الجزء 37

كان يتخبط أمامها بفقدان سيطرة تامة، يضرب رأسه في الحائط تارة وتارة أخرى يشد شعره وكأنه سيقتلعه, عينيه تدور في كل مكان بغير تصديق يردد بجنون: "لقد نجا !، كيف نجا؟، مازال على قيد الحياة لقد حرصت أن اؤجر أخطر المجرمين للعبث في سيارته وأكد لي إنه من المستحيل أن يخرج منها حياً"
صرخ بغل وهو يضرب على صدره يراقب عينيها تبرق بشراسة وحقد مثله: "لقد خسرت كل شيء، كل ما عشت أعتقد إني أسيطر عليه، ضاع والسبب من؟، الحقير ابن أخي"، اقترب منها يمسك عضديها بشراسة لأول مرة في تاريخه الطويل معها يهدر بها ويهزها بعنف: "وأنت, أنتِ السبب من البداية، كيف كنت غافلا عن أنكِ سبب مصابي، أن قذارتك الصغيرة ستكون أخر هلاكي والسبب في هلاك ابني"


رفعت يديها تزيحه عنها بعنف مماثل له وهي تحاول أن تفلت من حصاره لها، لم يعاملها من قبل قط هكذا دائماً يعمل لها ألف حساب تخلصت منه بصعوبة تصرخ بجنون: "هل جننت وفقدت عقلك؟، تتجرأ عليّ بدل أن تنعي خيبتك وفشلك حتى أمر بسيط كهذا لم تستطع أن تنجح فيه"
اقتربت هي منه هذه المرة تمسكه من تلابيبه لتكمل صراخها: "لم تستمع إلى نصيحتي فتصرفت بعشوائية قاصدًا أن تنهي حياته قبل أن يثبت زواجه منها"
عينيها بحمرتها المميزة عند الغضب كانت تشتعل بغل وكره له , لم تحبه يوماً حاولت ولكنها لم تستطع لم يعطيها ما تريد، كان ضعيفا، شبه رجل لم يمنحها الدفء الرجولي الذي كانت تحتاجه يوماً، كان هشا ضعيفا إن صح القول "كلب مطيع"
وعندما انتفض لنفسه لغرض له بعد أن جرده ابن أخيه من كل شيء تحجج كذباً بأنه يريد الانتقام لأولاده منه ,كلبها المطيع وزوجها أراد أن يقتل إيهاب قبل أن يتزوج ابنتها رسمياً للانتقام منها هي الأخرى فريال بعد أن علم منها بحمل مريم بتوأمين ورفضها القاطع بإجهاض طفليها ؛
بدون لحظة تردد بتقزز واشمئزاز منه رفعت يدها وصفعته وكأنها تنتقم لأنوثتها التي دفنتها معه، ارتضت به انتقاماً من الجميع وربما من نفسها , من ياسر الذي لم تحسبها معه جيداً ليرميها كأي رخيصة عند أول مواجهة ويختر الأخرى , بحقد ونار يتقد في صدرها ليتها تستطيع أن تدخل كل بيت مستقر وتدمره ليصبح الجميع متساوي معها ولا أحد يحصل على السعادة يوماً مثلها ,
الصفعة كان رد فعلها منه صفعة مماثلة، أخرى وأخرى كأنه لم يكتفِ .. غل في نفسه كيف أحبها؟، كان معمي البصيرة بعد أن عشقها بقيدها الذي لم يتخلص منه صرخت وهي تقاومه بقامتها القصيرة كانت تحاول الإفلات من بين يديه وتبادله كل صفعة بأخرى.
صاح بوحشية وهو يحاول السيطرة عليها: "إن فشلت في قتله سأقتلك أنت وعاهرتكِ الصغيرة لن أيأس ولن أتراجع لحظة، لن تحصلي على شيء فريال سوف استعيد كل أموالي منك"


عندما إزاحته مرة أخرى، استسلم لعنف يديها ليتراجع يجلس على الأريكة بإنهاك لم تتزحزح هي مثله عيناها ولا مرة منذ عشرون عام كانت تذرف الدموع ببطء , إهانة ما حدث إهانة لكبريائهم الذي لم يشفى أبداً لقد ظنت أنها ربحت وداوت كبريائها الأنثوي عندما باع كل شيء واختارها هي لكن الحقيقة وبدون مواربة لقد خسرت, لم يكن التعويض الجيد لم يشفي كرامتها المهدورة بل كان أشبه بلعبة بيديها.
لقد خسرت رغم حربها الطويلة التي لم تهدأ.



فعادت ابنتها لياسر وتنادي غريمتها أمي وجعلها من كانت تضمر له كل شر دائماً مماثلة لها، أخبرت لنفسها وهى تغمض عينيها، لا لم يجعلها مثلها لقد أحبها ودافع عنها وتمسك بها حتى ابنتها وجدت من يمنحها من عطفه ويحيطها بفيض رجولي , الجميع إلا هي... !
الطرق العنيف على المنزل جعل كل منهما تتيقظ كل حواسه.
لم يقم أحدهما من مكانه عندما فاجأهم دخول الخادمة المتوترة من باب الغرفة وخلفها رجال الشرطة بزيهم الأسود المميز.
خاطبهما أحدهم: "السيد حسين زيدان؟"
عم الصمت والرعب ليتمكن منه فيحاول جاهداً ألا يبديه؛ سيتمسك بإنكار أنه يعرف لماذا هم هنا؟.


