الجزء 23

خرج مسرعًا من منزل صديقه يلتهم الممر الصغيرالذي بين المنزل وبين وقوف سيارته التهاما، احتل مقعد القيادة على عجل ليتحرك على الفور بسرعة جنونية متوجها فورا إلى طريق المطار. 
يشعر أن قلبه يكاد يقف عن العمل؛ الخوف يعصف بكيانه ويزلزل عالمه.
حدث نفسه بيأس... سوف يخسرها إذا لم يلحق بها، سيخسرها إلى الأبد يعلم 
ذلك جيدا؛ لقد بحث عنها ما يقارب الشهرين الآن وهي هنا ولم يجد لها أثرا، كيف إذًا أن يجدها إن غادرت؟ خاصة أن جواز السفر الذي تحمله يحميها ويعطيها كل خصوصية تريدها بعدم الإفصاح عن معلومات عنها! ألم يجرب ذلك بنفسه عندما أبلغ عنها في سفارتها هنا ليخبروه حتى إن وجدوها لن يخبروه بمكانها إلا إن أرادت هي ذلك؟ خاصة عندما علموا بأنها تركت المنزل من تلقاء نفسها...


فقط لو استطاع إكمال الأوراق هنا؛ لكان منعها باسمها الجديد، ولكن اختفاءها عطل الكثير من الإجراءات التي يجب أن تتم بوجودها.
نطق متمتما بيأس وأفكاره السوداء تجبره على الاعتراف لنفسه، لن يجدها الآن بالتأكيد؛ هي على متن الطائرة، قد تكون الآن محلقة في السماء بالفعل! 
تأوه بحرقة وهو يزيد من الضغط على دواسة بنزين السيارة غير عابئ بأبواق السيارات الأخرى التي انطلقت، منها من يحذر ومنها من يسبّه لسرعته الجنونية على الطريق...

ليخبر نفسه بألم يسألها: "لماذا يا مريم؟ لمَ تفعلين ذلك؟ لمَ أصبحتِ طيفا أطارده بيأس؟، حلما أصبح بعيد المنال بعد أن كنتِ دائما بين يديّ؟ تهربين كلما أقترب منك، لا تريدين حتى منحي الفرصة بعد أن منحتني كل شيء! هل استنفذتك حقا ولم يبقَ ما تقدميه؟". 
صرخ بيأس ذابح وعيناه تضيقان بإصرار وهو يأخذ الطريق بسرعة جنونية...
استل هاتفه بتعجل وهو يضغط رقم والدها (ياسر الرواي)؛ لقد حان أن يفعل شيئا واحدا لهما بعلاقاته، لا يعنيه كيف سوف يحاول منعها... يعلم جيدا أن في البلد هنا كل شيء بالواسطة والنفوذ يصبح سهلا، هذا في حال أن لم تكن الطائرة أقلعت بالفعل! 
أتاه الرد بعد لحظات... 
"مرحبا إيهاب، هل...". 
ليقاطعه إيهاب بصوت متعجل: 
"ياسر، اسمعني جيدا بدون خوض في تفاصيل... 
لقد وجدت مريم، هي الآن في مطار البلاد أو ربما تكون على متن طائرة بالفعل". 

ليقاطعه ياسر يسأل بلهفة نابعة حقا من مشاعر أبوية؛ قلق عليها بعد أن علم منه عن حالتها النفسية السيئة وحملها... الألم عصر قلبه بقوة هز أنانيته التي كان لا يدركها بعد أن علم منه أنها أخبرته بقتل طفلها وقتل نفسها... إحساس بالذنب يغمره؛ لو كان فقط تمسك بها وقتها، لو أعلمها أنه والدها، ربما كان جنّبها مصيرها المجهول. 
ليقول بصوت ملهوف مشوش: 
"وجدتها! أين، ولماذا هي في المطار؟ لمَ لم توقفها؟". 

ليقاطعه إيهاب للمرة الثانية وهو ينهيه عن أسئلته:
"ياسر اسمعني جيدا لا وقت للنقاش أخبرتك...
كل ما أريده منك استخدم كل علاقاتك في الحال وامنحهم اسمها الذي تحمله (مريم حسّين زيدان)؛
لتمنعها من السفر... لا يعنيني بماذا تخبرهم وما أسبابك ولكن يجب أن تُمنع، هل فهمًت؟ أعلم أن هذا شيء يسير بالنسبة لك؛ تحرك حالا أنا في طريقي الآن ربما أجدها رغم أني أعلم جيدا أنه لا وقت متبقٍ". ليحاول أن ينهي المكالمة ليضربه إدراك لا يعلم إن كان سينفعه، ليهتف به: 
"ياسر مريم زوجتي وأنا مواطن من البلاد أخبرتك الورقه التي ثبت زواجي منها لاستخدمها وقت الحاجه لا اعلم ان كانت ستنفع ولكنها محاولة، أخبرهم اني قريبك او أي شيء وأني أمنعها من المغادرة بقوة القانون حتى ان كان زواجا غير معترف به". 


ليرمي الهاتف بجانبه غير مكترث بسماع الإجابة ويداه تتشبثان بالمقود بقوه ابيضت لها أنامله؛ 
يركز على الطريق الذي أصبح مزدحما بعض الشيء في أول الجسر الذي يمر فوق النهر... زفر بقوه وهو يخبط المقود وهو يصرخ ويقول: "هذا ما كان ينقصه!". لم يستمر كثيرا حتى وصل إلى منتصف الجسر ليفتح الطريق امامه ليهمّ بزيادة سرعته ولكن للحظه واحدة لا يعرف ما الفضول الذي انتابه ليتأمل سبب الزحام ليجد سيارة حمراء صغيره يقف بجانبها شاب لم يتبين ملامحه وعلى سور الجسر هيّئة فتاة تعطيه ظهرها. 
لم يهتم كثيرا وهو يعود لتعجله ويركز في طريقه لتعود صورة الفتاة ذات الشعر الغجري المتطاير من خلفها بفعل الهواء بلونه البني وأطرافه العسلية- تضربه في صميم قلبه المتسارع الدقات. 


