الجزء 34

كان يراقب حركاتها الغير طبيعية، كأنها واحدة أخرى لا يعرفها؛ لم تنظر إليه منذ أن غادرا المستشفى، وعند وصولهما للمنزل أصرت والدته أن تبقى ابنته معها الليلة، فسارعت الأخرى للموافقة والصعود مباشرة إلى طابقهم بدون أن تتوجه إليه بالحديث ماعداجملة واحدة: " سوف أحضر لك ملابس نظيفة".
ولكنها ومنذ دقائق للآن تقف أمام خزانة الملابس لا تبدي أي حركة، تكتفي بالنظر إلى نقطة مجهولة له على ما يبدو.
تنهد بتعب حقيقي ما مر به؛ لم يكن سهلاً، يريد أن يرتاح قليلاً ولكن قبلاً يريد أن يعلم ما الذي يحدث معها، ليطمئن عليها. تحرك اتجاهها لعله يستطيع أن يجعلها تتحدث ربما أفضل ما فيها أنها لا تتحفظ في تصرفاتها ناحيته وبدون أي ضغط منه تفجر أي شيء بداخلها وتبثه له. وقف خلفها ليحيطها من خصرها بكلا ذراعيه يلصق ظهرها بصدره، محاولا التحلي بالصبر، عندما شعر بتشنج جسدها بين يديه شيء لم تبديه من قبل حتى عندما كانت ترفضه في بادئ زواجهم لم تكن تتشنج من ملامسته لها.



ضمها إليه أكثر وهو يضع رأسه على كتفها،ليقول بصوت مرهق، خافت متجنبا ردود أفعالها الغريبة: "هل أستطيع أن أفهم ما بها حمقائي"
لم ترد تهاجمه كعادتها، بل هزت رأسها بالنفي وهي تقول بصوت مكتوم بغصة: "لا شيء"
لتحرك يديها إلى إحدى الأرف تجلب بعض الملابس الغير متناسبة بنوع من التخبط وكأنها تريد أن تنهي الأمر وهي تخبره: "ها هي ملابسك، اتركني واذهب للاستحمام"
حرر إحدى ذراعيه ليتلقى من يدها إحدى القطع بإصبعين فيفرده وهو يعقد حاجبيه قائلا بمرح مصطنع: "كم هذا سوف يبدو رائعا علي ولكن المشكلة هل تعتقدين أن منار لن تمانع آن أشاركها أحد أفضل فساتينها"
نظرت تتابع القطعة في يده، لتقول بأسف وكأنها لم تعد تستطيع السيطرة على دموعها بعد: "أنا اسفة لم انتبه، سوف أتي لك بملابسك على الفور"،أدرها اليه لتواجهه، ينظر لحالتها التي تبديها مشفقاً، ليقول برفق: "ما بك؟، تخبئين شيئا ما عني؟؟"
هزت رأسها بالنفي وهي تنظر للأرض لم ترفع عينيها إليه، ليتابع بنفس التمهل وهو يرفع رأسهاً المنكس لتواجهه وهو يكمل سؤاله: "إذاً !، لمَ كل هذا التخبط والتيه الذي تبدينه منذ ما حدث؟، تعلمين أني لن أتركك إلى أن أعرف الموضوع !"


وكالعادة لا يحتاج أن يضغط عليها أكثر؛ منذ أصبحت أشد تعلقاً به، عفويتها في التعبير، مشاعرها انطلاقها الدائم وهي تهدر بكل ما يشغلها، كلماتها الصريحة دائما التي تعبر عن مشاعرها، ربما هذا أفضل ما يفضله في علاقتهم المكاشفة الدائمة بينهما ومواجهتهما الصادقة ربما هي ما ساعدتهم أن يتخطيا العقبات التي قابلتهم سابقاً ويطويا الصفحة القديمة بكل أوجعاها ليبدؤوا من جديد.
اهتز صوتها كسائر جسدها وهي تدفن رأسها في كتفه، لتقول بصوت مرير، تكرر جملتها التي أخبرته بها في المستشفى: "مريم تقتلني، ضعفها، أنينها، حالة الهستيريا الموجعة، كلها يا جاسر منذ ما حدث تجعلني أشعر بقلبي يطعن لأجلها كل مرة بدون رحمة"
ضم رأسها إليه بقوة وهو يحاول أن يتفهم هذا الاهتزاز منها ومشاعرها التي تخبره إياها، يتفهم تعاطفها مع مريم ولكن هناك شيء مختلف وراء هذا الإحساس.
أخذ أنفاسه بعمق ليخبرها ويقول: "وأنا أيضا مي، أشعر بالخوف، هل تعرفين هذا؟، لكن ماذا قد نفعل إلا أن نقف جانبها حبيبتي إلا أن يتخطيا هي وإيهاب هذه الأزمة"
هزت رأسها مرة أخرى بالنفي ونحيبها يزداد لترفع يديها الاثنتان تحيط عنقه بتشدد ومازالت تدفن رأسها في كتفه، لتقول بصوت يزداد به البكاء الذي يغرق قميصه: "أنت لا تفهم،أنا أشعر بالرعب، أكره الموت، إنه شبح مخيف ومرعب، كل سنين عمري أحاول أن أتظاهر بأنه غير موجود منذ فقداني لأمي"
زفرت بعدها وهي ترفع عينيها الغارقة بدموعها إليه لتقول تشرح نفسها أكثر: "أنا أشعر بها جاسر وبما تعانيه إن صدقتك القول"
اهتز صوتها مرة أخرى وهي تنزل يدها، لتقول وفمها يرتجف: "أشعر بها، لأني ...لأني"
بهدوء شجعها لتبثه ما تشعر به تفرغ ما يطبق على صدرها: "لأنك ماذا حبيبتي؟؟"
ازداد نحيبها وهي تبتعد عنه خطوة للخلف لتعطيه ظهرها وكأنها لا تستطيع أن تواجهه بما تشعر ربما قد يستشعر أنه أنانية منهاأن تفكر في وجعها الخاص ولكن ما شعرت به آنذاك وهي تدلف مع مريم إلى الطابق الذي كان متواجدًا به إيهاب وقتها تسمرت مكانها وهي ترى جسده المسجى هناك، لا تعلم ما الذي حدث لها؟، لمَ رأت جاسر هو من ملقى هناك لا إيهاب !، لمَ تذكرت وجعها في سنها الصغير وهي تفقد أمها نتيجة لحادث مشابه، لقد رعاها والدها جيداً ورغم إلحاح الأقارب وقتها على زواجه لكنه رفض واكتفى بأن يحاول تعويضها حنان الأب والأم.
لقد أجاد والدها أن ينسيها كل الماضي الأليم، فلمَ عاد يطرق عقلها بقوة مرة أخرى؟، فلما ....؟ فإلى هذه اللحظة تجد نفسها تضعها مكان مريم وتتخيل أنها من تفقد زوجها بعد أن تعلقت به واكتشفت عشقها الكبير له.
دفنت وجهها بين يديها لتخرج شهقة مخضوضة بكاء وهي تخبره: "لأني أخاف أن أفقدك، لأني أري نفسي مكان مريم وأنت مكانه....."
بُح صوتها وهي تقول بتأوه: "أنا مرتعبة جاسر ما حدث يطرق في رأسي في كل لحظة دون أن يريحني ولو ثانية، سؤال واحد يطرف فكري ويوقف دقات قلبي، ماذا إن كنت أنت مكانه؟، يا إلهي !؟، كنت...كنت...أنا لا أعرف حتى ما الذي كان ليحدث لي... !"