نطق بصوت حاول أن يجعله هادئا بعد ما تبادله هو وفريال ولا يجعل الجزع يتمكن منه حتى لا يكتشفه الشرطي : "نعم، أنا هو، ماذا هناك وكيف تقتحم بيتي هكذا ؟"
اقترب الشرطي سريعاً يشده ليستقيم، ليديره سريعاً وهو يأخذ ذراعيه الى وراء ظهره وهو يقول بعملية: "السيد حسين زيدان، أنت متهم بمحاولة قتل السيد إيهاب فواز زيدان"
أعقبه بأن تلا عليه القانون ببرود تام وهو يزيحه أمامه لخارج المنزل: "بحسب ما تنص عليه قوانين الولايات المتحدة الأمريكية لك الحق في الصمت والحديث أمام محاميك الخاص، كل كلمة سوف تتحدث بها سوف تسجل وتتخذ ضدك"
حاول أن يتملص منه و يدافع عن نفسه ليردف الضابط له بصرامة: "أي مقاومة وعنف منك سوف نقابله بالمثل ونفتح عليك الرصاص بدون تردد"
وقفت فريال مبهوتة ترقب بصمت ما يحدث بعدم تصديق.
لم يستغرق الأمر لحظات ليأتي أحد الضباط من شعبة أخرى يخبرها وهو يكبل يديها وهى مستسلمة لما يفعل، يخبرها بالمثل: "السيدة فريال زيدان حسب الأدلة والمستندات المقدمة ضدك أنت متهمة بالتهرب الضريبي والتلاعب بأوراق عملك الخاص وتقديم أوراق مزورة لكل أرباحك ورصيدك البنكي"
لم تتفوه بكلمة وهي ترى كل ما سعت له خلال سنوات ينهار بلحظة، بتهور واحد وخطوة غير محسوبة وافقت حسين عليها ليضيع منها كل شيء في لمح البصر.
 


أغلق حاسوبه بيد ثابتة بعد أن تحدث مع محاميه والمحقق الذي يتابع قضيته المرفوعة ضد عمه، لقد تم إلقاء القبض عليه منذ ثلاثة أيام وتم التحقيق في الأوراق التي كان يمسكها على فريال وتدينها للتهرب الضريبي، يعلم أن أكثر ما تكرهه الحكومة الأمريكية الكذب وسرقه الأموال من الدولة بدون حق؛ هذا سيكلف فريال كل شيء تملكه , كان يشعر بالإنتشاء رغماً عنه يشعر بنصر لنفسه وللضحايا الذي خلفهم عمه من وراء أفعاله على مدار سنوات رغم الشعور الصغير المقيت المكره بداخله بأنه عمه وكان يجب أن يمنحه الغفران والمسامحة ولكن هل كان سوف يعطيها له حسّين أو يتراجع عن أذيته؟ كان يجب أن يحمي عائلته منهم يعلم جيداً أن عمه طالما أقدم على محاولة قتله لن يتورع للحظة أن يفعلها مرة أخرى ويؤذيه في عائلته الصغيرة زوجته وطفليه
, طرقٌ متردد على باب غرفته أنبأه بوصول زائرة، بهدوء وهو يتخلص من كل شعور صغير بالندم إليه.



أزاح الستارة جانباً ليعتدل في جلسته التي استطاع الآن أن يحصل عليها بدون مساعدة من أحد جرحه كان يبرأ ببطء قليلاً ولكنه استعاد بعض من قواه على مدار الأيام السابقة مرت العشرة أيام التي اخبرهم بها الطبيب ولكنه لم يُسمح له بالمغادرة بعد.
سمح للطارق بالدخول، ليفتح الباب ويطل منه آخر وجه يتوقعه, لم تزره مرة واحدة حتى بعد أن أخبروه أنها من تبرعت له بالدماء وما قالته له مريم عن وقوفها بجانبها في مرضه واحتوائها لها بل وطلب الغفران منها ربما فاجأه الأمر قليلاً ولكنه لم يستغربه مثلهم كان يعلم دائماً أن بداخل إسراء معدن جيد وروح طيبة مثل والدتها الراحلة ولكن أفعالها التي كانت تبديها كانت تجبره أن يفكر أنها مثلهما فريال وأمه ؛


ضحية أخرى من ضحاياه ربما لم يؤذيها كما آذته ولكنه ظلمها فقط لو كان يعلم بحب مراد لها، بعشقه الذي عرف عذابه وجربه بنفسه عندما كاد أن يفقد حبيبته من بين يديه
لما كان أقدم على الزواج منها ولا الاقتراب ربما كان ساعدها أن تفهم نفسها وساعد زوجها الغبي للاقتراب من إسراء حينها, فهي لم تكن يوماً له ولم يقدم على الزواج منها إلا لحمايتها من أي زلة قد تقع بها ولعدم تفكك العائلة ,
مع ترقبه لترددها في الدخول ومازالت تقف على باب الغرفه وعينيها التي تنظر لكل مكان ما عداه.
أمرها بحزم: "ادخلي إسراء "



بنفس وتيرة ترددها دخلت بصمت اقتربت من المقعد القريب من فراشه دقائق مرت لم تنطق بكلمة واحدة.
ليتولى هو مخاطبتها بعتاب قاصدًا به أن يزيح كل توتر بينهما فيما مضى لقد تسامح داخلياً مع نفسه ومع من كانوا في رعايته، هو إسراء ومريم طفلتيه اللتان لم ينجبهما ولكن يعلم جيداً أنه لولا وجوده لكانتا تاهتا وضاعتا للأبد، كم أخطأ في حق الاثنتين، أكثر من تجنى عليهما، مريم وإسراء؛ ربما إسراء أنقذت نفسها ووجدت طريقها وما فعلته بدون قصد في الماضي جعله ساخطا عليها ولكن الآن مع ضعفها البادي لا يشعر نحوها إلا بالشفقة.
جرحها القديم له لن يتخلص منه يوماً طعنة رجولته منها لم تكن سهلة ولكنه قرر منحها السلام إن كان هذا ما تسعى إليه: "هل تذكرتني الآن؟، توقعت قدومكِ في وقت أبكر قليلاً"
احمر وجهها وكأنها تحاول كبت بكاء على وشك أن تنهار به و تمتمت بخفوت: "الحمد لله على سلامتك، آسفة لتأخري ولكن لم أستطع مواجهتك مريم ومراد كانوا يخبرونني بتحسنك "
هز رأسه بتفهم لها وهو يقول: "لا عليكِ وأشكركِ للوقوف بجانبي وبجانب مريم اني ممتن لكِ"