(مريم) هي هيّئة حبيبته الصغيرة وهل يستطيع ان يتوه يوماً عن قوامها الذي اصبح يحرق كل ذرة فيه وينسف الأرض من تحت أقدامه!
أوقف السياره بتسرع في منتصف الطريق لتصدر صريرا عاليا ليهبط منها مسرعاً وللمرة التي يعي عددها يسمع سبّه بأذنيه من راكبي السيارات التي تمر على الطريق. ترك سيارته غير مدرك لوقوفها في منتصف الجسر ولا بأنها مازالت تدور- ركض عاد إلى الخلف قلبه يخفق بقوة يبتهل لله ابتهالاً بأن تكون هي رافضا أن يستمع إلى ذلك الفكر الأسود الذي يسيطر على عقله يخبره لن تجدها مريم تركته. لا يعلم كيف وصل أخيرا للمكان الذي رآها به بعد ان كان ابتعد قرابة النصف ميل ربما- إلى ان استوعب ما رأته عيناه... 

ليتوقف على بعد خطوات منها..
أنفاسه الهادرة من أثر ركضه يحبسها في صدره بقوة،لا يستطيع حتى إخراجها...
عيناه متسعة؛ كأنها ستخرج من مقلتيه، غائمة بنظرات لا يستطيع النظر إليها ليفسرها.. نظرات تحمل من الألم، الاشتياق، واللهفة وعدم التصديق لما يرى.
هل هي من أمامه حقاً؟! سأل نفسه... 
تقف على الجسر المؤدي إلى المطار، تحدق بشرود في النهر أسفله!
أم خياله الذي يطارد ظلها يتلاعب به؛ ليريحه من الألم الذي يذبح قلبه، كلما أقنعه وسواسه انه لن يراها مرة اخرى!

التفتت إليه بهدوء، وكأنها استشعرت كيانه حولها ..
رفعت عينيها التي تمتلئ بدموع ذابحة؛ تواجه عينيه مباشرة، دموعها المتحجرة انسابت فوق خديها بصمت، لترفع كتفيها في علامة استسلام قاتلة له.. 
لتتحدث بصوت مبحوح تخبره:" كنت أنتظرك؛ لم أستطع أن أبتعد عنك أكثر من هذا..
لم أقوَ ان أغادر إلى سماء انت لا تتواجد تحتها".
اه خافتة مؤلمة، خرجت منه رغما عنه وهو يتأمل شحوب وجهها، شعرها المتطاير بفعل الهواء،عينيها الباكية واستشعاره اليأس في نبرات صوتها وكلماتها، كأنها كانت تتمنى بقوة الا تعود اليه، كأنها تكره ضعفها به. 
لتكمل وهي تشير إلى انتفاخ بطنها الذي لم ينتبه له من كثرة لوعته واشتياق قلبه وعقله وتأمله لقسمات وجهها؛ ليتأكد انها هي من أمامه الآن.. لينتبه لحملها مع حركه يديها
وهي تخبره :" حتى هما أشعر أنهما يرفضان قراري بالابتعاد عنك يا وجعي".



هل نفذ الهواء من محيطه؟!!
ام توقف العالم من حوله؟!
ام هي قتلته وأحيته مرة أخرى؟!
دقائق مرت، لايقوى على الحراك.. رئتيه نفذ منهما الهواء !
هل نسي كيف يتنفس؟
عاد لوعيه مرة أخرى وهو يحدق في يديها المستريحة هناك
مريم لم تقتل طفله !!
حبيبته لم تستطع تركه!!
صغيرته أشفقت على قلبه !!

أخيرا استطاع ان يأخذ بعض الهواء، استند بترنح على حائط الجسر؛ يشعر انه سيسقط على ركبتيه
تحركت شفتاه تتحدث بألم، عيناه تتنقل بين وجهها الحبيب إلى قلبه، وقوامها الساحر بحملها طفله..
طفله لم يقتل، ما زال على قيد الحياه 
اااااااه يا رحيم يا الله!!
كيف استطاعت قتلي وإحيائي في بضع كلمات؟!!


ليعتدل من استناده
وكأن احتياجه لضمها الان بخر أي شعور اخرلديه أي وخذ مؤلم يتمكن من جسده 
ليقترب منها مسرعا ،يلتهم الخطوات المتبقية في خطوة واحدة .
يجذبها من يدها التي ما زالت تستريح على انتفاخ بطنها بقوة لتصطدم بصدره العريض بعنف ليعصرها بين ذراعيه القويتين اللتان حاوطتاها بخشونة؛ يريد دفنها بين أحضانه التي عانت من بعدها ..وكأنه يريد زرعها في تجويف صدره بدون ان ينتظر منها ردا !!
يقترن فعله بقوله لها:"فقط دعيني أشفي غليل قلبي منك لأصهرك بين ضلوعي، وأذوب انا فيكِ " 
لم يستطع وسط كل أشواقه إليها غضبه منها نقمته على نفسه مما وصلوا اليه ان يمنع 
تسلل يد واحدة من يديه لتتحسس انتفاخ بطنها، أغمض عينيه بقوة. 
طفله هنا داخل حبيبته الغالية !وهو يؤكد لنفسه 
جزءه الشارد الذي عاد لم تخيب ظنه .. لم تستطع قتل جزء منه .. ولكنها قتلته هو !!