اقترب منها يأخذها سريعاً بين ذراعيه، يضمها إليه لبثها بعض الاطمئنان، فوجئ؟، لا بل ربما صدمته !، يعلم ويثق في حبها له ولكنها لم تتحدث سابقاً عن خوفها عليه أو حتى ذكرت حادثة أمها، لقد علم بها من والدها مكتفيا دائماً بما تريد هي الإفصاح عنه،ربما لأنه اعتاد أن يكون مرآتها لا تخفي عنه شيئا لذا يوجهها دائماً بخطئها كما تفعل هي معه دائما.
ربت عليها بحنان، هدهدها مثلما يفعل مع طفلته، ليقول بصوت اجشهامسا: "اهدئي، أنا هنا حبيبتي"
بسخط من وسط دموعها صرخت: "أعرف أنك هنا، لكني مرعوبة أن لا أجدك في يوماً ما، لن أستطيع أن أتحمل فقدانك، هل تفهم يا مجنون؟"
ضحك رغماً عنه وهو يدفن رأسه في نحرها من هجموها الغير مبرر.
فحاولت التحرر منه وهي تقول بتبرم: "أنا الغبية، سبق واخبرتك، لن تفهمني!"
سيطر على محاولتها الواهية بسهولة، ليعود فيدفن رأسه في نحرها ليقول بصوت أجش 
: "بل أفهم، ربما أنا تعجبت من الأمر قليلاً فقط"
أبعدته عنها قليلاً لتجعله يرفع رأسه نحوها فتسأله: "لمَ التعجب !،أنا أخاف أن أفقدك جاسر، أنت أصبحت عالمي، أنت وابنتي أغلى ما أملك ولن أستطيع حتى تخيل فقدان أحدكما"
عينيها الدامعة ونبراتها الهادئة صدقها في حبه وخوفها عليه جعلته عاجزاً حتى على الرد ما، الذي قد يخبرها إياه ليته يستطيع أن يعدها بشيء ولكن ما الذي قد يملكه في أمر لا يملكه أحد، حاول أن يعطي الأمر بعض المرح، ليبعد عنها أفكارها التي يستشعر عذابها منها ليقول: "أتخافين علي حقاً حمقائى؟ !"
دموعها مازالت تهبط ببطء وهي تحاول منعها لتومئ له بصوت هامس: "نعم أرتعب، لا أخاف فقط ومنذ ما حدث أتمنى أن يجعل الله عمري قبل عمرك لأني لن أحتمل فقدانك"
تلاشى صوتها وهو يسحبها هذه المرة بتشدد يأخذها في أحضانه مقبلا إياها وهو يهدر بها بعنف، كلماتها تؤثر فيه بقدر ما تنبض منها، فظل يغمرها بتشدده وقبلاته لا يردد إلا اسمها من بين قبلاته.
لينزل بقبلته على نحرها، جيدها ثم كتفيها وكأنه غير مكتف، صدق خوفها عليه جعله في حالة فقدان سيطرة لا يريد إلا وصالها لطمأنتها بطريقته الخاصة.انتقل بها الى فراشهما يمددها هناك برفق ربماً نادرًا ما يحدث معها، دائماً لقائه بها كان صاخبا وهي ترفض الأمر بتبرم أولا ثم تسلم بدلال تاليا، ولكن ما يشعر به الآن ربما ليس حاجته العاطفية لها أو حاجتها له 
ولكن يشعر أنه يريد هذا اللقاء ليزيح عنه غم الأيام السابقة، وجعه ورعبه على صديقه يطمئن نفسه أن كل شيء مازال بخير ويبثها هي عاطفته التي لا تنضب إليها يأخذ منها الاطمئنان كما يعطيهاإياه.
نطق من بين عاطفته الذي يبثها إياه برفق وهو يمد يده يمسح دموعها: "أدامك الله لي مي،أنا الذي لا يستطيع أن يحيى دونك حبيبتي."
لتجيبه هامسة بابتسامة صادقة وهي تستسلم لعاطفته وكأن شعورها المخيف بفقدانه جعلها تستسلم لتلك العاطفة، تطمئن نفسها أنه مازال هنا معها وتؤكد لنفسها أنها لن تكون مثل صديقتها البائسة، لن تقدم البلاء ولكنها لن تستطيع منع خوفها عليه أو أن تتوقف عن تمني أن يطول الله في عمره ويحفظه لها.
ضعفها به وعاطفته المتدفقة جعلتها تتجاوب مع قبلاته وعاطفته الجامحة سريعاً لتلف يدها حول عنقه تقربه منها أكثر مما هو ملتصق بالفعل، لتخبره بصوت به بحه راضية ضاحكة: "إذا فليجعل الله يوماً واحدًا حبيبي حتى لا يتعذب أحدناعلى فقد الأخر"
رفع وجهه عن نحرها يضحك بصخب من بين عاطفته، حمقائه تستطيع ببساطة رد فعلها أن تقلب أي موقف جدي وصادق إلى هزار مجنون،ليعاود دفن رأسه بين كتفيها وهو يغمغم من بين ضحكاته: "حمقاء"
أكملت وهي ترتعش ولكن هذه المرة من عاطفته الذي يحيطها بها: "رائحتك بشعة حبيبي، هل أخبرتك بهذا؟"
رفع رأسه ليلتقط شفتيها مرة أخرى وهو يخبرها: " وأنت أيضاً يا أم فناري رائحتك لا تطاق، بل وتزكم الأنف ولكن رغم هذا تظلين أحلى النساء بنظري ومازالت أجهل السبب"
ردت ضاحكة: "جلف وغير مراعي لكن ليحفظك الله لي"
 


بعد اربع أيام اخرى،،
كانت تذرع الغرفة جيئـة وذهابا، بغير هدى، تفرك يديها بتوتر، لتقترب منه كأنها تريد التحدث لتبتلع كلامها مرة أخرى وتبتعد عنه تنظر من النافذة ولكن لا يبدو أنها ترى أبعد من أفكارها.
يتابعها بعينيه، يراقب كل خلجة تصدر عنها، يقرأ أفكارها ككتاب مفتوح ولكنه بباسطة ينتظر أن تبدأ هي، تيهها الدائم، حيرتها وتخبطها يثيران فيه كل تيقظه الطبي؛ إسراء حالة تستوجب التركيز بدقة ودراسة كل كلمة تصدر عنها واختيار الرد المناسب دائماً معها، متى يحاول أن يكشفها، متى يهاجمها ومتى ببساطة يتركها تسترسل بدون أن يقاطعها كما أنه أيضا استطاع بسهولة أن يعرف أنها تكره أن يرفضها أحد لذلك عندما اتصلت به في وقت مبكّر تريد مقابلة معه لم يتردد لحظة واحدة في أن يأتي لعيادته مباشرة وبدون تأخير.
وقفت أمامه تسأله بهدوء غريب: "كيف تراني؟؟"
بابتسامة وقورة لا تفارق وجهه أجابها: "من أي ناحية تريدينأن تعرفي فأنا أراك من عدة نواحي"
زفرت بضيق لتعود لتشرد ثوان عدة ثم لتتحرك اخيراً فتجلس مواجهة له على المقعد، تقول بشرود وتشير إلى الشيزلرنج الطبي وكأنها تريد التهرب من الرد: "أتعلم !،أنا أكره هذا الشيء"
بنفس ابتسامته أخبرها: "أعرف ولست أنت فقط، أخبرك سراً أن معظم من أتوا ويأتون إلى هنا هم أيضا يبدون كرههم دون أن يشعروا بذلك"
ليردف ضاحكاً وهو يقول مرحاً: "هو للديكور فقط، لا أحد يحب الجلوس عليه"
هتفت به: "أنا لست سيئة أشرف، فلما يراني الجميع كذلك"
كما عادتها تتنقل بين حديث وآخر بتضارب محير لم يرد تركها تكمل: "إذا لمَ الجميع يراني هكذا؟ لماذا لا يتقبلون عاطفتي نحو مريم؟"
شردت للحظة لتعقد حاجبيها وهي تكمل حديثها: "أتعلم؟، أنا نفسي احترت من نفسي، كيف ضممتها فلا أستطيع أن أفهم الشعور الذي سيطر ومازال يسيطر علي أحينها !"


