صراخها باسم تاليا، ثبته مكانه، عقله المصدوم من صوتها الملتاع أخذه لصور عدة بشعة أخذت تومض متتابعة في عقله لمصير صغيرته صراخها اليائس آفاقه من صدمته سريعاً ليتحرك وقلبه يدوي بجنون بين أضلعه.
لا يعلم كيف وصل إلى الباب وكيف استطاع أن يقوم بفتحه ليقتله في لحظه مظهر إسراء وهي تجلس على ركبتيها ويديها تهز ابنته بقوة تارة وتارة أخرى تعيد يديها فوق قلبها في محاولة يبدو منها لإنعاشها وجسد ابنته المسجي على الأرض لا يبدي أي مؤشر للحياة.
انزل ميرا التي بدأت في الصراخ وهي ترى وتسمع صراخ أمها.
ليخرج من صدمته وهو يتوجه نحوها، يصرخ فيها بدون سيطرة وهو يزيحها بحدة ويأخذ جسد الصغيرة بين يديه.
لتنطق إسراء بلوعة وعدم استيعاب لما تقول: "لقد قتلتها!، يا مراد.. لقد قتلت ابنتي!، أنا السبب"
لم يهتم بما تقول وهو يحاول أن يتذكر دورة الإنقاذ التي أخذها في السابق؛ ليعدل من جسد الصغيرة وهو يسيطر على جسده الذي كان يرتعش بالفعل وقلبه الذي انشطر ألما وخوفا في الحال.
يحاول أن يفهم حتى يسعف صغيرته، يعلم انه أن لم يجعلها تتنفس الآن لن يكون هناك أي فرصة أخرى لها في الحياة.
ليسأل إسراء وهو تقريبا يصرخ بصوت عال: "أعيدي سيطرتك على نفسك الآن وأخبريني سريعا ما حدث لما وجهها متورم هكذا ومنذ متى أنفاسها متوقفة"
لتجيبه بصوت مرتعش مصحوب بنحيب: "لقد أعطيتها كاس من الحليب الطبيعي وليس المخصص لها بدون أن انتبه ولم أدرك إلا من دقائق أن وجهها بدأ في التورم في الحال"،
لتفقد أنفاسها أخيرا لتصرخ به: "حاولت أن اجعلها تتنفس لم استطع لقد قتلتها فقدت ابنتي أنا السبب افعل شيئا أرجوك.. أرجوك لا تدعني أفقدها"
لم يهتم بباقي هدرها وهو يبحث عن نبضها الذي وجده ضعيف، ليصرخ بسراء بحدة: "تعالي إلى هنا اجلسي مكاني"
ليقف بسرعة، يتوجه إلى غرفة داخلية وفي لحظة كان يعود وبين يديه ما يبدو أنه علبة إسعافات أولية.
ليوجه الكلام لها وهو يحاول أن يكون حازم معها وهو يبحث عن هدفه في إيجاد نقطة ما في رقبتها ليقول: "اسمعيني الآن لا وقت لدينا، يبدو أن مجرى الهواء لديها تضخم وأنسد ويجب أن نخرج تلك الدماء من منطقة أخرى حتى تستطيع التنفس لن يكون هناك وقت للذهاب للمستشفى أريدك أن لا تهتز يداك حتى تقومي بإمساكها جيدا ولا تخافي مما أفعل"
لترقبه وهو يقوم بفتح مشرط طبي صغير للغاية وهو يكمل ويشير لنقطة في جانب عنقها بجانب الحنجرة: "سوف أقوم بفتح ثقب صغير للغاية هنا"
لتجزع وهي تصرخ به: "لا لن استطيع لن تدخل شيء حاد في جسد ابنتي لن استطيع أن أرى"
ليقول بتأكيد حازم جاز على أسنانه: "بل تستطيعين يا إسراء إن كنتِ لا تريدين فقدها ابنتك تموت ولا طريقة أخرى لإنقاذها ولا وقت لجدالك العقيم"
بيدين مرتعشة ثبتت جسد الصغيرة بدون رد وهي تنظر له برجاء ودموعها تنهمر بدون توقف تشاهد يديه الثابتة والمتمكنة كما يبدو لها توقف للحظة عندما وصل المشرط لهدفه وكأنه لا يستطيع أن يفعلها.
خرج صوتها متحشرج تغص ببكاء تلفت انتباهه لتردده تعلم جيدا أنه الحل الوحيد حتى لو أنها مرتعبة ولا تستطيع فعلها ولكن ما البديل؟
: "مراد، أرجوك لا تجعلني أفقدها افعلها من أجلها"
أغمض عينيه بقوة للحظة ليفتحها على اتساعهما، يأخذ خطوته بثبات لم يهتز له جفن واحد فقط من أجل أن لا يفقدها.
وضع المشرط الحاد ليفتح فتحه صغير بمهارة عاليه بجانب حنجرتها لتدفق بعض الدماء منها أنزل يده يضعها على قلبها الصغير يمسد عليه بقوة مجرد ثوان قليلة ليبدأ جسد الصغير في الاختضاض وتبدأ في سعال حاد.
نهض مسرعاً وهو يحمل جسدها بين يديه ويرى إسراء توشك على الانهيار وميرا التي تراجعت للوراء تراقبهم برعب.
ليأمرها: "احملي ميرا واتبعيني سريعاً"
ليخرج مسرعاً بدون أي كلمة إضافية لتتبعه وهي تقريباً فاقده لأي شعور حولها حتى لا تعي لاحتضانها لميرا وكأنها ستفقدها هي الأخرى.
صعد جميعهم إلى السيارة ليجعل إسراء في المقعد الخلفي وهي تحمل تاليا علي ركبتيها، ليخبرها:" لا تدعي يدك تهتز حتى يجب أن تضغطي على الجرح بقوة حتى نصل هل تفهمين؟"
أومأت له بصمت وهي تضم ابنتها إلى صدرها وتعتذر منها بصوت خافت.