ارتفعت يديها تحاوطان عنقه بشدة؛ تضم جسدها الملتصق فيه بالفعل إليه أكثر لتدفن وجهها في صدره بقوه. لم تستطع منع نفسها من استنشاق رائحته بعمق لتشعر انها اعادت الحياه اليها.
تأوّهات بألم حارق، ودموعها تغرق صدره بشهقات مؤلمه قاتله .. 
ليضمها اكثر غيرعابئ بمكان تواجدهما على قارعة الطريق .

يده مازالت تصول وتجول فوق بطنها كأنه لم يستوعب بعد سلامة طفله ؛وكأنه يريد اختراقها ليتحسس طفله هو .
نطق بصوت موجوع ودموعه يحتجزها بصعوبة في جفونه كأنه غيرمصدق بعد لوجودها :" آه يا قاتلة!! 
قاتلتي انا ومولودي" ..
لم ترد ووتيرة بكائها تزداد، جسدها بدأ في الارتجاف بين ذراعيه وبين احضانه ..
لم ينطق هو بعدها بل مال برأسه يدفنه بقوه بين كتفها وتجويف عنقها يغمض عينيه بقوة يحاوطها بتشدد يائس وكأنها ستهرب منه إن أفلتها او تتبخر من بين يديه وتصبح سرابا. استمر عناقهما دقائق او ربما ساعات لا يدرك او يعلم ما يدور حولهما، فقط لا يستشعر غير جسدها المنتفض بين يديه ودموعها التي تغرقه.
أخرجه من دوامة شوقه والامه طرق يدين بعنف على ظهره وصوت يتحدث بنزق 

"هييه انت ما الذي تفعله؟ الناس توقفت تشاهد مظهركما هذا... ابتعد عنها الان الا ترى انك تؤذيها؟".

انفصل عن احتضانها ببطء شديد يائس وكأن هذا الصوت نبّهه لموقفهما الذي فيه؛ 
حررها من احضانه ليرفع يديه إلى وجهها يمسح دموعها بكلتيْ يديه ليخبرها بصوت اجش متألم:
"هشش اهدئي؛ 
انت هنا معي لا يهم أي شيء اخر، ستذهبين معي الان". 

ليقربها منه مرة اخرى يلف يده حول خصرها ويقربها من جذعه يلصقها به بصعوبه مهلكه ...حاول استعادة رباطة جأشه
ويلتفت لذلك الصوت النزق الذي لم يتوقف في توجيه الاسئلة اليه 
ليواجهه وهو ينتبه له لأول مره، ذلك هو الشاب الذي لفت انتباهه سابقا ولكنه لم يطِل في تأمله ولكن الان تفحصه بدقة مع ثورته التي بدأت في الظهور. شاب صغير بل بالأصح مراهق لا يمكن ان يكون تعدى الثامنه عشر بعد، ليدرك كلمات مَي السابقه ويربط ما اخبرته اياه بالشخص الذي عاون مريم ابن عمتها؛ بالتأكيد هو! ضيق عينيه للحظات وهو يسمع هتاف الشاب بنفاذ صبر وهو يقول له: 
"ابتعد عنها؛ من انت، وكيف تحتضنها هكذا؟". ليوجه كلامه لمريم يأمرها: "تعالي إلى هنا، هل انت مجنونه؟ هل كل من يحتضنك تبادليه عناقه؟".
نطق بصوت مستفسر: 
"مهلا لحظه ،ما الذي تقوله؟". 

"اقًول ابتعد عنها حالاً؛ انا اخوها وانت تحتضنها امامي". 

لتخاطبه مريم بصوت أشبه بالهمس تنهيه: 
"نزار توقف؛ هذا...". 

ليقترب منها نزار:
"لن أتوقف؛ قلتِ انك سوف تسافرين لتبتعدي عن من يؤذونك هنا وانا ساعدتك معرضا نفسي لغضب والدتي، لتعودي بعدها تصرخين بي في منتصف الجسر هنا وانت تقولين بصوت هستيري وهلع لن تستطيعي الابتعاد عنه، وانا لم اسألك وصمتت وهذا ضد عادتي، لتتركي السيارة وانت تخبريني سوف تنتظرينه -والذي لا اعلم من هو- متاكدة انه سيأتي 
لترتمي في النهاية في أحضان هذا الشخص الذي لا أعلم أيضاً من هو!". 
لم يرد عليه احدهما وايهاب يسحبها من يدها ويتحرك بها في اتجاه سيارته التي ربما لن يجدها. 
ليصرخ به نزار يوقفه: 
"انت، أين تأخذها؟ توقف وواجهني والا صرعتك هنا على ارض هذا الجسر". 
ليأمره إيهاب بصوت قوي وهو يحاول إزاحته من الطريق: 
"ابتعد يا ولد، لا يوجد لدي عقل الان لاحتمال جنون احد". ليلتفت اليها ينظر لعينيها بقوة وهو يقول بصوت اجش: 
"فلدي بالفعل مجنونة هاربة لديها الكثير لتخبرني به، ولدي من العقاب الكثير لها". 
شحب وجهها وشعر باهتزاز عينيها وهي تنقل بصرها من عينيه لعين نزار وكأنها تقيم الوضع ربما لا تريد ان تغادر معه... لم تجعله يستغرق في تفكيره إذ هي نطقت بصوت بدا منهكا وهي تحاول ان تحرر نفسها من يديه: 

"ابتعد إيهاب عني؛ لن ارحل معك، لا يوجد لدي ما أقوله ولن اقبل بعقابك لي مجددا". لتكمل بتردد: "انا سوف اذهب مع نزار، سأعود لهناء". 
اقترب منها مرة اخرى يحاوط وجهها المنكس بين يديه ليرفعه اليه يواجهه 
ليقول بخفوت: 
"انظري الى عيناي وأخبرني انك تريدين الابتعاد مرة اخرى عني". 