بنفس هدوئه وهو يدرس ردودأفعالها: "وما هو شعورك هذا، إسراء؟"
ردت بدون تردد: "أريد أن أعوضها عما كنت أفعله بها، أن أمنع عنها كل ما تشعر به من وجع لحمايتها، كيف أشرف كيف وأنا سابقاً كنت أضمر لها كل شر !"
تمهل جيداً وهو يدرس ما تخبره إياه، حيرتها وتخبطها لا يدل إلا على أنها تحارب أشباحها الخاصة ليرد بهدوء: "ربما لأنك أدركتِ أخيراً أن مريم ما هي إلا ضحية مثلك"
رفعت يدها تفرك جبهتها بقوة وكأنها تعاني مما يدور داخل رأسها وتريد إخراجه أو إزاحته لترتاح: "لكن كيف؟؟،وهكذا سريعاً؟؟، قبل الشهرين والنصف كنت أمقتها ولا أراها إلا ابنتها-فريال-"
رد الطبيب يرشدها يحاول أن يخلص لها أفكارها المتشابكة: "من كانت تمقتها إسراء القديمة لا أنت من تحاول جاهدة إصلاح حياتها مع أطفالها وزوجها الذي تحب"
راقب بانتصار ملامح وجهها التي تغضنت، هذا هو ما يريد أن يصل إليه؛ إسراء لم تأتي إلى هنا لتخبره عن تعاطفها مع مريم، بل عما حدث بالفعل معها. راقب الانفعالات التي تصدرت وجهها، صمت حل عليه وهو يرى الألم يحتل عينيها، راقب كيف تغمض عينيها وتفتحهما عدة مرات، تقاوم دموعها، لتقول بصوت مهتز قليلاً بشكل مباشر: "كما أخبرتك على الهاتف مراد لم يفهمني، أخبرته أني أحبه لكنه لا يثق بي "
اختار الطريق المباشر لتخرج الحقيقة بدون مداراة ربما تستطيع أن تحدد افكارها: "لمَ أنقذتِ إيهاب بدون تردد إسراء"
رفعت كتفيها بالترافق مع فرد كفيها في علامة لعدم المعرفة وهي تقول: "لا أعرف؟..ربما.. ربما لأنه إنسان يموت ويحتاج بضع دماء لما قد أبخل عليه بهم !"
لم يعلق وهو ينظر لها بتفحص لتهدر بغضب: "أنت لا تصدقني مثله !، لمَ لا أحد يفهمني حتى الغبي كان رده قاسي بشدة عندما صارحته "
بهدوء مستفز لها: "وبمَ أخبرته؟، أسمعك !"
أفلتت دموعها وهي تغمض عينيها ترفع رأسها بشموخ رغم كل الألم الذي تبديه لتقول: "لأنه أخي، ابن عمي نعم أنا أخاف على إيهاب بل ارتعبت ولكني علمت بمكانته الحقيقية متأخرًا جداً"
ليرد عليها الطبيب بنفس صوته الرتيب: "علمت بماذا تحديداً؟، أخبرتني سابقاً أنك عندما اعتقدت أنك طلقتِ من مراد أردتِ الرجوع إليه، اذاً كيف الآن هو أخ او ابن عم فقط"
تنهدت بإرهاق وهي توضح بهدوء: "لا أحد يفهمني !، لماذا؟؟"
: "إذا افهميني، أسمعك"
أخذت أنفاسها بشدة وكأنها تحاول أن تستعيد توازنها لتخبره: "أردت العودة زوجة له ولكن ليس عن حب، وقتها أردت ما يقدمه بحماية، وأن يحتويني باهتمام، وعندما رأيت رعايته وحنانه لمريم، أردت هذا أيضاً لكي تحصل عليه طفلتي" لتهز رأسها تنفي بشدة: "لم يكن حبا، لم أحب في حياتي إلا مراد، هو فقط"
ليرد الطبيب بإقرار: "أصدقك ولهذا افتعلتِ كل هذه المشاكل معه وبنيتِ من خيالك الخصب نساءً وهمية حوله فقط حتى لا تتعلقي به"
وقفت بحدة وهي تصرخ به وتلوح بيديها: "لم أخترع شيئا، هذا كان حقيقيا جدا، هو ينكره نعم !، لكنه كان حقيقي على الأقل بالنسبة لي وهو لم يساعدني على الإطلاق لقد اعترف بذلك"
فاجأتها بسؤال وهو على نفس هدوئه: "لم َلمْ تعملي أبداً إسراء؟؟"
نظرت له بنوع من البلاهة، ما الذي يحاول أن يفعله معها، ينتقل بِهَا بأحاديث غير مترابطة أليس من المفترض أن يمسك دفتر ما ويجعلها تحكي فقط وهو يستمع، إذا لماذا يتعمد أن يستفزها وينتقل بها من حديث لأخر !.
صمتت لعدة لحظات، لتنفض يدها وهي تخبره بإشارة لامبالية: "ولم قد أحتاج للعمل من الأساس، أنا دخلت هذا القسم لأني أحب أن أقرأ ما بين السطور أو ما وراء كل رسم ليس من أجل المال"، توقفت لبرهة لتكمل بعدها بنوع من الضيق: "عندما تزوجت في المرة الأولى عرض علي أن أعمل إذا أردت ولكن وقتها لم أجد الحماس للعمل معه، فكنت اكتفي بالتنقل بين المعارض ووضع ملاحظتي كنوع من تضييع الوقت"
وبعدها
رد هو بهدوء: "توقفتِ عن فعل هذا، لم؟"
: "لم أستطع"، لمعت حب مرت في عينيها وكان ما تقوله تعتز به حقاً: "بعدها تزوجت مراد ولم أرد العمل لأني أحببت أن أهتمً بكل شيء في منزلي وحدي، المنزل الوحيد الذي كنت استشعر أنه بيتي كنت أريد رعاية مراد والاهتمام به فقط وبعدها ابنتينا"
حزنت ملامحها بغتة مع ابتسامة شجن تزين محياها وهي تسرد وتفصح عن المزيد: "أمي لم تكن تعمل، هل أخبرتك بهذا؟؟"
لم يرد عليها فقط اكتفى بتسجيل كل ما يصدر عنها في رأسه، لتكمل: " كانت تكتفي بالاهتمام بنا وتفعل لحسين كل ما يرضيه، كانت أما محبة، زوجة عطوفة، مخلصة، كانت فيضا من المشاعر والحنان"، غضب لمع في عينيها البنيتين ببريق مميز بنيران اندلعت منها وهي تخبره: "الخائن لم يكتفي بهذا، لم يحبها رغم كل عطفها، فيض مشاعرها، إخلاصها وحتى اهتمامها فنفاها بعيداً عنه وعني وعن أخي أيضاً ، وتلك الحقيرة كانت تحاول أن تلوث ذكراها وهي تعلم جيداً أنها أفصل وأشرف منها"


ارتفعت أنفاسها مع صراخها: "لم أخبرني؟، كل حب يقابل بطعن، كل اخلاص يقابل بغدر، لما الرجال ببساطة حقراء لا يستحقون الثقة، تباً حتى إيهاب المثالي لا يستحقها ربما أعلم جيداً الآن أنه لم يجبرها ولكنه استغلها، مريم مجرد طفلة مراهقة فكيف استطاع؟"
بهدوء غريب فجاءها برده: "ولكن أنتِ تثقين بي؟"
نظرت له بعدم فهم ومازالت أنفاسها تهدر لتقول بارتباك: "أنت مختلفّ !"