وقت قليل وكانت السيارة تصل إلى المستشفى؛ ليسلم صغيرته إلى حجرة الطوارئ ليخبرهم بدقة عن التحسس الذي لديها من مادة (الكتوز) الطبيعي التي تتواجد في الحليب وبعض مشتقاته، وعما حدث منذ قليل بالتفصيل.
وهاهم ينتظرون منذ ساعة تقريبا خارج الغرفة.
نظر إلى إسراء التي لم تتحرك من أمام الغرفة دموعها لم تتوقف لحظة واحدة ولا دعواتها إلى الله ألا يفجعها فيها لم يستطع أحد أن يقنعها أن تجلس على إحدى المقاعد أو أن الصغيرة ستصبح بخير بعد بعض الأدوية التي سيمنحونها لها ويعقمون الجرح الذي فعله هو بيديه.
وجهت بصرها إليه، لتخاطبه بهذيان وكأنها تريد الاطمئنان منه هو: "لن أفقدها يا مراد ستصبح بخير لن يحدث لها شيء أنا لم أقتلها"
نظر إليها بغضب منها لا يستطيع حتى أن يتفهمها في هذه اللحظة فيما كانت تفكر ما الذي كان يشغلها حتى تخطئ في شيء بسيط كهذا عاد بعينيه إلى ميرا التي تتشبث به برعب مما يحدث.
لتكمل إسراء حديثها الموجه إليه وصوتها يصاحبه النحيب واليأس من نفسها وأخطائها التي لا تغتفر: "بل انه خطئي أنا من منحتها الأداة القاتلة بيدي أنا التي لم انتبه يا الهي فيما كنت أفكر كيف لم أتبين الفرق بين العبوتين"
ليجاوبها وصبره قد نفذ لا يستطيع حتى أن يستمع إلى صوتها في هذه اللحظة: "
حسناً إن كنت مصرة هذا خطئك وأنتِ المسؤولة الوحيدة عما حدث لها هل صمتي الآن"
نظرت إليه بعجز وقهر كانت بحاجه له أن يطمئنها أن صغيرتها بخير يقف بجانبها لا أن يهاجمها هكذا.
أبعدت نظراتها عنه عندما ترك ميرا على إحدى المقاعد والتي يقف بجانبها عند خروج الطبيب من باب الغرفة.
تنفست براحة قليلاً عندما اخبرهم أن حالتها أصبحت مستقرة الآن وكل شيء بخير ومؤشراتها جيدة للغاية مع تأكيده على مراد لو لم يكن امتلك الشجاعة لفعل هذا الثقب ربما لم يكن يستطيع إنقاذها.
ليخبرهم أيضاً أنهم يستطيعون اصطحابها إلى المنزل ولكن مع مراعاتها بحذر والتزام المراقبة الشديدة إلى أن تتجاوز الأمر كليا.
ليقوم مراد بشكره.
بعد مرور أربع ساعات أخرى وتأكد الأطباء أنها بخير تماما بل واستيقظت وتناولت بعض السوائل.
عادوا جميعا إلى المنزل مرة أخرى؛ نقل ميرا التي كانت نامت بالفعل في السيارة بعد هذا اليوم المرهق والمرعب لها، يعلم أن ما مرت به اليوم وهي ترى أختها تتعرض للموت وهو يقوم بذبحها كما أخبرته، لم تتفهم بعد أنه كان ينقذها ومع انهيار إسراء و تكرارها المستمر بأنها من قتلتها لم تقتنع ميرا بعد بأن ما حدث ليس هما المسؤولين عنه، ربما اطمأنت قليلا عندما جعلها ترى تاليا وتقوم بتقبيلها واحتضانها بل وجعلها تساعدها في شرب بعض الماء.
ليعود مرة أخرى لأخذ الصغيرة من إسراء التي يبدو لم تفق من صدمتها بعد.
لتوجه له الحديث وهي تراه يقوم بإدخالهم غرفتهم لا كما تعود في الشهر الماضي بالنوم معه: "لما تقوم بداخلها هنا هل ستجعلها تنام معي ؟"
لم يرد أيضاً وهو يريح الصغيرة على فراشها الخاص لتقوم بمتابعته هي لتقترب من الفراش تريد احتضانها.
ليوقفها مراد وهو يقوم بإمساكها من ذراعها والضغط عليه قليلا ليمنعها من التقدم أكثر.
لتنظر له بعدم فهم لما يمنعها؟!، ليخبرها بصوت خافت قليلا: "ابتعدي الآن عنها يكفيهم رؤيتك بجزعك هذا لقد أصبتِ الاثنان بالذعر أكثر مما حدث بالفعل "
لترد عليه ببعض الخوف مما قد تسمعه منه: "ماذا تقصد بابتعادي عنها هي تحتاجني الآن وهذا في الأساس مكان نومي"
ليأمرها بصوت صارم، يريدها أن تتماسك أولا قبل أن تقترب من أي منهما، لا كما حدث في المستشفي بمجرد رؤية تاليا عندما سمح لهم الطبيب انهارت مرة أخرى وهي تردد بأنها السبب وكانت سوف تقتلها.
ليقول: "لم يعد مكانك هذه حجرة الصغيرتين فقط مكانك تعلمين أين هو جيدا
والآن لن تقتربي من إحداهن"
لتعترض برجاء: "مراد أرجوك، أنا احتاج لضمها ...."
اخرجي حالا يا إسراء لن أكرر كلامي، وأحذرك إياك وأن يعلو صوتك مجددا، دعي هذه الليلة تنتهي على خير"، ليقوم بإزاحتها خارج الغرفة ويغلق الباب في وجهها.
وضعت رأسها على الباب تنتحب بعجز ما كانت تخشاه سوف يحدث وقريبا مراد لن يرحمها سيستغل كل شيء ضدها ليحرمها من طفلتيها هي المخطئة لا أحد غيرها ظلت على وضعها أمام الغرفة بعض الوقت لا تجرأ حتى أن تفتح الغرفة وتذهب لطفلتيها بقلة حيلة وكأن شيئا ما يحركها ذهبت إلى غرفته و توجهت إلى الحمام على الفور نظرت إلى هيئتها في المرآة لترى مظهرها المزري والبشع عينيها متورمة وحمراء بشرتها البيضاء شاحبة بشدة بل ربما يعلوها بعض الاصفرار فتحت صنبور المياه لتغسل وجهها لتحدق في يديها التي بها بعض الدماء بصدمة نزلت ببصرها إلى ملابسها لتجد بعض نقاط الدماء القليلة للغاية منثورة على صدر فستانها.