تمتمت وهي تغمض عينيها بقوه: 

"قربك يؤلمني؛ اتركني"، لتكمل كذبا: "نعم انا اريد الابتعاد" 

ليس بعد ان اخبرتني بأنك لم تستطيعي البعد عني؛ ابدا لن أتركك بعد ان وجدتك، بعد ان عادت روحي الي، افهمي هذا يجب ان نتحدث ستأتي معي لن نتناقش هنا والناس متوقفة تسترق السمع إلينا، اخبري هذا الـ(نزار) الان ان يرحل".
نظرت له بحيرة تريد ان تنكر وبشدة حاجتها التي أصبحت لا تطاق اليه، شوقها الذي لا يحتمل، ضعفها القوي... تريد فقط لحظات سلام وعودة إلى احضانه، ان تشعر بحبه واهتمامه بها وبطفليها الذي استشعرته منذ دقائق بعقل مشوش وقلب مربوط به وإرادة مقيدة... استسلمت ليديه التي حاوطتها وهو يتوجه بها مرة اخرى الى سيارته 
ليلتفت لرفيقها يطمئنه وهو يقول: 
"أشكرك لاهتمامك هذا وشجاعتك، انا زوجها حتى تطمئن هي ليس طفله ستذهب مع أي احد يعطيها قطعة حلوى". 
ارتبك نزار للحظات من الغباء الذي انتابه؛ هل هو احمق؟ بالطبع هذا إيهاب الذي دائما يسمع امه ومي وهي مريم مادة حوارهم. مشهدهما آلمه بشدة وهو لا يتأثر بأي أمور عاطفية، لكن خوفه عليها ما جعله يهاجمه بقوة. 
ظل يراقب انصرافهما وهو يخبر نفسه: "احمق وهجومك مثلك نزار"، ولكنه لا يعرف الرجل الذي يبدو أنه يكبرها بالكثير؛ لقد ظن ان إيهاب هذا في عمرها او ربما يكبرها بأعوام قليله لا رجل ناضج بالتأكيد تعدى عمره الثلاثين بكثير وبعض الشعيرات البيضاء القليله تغزو رأسه. 

"هل أحملك؟ السياره بعيدة قليلا وتبدين مرهقة". قالها وهو يتبين سيارته التي يتجمهر حولها مجموعة قليلة من الناس وسيارة شرطة يبدو انها أتت لسحبها.
توقف وانحنى قليلاً ليضع احدى يديه تحت ركبتيها ويوازن جسدها بذراعه الأخرى بدون ان ينتظر منها اجابه 
ليتحرك بشكل مسرع قليلا 
وهو يسمع اعتراضها بصوت خرج ضعيفا:
"ما الذي تفعله إيهاب، انا أستطيع المشي وحدي". 

ليخبرها بحزم غير مبالٍ باعتراضها يضم جسدها اليه بقوه: 
"اصمتي تماما إلى ان نتحرك من هنا، ولا لن انزلك؛ المسافه تبدو بعيدة عليك وانتي تجاهدين لالتقاطك انفاسك". عيناه المليئة بمشاعر جياشه انزلقت مرغمه الى بطنها المنتفخ لم يستطبع كبح ابتسامه ألم اعتلت شفتيه
وهو ينقل بصره بين الطريق وبينها 
وصل الى مكان سيارته في بضع دقائق وهي استسلمت لاحتضانه ودفنت وجهها في طيات قميصه؛ ربما خجلا من الجمع المحيط ليجلي صوته
وهو يتوجه الى الشرطي الواقف يبحث عن أي شيء يقوده الى صاحب السيارة
ليخاطبه بصوته الرزين: 
"أعتذر انا صاحب السيارة، اعلم اني خالفت القانون ولكن الامر كان طارئ".

ليلتفت اليه الشرطي الذي كان قد حرك السياره بعيدا عن وسط الطريق قليلا يتأمل ملامحه الوقورة وحمله الذي بين يديه 
ليكمل هو بصوت غلبه التعجل قليلا: 
"انا مستعد لأي غرامة ولكني اريد ان أتحرك سريعاً؛ كما ترى زوجتي متعبه قليلا". ليشير بعينيه وهو يخبره بهدوء: 
"هل تستطيع ان تجعل التجمهر يتحرك قليلا حتى استطيع ان اجعلها تصعد اليها؟".