عقد حاجبيه يدعي عدم الفهم وهو يقول: "كيف أنا مختلف؟،أنا رجل وغريب عنك أيضاً لم تعرفيني إلا منذ بضع أسابيع"
لم تفهم ما يحاول الوصول إليه لتخبره بنوع من المنطق بالنسبة لها: "أنت طبيبي الخاص، فما دخل عدم ثقتي في الرجال بك أنت؟"
بهدوء وسلاسة أجابها، يخاطب منطقها يجيبها على كل ذكرى وفكرة شاردة منها: "تعلمين لما رفضتِ العمل حقيقة واختلاف رد فعلك في كل من زواجاتك سواء مع إيهاب أومراد"
هزت رأسها بنفي وكان كل ما تشعر به يشوش عقلها، يربكها فيجعلها في حالة عدم توازن خاصة مع صدمتها بما فعله مراد. تراجعت ببطء لتجلس مرة أخرى أمامه وهو يكمل بهدوء: "
عندما سألتك أشرتي لزواجك بإيهاب (بزواجي الأول) ولم تذكريه مثلما فعلتِ مع زوجك الثاني قلتِ(زواجي من مراد)"
بتعجب سألته: "وما الفرق في ذلك؟ "
: "الفرق كبير إسراء، عند ذكرك أسباب عدم عملك في الزيجتين في الأولى رفضت رغم تضيع وقتك في أشياء اجتماعية ولما تهتمي بالتواصل مع زوجك الأول وهذا لأنك حقاً لم تحبي إيهاب بأي طريقة ولم تحاولي من الأساس أما في زواجك مراد توقفتِ عن فعل أي شيء وأردتِ الاهتمام به؛ أنت أحببت مراد منذ البداية وكنتِ تمشين على نهج والدتك كما اخبرتني، كانت تهتم بكل شيء يخصكم لأنها تحب والدك وانتِ عندما تزوجتِ مراد وأحببته فعلتِ تفس الشيء وقمت بتقليديها"
هزت رأسها برفض وهي تنهيه بتشدد: "لا أنا لست مثلها هي ضعيفة بينما أنا أقوى"
صمت وهو يراقبها وكأنه يزن هجومها ليقول بهدوء: "بلى إسراء أنت امرأة محبة ومعطاءة مثلها تماما رغم أنك ظللت الطريق ولم تجدي من يرشدك،أنتقوية حقاً ولكن بطريقتك المميزة محاربة أنتِ لأشباحك ولكنِ كنتِ تحتاجين فقط بعض المساعدة، تحتاجين أحدًا يكشف لك طريقك ويخبرك أن والدتك لم تكن ضعيفة"
هتفت به: " بلى، كانت ضعيفة لم تحارب من أجلي أو من أجل ممدوح ولا حتى من أجل نفسها فاستسلمت"
بكت بدون تحفظ وهي تتذكر كل ما كانت تمر به لتقول بتخبط: "أتعلم؟، حسين رفض أن يجعلني أودعها، رفض أن أحضر جنازتها، كنت في الثالثة عشر من عمري وقتها، كنت مراهقة وكنت احتاجه بشدة، أتعلم أني لم أكن بالطهر الذي يعتقد مراد؟"
باهتمام بالغ سألها وبحرص شديد: "كيف؟"
هزت كتفيها مرة أخرى باستسلام ودموعها تنهمر لتقول: "تهت عند فقدانها وانغماس أبي مع فريال، تهت؛ لأني لم أجد الرادع والحياة هناك مختلفة، صاخبة لمن في سني، صدقني كنت أحاول أن أتذكر كلمات أمي بلغتها الأصلية وهي تنبهني )تذكري إسراء أنت أصولك مختلفة ودينك مختلف، إياك أن تنساقي لما تفعله الفتيات( وكنت أنفذ لكن عندما فقدتها وأصبح المنزل لا يُطاق من أفعال فريال وأصدقائي ومطالبتهم لي بأن أتحرر انجررت ورائهم، إلى أن حدث ما حدث في ليلة ما دعاني أحدهم إلى حفلة صاخبة تقام من وراء الأهل لم أكن تخطيت الخامسة عشر وقتها فذهبت بدون تردد لا أريد إلا أن أذل حسين وأثبت له أني أمريكية ولا أنتمي لأصوله؛ كنت مراهقة."
ناولها الطبيب بعض المحارم الورقية بهدوء، لتجفف وجهها الممتلئ بدموعها، ليخبرها بصوت هادئ: "أكملي اسراء"
: "ليلتها لم أعلم كيف علم إيهاب، ربما ممدوح أخبره، لا أعرف، لكنه أتى قبل ان انغمس معهم وأضيع نفسي، جرني إلى خارج الحفل بدون كلمة واحدة، حاولت أن أتمرد وقمت بسبه وأنا أخبره أن لدي حبيب وأريد أن أفعل معه مثل باقي الفتيات فكان جوابه على ذلك صفعة، صفعة قوية على وجهي والعجيب لم أغضب، لم أهدده ولم اتحدث حتى، لم أعلم لما شعرت أنها كانت إفاقتي وانه يهتم، أن هناك أحدًا يراني ويهتم بي"
مسحت وجهها بقوة لتردف بنوع من الهدوء الغريب ونبرات ممتنة: "لم يخبر أحد أبداً بما حدث ومن يومها أصبح يحيطني كما يحيط مريم وربما بعد حادثتي ورغم أن مريم آنذاك لم تكن أكملت عامها الرابع ولكن أصبح يحاوطها باهتمام أكبر"
قاطعها الطبيب وهو يحاول أن يجعلها تركز في نفسها هي ليقول بهدوء: "تريدين القول إنك أحببته"
نظرت إليه طويلاً تتأمله وكأنها تزن ما تقول وما يحدث لتقول بصدق: "ربما قبل ثلاث أيام فقط إن سألتني كنت أخبرتك بالنفي القاطع لكن الآن أنا علمت"
: "وما الذي علمته إسراء؟" سألها بهدوء.
