الجزء 2

عاد من ذكرياته ليرفع عينيه ليصطدم بوجه أمه الغاضب الحانق دائمًا , تلك السيدة التي تحاول مداراة خطوط الزمن بأي شكل على وجهها لكن لا فائدة , القسوة التي تُكنها في قلبها تتجلى بوضوح على وجهها لتمحو أي اثر للتجميل او أن تظهر اصغر سنًا , لا يعرف ما سر كل هذه القسوة وخصوصًا تجاه تلك الصغيرة البائسة التي رماها القدر في طريقهم جميعا, الا يكفي ما عانته؟ أ لم يكتفوا من قسوتهم ؟ ماذا بعد؟ .. سوف تراء منهم بعد صغيرته القوية ذات الروح الشفافة , رغم كل ما تعانيه من قسوة وكره الا انها تحول الامر لانتقام ضاحك عفوي وأفعال بريئة ,
لتوجه أمه الحديث إليه بغضبها المعتاد 
:"هل عاقبتها؟ تلك البائسة عديمة التربية , تتجرأ وتفعل ما فعلت مع صديقتي ومعي"

ليتأفف إيهاب بضجر , ها هي المحاضرة تعاد مره اخرى
امي أرجوكِ , لقد تحدثت معها ولن تكررها كانت تمزح فقط معكم "":
لتقاطعه بحده :" تمزح؟ .. تمزح ؟ مع سيدات من أرقى طبقات المجتمع بأن تجعلهم يقفزن مثل القرود , لقد خسرتُ مكانتي بسببها..
لتكمل بوعيد .. البائسة المتشردة , بالتأكيد لم تفعل لها شيئاً , تقول تحدثت معها , لا فائدة يبدو بأني سوف أقوم بتهذيبها بنفسي "
لتتركه وتتوجه إلى درجات السُلم , ليقف إيهاب في طريقها قالاً بصوت حازم
:" يكفي هذا ... إلى هنا وتوقفوا , لا احد سوف يتحدث معها ولا احد له الحق في معاقبتها انا سوف اجعلها تعتذر لكم , لكن اقسم يا امي ان تعرض لها أحد فأن ردي لن يكون جيدًا"

نظرت له أمه باستنكار وغضب
:" أ تهددني إيهاب؟ .. من اجل تلك ألفتاه الحاقدة الناكرة للجميل ؟ انا أمك تتوعدني من اجلها ؟ "
ليزفر بضيق محاولاً مهادنتها قائلاً
:" انا اعتذر لكِ , لكن لقد طفح الكيل وتعبت من المشاكل والتوعد يا امي لم اقصد سامحيني .. ولكن توقفوا عن اذيتها , مريم بطبيعتها لا تثير المشاكل الا ردًا على من يؤذيها , أرجوكِ يا امي يكفي لا اعرف سر كرهك لها هكذا , حاولي ولو من اجل راحتي أن تعتبريها ابنتكِ "
لترد عليه أمه باستعلائها المعتاد
:" من هذا الذي يفتعل لها مشاكل ؟ انها لا تساوي حتى مجرد نطق اسمها في نظري , ولا يا إيهاب لن اعتبرها ابدا ابنتي... اما كرهي فأنا لا ارها من الأساس من اجل ان أكرهها او احبها , فقط ابعدها عن طريقي
فبرغم كونها أختاً لك لست بمجبره على تحملها "
ليجيب بقنوط :" لا فائدة منكم ابدا مهما حاولت " ,
ليوجه حديثه مره اخرى :" امي أرجوكِ لا احد يصعد لها او يخاطبها تأكدي بأنها سمعت الكلام الجارح واللوم الجيد ولا تحتاج المزيد " ليتركها ويغادر تاركاً البيت كله ؛
لم يرَ ضحكة الانتصار والشماتة التي ارتسمت على وجه أمه واسراء التي تقف أعلى الدرج تستمع للحوار بينهم .

*****
تحركت مريم بتثاقل ناحيه الباب لتقوم بغلقه بالمفتاح تسمع جيداً الكلام والصراخ المتبادل بين إيهاب وتلك, لتغمض عينيها بألم " أبنة عمه فقط .. أبنة عمه , تذكري هذا جيدا, اسراء أبنة عمه وهو لن يعود اليها ابداً هو اخبركِ بذلك مراراً حتى قبل ان تتحول علاقتكم"
لتتحرك إلى الحمام الملحق بغرفتها غير عابئة او راغبه بان تسمع ما يدور لتجيب نفسها ,وما الجديد الذي من الممكن ان تسمعه؟ مثل كل مره لوم ,عتاب , وشماته بها , او حتى سب في أخلاقها , ولوم له في تدليلها
لتضحك بألم ..تدليلها .. 
بحق الله يستكثرون عليها مجرد دلال لها منه؟ هو فقط أي دلال بحق الله مجرد ان يلبي لها رغبه ما, أن يهتم بها في مرضها او يدافع عنها امام عائله كامله قامت باضطهادها نفسيًا طوال عمرها وكرهوا وجودها.. اصبح هذا دلال ؟!
تذكرت وهي في عمر العاشرة, مره من مرات كثيره كان تحتاج بشده ان تكون والدتها المصون معها في حفل مدرسي مثل باقي الفتيات , بكت وتوسلت لكن والدتها ككل مره رفضت بإصرار ناعته أياها "بالدخيلة المقرفة"
يومها إيهاب وجدها تبكي في حديقة المنزل الخلفية بعد ان بحث عنها وعلم بما جرى لها من والدتها وتعنيفها لها , يومها احتضنها بشده مهدئاً أياها وخاطبها بصوت حنون مثل كل مره يعنفها احد منهم