بدون تفكير توجهت إلى حوض الاستحمام لتدخل إليه بكامل ملابسها وتفتح عليها المياه وكأن المياه هي ما ستخلصها من كل ما تشعر به رؤية ابنتها تموت بين يديها وهي عاجزة عن أي فعل يقتلها ببطء يشعل نار قاتله في صدرها لا تستطيع محو هذا المشهد من تفكيرها والذي يضع لها كل الاحتمال أنه لو لم يعود مراد في الوقت المناسب....؟
وضعت يدها على فمها بقوة وصوت نشيجها العالي يصم أذنيها وكل جسدها ينتفض من هول ما مرت به أغمضت عينيها بقوة وهي تتذكر صورة ممدوح أخيها وهو ملقي في المستشفى بوجه بعد عدة جروح غائرة وجسد مستسلم للموت موصول بعدة أجهزة هي كل صلة له بالحياة.
كل ما يدور في خلدها الآن لما الحياة قاسية هكذا معها ومع أخوها لمَ لمْ يستطع أحد منهما أن يحصل على سعادته؟، ما الجريمة التي ارتكبوها ليصبح مصيرهم هكذا؟
فأخيها أصبح عاجز وربما مشوه وهو لم يكمل عامه التاسع والعشرون بعد وهي سيُصبِح في القريب أو البعيد مصيرها كمصير والدتها الراحلة ومراد سوف يأخذ طفلتيها وما حجتها الآن للاعتراض وهي كادت أن تفقد إحداهن.
لقد خسرت نفسها، ابنتيها، ضاع كل شيء ...كل شيء ...الكابوس المرعب الذي قاومته طوال سني حياتها تمكن منها أخيرا.
أما هو كان يقف على باب الحمام يسمع صوت الماء المنهمر المصحوب بصوت بكائها؛ بكاء مصحوب بالاستغاثة من نفسها أولاً بكاء حاجة وندم خفق قلبه بشدة هي تحتاج إليه الندم يعتصره لقسوته عليها ولكن مشهد ابنته وهي تموت بين يديه لم يجعل لديه ذره تفكير واحدة كان يجب أن تشعر بما كادت أن تقترفه؛ خطأ صغير!
فيما كانت تفكر بحق الله، زفر بضيق لم يعد يستطيع أن يستمع لنحيبها ربما هو أيضا يحتاجها مثلما تحتاج أحدً بجانبها.
فتح الباب على الفور بدون حتى أن يستأذنها المشهد الذي رآه أوجعه بشده عليها وهي تجلس في حوض الاستحمام بكامل ملابسها تسند رأسها إلى الحائط وتغطي فمها بكلتا يديها بقوة في محاولة منها على ما يبدو لكتم بكائها.
تقدم ببطء منها وبدون تفكير دخل هو الأخر بملابسه وجلس بجانبها ليشدها بقوة إلى أحضانه لم تقاومه بل على الفور لفت يديها على خصره تضمه إليها كما يضمها إليه دموعها لم تخف بل وكأنه أعطاها الإشارة لتبكي وتنتحب بصوت عالي أكثر.
لتخبره بحرقة: "لقد كدت أن أقتلها هل رأيت كيف كان وجهها متورما، لا أستطيع أن أمحو ما حدث من رأسي"
ليحدثها بصوت أجش: "اهدئي، ستكون بخير، أنت لم تقتليها، إنها طفلة والحوادث تحدث طوال الوقت دائما هذا ليس خطئك"
: "بل انه خطئي يا مراد"
ليقول بصبر وهو يمد يده يغلق المياه المنهمرة عليهما: "ومن منا ليس معرضا لارتكاب الأخطاء كل ما يهم الآن أن ابنتنا بخير يجب أن تتماسكي من أجلهما ميرا مرتعبة وتاليا ربما لا تعي ما حدث وجزعك هذا هو ما سوف يرعبها يجب.. من اجلهما أن تتماسكي قليلاً ما حدث قد حدث ما يهم الآن أن ميرا وتاليا في الغرفة المجاورة تنامان بسلام وأمان"
لترفع إليه عينيها تسأله بخوف مما قد يخبرها إياه: "أنت ستأخذهم مني ستستخدم هذا ضدي لقد وجدت فرصتك"
تسمر للحظة وهو يستوعب ما تخبره به هل وصل بها تفكيرها وعدم الثقة إلى هذا الحد وسط كل ما حدث هل هذا ما توصل إليه عقلها المريض.
ليتركها وهو يمسك عضديها ينظر لها بذهول، ليقول: "ما الذي تقولينه هل وصل عدم ثقتك بي إلى هذا الحد أم هو مرض متفش فيك ماذا تظنين في يا إسراء لأكون ندل في نظرك هكذا استغل خطأ وارد أن يحدث لأحرمك من أطفالك لا فائدة منك قلتها سابقاً و سوف أظل أخبرك بها أنت حاله ميؤوس من أصلاحها يوماً"
أوشك أن يتركها ويغادر، ليفاجئ بها تتمسك به بشدة، لتحدثه برجاء وهي تنظر له بعيون مهزوزة: "لا تتركني ابقي بجانبي أرجوك أنا أحتاجك "
زفر بضيق ليعود مرة أخرى لمكانه جانبها، لتزيد من حيرته أكثر وهي تلقي نفسها علي صدره وتحيط خصره بيديها رفع يديه مرة أخرى يضمها إليه بدون تردد وهو يتناسى سؤالها الغبي الذي جرحه للصميم.