أجابته برد قاطع: "أني أخطأت، إيهاب كان أخا لي انا وابن عم، زواجنا كان أكبر خطأ لا أنا ولا هو استطعنا أن نحدد مشاعرنا بشكل صحيح، بعد حادثته عرفت أن أضعه في خانته الصحيحة"
: "ومراد اسراء؟ "


لمعت عينيها بأسى وجرح دفين لتقول بألم: "مراد أنا حقاً حبه، أحاول تخطي العقبة التي تمنعي عنه ولكنه يحتاج للثقه بي هو ايضاً"
ضيق الطبيب عينيه وهو يتأملها يحاول فهم آلامها الذي تبديهاأول مرة عند ذكره: "ما الذي يجعلك تقولين ذلك؟"
أرجعت جسدها للوراء تتمدد على ذلك المقعد المخصص للزوار الذي أعلنت أنها تمقته لتقول بصوت مرهق قليلا لا يخلو من التعاسة: "كما أخبرتك يا أشرف، كان رد فعله معي عنيف لم اتوقعه فهو لم يتفهمني كما عادته ولم يثق في حبي الذي تحررت أخيراً وأخبرته به"
بتأن رد عليها: "تعلمين لماذا إسراء؟، لأنك لم تعطيه المقابل أحببته نعم لكن لم تثقي به لم تستطيعي أن تفهمي بعد أن الحب والثقة شيئين مترابطين، لن تستطيعي منحه أحدهما دون الآخر"
عبث بنظاراته الطبية كأنه يعيد تعديل وضعها، ليردف بعدها: " قبل قليل سألتك هل تثقين بي أخبرتني بثقة "نعم"؛ لأني طبيبك ببساطة أنتِ تمنحينني الثقة لكن تدرين وإن خذلتك لن تتوقفي كثيرا وتتألمي من خذلاني لك، أما مراد لا تمنحيها له لأنك ببساطة تخافين فقدانه فتعتقدين بعدم منحه ثقتك أن خيباتك به سوف تكون أقل فتحمي نفسك من الألم المضاعف متناسية أنك بدونه تتوهين عن إسراء الحقيقية التي وجدتها معه وهذا كان واضحاً فيما حدث معك خلال العام الذي ابتعدتما فيه عن بعضكما البعض"
لم ترد وهي تحدق به وكأنها تريد أن تجد لديه الخلاص من أفكارها، تشتتها وضياعها 
ليكمل هو: "أنت امرأة عاشقة، لكن تحاولين طمر ذلك، امرأة قوية لكنك تخافين الحب في اعتقادك الحب ضعف فكيف تصلح معادلتك؟، اتفهم شبح الخيانة الذي يسيطر عليك وأنا لا أقًول إنك سوف تستطيعين إبعاده عن حياتك الآن ولكننا سوف نخطو بتمهل نحو خطوات الشفاء 
وأولها أن تواجهي نفسك، واجهي مخاوفك الإيجابي منها والسلبي، السيء والجيد، حاربي لتخرجي إسراء الحقيقية والأهم امنحي مراد الأسباب التي تجعله يرتاح من ناحيتك إن كان الأمر يزعجك هكذا"
تمتمت بتعب وهي تزيح رأسها إلى الوراء، تحدق في سقف الغرفة، لتقول:" هل تعتقد هذا؟"
: "نعم، أعتقد هذا أول الطريق للعلاج"
بصوت خافت أجابته: " سوف أحاول،سأجرب لن أخسر شيئا"
قالتها ليشرد عقلها تساءل نفسها، هل حقاً تستطيع فعلها بعد ما حدث منه في حقها وحق نفسه، بصدق اعترفت لنفسها ربما الامر كان سيئا وقتها لكن هي لم تمانع بقوة لم تقف له مرصاد ربما ما يزعجها أنه لم يتمهل، لم يعاملها برفق، لم يكن لقاء شوق أو عشق كما حاله معها دائما، بل كان أشبه بإثبات صك ملكية.
بعد وقت كانت تودع الطبيب وهي تخرج من العيادة. أخرجت هاتفها لتجد عدة مكالمات فاتتها منه، ضغطت على زر إعادة الاتصال وظلت تنتظر الرد، لقدأخبرها مراد انه لن يترك إيهاب حتي يفيق في حديث مقتضب منذ ما حدث بينهم وهو يحدثها بنفس الطريقة ابتسمت بسخرية هو الغاضب أليس، من المفترض أن تكون هي من تفتعل ثورات لا أن تكتفي بتجنبه فقط.
جاءها صوت بدون حتى إلقاء للسلام: "أين كنت؟، أنا اتصل بك منذ ساعتين"
بهدوء غريب يعاكس ما يحدث من صخب داخل عقلها أجابته: "كنت عند الطبيب الخاص بي"
: "أليس من المفترض أنك أجلت لقاءاتك به وتكتفين باتصال هاتفي"
لا تعلم ما انتابها لتقول بنوع من التأنيب المستتر: "تستطيع القول إني كنت أحتاجه مراد، هناك شيء ما حدث معي مؤخراً كان فوق احتمالي ويجب أن أخبر أحدًا عنه"
صمت بعدها وأنفاسه تبدو في حالة اضطراب قليلاً. ليسألها: "ماذا أخبرته؟"رفعت حاجبيها هل تستشعر التوتر والغضب في صوته.
بنوع من التحدي القديم أجابته: "لا يخصك مراد، هل أيضاً سوف تتدخل بيني وطبيبي وتحدد علاقتي به"
خرجت منه زمجرة مكتومة: "حسناً إسراء، كما تحبين، أرجو فقط أن يكون الأمر ساعدك ولو قليلا."
الإرهاق الذي مرت به والمشاعر المتعددة التي تعاقبت عليها جعلت الإرهاق يتمكن منها أرادت أن تصرخ به( لن يساعدني إلا تفهمك لي (
ولكنها اثرت الصمت كالأيام السابقة، لتنطق بصوت متعب قليلاً وهي تستفسر عن الجديد: "أنا لن أستطيع أن أتي اليوم ولكن أخبرني هل من جديد؟"
ليجيبها بالنفي: "لا حالته مثل ما هي، مستقرة ولكنه لا يبدي أي ردود فعل لإفاقة قريبة"
: "ومريم "سألته بهدوء.
ليجيب: "مريم مثلما رأيتها في الأيام الماضية ولكن ربما تتماسك قليلاً الآن عن السابق"
فتحت باب سيارتها التي كانت تقف تستند إليها أثناء حديثها لتحتل مقعد القيادة.
وفكرها يشرد قليلاً معها لقد رأتها بعد أن فاقت مريم وتحدثت معها قليلاً، كان أول حديث بينهما بشكل هادئ ولكم ساعدها هي التواصل مع مريم تشعر بنوع من الرضى يتسلل إليها، هل تستطيع أن تكفر عن أخطائها التي ارتكبتها في حقها ولكن كيف تتقبلها هكذا هل الطبيب محق هل ما حدث معها ورؤية ضعف مريم ووحدتها جعلها تدرك أن مريم ما هي إلاضحية مثلها.
ابتسمت بتعجب وهي تتذكر عدم استيعابها عندما علمت من الطبيبة عند انهيار مريم أنها تحمل
طفلين، الصغيرة تحمل منه طفلين، حقاً !، عالم غريب وقدر أغرب منذ أن ولدت مريم في منزلهم وهو يتلاعب بهم.
كان يجب أن تعلم أن الصغيرة هي لإيهاب منذ البداية لا هي ! 
ضحكت بوجل، كيف قلبت الأدوار ومتى أصبحت الصغيرة زوجته وهي إسراء تأخذها مكانها الطبيعية كأخت له وابنة عم، وكم هي راضية عن هذه النتيجة ولكن كل ما تتمناه الآن أن يعود من غيبوبته ليرى أطفاله وأن يرضى بأن يعود لها، فهي لم تعد تملك أي أقارب فأبوها ترفضه وممدوح يرفضها ولم يتبقى إلا هو.
ومراد؟ !، توسعت عينيها كيف سرحت، مراد مازال معها على الهاتف، نادته بلهفه وهي تعتذر: "حبيبي أنا آسفة لقد شردت قليلاً"
ليجيبها باستفهام: "حبيبك؟!" 
ليكمل بدون انتظار الإجابة وهو يقول: "لا عليك، لا تهتمي للأمر ولكن أنا أريد أن تأتي في الحال"
بتوجس قلق سألته بحرص: "لمَ؟ ماذا حدث؟، لقد أخبرتني أن لا جديد"
: "لا جديد في حالة الاثنان ولكن الهام هانم والدة إيهاب قد ظهرت بعد أن علمت الخبر في الخارج عبر مواقع التواصل الاجتماعي فأتت وبالطبع في حالة هجوم على الجميع واتهام وبالطبع أنت تفهمين من تريد أن تهاجم الآن"
باستسلام وهدوء أجابته: "بالطبع مريم من تهاجم وبالتأكيد المسكينة أصبحت هي السبب"
أجابها: "نعم هذا ما يحدث"
أغلقت الخط بعزم وهي تنتفض عنها التعب وتشتت أفكارها وهي تعده مسافة الطريق وستكون هناك.