ليرد الشرطي عليه بحزم وهو يأمر التجمهر بالابتعاد لأداء عمله، 
ليشير اليه بتفهم: 
"تفضل ولكني اريد رخصة القياده وهويتك". 
أومأ له إيهاب بصمت وهو يلتف حول السياره ليفتح الباب وينزلها ببطء 
يجلسها مكانها 
ليميل يخبرها وهو يلثم أعلى جبتها :
"دقائق فقط وننصرف من هنا ".
ليغلق الباب بعدها يتوجه الى الشرطي بما طلب. في دقائق معدوده كان الشرطي تفهم لاعتذاره المتحفظ او ربما ادراكه لهويته هي من جعلت الامر يمر سريعاً بدون أي اعتراض لطريقه. 
فتح بابه بعدها ليحتل مكانه ليقوم بتشغيل سيارته التي أطفأها الشرطي بالفعل سابقاً، 
لم يحاول الالتفات اليها يشعر انه لو عاد لتأملها من جديد يفقد كل ذره سيطره حاول جاهدا في الوقت الذي مضي ان يبديها 
ليسمع صوتها تخبره بشرود وضعف: 

"انا لن اعود الى منزلك إيهاب مهما حدث؛ يجب ان تعلم هذا... قلت يجب ان نتحدث اذا في أي مكان الا منزلك". لتصمت برهه عندما استدار اليها ينظر بنظرات خاطفه وهو ملهيّ في طريقه؛ يجب ان يصل بسرعه 
الى وجهته 
لتكمل هي بصوت خافت: 
"أرجوك إيهاب لن أتحمل نظرات احد ولا نظرات والداتك لي، لن أتحمل أي مهاجمة او اتهام من احد" لتشهق بدمعه حبيسة اخرى: "كما ترى لم يعد بيدي ان أداري جريمتنا سوياً كما أمرتني سابقاً". 
لينهيها بحزم: 
"اصمتي الى ان نصل". 
ليصمت بعدها لحظات وهو يحاول ان يهدأ؛ يجب ان يكون حكيما معها ويتفهمها 
ليخاطبها بهدوء: 

"طفلي ليس جريمة يا مريم؛ لم أخطئ معك؛ انت زوجتي... هل تذكرين هذا ام يبدو نسيتيه كالعديد من الأشياء؟". لم ترد عليه فقط لاحظ توترها من كلماته وحركه يديها التي تفركهما بتعصب. 

 

بعد وقت، وقف بسيارته أمام مبنى ضخم لم تره سابقاً في إحدى المناطق الراقية وسط المدينة ليقوم بركن السيارة وهو يلتفت إليها:" لقد وصلنا إلى بيتك أنتِ لا بيتي كما تريدين " 
ترجل من السيارة، ليلتفت نحوها يفتح الباب وهو يميل لحملها، لم تعترض وهي تبدو له عادت إلى حالتها التائهة. تحرك ليدخل المبنى، ليتوجه إلى المصعد غير مبال بنظرات الحارس المتفحصة والفضوليه لمنظرهما المريب.

ضغط على أزرار طابقه، ليصل بعد دقيقة إلى وجهته، ثم أنزلها بهدوء وهو يسند جسدها الرقيق إلى جذعه، يحيطها بذراعه وبيده الأخرى يقوم بفتح الباب. قام بحملها مرة أخرى، وهو يخطو إلى الداخل ويغلق الباب بقدمه، توجه من فوره إلى غرفة نومه، كانت كأنها لا تعي ما يدور حولها، أنزلها برفق على الفراش الوثير، ليحرك بعدها الوسادات من خلفها ويريح جسدها عليها.

نظرت إليه بعيون متفحصة وكأنها تعود لإدراكها ببطء. ليخبرها بحنو وهو يخلع عنها الكنزة الصوفية الرقيقة وهي مستسلمة بين يديه، لا تبدي أي ردة فعل:" حاولي الاستراخاء الآن ولا تفكري أي شيء آخر " نزل بجذعه قليلا إلى حذائها ليخلعه عنها، فسمع صوتها الرقيق يناديه بخفوت:" إيهاب" 
عاد إليها، بعد أن أراح ساقيها وشد الغطاء عليها ليغطي جسدها الذي يشعر ببرودته تسري إليه من ثيابها الرقيقة، خلع سترته هو الآخر، بتعجل وألحقه بحذائه، ليعود سريعا إلى جانبها وهو يرفع رأسها ويمرر ذراعه من تحتها ويحيط خصرها بيده الآخرى ، يضمها إليه بقوة؛ يستنشق عبير خصلات شعرها ويملأ رئتيه بعبق عطر روحها الخاص، ليخبرها بصوت تغشى عليه العاطفة و مشاعر أخرى متعددة، تعصف به، 

وقد كان فقدها ويأسه أن يجدها يمزق قلبه بين أضلعه شوقا إليها، الألم القاتل كان رفيقه طوال الفترة الماضية وهو شبه متيقن من أنها انتقمت منه وقتلت طفله، تنهد بعمق وذراعيه تضمها بقوة ولكن حانية يرتب على ظهرها براحة يده، عندما عادت دموعها تغرق صدره ردا على نداءها له:" لقد اعدت إلي روحي يا مريم، لا بأس حبيبتي توقفي لا تؤذي نفسك، أنت بين أحضاني الآن أمنة عدتي إلى وطنك يا مريم إلى حضن حبيبك وزوجك ووالد طفلك " سمع تسائلها المهموم، بصوت يكاد لا يسمع :" وماذا بعد؟، ما مصيره كيف يكون مستقبله؟، أنت آلمتني بشدة لقد تخليت عني " ليأمر بصوت حازم حنون وهو يحاول مداراة كل مشاعره، اضطرابه وقلقه منها وعليها بحاول يخفي في عينيه جوعه الشديد إليها:" انظري إلي، ارفعي عينيك واسمعيني" رفعت وجهها المبلل اليه بعذاب في قسماته، ليقول:" انت لم تتمهلي لتسمعيني وانا أخطأت، خطأ لا يغتفر في حقك، كل ما أريده منك الآن أن لا تفكري بشئ ولا تقلقي أبدا أريدك أن ترتاحي و وبعدها لنا حديث مطول ولكن اليوم" 


لتفلت منه عاطفته رغم عنه ليتحشرج صوته وهو ينظر لعينيها العسلتيين :" فقط دعيني اقتص من بعدك عني أعوض فقدانك وهربك مني " ارتعش جسدها بقوة تماماً مثلما فعلت عند الجسر، قوة جسده الملتصق بها تهلكها. كلامه المبهم لا تعلم إن كان متوعد أو ملهوف إليها، مشوشة الذهن تشعر بأنها تعود لوعيها للحظات، ليعود حضور كيانه الطاغي حولها لتكسير كل حصونها وقوتها.