لقد علمت بأن ما حدث، تسبب به والدها بعد أن تحدثت معها صديقتها (شايا) تستفسر منها عن حقيقة ما يحدث، لقد نشر الأمر في مدينتهم (رالي) بسرعة البرق رجل الأعمال العربي الذي حاول أن يقتل ابن أخيه طمعاً في أمواله، أغمضت عينيها تسمح لدموعها بالانفجار لولا وجود أحضان مراد المفتوحه لها دائماً لكانت ماتت كمداً , ما يحدث كثير على استيعابها, على تحملها لم كل هذا الحقد والغل والشر بينهم؟ القتل .. وصلت بِه للقتل؟ 
تحرك من استلقائه يجلس على طرف السرير يضع يديه بجانبه يواجهها لقد اخبره مراد صباحاً أنها علمت بما فعله أباها وانهيارها الذي استطاع أن يسيطر عليه ناداها بهدوء: "إسراء لما البكاء؟ أنا لا ألومك"
خرج صوتها بألم وذنب: "لقد حاول قتلك كل ما حدث لنا لم يُعلمه الدرس إيهاب بل زاد من......" تصلب جسدها ولسانها لا يطيعها أن تنعت أبوها بلفظ سيء مازال والدها تكره, تمقته دمرها ودمر أمها وأخيها ولكنه والدها.
بهدوء غريب جاوبها إيهاب وهو ينظر للأرض من تحت قدميه: "لقد فعل ما فعل ظناً منه أنه ينتقم لممدوح هو أخبرني بهذا لقد تطوع بنفسه قبل الحادث بلحظات وهو يخبرني بلقائي لحتفي"
ضاق صدرها بكل ما فيه لتنفجر باكية تتأوه بعذاب وصوتها يخرج غاضبًا ساخطاً على والدها : "لم يتسبب أحد فيما حدث لأخي غيره هو السبب من البداية هو من تسبب في تشوه روحه , جميعنا كنا سبب لم يمنعه أحد عن جنونه ولم يتصدى له"
تذكر مشاهدته للحقير وهو يعتدي على مريم لتحرقه و وتعذب رجولته تجلده بسياط من نار تذكره أنه كان غافلا عما يجري لفتاة في حمايته عن شعور بالعجز يتسلل رغماً عنه لحمايته لزوجته هذا ما كان ممدوح يحاول اثباته وسبب من أسبابه حاول حجب غضبه عنها وهو يقول بلا اهتمام حقيقي: "ربما هو محق إسراء وأنا سبب من الأسباب فيما حدث لأخيك وأنا غير أسف لأخباركِ بأني غير نادم للحظة وإن لم يتسبب والدكِ في أفلاته مني ربما كنت فعلت به أسوأ مما حدث"
لم تكن فتحت عينيها المغمضة بعد وبكائها لم يتوقف لحظة، لتقول بهدوء غريب وهي تفتح عينيها ببطء تنظر له: "ربما هو يستحق أيهاب ما فعله في حق زوجتك لا يغتفر خاصة أني علمت أنه كان يعرف بزواجك منها"
هز رأسه موافقة وهو يؤكد لها: "لقد حضر العقد بنفسه إسراء ولم تكن المرة الأولى التي حاول فيها الاعتداء عليها"
شهقت بغصة وهي تضع يدها على صدرها تكبح ألمها: "أعرف إيهاب وأعلم لقد أخبرتني مريم بنفسها، لقد تمزق قلبي بما قالت، ما فعله بشع لا يغتفر"هزت رأسها بعجز وقلة حيلة وهي تردف: "ولكنه أخي لا أستطيع كرهه بل أنا, أدعو ليل نهار لشفائه"
تراجع متحكما في أعصابه حتى لا يصرخ بها يخبرها أنه لو طاله مرة أخرى سوف يمزقه بين يديه بدون تردد أو ذرة ندم واحدة ليقول مراعياً لها مدعي التفهم: "أعرف أنه أخوك وهذا شعور طبيعي"

راقب وجهها الحزين وكأنها تنعي نفسها وحالهم وهى تقول: " أنا أعتذر و أطلب مسامحتك لا أجد ما أخبرك به ولا أعلم بأي وجه أطلب منك أن تغفر لي خطئي في حقك"
ابتسم لها ابتسامة صادقة وهو يقول بعفوية : " أنتِ أختي إسراء و أنا لن أحاسبكِ على أفعال شخص آخر كل منا مسئول عن أفعاله"
رفرفت بأهدابها بعدم تصديق لقد منحها ما تسعى إليه ببساطة بدون أن تطلب حتى أعطاها ما تريد سلامها النفسي أن تجد الهدوء بداخلها كما تسعى وتريد. 
أكد لها وهو يقترب يربت على يديها المعقودة في حجرها وهو يقول بحنو: "صفحة و أُغلقت جميعنا أخطأنا ودفعنا الثمن يكفي أنكِ حاولتي الإصلاح وقفتكِ بجانبي أقدرها جيداً وأثبتت أنه مهما حدث ستبقي أختي وابنة عمي"
نهته بقوة: "لا تذكره سوف أكتفي بأني أخت لك"


بحزن وطعنة مماثلة لها لم يستطع التخلص منها بعد رده قائلاً: " للأسف لن نستطيع إنكار أنه والدكِ وعمي هذه هي الحقيقة التي لن نستطيع التخلص منها يوماً"
مسحت دموعها بيد واحدة ويدها الأخرى مازال هو يربت عليها.
لتقول محاولة الهدوء: " لديك حق في كل ما تقول كل ما أريده منك أن تسامحني عن أي خطأ سابق في حقكَ وأن تصدق أني لم أكن خائنة يوماً"
: " أصدقكِ إسراء، لا أحد يمتلك سلطاناً على القلوب لا أنا ولا أنتِ استطعنا التفهم أو حتى أن يحب أحدنا الآخر كزوجين"
أخفضت رأسها حرجاً وهى تقول: "نعم هذا حقيقي" بتردد أردفت " و أيضاً عندما عدت واعتقدت أني طليقة مراد وأردت أن تعلم أني حاولت...."
نهاها سريعاً بحزم: " إسراء انتهى الأمر أياً كان ما حدث أنا أتفهم أسبابكِ و إن لم تقوليها أغلقي تلك الصفحة إلى الأبد ولا تأتي بذكرها مرة أخرى"
أومأت له بامتنان حقيقي وهي تحاول أن تنهي المقابلة تخبره: "أشكركَ إيهاب على كل شئ ولا أريد منك إلا الوفاء بوعدك أن تكون بجانبي تدعمني عند الحاجة لم يتبقى لي عائلة الآن"