*****************
خرجت الهام من غرفة العناية المركزة، بعد رؤيتها لإيهاب، تبكي بصوت عال، تنعيه وكأنها فقدته، حاول جاسر متحاملا على نفسه الاقتراب منها وتهدئتها بينما مراد ينظر لها وهو يستند بكتفه على الحائط بدون اهتمام، لن ينسى أبداً أنها حاولت أن تجر إسراء لطريقها وتملأ رأسها بأفكار سيئة وجعلتها تقوم بإهمال طفلتيه؛ استغلت تخبط إسراء وتشتتها وقتها جيداً وهي تلعب على مواطن جرحها النازف منه، فلم يستطع الآن أن يتعاطف معها لقد رأى بعينيه معاناة إيهاب معها أيضا في السابق وكيف وجعته هو الأخر والآن علمت أن لديها ابن تبكيه. 
سمع صوت صراخها تارة وإلقائها الاتهامات تارة أخرى وبالطبع يجب ذكر اسم مريم، يتمنى فقط أن لا تتحامق مريم وتأتي الآن لقد حدث هناء بأن تمنعها من النزول إليه حتى لا تصطدم مع الهام فهي تغلي منها بالفعل فماذا إن رأتها أمامها.
اعتدل من وقفته وهو يفك عقدة يديه يكز على أسنانه وهو يرى تبخر أمانيه وأمامه ومريم تتقدم بحركتها المتعثرة والبطيئة التي تلازمها مؤخراً ولكن يحتل وجهها الخوف. 
عقد ما بين حاجبيه وهو يراها تتوجه إليه تسأله بصوت يحتله الجزع الملازم لها مؤخرا: "ما الذي حدث؟، لما تمنعني أنت وهناء من أن أتي لرؤية إيهاب"
فتح فمه يجيبها عندما قاطعه صوت الهام وهي تقترب منها وتصرخ بها: "يا حقيرة، ماذا فعلتِ كيف أوصلته إلى هنا، أنت السبب !"
فتحت مريم فمها بصدمة وعينيها جحظت بذهول، الهام !، هذا ما كان ينقصها !، كيف نسيتها وسط كل ما حدث، وشطبتها من ذاكرتها، أليست هي طرف من أطراف عدة ساعدت في كسرها 
رمشت بعينيها وهي ترى نظرات الهام الموجهة إليها بعينيها التي دائماً تحمل الكراهية العميقة إليها ولكن بوجه شاحب يكتسي ملامحه الخوف، الهام تخاف؟؟
لم ترد وهي تنظر حولها بارتباك مصحوب بالهلع، من كان يحميها من بطشها ملقى خلف الباب المغلق المجاور لها، بدون حول ولا قوة. ذكرت نفسها بألم وتراجعت خطوات قليلة للوراء وهي تصطدم بالحائط. 
ومازالت نظراتها مركزة على الهام التي اقترب منها جاسر ومراد يحاولون أن يبعدوها عنها وجعلها تهدأ.
عندها تمتمت الهام بحقد لتشعرها بالعار كما الماضي، لتقول بازدراء موجه لها وهي تتمعن في النظر إلى حملها الثقيل: "عاهرة !، وإن ظهر لك أب وأم لا تبقين إلا مجرد عاهرة ضيعت ابني"


أفاقت من بين ذهولها، خوفها وجزعها لتهتف بغضب نابع من جرح قديم دائماً ما كانت تنعتها هكذا والآن تهينها أمام الجميع: "أنا لست عاهرة، أنا زوجته، لم أرتكب أي خطأ تعلمين هذا جيدا فكفي عني"
حاولت الاقتراب منها وهي تهتف بثورة: "بلا أنت عاهرة رخيصة مثلها، سارقة الرجال أمك، وما الذي جنته وهي تسرق رجلا تلو الأخر غير عار كبل به ابني وابتلي به مجبراً متمثلا فيك أنت" 
نظرت لها مريم بوجع لم تستطع الرد والحقيقة المرة تلجمها وتخرسها تاريخ أمها الذي لن تتخلص منه مهما حدث"
ابتعدت عنها وهي تتحرك من مكانها تحيط بطنها وكأنها تستمد قوتها التي ضعفت من الهجوم والكلام المسمم من أطفالها وكأنها تخاف أن تقترب منها الهام في حركة غادرة وتؤذيها وقد بدت قادرة على هذا من ملامحها الشرسة المخيفة.
لم ترفع وجهها لتواجهه أحدًا، طعم مر كالعلقم التصق بحلقها، مجرد تساؤل حائر يدور في عقلها. 
إلى متى؟، إلى متى سوف يستمر وجعها وعذابها؟، إلى متى سوف تدفع ثمن خطأ لم تقصد به أذية أحد لقد كان زوجها وحاميها!، إلى متى سوف يستمرون في عقابها على فعل فعلته أمها؟، ألا يشفقون عليها من كل ما عانته؟، ألا يوجد في قلب الواقفة أمامها رحمة أو أي نوع من التعاطف لتشعر بها، فتدرك حجم عذابها على من في غيبوبته الآن ومهددة بفقده. 
اقتربت الهام منها وهي تتخبط بقوة من يد جاسر المكبلة لها، فتقول بهستيريا أثارت الرعب في أوصال مريم وهي تبتعد بخوف عنها بينما إلهام تصرخ بانفلات: " أنتما السبب، من البداية أبعدتم ابني عني وعندما عاد إلي تركني واختارك أنت ولماذا لأني أردت أن أحرره من سحرك"
بعينين تبرق غل وكأنها فاقدة تماماً لصوابها، أخذت تخبط على صدرها وهي تقول: "لقد كنت أعرف، أنا أمه ويجب أن أكون أعرف وأشعر بخطرك عليه، نظراته العاشقة إليك، كنت أعرف بتسللك إليه كل ليلة، كنت أعلم بقبلاته المحمومة التي يبادلك إياها في مكتبه وكأنه لا ير غيرك، أدركت خطرك وحاولت أن أخلصه منك ليكون العقاب لي أنا ويبتعد عني"
كانت مريم ترتجف وشعور بالعار يكبلها، الحقيرة تهدر بما تهدر أمام الجميع، كيف ستستطيع أن ترفع عينيها فيهم مرة أخرى؛ وجع انتشر في جميع أجزاء جسدها سريعاً، كيف تتهمها، كيف استطاعت أن تقول هذا، إن لم تهتم بمشاعرها هي، كيف تشوه صورته أمام رفقاءه هكذا؟.
بكت !، لم تجد إلا البكاء لتعبر عن قهرها، لترفع يدها التي كانت تتشبث ببطنها بقوة لتضعها على صدرها مكان قلبها وكأنها سوف تمنع الألم الذي لا ينضب منه.
عندها أتت النجدة في صرخة جاسر وهو يوقفها: "يكفي يا سيدة، هل هذا وقت حديثك هذا، إن كانت الحقارة التي تهدرين بها تسمى حديث !، على الأقل احترمي مرض ابنك إن كنتِ كما تدعين"
تماسك وهو يبادل مراد النظرات وكأنه يخبره أنه سيتهور ويقوم بضربها والآخر يحاول تلجيمه مذكرا إياه بدون كلام أنها أم صديقه ولن يسامحه الأخر إن فعل ذلك.
نظر لمريم المرتجفة، التي تبدو على وشك الانهيار، ماذا قد يفعل؟، يحاولون على قدر استطاعتهم حمايتها إلى أن يستيقظ هو ويتصرف بطريقته ولكن يبدو أن عذابها لم ينتهي بعد. 