لتعود بسؤالها بصوت خافت وبكائها يخف قليلاً: "لما طردتني من غرفتهم ولما لا تجعلني ابقي معهم أنا احتاج قربي منها"
: "لأنك بهذه الحالة يا إسراء ستزيدين من فزعهما، لم اقصد طردك ولكن كان يجب التعامل معك بحزم قليلاً"
: "أنا متعبة للغاية لا أريد إلا ضمها إلى صدري لأطمئن حقاً أنها بخير، يا الهي يا مراد كنت سوف أموت؛ شعرت أن قلبي توقف عن العمل، أن أكون أنا السبب في فقدي لابنتي، مثلما كان أبي السبب فيما حدث لممدوح"
لتكمل بحرقة: "لما الحياة ليست عادلة معنا؟! ما جريمتنا الكبرى التي لا تغتفر؟ !، أنا رضيت بحياتي السابقة معك، لأني كنت سعيدة فيها"
لترفع وجهها إليه تنظر في عينيه بعذاب، تسأله بصوت منكسر: "ألم تستطع الاكتفاء بي ماذا كانوا يزيدوا عني ليجروك لخيانتي؟، أم هذا طبع فيك؟، آه يا مراد لم فقط؟، لم تسببت لي في كل هذا الألم؟، كنت طوَّق النجاة لي، لما حرمتني أنا وطفلتي من الشعور بالأمان في أحضانك؟".
: "لم أخنك !، متى تفهمين؟، متى تصدقين؟".
تابعت بصوتها المحترق تهتف بِه بحدة: "لقد خنتني، لقد رأيتك بعيني... لقد.. "
ضربته على صدره بقوة: "لما فقط؟؟؟؟"
لتقطع جملتها بنفسها وهي تضع شفتيها الرقيقتين على فمه بقوة وكأنها ما عادت تحتمل ألم أشواقها إليه، وكأنها تريد محو كل صورة له في عقلها بتواصلها معه، وكأنها تخبره بدون كلمات عن حاجتها لتصديقه، احتياجها للنسيان.
لم يفكر مرتين وهو يتولى منها المبادرة ليزيد من التفاف ذراعيه حولها يضمها إلى صدره بشدة، لم يفكر بشيء إلا أنها معه تريد وصاله؛ يديه ارتفعت تبعد خصلات شعرها المبتلة، مرر يده برقة على عينيها و رموشها التي ازدادت كثافة بفعل الماء المنهمر. ابتعد عنها قليلا بأنفاس ساخنة يمرر يده على طول وجهها ازدرد ريقه بصعوبة وهو يرى شفتيها الورديتين الشهيتين منفرجتين قليلا، أراد أن يعود لتقبيلها بقوة يبثها كل اشتياقه إليها.
ليقول بدل عن هذا: "إسراء لم أخنك أبدا، لم أمس امرأة قط، منذ زوجي بك ..إسراء أنا... "
لم يستطع أن يسترسل في الحديث أكثر؛ افتقاده لها وهي قريبة، بعيدة هكذا جعله يصل إلى أقصى درجات فقد السيطرة خاصة وهي تبدو مسالمة وعينيها تخبره بيأس أن يأخذ عنها المبادرة. اقترب منها مرة أخرى سريعاً لتقابله بنفس اللهفة وهي ترفع يديها تضع أصابعها في شعره الكثيف تشده إليها.
لتأن بصوت خافت تحت قسوة قبلاته، فيتركها مرة أخرى وهو يسألها بصوت لاهث والدماء تضخ في أوردته تضامنا مع عنف نبضات قلبه: "أنت تعين ما يحدث الآن؟، لا كالمرة السابقة؟، أنت تريدين هذا أم تتراجعين... ؟"
نظرت له بضعف مهلك ولكن واعي لكل ما يجري: "لا تتركني مراد، إياك أن تجرؤ وترفضني، لن أحتمل رفضك لي"
تأوه بصوت عال مرتجف مشحون بالعاطفة وهو يرفعها من خصرها لتشهق وهي تجد نفسها في لحظة تعلو ركبتيه يضمها إلى جسده القوي البنية، أنفاسه تلفح وجهها ليرفع يده يضعها خلف رأسها ليدفعها يضع جبهتها ملاصقة لجبهته عينيها مقابلة لعينيه ويده الأخرى تحيط وجهها، أنفاسها تخالط أنفاسه، ليخبرها بصوت مشحون بمشاعر باشتياقه إليها: "ماذا تفعلين لي؟، لما أصبح هكذا؟، منذ رأتك عيناي، كيف تستطيعين بكلمة منك أن تهزي عالمي لأنسى كل شيء وأصبح فقط عاشق في محرابك"
لم يمهلها الرد وهو يلتقط شفتيها يقبلها مرة أخرى؛ بجموح رجل يائس منها وإليها، لترتفع يديها تتشبث بكتفيه وكأنها تتمسك بكليهما من الغرق في أوج عاطفته الذي يغرقها فيها، اعتقد انه من الممكن أن تدفعه أو تتراجع ليجدها تبادله قبلته بنفس الشغف وكان حياتها متوقفة عليها عندما لم يستطع أن يسيطر على نفسه أكثر يديه التي تحيطها انزلقت لقمة فستانها القطني الذي ترتدي، لم يفكر مرتين وهو يمسكه بكلتا يديه ويمزقه عنها.
انفصلت عنه، تشهق بصدمة، على صوت تمزق ملابسـها، تمتمت بلهاث من مشاعرها: "ما الذي فعلته؟!"
ليقف من حوض الاستحمام الذين نسيا في أوج عاطفتهم أنهم بِه، وهو يحيط خصرها بقوة لتزيد من تشبثها بكتفيه، هدره فيها من وسط أنفاسه العالية: "اخرسي ولا تسألي.."
ليخطو بحملها، إلى داخل الغرفة لينزلها على الأرض مرة أخرى، لينزل حافتي الفستان الممزق ليسقط بين قدميها وهو يخبرها بصوته المخنوق بعاطفته: "كان بشع على كل حال وأنت تتمسكين به لتداري عني تفاصيل جسدك؛ كنت أريد فعلها منذ وقت طويل"
نظرت إليه بعيون منبهرة هذا هو حبيبها القديم الذي كان يغرقها بعاطفة لم تعرفها يوما، لتتأمله كما يتأملها، تلتهم تفاصيل جسده الرجولية؛ طوله الفارع، وجهه الجذاب خشن الملامح، بشرته السمراء والتي تعود إلى أصوله الجنوبية. مراد كان ومزال كتلة من الجاذبية في كل تفاصيله.