 تشبتت بقميصه أكثر وهي تحاول الهرب من تأثيره المُهلك عليها، نعم تهرب منه وإليه ... فكرت بألم هل اشتياق قلبها إليه ليجعل كل ما بنته وحضرت نفسها إليه من أجل مواجهته بقوة ينهار بمجرد رؤيتها إياه، فقط حضن دافئ كالماضي منه جعلها تنسي كل وعد قطعته لنفسها. رفعت وجهها لتصدم بعينيه المتوهجتين، وشوقه والألم الذي يقذف من عينيه بدون أن يحتاج لأن يتكلم عنه لم تستطع إزاحة عينيها عن عينيه، لم يتحدث أو يقطع إحدهم وصال هذا وكأن ما في أعينهما لا يحتاج أبدا لترجمته بكلمات كان وصال أعينهما بكل ما يحمل أحدهما للآخر من حب، لهفة، الألم وضياع ابلغ من أن يقطعاه ببضع حروف غير مجدية لم يقطع وصال أعينهما إلا بعد فترة من الزمن لا تدركها وأنفاس إيهاب الساخنة تلفح وجهها، صوت أنفاسه الذي علت وتحشرج صوته المفعم بعاطفته يقطع صمتهما وهو يقترب من شفتيها بحذر وتمهل وكأنه ينتظر منها ردة فعل معترضة
ليميل إليها يلثم شفتيها برقة أشعرتها كرفرفة أجنحة فراشة، وهو يخبرها بأنفاسه المتلاحقة:" لقد اشتقت إلى وجودك، إلى ضمك إلى صدري" أخبرته بألم:" وانا كنت ومازلت أتعذب إيهاب بعدك ألم وقربك وجع " :" فقط اخبريني يا مريم كيف استطعت أن تطعنيني في صميمي؟ ، كيف استطعت البعد عني؟، اخبريني كيف أمنع نفسي من القصاص لروحي التي قتلتيها على يديك؟" ردت بصوت مرتعش خافت:"

 وأنا من يقتص لكل ما فعلته بي إيهاب من يقتص لطفلي الذي كدت أن أهلكه بسببك؟" مال إليها مرة أخرى وكأنه يريد أن يسكتها لا يريد أن يسمع المزيد من لومها الذي يعرف جيدا أنه لها كل الحق به فقط يريد أن يُطفئ شوقه إليها وأن يشعر بعد تعب مضني أنها هنا بين ذراعيه ليرتاح اليوم. اليوم فقط وغداً يوم أخر، وسوف يخبرها كل شيء من البداية ويتمنى لنفسه الحظ الجيد معها، أن تتفهم أنانيته وإنكاره لمعرفته بوالدها. مال إلى خديها الناعمتين ينثر قبلاته بنهم عليهما، مرورا لجبهتها، عينيها وحتي أنفها المحمر من البكاء، ليصل لشفتيها المنفرجتين ليميل إليهما بقبل حانية متمهلة، لم يشعر بنفسه أو بأن قبلته تحولت لجموحه المعتاد معها، وبأن يديه تضغط جسدها إليه بشدة، لم يفق إلا على تذمرها الذي بدأ واعتراضها الذي استشعره وهي تزيحه من صدره. تركها لتستنشق الهواء وهو ينظر لها وصوت أنفاسه يعلو، ليخبرها بصوت أجش:" أنا لست أسف على هذا، أخبرك
سأقوم بالقصاص منك ولكن سأتركك الآن لترتاحي بين أحضاني "


ضمها إليه مرة أخرى، ليدفن وجهها في عنقه، لم تعترض وهي تستسلم لتلك الغيمة الممتزجة برائحة جسده كأنها كانت رحالةً لوقت طويل ووجدت الوطن أخيرا، كالعطشى التي تتوق لقطرة ماء ووجدت أخيرا نهرا واسع المدى من الماء العذب الرقراق، لتنهل منه وترتوي حتى آخر قطرة. بعد ساعات من نوم هادئ في أحضاه لم تتخلله كوابيسها المعتادة، فتحت عينيها ببطء وهي تشعر بقبلات هادئة على بطنها العاري وصوته الهادئ يتحدث إلى طفليها. لتذكر نفسها طفله، فهو لا يعلم بعد أنهما طفلين وهي لن تخبره الآن، على الأقل الى أن تعلم ما مصيرها هي وأبنيها، استوعبت كلماته مع قبلاته التي تزداد فوق بطنها :" القاسية كانت تريد ابعادك عني، لا تعلم ماذا تعني هي لي ولا تعلم مدّى حبي لك من قبل أن اراك! ، 