بصوت أجش رد قائلاً : "لك مراد أنا لن أرفض طلبكِ ولكن أحاول أن أذكركِ "
برقت عينيها بحب حقيقي تكنه له فخر أنها زوجة لرجل رائع مثل مراد لترد بتأكيد: "بالطبع هو كل دنياي وليس عائلتي فقط ولكن ما أطالبكَ به عائلة أتواصل معها عند الحاجة أن يكون للطفلتين جذور وعائلة طبيعية ولا يخرجن مثلي منبوذات"
: "لكِ ما تريدين وما تطلبين تذكري دائماً أني سوف أكون في ظهركِ وأحميكِ عندما تجلئين لي إن وافق زوجك"
ابتسمت ابتسامة ساحرة وهى تذكره: "لا تقلق سوف أقنعه بهذا "
وقفت وهى تمد يدها تصافحه بقوة، لتغادر بعدها من باب الغرفة المفتوح. راقب وقوف مراد أمامه بملامح مغلقة فور خروجها وراقب إلقائها لنفسها بين ذراعيه اللاتي فتحهما لها وكأنه يعرف ما تريد، أغلق الباب وآخر مشهد لها ومراد يقبل قمة رأسها وهى تضم نفسها إليه. 
وقف قليلاً يضغط جرحه بيده يقف أمام نافذة الغرفة مكان صغيرته المفضل.



لقد ارتاح من ناحية إسراء وربما في المستقبل القريب سوف يستطيع مسامحة طعن مراد له، الآن قد علم لم يغدر به ولكنه طعنه ربما لم يخنه ولكنه خيب آماله فيه.
أغمض عينيه يعبئ من الهواء العليل يملأ به صدره ربما تطفئ من بعض نيران صراعه التي مازالت تعتمر بداخله. 
شعر بتلك اليدين الناعمتين تتسلل لخصره تتشبث به ورأسها يستند على ظهره ملأ صدره بنفس آخر وهو يستمتع بالتصاقها بت.
حرك يده ليمسك يديها يفك تشابك يديها ليرفع يدها يفردها ويلثم باطنها قائلاً: " اشتقت لكِ لقد غبتِ ساعتين كاملتين، ألم أخبرك أن لا تبتعدي عني ؟ "
يدها التي مازالت بين يديه يلثمها سحبتها منه برفق لتلامس برفق بها صدره الصلب حيث موضع قلبه لتقول بصوت هامس: "مازالت رائحتك تسكرني كنت اشتهيها بشدة و أنتَ بعيد عني"
حرر يدها المحيطة بخصره ليسحبها أمامه برفق يلامس ذقنها بأنامله ليجعلها تنظر إليه يتأمل وجهها الصبوح ملامحها الناعمة بعشق شعرها المتطاير بتناقضه الغريب بين غجريته الملحوظة ونعومته الجذابة
ليحني رأسه أمام شفتيها يتمتم بهمس: "و أنتِ كلكِ تسكرينني"
أطبق على شفتيها بقبلة ضارية متطلبة يريد بثها فيها افتقاده لها عشقه الذي أنكرته وتشككت فيه بلهفة ويأس منها وإليها عند تذكره الوجع الذي ضربت معاقل روحه به وهي تخبره كيف ترى بشاعة علاقتهم في السابق. 
كان ضائعا ما بين مشاعره التي توسلها الغفران وبين كسرها لرجولته وغفرانه لها
أحاطت عنقه بذراعيها تضمه إليها تبادله قبلته بضياع توسل لحبه افتقادها له ترجيه عبر ما تتبادله معه أن يمنحها النسيان وأن يتخطوا الماضي سوياً كما وعدها. 
أحست بجذعه يرتعد تحت يديها وجسده الملصَق بها انفصل عنها بأنفاس مضطربة 
وهو ينظر لوجهها المتورد وعينيها اللاتي تتوسلان استمرار تواصله معها.
تلمس وجنتيها الناعمتين المحمرتين وأنفاسها مازالت لم تهدأ بعد وذراعه الأخرى تحيط خصرها تشدها إليه. 
ابتسم لها وهو يراقب ملامحها التي بدأ يعلوها الضيق وكأنها ترفض إنهاءه لتلك القبلة بدون أن تتكلم ضمها إليه يدفن رأسها فى نحره ليقول لها مازحاً بتفكه يرد على سؤالها التي لم تنطق البت: "هل تعلمين وضعنا الآن حبيبتي نحن في المشفى و أنت على وشك الولادة و أنا مصاب بجرح غائر"
بصوت خافت هاديء وهى تتشمم في راحته كقطة شقية : "وهل سألتك أنا شيء أنتَ من بدأت والآن تريد التهرب من واجباتك نحوي "
ضحك بصوت مكتوم على اتهامها المستتر تريد استفزازه !!! ماذا تتوقع أن يطرحها الغرام هنا عقب ما قالته.
أبعدها عنه وهو يقول بصوت حاول أن يخرجه جدي : " أنا لا أتهرب وكم أتوق لما تتطلبين ولكن أخشى على صغيري وبالتأكيد لن أفعل هذا هنا"
مطت شفتيها بامتعاض وهى تذكره: "عندما وجدتني من شهر أذكر أنك لم تخشى على الصغير ولم تهتم لشيء غير وصالي "
انمحت ابتسامته فجأة وشحب وجهه ترك خصرها ليبتعد عنها يتراجع ليجلس على طرف السرير ليقول باقتضاب: "نعم أنتِ محقة لم أكن مراعي كنت أشبه بحيوانٍ ولهذا لن أكررها"
أدار وجهه عنها يسحب الحاسوب الذي ألقاه بعيداً عندما أتت إسراء ليدعي أنه انشغل عنها في شيء ما.
ما قالته ذكره بما فعله معها وجعلته رغماً عنه يتذكر هاتفها في وجهه أراد أن يحجب عنها نفسه لا يعلم لما شيطانه يجبره على تذكر كل كلمة أخبرتها به ومثل كل مرة يتذكر بقوة.
الوقت هو الكفيل بكل شيء لن يهدر فرصته معها سينسى مرغماً نفسه أنيرى عذابها هي وصغر سنها هي لم تقصد يعلم جيداً أنها عند الغضب تكون خارج السيطرة على نفسها وربما لديها الحق فمرراتها وما كانت تكتمه كان لابد له من انفجار مدوي يحطم الجميع.
عندما رفع وجهه وهي تناديه بصوت متألم يراقب وقفتها المرتعشة وملامحها المعذبة اللاتي تستجديه التوضيح، أن يدلها ما الذي حدث ما الخطأ ليبتعد عنها: "إيهاب ما بك ؟ "
أجبر نفسه بقوة على الابتسام لها مرة أخرى مدعيا أنه لا يسمع ذلك الهسيس البشع فى اتهامها له في رجولته. 
خرجت ابتسامته صادقة قلقة عليها لم يعرضها مرة أخرى وهو يفتح لها ذراعه قائلاً: "تعالي إلي !"
اقتربت منه بجسد مرتعش هل تدعي الجهل ربما ملامحه المغلقة لم تعبر عنه بشيء ولكنها شبه متأكدة أنه تذكر وكيف لا يتذكر وقد استغلت هذا القاء في مواجهته له ضده وفى اتهامه هل هي غبية من بين ذكرياتهم لم تجد إلا هذا اللقاء المؤلم. 
أهديت تحت ذراعه التي تحاوطها سريعاً تلف يدها حول جذعه رفع وجهه إليها بطرف إصبعه آمراً إياها بحزم: "كفي عن الارتعاش والخوف عند كل شيء يحدث"
بصوت خرج هامساً باهتاً صريحاً قالت: " أنتَ لم تستطع النسيان بعد إيهاب ولا مسامحتي"
بنفس ابتسامته رد بهدوء: "و أنتِ لم تنسي أفعالي السيئة ضدكِ ولكننا نريد حبي لكِ وحبكِ لي كفيل حبيبتي أن ينسينا ولا انا أسامحكِ ولكني لا أسامح نفسي "
أومأت له بهدوء وهي تريح رأسها على صدره، تمتمت بخفوت: " أنا أحبكَ إيهاب"
 