لتنطق بدون وعي وهي ترفع يديها إلى شعره الكثيف فاحم السواد في حركة تعرف أنها تثير جنونه لتغرس أصابعها فيه.
وتخبره همسا: "لم يقتلك شوقك وحدك، أنا أيضا افتقد كل ذرة فيك"
ليرد بصوت لاهث وهو يدفعها بتهور ناحية الفراش: "أنت تقتلينني..."
لتتابع همسها بعد أن استلقت بفعل دفعته ليتبعها وهو يعلوها، لتسأله وهي تواجه عينيه: "لما مراد؟، لأني افتقدك، أنا افتقدك كما لم افتقد أحدً في حياتي ولا أعتقد أني سأفعل لسواك"
ليدفن وجهه في عنقها يتأوه بخشونة ليأمرها بصوت خشن:" إذا اثبتي لي أشواقك تلك" لتحيط ذراعيها عنقه في مبادرة لتفعلها.
بعد وقت طويل،،
نطقت بارتباك تقطع تفحصه لها: "السرير ابتل بفعل ملابسك المبللة"
ليرفع حاجبيه وهو يبتسم لها بمشاغبته القديمة ليقول: "هناك إحداهن لم تعطني الفرصة لخلع ملابسي قبل أن أحتل الفراش"
ليغمز لها بعينيه: "ماذا إسراء هل هذا كل ما أتى به تفكيرك بعد كل هذا الغياب بيننا؟ !"
تمتمت بارتباك ووجها تعلوه حمرة الخجل، تريد التهرب منه لا تعلم كيف فعلت هذا معه منذ ساعات ولا تدري ما كل هذا الذي أخبرته به ولكن كل كلمة خرجت منها صادقة تعترف لنفسها هي تفتقده لتقول بدل عن هذا: "يجب أن اذهب لأطمئن على الصغيرتين لقد تركناهما منذ وقت طويل "
مال فمه بنصف ابتسامة وهو يتأمل ارتباكها، ليقول بصوت أجش: "إسراء لن تتحركي من هنا، الصغيرتين بخير، لا تقلقي لقد كنت أكثر وعي منك وقمت بتشغيل الجهاز الخاص بمراقبتهما، لو استيقظت إحداهن لكنت علمت على الفور"، ليردف وهو يقربها منه ويضمها إليه يضع رأسها على صدره ويحيط جسدها بجسده
: "لقد كنت أراقبك أنت طوال الشهر الماضي من خلاله وبعد أن تستسلمين للنوم أخيرا أذهب إليك كأي مراهق ساذج يا غبية بدون أن تشعري باحتراقي إليك لأضمك إلي بعض الوقت وأسترق بعض قبلات منك"
دفنت رأسها في صدره أكثر وهي تخبره بصوت أجش اختنق بالعاطفة والشوق والارتباك: "لم أكن غبية تماما، لقد كنت اشعر بك وأنعم بتلك اللحظات بدون أن أجعلك تشعر بي"
صمت للحظات ليقول بخشونة: "إذا أنا الغبي، إذ لم أشعر بك وأنت تجيدين التمثيل بعدم الشعور بي، أنت كنت قاسية وبشدة علي.. يا إسراء"
لم يتحدث بعدها احدهم لوقت طويل.
ليقطع هو الصمت وهو يبعدها قليلا هنا ليخبرها ببعض الجمود مما يفكر به
: "ما حدث اليوم اعلم جيدا انه حادث عرضي وربما يحدث في أي مكان ولكن أريد أن اعلم ما الذي جعلك ترتكبين هذا الخطأ أين كان عقلك؟"
تنهدت بألم وهي تقول: "لقد تلقيت اتصال من المستشفى التي يوجد بها ممدوح اليوم "
غصة تعلقت بحلقها وهي تخبره بألم: "لقد تأكدوا أن ممدوح أصيب بالشلل ويجب أن يخضع لجراحات متعددة وعلاج طويل وربما شفي وربما لا؟، اتصلت على حسين مجبرة لأخبره بعد أن اخبرني الطبيب الخاص به بأنه لم يستطع أن يصل لأحد من العائلة غيري لترد بدلا عنه فريال لتخبرني بشماتة أنهم علموا بالفعل وبان أبي رفض أن يذهب إليه ويرفض التحدث معي متعللا بأنه مصدوم الآن وحزين لقد شمتت بأخي وأيضا...."
اهتز صوتها بقوة وهي تخبره بتقطع وغصة علقت في حلقها: "لقد قالت لي أنك سوف ترميني مرة أخرى، وبأنك أخبرت عائلتك هناك بأنك ستأخذ بناتي مني وتعود بعد أن تطلقني هذه المرة طلاقا نهائيا"
وضع يده أسفل وجهها وهو يرفعه إليه، ليقول بنفس الجمود و ردها الذي يتوقعه يوجعه بشدة: "وأنت صدقتها !"
اهتزت حدقتيها باضطراب وهي لا تجد ما ترد به عليه.
علم إجابتها بدون حاجة منها لنطقها، ليخبرها بنفس الجمود وهو يبتعد عنها ليعتدل و يجلس على طرف السرير يوليها ظهره وكأن رؤيتها أصبحت توجعه.
ليقول: "لقد حان وقت حديثنا يا إسراء، لم يعد ينفع تهربك من الحديث، أو صمتي بعد الآن"
لتخبره بتوتر: "أي حديث هذا الذي تريده ومصر عليه؟، منذ وقت عودتي إليك، ما حدث هناك لقد رأيته بعيني وعشت معك أخر فترة من زواجنا أعاني منه"
ليلتف إليها بحدة وعينيه تطلق شررا وكأنه فقد كامل سيطرته الآن.
