندها ذكاء وسدادة رأى ملهاش حل وكان عندها الأساس المادى اللى سابهولها أبوها ، كان ممكن تعمل بيه معجزات ، بالرغم من كدة ، كل اللى قدرت تعمله شوية مطاعم بمزرعتين عشان يوردوا للمطاعم وبس ، وكله بسبب العيب ده ، لم حبتنى، سابت كل حاجة عشانى لدرجة أنها جت معايا وعاشت هنا فى مصر ، وقبلت تكون زوجة تانية ، وليها الجزء الأقل من حياتى ...
....يعنى إيه ؟ دلوقتى بتلومها عشان عملت عشانك كل ده ...
...لا طبعا ، يمكن كانت هى من اجمل الحاجات اللى حصلت فى حياتى ، وكنت فعلا بميزها فى كل حاجة ، وكانت دايما تقول كفاية عليا قلبك ، لكن فى فرق ياأحمد ، هى ست ، مكانش مطلوب منها أى شئ ، العيب ده خلاها حبت راجل واكتفت بيه عن الدنيا ، لدرجة أن مبقاش عندها طموح فى حياتها إلا أنها تخليه سعيد وبس ،
لكن انت ، بطموحك وذكائك ، عملت من شوية مطاعم اللى سبتهم لك الثروة دى كلها ، فلو فجأة ظهر العيب ده فى حياتك ، ممكن ينهيك ياأحمد ، ويقتل طموحك ، وأنا مش هسمح بكدة ...
...يعنى انت عايزنى اتحول لشخص يشبهك تماما ، معتقدش ، وصدقنى عندى القدرة أنى اصل ده عن ده ...
...لا ياأحمد ، حاجة من اتنين ، يااما العيب ده يستمر وساعتها هيحصل اللى بقولك عليه ، يااما هدوق اللى انت عايز تعيشه وبعدين هتكون زى ما انا عايز ، ويكون عندك الزوجة حاجة والعشيقة حاجة تانية ، وهفكرك لو كنت عايش ، ولو كنت ميت بقى ، هتفتكرنى لوحدك وقتها ،، ويلا بقى عشان الاجتماع ولا هتبدأ تأثر من دلوقتى ...
ادار أحمد كرسيه مرة أخرى واسند ظهره عليه ، واغمض عينيه وأخذ يحدث نفسه
...معقول ، ممكن اعملها ، ممكن اسيبها أو حتى مجرد أنى اجرحها بالشكل ده ، لأ ، صعب ، لأ مش صعب ، ده مستحيل ،
انا بحبها فعلا ، ومتأكد من ده ، انا بحتاج قدرة من حديد عشان اقدر اسيطر على نفسى وهى قدامى ، مجرد صوتها بس ولو بالتيليفون ، بيزيد ضربات قلبى ، انا فضلت ادور عليها سنين ،
بس خلاص هى معايا ، مش مهم بعدين هيحصل ايه ، أعيش دلوقتى ، واسيب الزمن يحدد اللى هيحصل ....