رفع وجهها يمرر طرف إصبعه على شفتيها قائلاً: "وأنا أعشق كل ما بكِ يا ناعمة.."
ضمها إليه بقوة يدفنها هناك في مكانها الدائم الذي أعلنت بقوة عن تملكها له؛
ليقول بصوت أجش عميق يخرج من قلبه مباشرة:"تحملي قليلاً معي حبيبتي إلى أن نتخطى كل أحزاننا, ووجعنا.."
ليردف بتملك صادق حقيقي, وهو يأخذ أنفاسه بعمق:" أنت ابنتي يا مريم, ولست زوجة فقط, ابنتي وحدي.."
تعلقت به بتشدد، تؤكد على تملكه, تردد ما يخبرها إياه:" أنا ابنتك, وأنت كل شيء إيهاب, دنياي ولا أريد لها بديل, ولا أريد في حياتي سواك.."

بعد صمت طويل بينهم مدت يدها تعبث بالحاسب الذي مازال بينهما على ساقيه, وهي تقول:" ألم يأتي وقت أن تريني ما يحتويه الملف بعد, لِمَ تؤجل الأمر؟.."
رد بصوت رتيب:" أنا لا أؤجل حبيبتي, ولكن كل ما هناك أني راجعت نفسي أن أريه لكِ هنا, ربما من الأفضل عند عودتنا للمنزل.."
أطرقت رأسها بهدوء وهى تتلمس جرحها كالعادة, وكأنها تريد التأكد دائمًا عبر هذا الفعل البسيط منها, أنه يشفى ويلتئم..
لتقول:"متى يسمح لك الطبيب بالخروج من هنا؟..أنا لا أفضل هذا المكان ولا أريد العودة وحدي للمنزل.."
: "قريبًا حبيبتي ربما في الغد.."
مد يده في حركة لا يكف عنها يتلمس بطنها بخفة, قائلاً ووجهه الفرِح عند تواصله مع طفليه يخبرها بالكثير يتحرر من أي رزانة معها, ويصبح مكشوفا لعينيها واللهفة تطل منه؛ عندما يضم بطنها بكلتا يديه كأنه يضم طفليه بالفعل,
ولا يحجبه عنهما شيء:"هل ذهبتِ لطبيبتكِ, ورأيتهما كيف حالهما؟.."
ليكمل عاتبًا:" لا أعلم رفضك لرؤيتهما هنا, هل أفهم من هذا قصدك تعذيبي؟.."
ضحكت بحلاوة وهي تحاوط وجهه بيديها, تخبره بشقاوة:"نعم أعذبك عذابا صغير للغاية, لأهدافي الخاصة.."
: "وما هي أهدافكِ الخاصة معذبتي؟.."
ردت بصدق:" أريدك أن تأتي معي عند طبيبتي, أريد أن تتعرف على المرأة التي ساعدتني لأفهم حبي لصغيري, أريدها أن تراك, وترى حبك لي, ولهفتك لهما.."
بدون أن تخبره المزيد فهم طبيبتها فريدة, من كانت تعتقد أنها سوف تساعدها في الإجهاض كما أخبره جاسر عندما سحب الإعتراف من مي بالقوة, لم يخبر مريم أنه علم بكل ما جرى, سوف يحتفظ بهذا لنفسه, خطأه كل ما جرى ذنبه وحده..