ليقول بشراسة: " دعينا مما رأيتِ أخر مرة، إذ أنك ترفضين الاقتناع بأنه ترتيب مني ولم يحدث أي شيء بيني وبينها، لم ألمسها لا هي ولا غيرها، ولكن ماذا رأيتِ من خيانتي، ما هو دليلك الملموس لتتهميني بالخيانة؟، ما الذي فعلت لجعلك تتخيلين هذا حقيقة؟"
لترد بصوت ارتفع قليلاً: "لم أتخيل يا مراد أنه واقع، كنت أشعر به داخلي لا أحد مثالي، لا رجل لا يخون، كيف يعقل وأنا أرى النساء تغازلك أمامي وأنت تبادلهن الابتسامات بل وفرحة غامرة أراها على وجهك"
ليعقد حاجبيه وملامحه تتغضن بقوة:" هل أنت مجنونة يا إسراء؟ !، هل بنيتي شكوكك واتهامك لي بناء على ابتسامتي؟ !، أي نساء تلك لم أتحدث مع امرأة قط خارج نطاق عملي كمهندس ديكور، والمجملات الرسمية جزء من عملي، بحق الله هل تتوقعين أن يأتي لي ﻋميل لأعبس في وجهه؟ !"
ليردف بقوة يواجهها: "أنت لا تجدين الحجة القوية حتى، واجهي نفسك لا أحد السبب في انهيار حياتنا إلا شخصين وضعهم خيالك حائل بيننا"
لينظر لعينيها وهو يخبرها بقوة يريدها أن تعلم من السبب حقاً؟، من كان الخائن ولو في تفكيره، ليقول:" والدك وإيهاب، أحدهم لديك عقدة من أفعاله وكنت مرتعبة أن تكرري مأساة والدتك بسببه"
ليجز على أسنانه وهو يتذكر وعده لنفسه بأن يتحملها وهو يقاوم نفسه بضراوة الآن من تحطيم رأسها الغبي: "والآخر إيهاب، طليقك الذي وضعته مثلا أعلى لك في عالم الرجال، ليكون حائلا بيني وبينك، ثغرة قوية كنت كل يوم تزيدين من اتساعها بيننا لتصبح حفرة عميقة نعاني الآن في تخطيها "
لتجيبه بشراسة تنفي بشدة لنفسها قبله، ربما لأنها تدرك أن ما يقوله جزء من الحقيقة: "لا أنت لن تلقي اللوم علي الآن ويصبح خطأ وانهيار حياتي سببه أنا لا خيانتك وحبك للنساء"
اقترب منها مرة أخرى يقرب وجهه من وجهها، ليهز رأسه يخبرها ببرود: "صدقتِ هذا أم لا ولكنها الحقيقة التي يجب أن تواجهي نفسك بها أولا، حتى تقتنعي وبعدها فقط ستعلمين أنك الملامة الوحيدة في بعدي عنك، لقد جعلتني أمام نفسي حقير وعاجز وأنا ألجأ لهذه الطريقة الرخيصة والمهينة لي لأعاقبك، بعد أن أهنتِ كرامتي مرارا وتكررا وأنت تتشدقين بحديثك عن إيهاب أو تنئين بنفسك عني، أتعلمين ماذا يعني للرجل بأن ترفضه زوجته في الفراش وهي تتبجح في الحديث وتشيد بصفات رجل أخر وتقارنه به؟، أتعلمين ماذا يعني اتهامك لي مرارا وتكرارا بخيانة لم ارتكبها طوال الوقت؟، وأنا أحاول كل مرة أن أتحمل من أجلك ومن أجل طفلتي؛ كان يجب أن تعلمي أن الخيانة لم أكن عاجزا عن فعلها يوماً ولكن لم أفعلها لأني أحببتك، لأني ببساطة لم أردها وليس من أجل الخوف منك، الخيانة سهلة يا إسراء إن أراد الرجل؛ ليس بالضرورة الجسد من الممكن أن تخون الروح، العقل، الفكر آو حتى اللسان وهو يشيد بأفعال شخص أخر غير الحبيب قد تخون العينين إن فلتت منها نظرات إعجاب أو شهوة لأحد أخر غير الحبيب أو الزوج ليس بالضرورة فعل جسدي تنحصر به،
وأنا لم أقم بخيانتك بأي طريقة مما ذكرت لأني ببساطة لم أرد لأني أحببتك واكتفيت بك، لكن أنت هل اكتفيت بي يوماً؟، هل تستطيعين أن تخبريني في وجهي الآن انه لم يكن جزءً منك يخونني ولو في تفكيره بالندم على زواجك مني ومقارنتي به هو .."
شحب وجهها بشدة لتنكس رأسها وهي تهزه بصوت مرتبك وهي تقول: "لا تحاول قلب الطاولة علي يا مراد وأصبح أنا الخائنة لا أنت، أنا لم أتمنى أبدا عودتي إليه الأمر ليس كما تقول أبدا "
: "إذا اشرحي لي كيف يكون الأمر؟، كيف كنت تقارني بيني وبينه؟، تريدين إقناعي أنك لم تقارني بيننا في عقلك وتفكيرك المريض؟، أنك لم تعقدي المقارنة بيننا دائما !"
رفعت وجهها إليه بقوة لتجاوبه وهي تشدد على كل حرف يخرج منها : "بلا مراد، كنت أعقد المقارنة ولكن أريد أن أخبرك أولا إيهاب كان لفترة طويلة في حياتي حصني الأمن النقطة الوحيدة في عائلتي التي لم يشوبها السواد كان الرجل المثالي.. "
اقترب منها أكثر وكأن سيطرته وحلمه خرج من يديه ليمسك كتفيها العاريتين بقسوة مؤلمه يهتف بها بشراسة: "لا تنطقي اسمه وتشيدي بمكانته لديك وأنت في فراشي وآثار دمغي لك ما زلت تحملينها"
لتكمل بالألم من إمساكه بها ولكن لم يهتز لها جفن واحد وهي تنظر له: "لن تمنعني يا مراد يجب أن تسمع، أنت أردت الحديث إذا فل يكن..."