كيف شكت للحظة واحدة بأني سوف أتخلى عنكما!، ألا تدرك ماذا أفعل الآن لإثبات حقك وحقها في أنا"، ليرتب على بطنها وكأنه يرتب على طفله بالفعل:" لا بأس الآن من اجلكً ومن أجلها أنا اسامحها، فقط لتبقيا معي إلى الأبد، لو تعلم فقط كم انتظرتك بلهفة وشوق منذ زمن، لو تعلم حبي لها هي وراحتي أنها هي من أتت بك" قاطعته وهي تحاول التحرك، تتساءل بعجز:" إذا لما لم تخبرنا أنت بحبك لنا من قبل إيهاب " اجفلته بسؤالها ليسيطر على انفعالاته سريعاً ليترك وصاله مع طفله، ليعلوها وهو يرتكز على يديه يحاوط رأسها بين كفيه، ليخبرها وهو يبتسم ولكن الإرهاق يبدو جليا على وجهه، ليقول:" لأني كنت غبي لم أدرك الشئ الثمين الذي بين يدي إلى أن فقدته،

 أحبك يا مريم كما لم أحب أحدا من قبل، احبك كزوجة وحبيبة كما لم أشعر نحو امرأة من قبل دائماً كنت أنت وستبقين أنت إلى الأبد" تهربت من عينيه كأنها لا تريد تصديق كلامه، لتسال بأنفاس مضطربة:" أنت لم تنم ؟" اتسعت ابتسامته لعينيها :" كيف أفعل وانا لم أشبع منك بعد، كنت أتاملك " لينزل راْسه مرة أخرى يقبل بطنها بقوة وهو يتنفس بعمق، ليخبرها بصوت حار :" واتأمل سحرك في حملك طفلي، لم استوعب بعد وجوده قد أبدو سخيف لك لكن لم استطع مقاومة سحره يا ناعمتي" اعتدلت قليلا وهي تمتم بضعف مهلك، وصوت خافت لا تستوعب إلا اللقب القديم الذي كان يناديها به في أوج عاطفته معها :" أنت لست سخيف" هز راْسه وشفتيه لم تترك قبلته على بطنها ليقول بصوت خافت :" اشتقت اليك" مالت اليه قليلا لتطبع بشفتيها قبلة على قمة رأسه، لم تستطع منع نفسها من فعلها وهو يقوم بهذه القبلات لبطنها وكأنه يقبل طفليها. لم يتحرك أحدهما لدقائق وبقيا على وضعهما يديه تحيطها و فمه يقبل بطنها بقوة وهو يغمض عينيه ويأخذ أنفاسه بعمق وهي تقبل أعلى رأسه المائل إليها وعقلها يتناسى أوجاعه الماضية بظلال عاطفته واشتياقها اليه . رفع رأسه قليلا لتعود هي بجسدها إلى الوراء، ليقول لها بقرار وهو يعود ليعلوها بجسده، يحاوط رأسها بذراعيه:"

 ربما أنا لا أجيد الكلام، لأخبرك مدى عشقي لك يا ناعمة ولا أجيد إلا التعبير بعاطفتي نحوك، سامحيني على الذي سوف يحدث " بأنفاس متلاحقة سألته وهي تدرك جيدا مقصده:" وما الذي سوف يحدث؟" ضحك بخشونة وهو يميل إليها يقبلها بهدوء ليتركها لحظات:" نفس السؤال القديم يا مريم وستكون نفس إجابتي القديمة حبيبتي " مال إليها مرة أخرى يلتهم شفتيها بضراوة جائعة إليها، يبثها أشواقه وقهره في بعدها عنه إحساسه بالعجز السابق في فقدها، استطاع في لحظات أن يسكت اعتراضها الضعيف ويذيبها بين يديه ليستشعر استسلامها وهي تقابل عاطفته بعاطفة أقوى ويديها التي ارتفعت لخصلات شعره تبعثره بشدة. انفصل عنها مرة أخرى يسألها بيأس:" أنا لن أؤذي الطفل صحيح؟" عينيها التي فاضت بعاطفتها وشوقها هي الأخرى إليه شجعته، وهي تهز رأسها بنفي يؤكده قولها :" لن تؤذيه " عاد لتقبيلها بقوة وعاطفة منفلتة وهو يمر كفيه على طول جسدها الناعم الدافئ بشوق لهفة وانفلات عاطفي حاول جاهدا أن يهذبه فقط من أجلها ومن أجل طفله .

 

صباح اليوم التالي، فتح عينيه الذي غفت أخيرا براحة ليتأملها في أحضانه وآثار لقائهما الجامح مازالت واضحة عليها؛ حاول خلاله جاهداً ألا يؤذيها، انزلقت عينيه إلى جسدها العاري بين ذراعيه من تحت الغطاء. 
طمئن نفسه، هي بخير وطفله بخير، مريم تقبلته أخيرا ولم تنفر من لمساته، فقد كانت تشتاق إليه كما كان يحترق ألماً وشوقاً إليها. 
فقط لو يمر اليوم على خير؛ يجب أن يخبرها فيه بكل ما يجري وما جرى من أحداث في الفترة الماضية، بوجود والدها الحقيقي، وبأن الأمر لم يعد يتعدى بضع أوراق رسمية والقليل من الوقت ليصبح كل شيء قانوني ويجعل زواجهم رسميا ومعلنا أخيرا. 
يعلم جيدا أنه ربما استغل ضعفها في لقائها به، وربما لم يكن من الصحيح أن يأخذها الآن قبل أن يتحدث معها.
ولكنه بالأمس وبعد كل ما مر عليه بعيدا عنها جعله يائس وبشدة لقربها؛ يريد التأكد أنها هنا الآن بين يديه، أن يشعر بأنها لن تبتعد عنه أبدا، لكي لا يعيش عذاب بعدها مثل ما مر عليه طوال الفترة الماضية. كان يريد أيضا أن يثبت لها ولنفسه أنها مازالت تحبه ولم تكرهه كما ادعت، لذا ببساطة لم يستطع أن يكبل عاطفته، وأن يمنع نفسه من أن يستشعر جسدها البض بين يديه، بنعومتها المهلكة بجنونه بحملها. لم يفكر إلا أن يتواصل معها بأي طريقة يستطيع أن يصل إلى مشاعرها بها.
انتبه لصوت جرس الباب الذي يعلن عن وجود زائر ما. 
تحرك من جانبها وهو يلثم جبينها بقبلة خاطفة، متسللا بحرص شديد كي لا يوقظها، وهو يشد الغطاء عليها ليغطي كامل جسدها، ليتناول بنطلونه سريعا ليتم ارتدائه وليسحب قميصه القطني وهو يحاول ارتدائه بتعجل، لا يريد أن يخيفها جرس الباب، يريدها أن تنام جيدا حتى يستطيع كلاهما التحدث بهدوء وهي في كامل وعيها. 
تحرك ناحية باب الشقة الواسعة، التي انتقل إليها منذ قرابة شهر؛ جهزها بكل سبل الراحة أملا بأن يجدها قريبا وهاهو وجدها ولن يسمح بابتعادها عنه مرة أخرى.
فتح الباب، بدون أن يستفسر عن هوية الطارق ليفاجئ بمن يقف على باب منزله
أغمض عينيه بيأس، ما هذا الحظ السيئ الذي يلاحقه.؟
 