صغيرته تريد التخلص من أي شعور سابق بالدونية, والعار تستخدم حقها الطبيعي في إعلان أنها تنتمي إليه,أنها زوجة..
بوعد قاطع, وهو يقبل بطنها:"أعدكِ غداً أول شيء سنفعله نذهب سوياً؛ لأطمئن بنفسي عَلَيْكِ أنتِ قبلهما.."
رفع وجهه عن بطنها وهو عاقد حاجبيه من دخولها عليهم بدون إستئذان بإرادة من حديد, وهو يسيطر على أي رفض قد يبديه للتي أمامه, وصوتها البارد المغلول يصل لمسامعه لساخراً:" آخر شيء كنت أتوقعه أن أراك فاقدا لعقلك, ومكانتك.. وتلك تجبرك.. تفعل هذه السذاجة.. !"
بهدوء غريب وبرود مماثل رد:"مرحباً أمي.. ولكن أليس في قاموس مظاهرك الإجتماعية التي تهتمين لها, هناك شيء يدعى طرق الباب قبل الدخول.."
تقدمت بمشيتها المعرفة الأنيقة, بغرور وكأنها لا ترى أحد غيرها تدعي عدم وجود مريم,أو الإهتمام لها:" أنت ابني هل نسيت؟!.. أدخل عندما أريد وبالطريقة التي أراها أنا مناسبة.."
بادلها السخرية وهو يضم مريم تحت ذراعه, يؤكد لها بدون كلام بتشبثه بها؛أنه سيعيد لها كل إهانة تعرضت لها, ويعيد إليها كرامتها المهدورة:"ابنك وهل تذكرتني الآن منذ إفاقتي, لم أراكِ إلا مرة واحدة؟..ألم يكن من المفترض أن تجاوريني في محنتي؟.."

ردت بملل:"وهي تقول هذا على أساس..إن ابنة أمها تعطي أحدا الفرصة, كما أني لا أحتمل وجودها, ولا أعلم سر تشبثك بها,ألم يأتي الوقت بعد للتخلص منها؟.."
نهى بحزم, وصوت قوي:"توقفي عن برودكِ, لم يطلب أحد رأيكِ الذي لن أهتم به من الأساس.."
أردفت ببرود وبدون اهتمام للتي تتشبث به, ووجها يتغضن بالألم تستمر في جرحها بالقول:" أنت ابني ويجب نصحك,إن كان يربطك الطفل تستطيع أخذه منها, وتبحث عن إمرأه حقيقة, تليق بإسمك وسنك.."
بهدوء غريب كان رد فعله أن يرفع يد مريم إليه يقبلها, وهو يقول:"الأصح الهام أن تسألي تلك الفتاة المبهرة, هل أنا أليق بها؟.. تشكريها على تقبلها لي في حياتها, ومنحي حياة افتقدتها, لقد كان كرم منها أن تتقبلني بعيوبي.."
أفلت منها شرر وغضب, وصوتها يخرج مكتوم بصراخه:"إيهاب ما الذي تقوله؟.. هل جننت ألم ترى حقيقتها بعد هي س......."
بشراسة هدر بها:" اخرسي حذرتكِ سابقاً من الاقتراب منها,أو نعتها بما تعلمين جيداً انه ليس فيها, تحاولين إسقاط عيوبكم عليها.. اسمعي الهام هانم وللمرة الأخيرة
ابتعدي عنا..لن تأتي على ذكر زوجتي بأي طريقة على لسانكِ, لم أتصرف معكِ على فعلتكِ الشنيعة معها, والتي وصلتني كاملة لم تراعي حتى مرضي, وأنتِ تتهميها وتكشفى سَتري قبلها.."
حاولت نهيه, وهى تتصنع العذاب:"بني حبيبي..أنا أخاف عليك,أريد أن تعود لأحضان أمك.."
باستنكار رد :" افيقي الهام.. أي أحضان أنا رحل شارف على الأربعين من عمره,إن كنت تخافي على كرامتي, راعي سنكِ الذي وصلتِ إليه, وتصرفي كإمرأة شارفت على الستين من عمرها.."
حاولت الرد لينهي الحديث قائلاً:" أنا لن أتناقش معكِ, لا فائدة منكِ سأراعيكِ كأم, وأؤدي واجبي نحوكِ, البيت الكبير كله لكِ, افعلي ما تشائين بِه سيصلكِ شهرياً ما يلزمكِ من مال كما تحبين, وتريدين.. غير هذا لا أريد أي علاقة أو تواصل معكِ حتى تكفي عن مهاجمتها, وتمنحكِ هي المسامحة التي لا تستحقيها.."
بصدمة مما يقول خرج صوتها ذاهلاً:"إيهاب تبيع أمك من أجلها!.."
تمتم ببرود:"أنا لا أبيع أحد؛ ولكن اشتري نفسي أنا بشر, ولست آلة, تريدون منها التنفيذ, تمنحكم ما تحتاجونه بأنانية غير مفكرين بما أحتاجه, اشتري سعادتي وأخبركِ أنتِ مرحب بكِ عندما تتخلي عن جحودكِ, وقسوته في حقكِ.."
وجهت عينيها الشرسة لمريم بصوت حاقد:"فعلتيها يا ابنة فريال كما فعلتها أمكِ من قبل.."
لم تتحدث أو ترد يكفي إلى هنا, وكفى لن تواجه أحد لقد تعبت لن تحزن,أو تغضب لن يكفو يوماً عنها, ستبقي ابنتها مهما حاولت أن تتخلص من أي تشبيه لها بفريال,تشبثت به تضع رأسها على صدره تثبت ملكيتها له,إن كان هذا يثير جنون التي أمامها,إذا فلتتركها تتلظى بنيران حقدها, إيهاب ملكها واختارها هي إذاً, وبكل أنانية فلتعلم إلهام بهذا ولتحترق, ولزيادة إغاظتها, أخرجت صوتها رقيق مهذب هادئ:" آسفة ماما الهام ولكنه اختارني, ما باليد حيلة, كيف تريدين مني ترك كل هذا الحنان؟.. يجب أن أفعل كل ما أستطيع لربطه, خاصةً وهو مغرم بي كما ترين.."
جحظت عيناه بصدمة حقيقة, وهو ينظر لقطته الشقية, وهي تتمسح به بنعومة يريد الضحك, وربما تعنيفها؛ ولكن أيدعها تأخذ حقها بنفسها!..
ربما هذا يرضيها ولو قليلاً
صرخت وهي تخرج عن إتزانها:" أنا لست أمكِ أنسيتِ ما أنتِ؟..أنتِ مجرد لقيطة.."
بعنف وجسده ينتفض أولاً هو الرد:"اخرجى حالاً واحتفظي بالجزء القليل الرحيم في قلبي إتجاهكِ يا أمى.."
: "إيهاب بني.."
: "اخرجى يا أمي.. ما قلتيه لن أغفره, ومن المستحيل أن انسي يوماً فعلتكِ مع من تعرفيه.."
بطواعية غريبة, وبهدوء وكبرياء ذليل خرجت تجر أذيال الخيبة, لن تكف عن محاولة أن يعود إليها؛ ولكن ربما تتبع أسلوب آخر.
مازال الغضب متمكنا منه.
لم يستطع ذكر اسم ممدوح أمام مريم, مازالت تجفل وربما يشعر أنها تنهارخوفاً عند ذكره اسمه, جسدها يقشعر بنفور عندما تصارح معها, وهو يخبرها عن ما فعله معه, عندما استفسرت ما جري له قائلاً..أن إسراء رفضت أن تحكي لها ما فعله هو معه..
أصابها الغثيان عند التذكر,وكالعادة انكمشت على نفسها يومين متتاليين؛ بل كانت تنفر من أي ملامسة له, هو معها حتى وإن كانت غير حميمة,ما كان يحدث معها يعلم أنها لم تنسى, ولن تنسى؛ ولكن فليتجنب أي حديث عنه, يستغل شجاعتها وإجبارها لنفسها أن تنسى..
أتاه صوتها يخرجه من غضبه هادئ عاقل بإتزان غريب:"اهدأ.. ما حدث لم يكن المرة الأولى, ولن تكون الأخيرة, فلا تجعله ينغص علينا أي سعادة, وهدوء نحاول اقتناصهم.."