: "يا غبية اخرسي أنا أحذرك"
لتكمل غير مبالية بيديه التي تضغط بقوة عليها أو حتى بتحذيره لها: "كما أخبرتك وأنت تعلم جيدا، لوقت طويل أبي كان منغمسا في حياته مع فريال والحياة هناك في أمريكا لم تكن سهلة؛ وأنت تعلم هذا وبرغم هذا لم يكن فارق العمر بيني وبين إيهاب كبير ولكنه كان يجيد الاعتناء بنا، كبرت وأنا أراه لا يشرب مثل العديد من الشباب لم أراه يوماً مع الفتيات، بل لم أره يبادل أي فتاة الاهتمام رغم أنه كان هناك العديدات من حولنا، جذبته وتزوجته وكان مخلصا لي "
ليهدر بها: "وكيف تتأكدين منه هو وأنا لم تري مني شيئا وتشكين بي كيف هذا؟؟"
ردت باستسلام: " لأنه هو أو كما اعتقدت إلا أن اكتشفت الحقيقة شخص مثالي لا شائبة عليه أما أنت..." صمتت لبرهة لتضيف بإقرار: "ما الذي أعرفه عنك يا مراد
غير أنك الشاب العابث؛ من يستطيع أن يعرف ثلاث نساء في وقت واحد بدون أن يكتشف أحد أمره، مراد الوسيم بخشونته العربية والنساء تتهافت من حاوله الذي كان يتبجح حتى أمامي سابقاً عندما كانوا يسألونك لما ترفض الزواج لتخبرهم بعبث أنك تحب أن تتذوق جميع الزهور، تعشق الحرية وأنك حتى لو تزوجت ستستمر في فعلها، وسوف تكون زوجتك لإنجاب أطفالك فقط هل تستطيع إنكار هذا؟" لتضيف بخزي: "وخطئنا الأكبر أنا وأنت زواجنا، نعم أعلم أنك لم تقترب مني وأنا زوجة أخر لكن أنت لم تتورع أن تجهر بها أمام الجميع؛ أنك كنت تحبّني وتريديني وأنا زوجة صديق عمرك، من كان في منزلة أخوك، أنت استطعت أن تلف عقلي في بضع أيام فقط وتسيطر علي، أي تفكير لدي لأوافق على الزواج منك، أنت لا تهتم بالروابط يا مراد أمام ما تريد، إذا لم تهتم بصداقة دامت خمسة عشر سنة ما الذي يجبرك أن تحافظ على علاقة وليدة بيننا؟"
ترك ذراعيها ببطء، وهو ينظر لها بذهول من كل كلمة خرجت منها، هل كانت تحمل كل هذا لم يفهمها حقاً، ليقول وكأن ما تقره وتخبره به أنساه ما كانت تقوله عن علاقتها بالأخر.
ليقول بصوت جامد لا حياة فيه: "هل كنت تعيشين معي وتنجبين مني وأنت من البداية لا تثقين في حتى؟، بل وتحملين كل هذا في قلبك؟، حتى حبي لك اعتبرته خيانة وشككتِ فيه؛ لما تزوجتني إذا؟، لما عيشتي معي أول ثلاث سنوات من زواجنا راضية وسعيدة؟، ولم يكن يعكر صفو حياتنا شيء، كيف لم استطع أن افهم ما يدور في خلدك؟"
أغمضت عينيها بإرهاق لتجاوب باستسلام: "لم تفهم مقصدي يا مراد؛ في أول زوجنا كنت أثق بك حقاً ولم أفكر في أي شيء أو تهتز ثقتي حتى في طريقة زواجنا بل كنت ومازلت ممتنة لوقوفك في وجه الجميع من اجلي"
ليسألها: "إذا !، ماذا حدث لتفكري هكذا؟، ماذا فعلت لتعودي وتشكي بي؟ "
تاهت عينيها وهي تهز رأسها بحيرة: "لا أعرف، عند إنجابي ميرا أنت أصبحت تبتعد عني بحجة عملك الذي لا ينتهي، بدأت أتذكر كل كلامك أنت تريد زوجه تثق بها لتستطيع منحها اسمك ولقب أم أطفالك بدأ كل شيء كنت تخبرنا به سابقاً يطفو ليظهر، والذكريات هي الأخرى لم ترحمني؛ صورة أمي وإهمال أبي لها، بدأت تتراءى أمامي، رؤيتك وأنت تحدث العديد من النساء بحجة العمل، والابتسامات التي تعلم
مغزاها جيدا في دعوة صريحة منهن وفجة لك وأنت تبادلهن ما يفعلن، يحدث أمام عيني بدون أي مراعاة لي "
ليصرخ بها: "لم يحدث؟، متى تفهمين هذا؟، كانت مجاملة، عملي يتطلب هذا، كما أني لم أهملك أبدا "
صمت لبرهة ليقول بتأكيد وثقة: "إسراء أنت تبحثين عن أي حجة قوية ولا تجدين سببا حقيقيا لتفكيرك هذا ولكن أنا الآن علمت أنت لم يكن لديك أي ثقة بي وضعتني مع ماضي والدك في خانة واحدة وبقوة لتريحي عقلك في اتهاماتك لي ولكن هو كان منطقتك الآمنة دائما التي لم استحقها أنا برغم كل ما فعلته لكِ"
ليسألها فجأة والألم يفضح نبرات صوته: "هل أحببتني يوماً يا إسراء ؟؟؟"
ارتبكت لحظات من سؤاله، لترد بدون سيطرة علي كلماتها تريد أن تريح قلبها وتخرج ما به: "إيهاب كان ..."
ليقاطعها بغضب أعمى وهو يصرخ بها: "يا الهي كيف تستطيعين فعل هذا !، أي قذارة تحملين في قلبك ورأسك !، والله يا إسراء أنت حقاً تستحقين الطلا..."