فتحت عينيها على صوت جدال مكتوم، يأتي من خارج الغرفة التي تواجدت بها من الأمس، اعتدلت بخجل وهي تشد الغطاء على جسدها تتذكر اللحظات العاصفة واستسلامها المتلهف لاشتياقه إليها.
لم تستغرق الكثير لتبدأ ذبذبات الندم في التسارع، الندم الآن وقد حدث ما حدث، فكعادتها معه تستسلم له أولا من مجرد كلمات عشق يخبرها بها وعاطفة متلهفة جياشة يستطيع بخبرته أن ينتزع استسلامها انتزاعا، ويأتي الندم لاحقا على صحوة مزعجة، لكن ما أزعجها حاليا كانت الأصوات التي بدأت تعلو في الخارج، وصوت إيهاب الغاضب يصل لأذنيها، تحركت ببطء تبحث عن ملابسها لتلتقطها وهي تقف لترتدي قطعها سريعاً. 
تحركت ببطء إلى الخارج تتبع الأصوات، إذ أنها لم ترى الشقة ولا أي جزء منها، لم تركز كثيرا بتأملها الآن وهي تتبين الكلام المبهم الذي بدأ في الوضوح لمسامعها.
وقفت بجانب الباب المفتوح تستمع لجدال إيهاب وهو يخبر رجل ما بصوت حاد:" أخبرتك، يجب أن أمهد لها الأمر أولاً، بالأمس لم يكن لدي أي فرصة، بيني وبينها الكثير يجب أن تفهمه أولا لأستطيع إخبارها بوجودك ولا أريد أي نكسة صحية لها في وضعها الحالي"
ليأتيها رد الرجل، بنفاذ صبر :" إلى متى إيهاب؟!، أعطيتك الفرصة وراء الأخرى، أنا لا أطالب إلا برؤيتها، أنت تعلم بوجودي بالأمس ألقيت قنبلتك في وجهي لتجعلني أكاد اجن وأنا ابحث في المطار وبخلت علي بكلمة واحدة بعد أن وجدتها لتخبرني فيها انك وجدت ابنتي، وأنها في أمان معك"
بعقل مشوش غير مستوعب عما يتحدثون، بدأت في التقدم خطوات مترددة إلى الداخل، لتجد امرأة هادئة الملامح تجلس على إحدى الأرائك، تنظر لها بتفحص بعد أن لاحظت دخولها، بينما مازال إيهاب والرجل الأخر يتبادلان الجدال، تجرأت قدميها أن تتقدم خطوة أخرى، مع هتاف الرجل به بحدة:" أريد أن أرى مريم يا إيهاب، أريد ابنتي الآن، مريم يجب أن تعلم من هو أبوها الحقيقي الذي تنكروه عليها جميعا، وأولهم أنت ! "
الصدمة شلت أي تقدم لها، عقلها توقف عن العمل، تنظر لإيهاب بعيون متوسعة بصدمة والذي كان التف بالفعل ينظر إليها، مع صوت شهقاتها التي خرجت غير مكتومة.


ليغمض عينيه بيأس غير قادر على مواجهة السؤال في عينيها والرجاء المرتسم على وجهها الذي يعلوه الذهول بأن يكذب ما تسمع .
لما معركته معها خاسرة دائماً؟، لماذا عندما يقطع خطوات واسعة لقربها، 
تأتي الحقائق لتزيحها بعيدا عنه لأميال؟. 
فتح عينيه بعجز يواجهها لا يعرف ماذا يخبرها، ولكن عرفت من عينيه التي تخاطبها أن ما سمعته هو الحقيقة.
هزت رأسها تنفي بقوة وهي مازالت على رجائها له بأن يتحدث، ينكر، أي شيء، 
ولكن صمته أمامها جعل جزءً من إدراكها يستوعب ما سمعت.
لم يستوعب بعدها إلا صوت منى القاضي وهي تهتف بِجِزع باسم مريم، 

عندما أدركت لجسدها الذي خارت قواه وعينيها التي أطبقت بقوة مستسلمة للدوار الذي لف رأسها بينما كلها يتمايل بضعف ليعانق رحابة الأرض.



إعدادات القراءة


لون الخلفية