حررت ذراعه من إحاطتها, لتلثم يده برقة وهي تقول:"أشكرك لدفاعك عني.."

سحب يده من يدها، ليحيط ذراعيها: "بل أنا الأسف في تأخري، ولأني لم أقف بحسم في وجهها من قبل" 
هزت كتفيها باستسلام: "لا تعطي للأمر أهمية، هل تذكر ما كنت تطلبه مني قبل قليل، لذا تناسى واجعلني أنسى، ساعدني"
للتنقل سريعاً في الحديث: " إذاً إيهاب، ماذا كنا نقول قبل أن تأتي حماتي العزيزة" 
ضحك رغماً عنه وهو يتذكر إغاظتها لها: "تقصدين أمك العزيزة" 
ضحكت قائلة: " نعم أمي، هل رأيت كم استشاطت غضبا وهي تسمع اللقب مني، اعتبره انتقاما صغيرا لست بآسفة لأني تعمدته" 
تنهدت وهي تقول: " أتعلم !، أنا تعلمت درسا مهما منها " 
باهتمام سألها : " ما هو؟؟" 
: "لا شيء خطأ يبقى سراً، مهما حاولنا مداراته، لقد كانت تعرف كل ما يحدث بيننا منذ البداية كما أخبرتك" 
زمجر ينهيها: "علاقتنا لم تكن خطأ، كنتِ زوجتي أيضاً وقتها" 
وافقته، لتقول: "ربما لم يكن حراما إيهاب، لكن سريته ما كانت تجعل منه خطئا، كنت تفعل كل شيء ليبقى اجتماعنا مستترا عنهم ولكنه رغماً عن كل ذلك كان معلوما لديهم جميعا "
لتكمل مازحة تحاول أن محو شعور الذنب الذي يرتسم على وجهه: "أو ربما جنونك بي جعل حرصنا يفلت منا قليلاً "
عندما لم يبدي أي رد فعل للتجاوب معها، أكملت مزاحها وهي تقترب من وجهه قائلة: "امّم، أتعلم لقد قالت شيئا لم أفهمه"
بهدوء استفسر وهو ينظر لشفتيها الناعمتين في دعوة صريحة لحثه على فعل ما تريد، 
رفرفت بأهدابها مدعية البراءة: "لقد قالت أنك كنت تبادلني قبلات محمومة، كيف هذا؟؟" 
حني رأسه يقابل شفتيها هامساً بحرارة: "هل تريدين أن أفسر لك، لكن الموضوع يتطلب التطبيق لكي يصلك المعنى واضحا، أتقبلين؟"
أومأت له وقلبها يخفق بعنف تأثراً بنبرته: "نعم، أرجوك !" 
بدون تردد انحنى لشفتيها وهو يستفيض في الشرح قائلاً بهمس: " فقط قبلة، تذكري" 
طوقت عنقه بذراعيها قائلة بعشق: "سوف اكتفي الآن بقبلة، إلى أن نحررك من خوفك على الصغيرين"
****************
عصر اليوم التالي، في عيادة الدكتورة فريدة، 
كانت مستلقية على سرير الفحص بالغرفة الخاصة، بينما يقف هو بجانبها، يمسك بيديها بتشدد. 
ولكنه لم يكن معها، بل عينيه المبهورة وانتباهه الكامل كان مشدوها بما يراه أمام عينيه، معجزة كبيرة تتجلى لناظريه، أمامه على الجهاز عالي الجودة بصورة ثلاثية الأبعاد، كانت واضحة أمامه؛ 
طفلين صغيري الحجم، كما أخبرته الطبيبة يتقوقعاًن على نفسيهما أيديهما وأقدامهما الصغيرة للغاية تتحرك بوتيرة بطيئة داخل رحم أمهما، كان متجاورين حد الالتصاق، وكأنهما يعدان منذ اللحظة على تشبثهما بعضهما البعض، اقترب من الجهاز أكثر يرفع يده ويمررها بهدوء على كل جزء ظاهر منهما. 
انشداهه وردة فعله جعلت دموعها تسيل بحب، لقد حققت له شيئا واحدا على الأقل كان يتمناه، شعور بالثقة والفخر كان يمدها به في هذه اللحظة، التي سوف تسجل في تاريخهما الطويل الحافل، لم يطرق في عقلها إلا شعور بالرضا بنفسها، بحبه لها وعشقها له بروحه وروحها التي اختلطت لتنتج ثمرة عشقهما.
سمعت صوته المبهور يقول بعاطفة أبوية فياضة وكأنه غير مصدق بعد: "طفلاي يا مريم !؟" 
تعلقت بيده التي تضغط عليها تخبره بصوت مبحوح: "طفليك حبيبي، ألم أخبرك أنهما جميلين جدا" 
هز رأسه بنفي يقول: "بل مبهرين"
ترك يدها ليتحرك قبل أن تدرك ما يفعله يخرج عن أي تحفظ أو رزانة يبديها أمام أحد غريب، دائماً أفعاله المنطلقة يخصها بها على إنفراد، تحرر إيهاب في التعبير عن مشاعره معها وكم كان هذا يسعدها.
لتجده في لحظة يحتضنها ويد الطبيبة التي تمسك بالجهاز الذي يظهر الجنينين مازالت على بطنها، تنظر لهما مبتسمة برضا على محياها، تمنحهما الخلوة المناسبة بالصمت وتقدر ما يمران به كليهما في بهجة خالصة.