لتقطعه وهي تقفز من الفراش وتلف الملاءة حولها تغطي جسدها بتعجل وهي تصرخ فيه: "إياك ونطقها يا مراد قبل أن تسمعني أنت أردت إجابة إذا يجب أن تسمعني للنهاية "
لتكمل سريعاً وهي تراه يهم بالمغادرة ويبدأ في ارتداء ملابسه بالفعل وكأنه لا يسمعها
لتقول بصوت عال غير مكترثة برد فعله: "إيهاب كان مجرد زوج لم يصل لقلبي يوماً كان مجرد أمان لا أكثر، لم اهتم حتى بأي شيء يخصه، لم يستطع أن يصل حتى لقشرتي الخارجية، أما أنت.. !، تغلغلت إلي أنفاسي، أنت جعلتني أشعر بأنوثتي المرأة داخلي ولدت على يديك أنت "
ليتوقف عما يفعل، ليترك باقي ملابسه ويبدأ في الاستماع إليها باهتمام وهو يقترب من مكان وقوفها.
لتبدأ نبراتها تهدئ قليلاً وهي تضيف، ودموعها تبدأ في الهبوط: "أتذكر ليلة زفافي منك يا مراد، أتذكر ماذا قلت لي، أمرتني بأن أنسى أني كنت زوجة لأخر، أخبرتك يومها بأني أترقب كل فعل منك كأي فتاة لم يسبق لها الزواج؛ ما لا تعرفه أني كنت حقاً كما لو أنه لم يسبق لي الزواج، بين أحضانك كنت أشعر بأنوثتي، أتحرر من خجلي، ما منحته لي وبادلتك إياه لم يحدث أبدا في السابق مع أحد، هل تفهمني؟، كنت الأول في كل شيء، أنت كنت الأول في إحساسي كامرأة، الأول الذي أشعر بالشوق إليه الأول الذي يجعلني أحب هذه العلاقة حقا، فقط لأبقي بين ذراعيك، ربما أنا بغباء قارنت إخلاصه بخيانتك ولكن أبدا لم أتطرق لأبعد من هذا، لم يكن هناك من استطاع الوصول لي غيرك ولا أعتقد أنه سيكون، لم أعقد مقارنة كما تتهمني لأنه لم يكن هناك وجه مقارنة من الأساس، سمعت في إحدى المرات أن هناك مرة أولى لكل شيء وأنا اعتبرك أنت المرة الأولى بالنسبة لي يا مراد؛ أنت من أخذت كل شيء، روحي، قلبي وجسدي"
ليخفت صوتها مع انتهاء كلماتها، لتتراجع قليلا تجلس ببطء على طرف السرير لترفع وجهها وهو يقف يشرف عليها من علو لتكمل: "هل تعتقد أني عشت معك سبع سنوات ورغم كل ما كان يحدث في الفترة الأخيرة فقط لمجرد أن لا أحمل لقب مطلقة"
ليسألها بخشونة وهو يعود ليجلس بجانبها ويده تمتد لتمسح دمعتها: "إذا ما الذي جعلك تستمرين معي ..؟"
: "لأني لم استطع البعد عنك أنت، لأنه رغم عدم الشعور بالأمان وخوفي أن يكون مصيري كمصير أمي إلا أني لم أستطع إلا أن أكون بجانبك، كان جزء مني يتمنى أن تكون صادق وأنا أخبر نفسي بأني أمنة، أنا أقوى من أمي، لن تدمرني إن ابتعدت أنت عني لكن لن أفعلها بيدي أبدا"
ليهتف بها: "ولكنك فعلتيها وتجرأتِ ورفعتِ قضية طلاق، بل وعدتي إليه ! "
رفعت إليه عينين معذبة وهي تتذكر مشهدهـ آنذاك في تلك الشقة القذرة، والحقيرة من ورائه عارية إلا من قطعتي ملابس وتبتسم لها بشماتة وانتصار وضعت يدها على قلبها تضغطه بقوة وكأن الألم سوف يقفز منه لتخبره بصوت متوجع يئن من الألم
: "لم احتمل رؤيتك في أحضان أخرى، الصدر الوحيد الذي منحني كل شيء كان عاري وفِي أحضانه أخرى غيري، لم تهتم بألمي يا مراد، لم تمنحني أهمية حتى لتأتي وتخبرني ولو كذباً بأن ما رأيته لم يحدث، لم تعطيني أهمية حتى لتأتي تقنعني في العدول عن الطلاق، لم أستطع محو نظرت البرود في عينيك وعدم الاكتراث بي ولا شماتتها هي.."
لتخبره بانكسار: " بل ربما بعد انصرافي أكملت معها علاقتكما وأنتم تحتفلون بوجعي "
خرجت منها شهقة دموع قوية وكأنها لم تعد تستطع التنفس، ليضمها إليه بقوة وكفه الضخم يمتد يفرده على قلبها وكأنه يحميها من الألم الذي تشعر به هناك.
وهو يحدثها بألم وكره لنفسه مما أوصلها إليه، لم يتخيل أبدا أن تكون حقاً تعاني هكذا، إسراء تحمل كل هذا له حقاً؟، كان بهذه الأهمية لها كان غبي كيف لم يفهم أن كل أفعالها هذه كالعادة قشرة خارجية تنزوي تحتها على نفسها بألم، حتى لا يرها أحد
ليخرج صوته متألم مثلها: "لم ألمسها، كانت ترتيب مني كما أخبرتك لتشعري بما أشعر كنت يائس منك ومن نفسي رجولتي اللعينة هي من ثأرت لكرامتي لألعن، كم أكره الاثنان"
ضحكت بصوت مكتوم من بين دموعها في كتفه الذي تدفن رأسها به ليكمل هو: "كيف أقنعك حقاً بأنه لم يحدث يا حبيبتي، كان كل شيء ترتيب مني لم ألمسها بل قمت بطردها بما ترتدي خارج الشقة فورا والتي بالمناسبة قمت بتكسير كل أنش بها وبعدها تخلصت منها لأنها شهدت على ألمك "
رفع وجهها إليه مرة أخرى وهو يحدثها: "اسمعيني كررتها كثيرا، وسوف أظل أكررها إلى أن تؤمني بها أنا أحبك ولم أحب امرأة غيرك، لم أخنك يوماً وأعدك