اخبرها يومها بأنه سوف يأتي هو معها مثل كل مره , واستنكر عليها لماذا سالت احد وهو موجود دئما لها , يومها أخبرته انه لا احد يحبها حتى أمها , سألته لماذا حاول ان يقنعها بكل السبل ان الجميع يحبها وان والدتها تعاني من بعض المشاكل فقط ولكنها ابنتها المفضلة؟ حاولت إقناع نفسها بكلامه هو إيهاب لا يكذب ابدا عليها , رغم إدراكها في سنها هذا بأنه لا احد يتقبلها ولا يريدها الا هو .. هو فقط دائما موجود هو من يأتي معها لمدرستها , هو من يتواجد بكل شيء يخصها ,ملابسها الحلوة , هو من يذهب بها إلى متنزه الأطفال ,هو دائما موجود لا احد آخر حتى اعتقدت وقت مبكر من إدراكها العالم بأن ابيها لا اخ له ولكنها ادركت عندما تزوج إيهاب بإسراء ان إيهاب اخيها الكبير, تذكر يومها بكائها الطفولي وانهيارها بان إيهاب سوف يتركها ليسافر مع عروسه , كان طول الحفل يحتضنها ويبقيها بجانبه, إلى ان سحبتها أمها وعادوا للمنزل


.. ومع ازدياد بكائها قامت والدتها بتعنيفها وضربها على وجهها لتركض لغرفتها والتي عرفت بعد ذلك بأنه من قام بمنحها غرفه خاصه وقام بتأسيسها ..هو , لا غيره دائما هو.. لا احد اخر اهتم بها غيره , يومها شعرت باليتم والنبذ , كانت في سنها الصغير هذا تدرك انها منبوذة غير مرغوبة من احد الا إيهاب ومُدرسه لها في مدرستها مُدرسه امريكية غريبه هي من عوضتها عن بعض مشاعر الامومة التي كانت تفتقدها بشده إلى ان عاد إيهاب من سفره الذي استمر شهراً ,

 يومها احتضنها واتي لها بالهدايا ولعب الأطفال ولكن هذا لم يعجب اسراء , ولا أي احد الكل لا يريد لها حتى و لو مجرد شعور بسيط لطفله بالاهتمام والسعادة ؛
حاولت يومها التسلسل لغرفه إيهاب بغطائها الوردي الذي طالما تجره معها , لكن يومها صدمت بواقع ان اسراء أخذت مكانها يومها بكت كالعادة وعنفتها اسراء بشده حاول إيهاب تهدئتها وأخذها إلى غرفتها حتى نامت وقام بالانسحاب من جانبها ,
واستمر حالها هكذا لا احد يهتم بها ولا بمشاعرها , حتى بعد ان عادت إلى وطن لم تراه طول عمرها , بسبب قسوتهم ومنعهم إياها من مغادره الأراضي الأمريكية , لم يغير هذا شيء في القسوة والكره الذي تتعرض له


لتفيق من تذكرها تضرب حائط الحمام بعنف ماذا فعلت لتستحق كل هذا النبذ ؟ ماذا فعلت ليكرهوها هكذا ؟ لماذا كل هذا المقت ؟ تذكرت أمها ان كانت لا ترغب بها من البداية لماذا اتت بها لهذا العالم ؟ لقد افتقدت الحب طوال عمرها وها هي تخسر إيهاب المراعي لها ما الذي حدث كان كل شيء جيد متى تحولت مشاعرها له بهذا الشكل ؟ وما الخلل الذي حدث ليرمي إيهاب كل شيء عرض الحائط و يوافقها على علاقتهم تلك؟ ..
لتتوقف عن ضرب الحائط ناظره لانعكاسها في المرآة مخاطبه نفسها بقسوة " بل تعرفين متى تحولت مشاعركِ من رؤيته اخ يرعاكِ و يقوم بشئونك ويعطف عليكِ إلى مشاعر مراهقة سخيفة منكِ ترينه فيها حلمكِ وعشقكِ ورجل , رجل ترغبينه مثل زميلاتكِ الذين يتحدثون بتبجح عن علاقتهم الغرامية , لتتحول كل مشاعرك له إلى مشاعر غرام خالص تريدينه وترغبيه ... لتصرخ لنفسها بصوت عال


:" غبيه , غبيه ومقرفه وبدل ان تتوقفي لا استمريتِ في جلب اهتمامه ومحاوله جذبه لكِ يا مقرفه " لتقوم بكسر المرآة بعنف بإحدى الأدوات الموجودة بجانبها لتتوقف , تنظر لنفسها وصوت أنفاسها العالي يصم إذناها تنظر لصورتها المشوهة .. هذا انتِ هذه حقيقتكِ مشوهة من الداخل والخارج " , لتنهار بعدها على أرض الحمام الباردة تبكي بعنف ونشيج حاد , ليجفلها بعدها طرق حاد على باب غرفتها الخارجية وصراخ حاد يأمرها بفتح الباب .



إعدادات القراءة


لون الخلفية