رفع جسدها قليلا وهو يضمها إليه يردد في أذانها بقوة: "أشكرك على حمايتهما وعلى منحك لي إياهما" 
عينيها فاضت بدموعها وهي تقول: "بل أشكرك أنت لإعطائي عالما صغير خاص بي، حياة أبنيها وحدي لأجلك وامنحها من قلبي كل مشاعري" 
تركها ليمسك رأسها يبتسم بحبور وارتياح عينيه يشع منهما الرضا والابتهاج والانشراح: "أخبريني كيف أحبك أكثر، لم يعد في استطاعتي حقاً أن أجد المنتهى لحبك" 
همس أمام عينيها التي تبادله السرور باعتراف مستسلم: "أنا امنع بكائي الآن بصعوبة، لا أشعر إلا أن أريد البكاء مثلك" 
ضحكت بجذل وهي تقول: "لا أرجوك وفرها لوقت الولادة، الدكتورة فريدة تقابلك أول مرة فلا تدعها ترى دموعك، ماذا ستقول عنك؟؟؟"
: "محروم يا مريم، ميت وأنت ومعجزتك النابضة بالحياة أعدتماه للحياة" 
***********
غادرت عيادة طبيبها النفسي مرتاحة واثقة أكثر، عادت لقوتها وأناقتها المعتادة، 
الهدوء بينها وبين مراد يمنحها التوازن المطلوب، تحاول بثه بكل ما تستطيع من قوة حبها وثقتها ومتابعتها مع الطبيب المستمرة تكشف لها نفسها بوضوح أكبر، لقد أصبحت منطلقة، متسامحة وللغرابة فعلة حسين لم تهزمها أو تجعل تقدمها في العلاج يتباطأ بل أعطتها دفعة قوية لتحمي نفسها من أي وجع أو انحدار مرة أخرى وتتقدم في إيجاد نفسها والتحرر من مخاوفها.
صعدت لسيارتها وهي تعقد العزم على أنها سوف تذهب للشركة التي أنشأها مراد لمتابعة عمله هنا، لقد اتفقا على عدم العودة إلى هناك، إلا في بعض الإجازات القصيرة وهو وافقها الرأي؛ تريد أن تنشأ الطفلتين هنا في البلاد، لا تريد لهما التيه والتخبط بين الثقافات المختلفة التي عانت هي منها، تفهمها مراد ووافقها على الفور قاصدا أن يطويا صفحة أليمة واجهتهما هناك وأن يبدءا هنا من جديد، بهدوء وحب وتفهم يحيط عائلتهم الصغيرة. 
انشراح داخل صدرها وعينيها تبرق سعادة، سوف تخبره بسرها الذي اكتشفته منذ أسبوع مضى، ترى ماذا سوف يفعل حينها؟. 
أكدت لنفسها سوف يجن كالعادة ويثير الصخب أمام الملأ. 
أو ربما جولة عشق منه يقابلها بها، لذا ربما كان من الأفضل أن لا تخبره في عمله، وتؤجل الأمر إلى أن تختلي به وحدهما في المنزل، حتى لا يثير فضيحة ما في عمله الذي بدأ في إرسائه حديثا.
وصلت للمبنى الذي كان أخبرها عنه، نظرت حولها وهي تخطو للمبنى الأنيق برسوماته الهندسية الغريبة ولمسات مراد الواضحة في الديكور، تعرف عمله جيداً من بين أي عمل حتى لو مميز له لمسته الخاصة التي تجمع بين شرقيته التي يعتز بها وبين الفكر الغربي. 
خطت إلى داخل المبني لتسأل أحد الموظفين عن طريق مكتبه، ليخبرها أنه مكتب منفرد في الدور الثاني. 
صعدت بالمصعد وهى تتوجه بعدها إلى باب المكتب الذي علق عليه اسمه، راقبت غرفة تجاوره خمنت أنها لسكرتيرته، لقد أخبرها أنه قام بتوظيف بعض الموظفين، مدت يدها تفتح الباب بدون تردد، لينمحي كل شعور لديها بالسعادة وهى تنظر لما ترى أمامها. 
مراد على مكتبه يستدير بكرسيه يواجه امرأة حمراء الشعر، هذا كل ما استطاعت أن تستوعبه حمراء تقترب منه حد الالتصاق، تميل عليه بنصف جسدها، يدها على أحد ذراعي كرسيه واليد الأخرى على مكتبه، كانت تحيطه تماما؟؟؟؟.


عينيها تلتهمه بجشع واضح، نظرات تعرفها جيداً، رأتها الكثير من المرات موجهة له.
انتفضت المرأة عند رؤيتها لتهتف تخاطبها بكل وقاحة وجرأة: "هل جننت؟، كيف تقتحمين المكان بدون استئذان؟؟" 
أما مراد لم يتحرك من مكانه، ربما فوجئ بوجودها لحظة فقط ليستكين بعدها سريعاً، 
وهو يقول بهدوء ونظرة غريبة يتأملها بوقفتها المتحفزة: "مرحباً إسراء، لم تخبريني أنك سوف تأتين اليوم" 
التفت إلى حمراء الشعر يخبرها ببرود: "إسراء زوجتي وأم بناتي، كم حظنا سيء لقد ضبطنا بالجرم المشهود" 
أغمضت عينيها بوجع ضرب قلبها تنفي لنفسها بشدة؛ لا، لن تعود للصفر، هل كل ما أقنعها به كان كذباً.



إعدادات القراءة


لون الخلفية