كاد أن يقترب منها مراد يحاول أن يجعلها تهدأ بعد أن فشلت هناء في الأمر كما يبدو عندما أتت مسرعة لتحيط بارتجافها.
لتظهر إسراء أخيراً، ولم يستطع أن يعترف بأنه يشعر بالراحة إسراء هي من تعرف كيف تلجم إلهام وتطردها بهدوء بدون المزيد من المشاكل. 
اقتربت إسراء وهي تتفحص المشهد الواضح أمامها؛ جاسر يمسك يد الهام بتشدد ويصرخ بها والأخرى تبكي وتبدو فاقدة للسيطرة وهي تبادله الصراخ، مراد على بعد خطوات من مريم وينظر إليها عاجزا عن تدخل حاسم..بينما مريم ....
أغمضت عينيها بيأس كالعادة مقهورة منهم جميعا. 
اقتربت إسراء بخطوات هادئة وهي ترفع وجهها المرهق والخال منذ أيام من مواد التجميل وكأنها عادة أصبحت تتبعها مؤخراً لتقول ببرود مستفز: "مرحباً إلهام، اشتقت إليك يا امرأة عمي وإلى مخططاتك"
التفت إليها الهام تزمجر في وجهها: "أي مخططات أنت الأخرى، هل نسيت ِأنك كنتِ تشاركيني كل شيء"
تنهدت إسراء بملل، تقترب منها تهمس لها بهدوء مهدد: "شاركتك أم لا ؟، الجميع علم بخطئي في اشتراكِ معك"، لتشير لمريم برأسها في دعوة للتذكير على ما اتفقتا عليه، لتردف: "وانتهى الأمر، سامحوني أم لا... لا أهتم ولكن إن لم تلزمي حدود الأدب وتبتعدي عنها وعن طريقها أنا سوف أفضح أفعالك الأخرى جميعها، تعلمين أني أستطيع أن أفعل ذلك بدون تردد" صمتت لبرهة وهي تقول بفحيح ناعم ترعب التي أمامها: "هل تفهمينني يا امرأة عمي"
شحب وجهها وارتبكت حركتها وهي تبتعد خطوة واحدة وتقول: "تهددينني وتدافعي عنها إسراء !"
ردت إسراء وهي تهز رأسها بتأكيد: "نعم يا إلهام، سميه كما شئت، أهددك أو أدافع عنها الأمر سيان عندي"
تراجعت إلهام خطوة وهي تحاول أن تدعي أنه لم يحدث أي شيء، لترفع رأسها بكبرياء وتخرج منديلا ورقي من حقيبتها، تجفف دمعها بأناقة وتخاطبهم: "سوف أتي لابني وقتما أحب وأريد، لن يمنعني عنه أحد"
لتقترب من إسراء وهي تهمس: "لن أفوت تهديدك لي على خير"
حركت إسراء كتفيها وهي تقول بازدراء: "لم أرتكب ما أخاف منه ليس مثلك الهام المتصابية، إذا افعلي ما تريدين، أحمد الله أنه كان يوجد لدي عقل باقٍ وقلب يحمل الحب لزوجي حتى أمنع نفسي ويحميني من الانجرار إلى قذارتك"
التفتت بدون تعليق وهي تدب الأرض بغضب ناري وكأنها سوف تصهر تحت أقدامها لتنصرف مبتعدة أخيراً.
فور أن غادرت التفتت إسراء مسرعة، تتوجه لمريم في وقفتها المرتجفة تدفن رأسها في صدر هناء تئن بألم خافت، مدت يدها عندما وصلت إليها لتضعها تحت فكها فترفع وجهها إليها لتجد عينيها تحدق فيها بدون دموع فقط أنين خافت يصدر منها رغما عنها. 
اقتربت إسراء وهي تجذب يد مريم وتقول لهناء بصوت هادئ: "اسمحي لي"، جذبتها لتجلس على إحدى المقاعد والأخرى مستسلمة تماماً لا تبدي رد فعل.
قطعت إسراء الصمت لتسألها بصوت متماسك: " هل أنت بخير؟؟"
هزت مريم رأسها بالإيجاب ومازالت عينيها الذهبيتين في شرودها. 
تمتمت شبه هامسة بعدها تنفي تأكيدها الصامت: "أنا لا أعرف إسراء إن كنت بخير أم لا ولكن لأصدقك القول لن أكون بخير أبداً إلى أن يستيقظ هو من غيبوبته"
ربتت إسراء على يدها بهدوء وهي تقول تطمئنها وتأكد لها: " سيكون بخير حبيبتي أعدك"
يدها الحرة ارتفعت لتغطي فمها ووجها يتغضن بغصة بكاء لتقول: "هل سمعتها بما نعتتني؟"
حاوطتها إسراء وهي تضمها من كتفيها إليها وهي تخبرها بصوت خافت: "اهدئي وأنسي أي ما كانت تقوله يجب أن تكوني اعتدت الأمر حبيبتي"
هزت مريم رأسها برفض وهي تنكس رأسها ليتهدل شعرها الغجري يحيط وجهها بملامح الناعمة لتكمل همسها: "كيف أنسى لقد كانت قاسية، عديمة الرحمة وباردة، لقد قالت..." ترددت وهي تردف بخزي: "لقد كانت تعرف ما بيننا يا إسراء وحاولت التخلص مني لم تراع أي شيء وقالته أمامهم"، دفنت وجهها بين كفيها وهي تهمس بدون أن ترفع رأسها 
: "لما فعلت هذا؟؛ تنعتني بصفتي القديمة لما تحاول كسري ألا تكتفي بما أنا فيه"
ردت إسراء بخفوت: "لأنها حاقدة، حاسدة، إنسانة ضعيفة ضيعت حياتها وتبحث عن شماعة لأخطائها"، رفعت رأسها لتواجه عيني إسراء البنيتين الهادئتين.
لتقول: "وما ذنبي أنا جميعكم عاقبتموني على ذنب ليس لي يد به"، صمتت لبرهة وهي تتأملها بألم وتكمل: "حتى أنت كنتِ ترفضيني ربما أنت أقل من عذبني لكن كنت تؤلميني كثيرا"
أحست بانتفاضة جسدها وبالدماء تنسحب منها وهي تقول بألم: "كنت تائهة يا مريم ولم أدرك أنك مثلي ضحية إلا مؤخراً فهل سوف تمنحيني الغفران وتسمحين لي بقربك"
صمت طويل بدا كالدهر أعقب سؤالها المتوجع لتجيبها مريم بصوت بدا في الهدوء وهي تحاول أن تزيح شعرها بعيد عن وجهها وتقول: "لا أعرف ولكن أنا لا أريدك أن تبتعدي عني أريدك بجانبي لقد كنت في الماضي أتمنى أن تكوني أخت حقيقية لي ولن أرفضك بعد ما أتيت"
لفتها إسراء وهي ترفع يديها تلم شعرها المتناثر في ضمة واحدة لتفتح حقيبتها وتخرج رابطة للشعر وهي تقول بهدوء: "أشكرك لكرمك هذا لأني أحتاجك يا مريم بجانبي"
ابتسمت وهي تقول: " هل تسمحين لي؟، أرى أنه يزعجك" استسلمت الأخرى وهي تحاول أن تخرج من حالة التبلد بعد هجوم الهام عليها.
: "أسمح لك"، لتكمل بشرود: "لم يسرح لي شعري أحد منذ وقت طويل للغاية"
بدون أن تذكره فهمًت إسراء الي من تشير لتقول بهدوء وهي تنتهي من عقدة شعرها لعلها تستطيع أن تستمع لها تخفف عنها وتتأكد منها حقيقة ما حدث: "مريم أنا لن أتدخل في علاقته به ولكن أنت ارتضيت بكونك زوجة له أم تعلقك هو ما أجبرك؟"
هزت رأسها بالنفي بقوة وهي تقول بصوت هامس متجنبه لقائها مع فريال وأنها أخبرتها ما أخبرهم به إيهاب خوفاً من سيرتها التي تثير الزوابع.
لتقول: "لا.. لا"،أخفضت عينها بخجل وهي تكمل: "أنا زوجته بموافقتي الكاملة لأني أحبه"
ابتسمت إسراء وهي ترفع وجهها مرة أخرى لتخبرها بقوة: "إذاً إياك أنت أن تسمحي لأحد أن يشوه علاقتك به الهام حاقدة غيورة لا تهتمي ولا تلتفتي لها"
بتردد أكملت وكأنها تذكرت الآن وكأنها جريمة تريد أن تنفيها عن نفسها: "مريم أريد أن أخبرك شيئا، عندما عدت وحاولت معه مثلما رأيت لم أكن أبداً أعلم أنك زوجته، اقسم لك لو كنت أعلم وحتى لو كنت أكرهك وقتها ما كنت اقتربت منه"
تغضنت ملامح الأخرى بالألم والذكرى تزعجها تطبق على صدرها. 
لتخبرها إسراء سريعاً وهي تنظر لمراد الواقف بعيداً يتجادل في شيء ما بينه وبين جاسر وعمته لتقول وهي ترمقه بحزن: "أنا لم أحب إلا مراد مريم ولن أحب غيره يوماً ربما يوماً ما سوف أشرح لك أسباب ما حدث"
هزت رأسها بموافقة وهي تقول: "أنا سوف أدخل إليه أريد أن أراه وأجلس معه لبعض الوقت"
وافقتها إسراء وهي تسألها :"هل أساعدك"، هزت رأسها بالنفي وهي تنهض بنفسها 
لتقول برباطة جأش وهي تنفض عنها بعض الوهن: "أنا قوية إسراء وسوف أواجه وأحارب إلى أن يعود لي ويحميني منهم"
ابتسمت لها إسراء بتشجيع وهي تقول: "نعم حبيبتي أنت قوية إياك والاستسلام حاربي أشباحك مثل ما نفعل جميعاً"
لتزيد ابتسامتها وهي تشير إلى بطنها وتقول: "والطفلين اهتمي بهما جيداً، أنت سوف تسمحين لي أن أحملهما عند ولادتك صحيح؟"
ابتسمت وكأن الحديث الهادئ أراح عنها وجع صدرها الألم الذي واجهته من كلام الهام الطاعن لها لتنفض عنها الضعف والوهن كما قررت خلال الأيام الماضية.
لتهز رأسها بموافقة تؤكد لها: "نعم مثلما تحبين"
أدارت مقبض الباب بهدوء وهي تدلف إلى داخل الحجرة الدافئة ترتدي الملابس الخاصة مثل كل يوم عند دخولها إلى غرفته.

اقتربت بوجل تلتهم المسافة القصيرة وكما تفعل مؤخراً تمسك يده الموصلة بالمغذي، تلثمها بهدوء، قربت المقعد المخصص لها، تنظر له من بين دموعها التي لا تستطيع منعها عندما تراه مسجى هكذا لتقول: "أنت مدين لي بقبل كثيرة، لن أسامحك بها سوف تردها لي"
تتحدث معه وكأنه يسمعها، يحيطها بعينين رمادها الدافئ يبثها الحنان والشغف وأحيانا الشغب الذي تجره هي إليه.
اقتربت وهي ترفع يدها تضمها إلى صدرها لتميل لجسدها نحوه تقبل عينيه من فوق قناع التنفس ثم جبهته لتعتدل وهي تضع رأسها على كتفه وتستمر في حديثها تبثه شكوها عشقها له خوفها مناجاته أن يعود إليها. 
لم تدرك كم مر من الوقت لتعدل تمسح دموعها وهي تقول: "هل أنت مستمتع ببعدك عني إيهاب وتركي وحدي هنا هذا ليس عدلا، أنا أعاني، طفليك يعانون وهم يهاجمونني إيهاب وأنا أحتاجك للدفاع عني"
عادت للنفي سريعاً وهي تضم يده بقوة إلى أحضانها: "لا أنا أحتاجك لأني أحتاج قربك مني، أحتاج حنانك، أريد أن اطمئن إيهاب، أنا أرتعب وأصبحت أخاف مغادرتك فأخاف أن أنام، 
" أتوجس من جميع البشر "
انفجرت في البكاء مره أخرى وهي تقول :- 
" أنا أحاول أن أتظاهر بالقوة !!
لكنك وحدك من تعرف أني ضعيفة ، ولا أقوى إلا بك..
أرجوك عُد لتقويني ، انا أتعذب إيهاب !!
فريال وإلهام لا يرحموني !
انا أرتعب علي طفلينا .



وبتصرفات طفلة عاشقة ، خائفة ، عندما بدأ طفليها في حركتهما المعتادة .. قربت يده من بطنها ؛ لتفرد كفه على بروزها ، تمررها ببطئ وخجل من فعلتها وهي تقول :- " عندما علمت أنه مازال يسكن داخل أحشائي ، كنت تتواصل معه بكل جوارحك 
هل تذكر ؟!
آسفة حبيبي ، يومها لم أنبهك أنك تظلم أحدهما ، ولا تمنحه من حنانك !
مررت يده إلى أن وصلت لمكان حركة طفلها القوية ؛ لتضع يده عليها حتى يستشعرها مثلها وهي تضحك ، ودموعها تهطل مدراراً
لتقول بصوت هامس "- هل تشعر بهم ؟!
حركتهم قوية رغم تأكيد الطبيبة على انهم صغيرين للغاية ..
لكنهم أقوياء يحاربان ، رغم كل ما مررنا به ورغم الصعوبات ، لكنهم صامدون إيهاب !! 
هل سوف تكون مثلهم وتعود لنا وتتمسك بالحياة ؟!
حركة أخرى كانت أشد من السابقه بعض الشيء ضربتها لتحرك يده سريعاً نحوها وملامحها تتغضن بالألم لتقول :- 
هل ترى كيف يعذباني ؟!
ولكني أستحق مثل ما تخبرني هناء ؛ لأني أرهقهم ...
توقفت عن استرسالها معه بعدم تصديق وهي تشعر بيده تتفاعل تحت يدها ، أصابعه تتحرك بضعف وبطئ .
هل تحركت أم أمانيها هي من تصور لها الامر؟!
نظرت ليده سريعاً من بين دموعها لترى أن أصابعه تتحرك بالفعل بتناغم مع تكرر حركه طفليها ..
تتفاعل عند كل ضربة من أطفالها !
نظرت بصدمة إلى وجهه ؛ لتجد ان تنفسه مازال كما هو 
عينيه مطبقة ، جسده جامد 


إذن ماذا يحدث ؟!
لم تتجرأ على تحريك يده من تواصله مع طفليها ، وكأنها تخاف أن تقطع هذا التواصل الذي من حق طفليها ، أو تخشى أن يتوقف عن الحركة.
عاجزة تريد الصراخ !!
و أصابعه الطويله مازالت تحت كف يدها الرقيق التي ترتجف برهبة تتناغم مع حركة طفليها.
دقائق مرت وهى مسجونه في خوفها ، وعند توقف طفليها عن الحركة
ضج الجهاز المراقب لقلبه صريراً حاداً ، مزعجاً ، مخيفاً !!
وقبل ان تستوعب ماذا حدث !؟
كانت غرفته تُقتحم من قبل طبيبه وفريق من الممرضين خلفه بملامح مبهمة



إعدادات القراءة


لون الخلفية