بعد مرور ثلاثة أيام،،
يجلس خارج غرفتها، ينظر لباب الغرفة المغلق بتعاسة ويأس؛ ثلاثة أيام مرت، حتى الآن على ما حدث؛ عندما استمتعت لحديثه مع أبيها وانهيارها أمام عينيه، لا يعلم كيف تلقفها بين يديه قبل أن تصل إلى الأرض، ربما حركه رعبه والأدرنالين الذي تدفق في عروقه جزعه عليها؛ جعله يصل لها في أقل من ثانية واحدة، ليتلقف جسدها المستسلم في موجة إغماء قبل أن يصل إلى الأرض ببضع سنتيمترات، ليضمها إليه وهو تقريباً مغيب الإدراك،
عاجز عن إبداء رد فعل غير ضمها إليه وهو يطبق جفونه بقوة وكأنه بهذا ينكر ما يحدث وما سمعته منهما، يتأمل أن يفتحهما فيجد وضعهما مازال هناك على فراشهما يضمها إليه، بعد أن بثها عشقه وخوفه واشتياقه إليها، لم يستوعب حقيقته فعلا إلا مع هدر ياسر المرتفع و صوت زوجة أبيها القلق وهي تأمره بأن يتحرك ويضعها على الفراش لتستطيع فحصها، ليفتح عينيه وهو يخبرها بقلق، يفيق من تلك الغيبوبة المؤقتة التي لفت عقله ويحمل جسدها بين يديه بأنه سيتحرك فوراً لأي مستشفى قريب.
لتنهيه مرة أخرى وهي تأمره بأن يذهب بمريم إلى إحدى الغرف وبأنها طبيبة متقاعدة ولكنها تستطيع فحصها وتعلم قبل حتى الفحص ما يحدث معها، مخبرةً إياه وهي تقوم بالاقتراب منه بالفعل ومد يدها لجس نبضها أن بقائها هنا الآن أفضل.
عقله كان متوقف كليا عن أي تفكير منطقي وهو ينصاع لما تقوله، يثق بتلك المرأة من أول لقاء بينهما، لا يعلم لماذا؟! ولكن هو يستشعر صدقها ونزاهتها وقلقها على طفلته حتى لو لم تعرفها قبلا.
وهذا ما حدث في الأيام السابقة لم تتركها لحظة واحدة وهي توليها كل الاهتمام، موقفة زوجها بصرامة عن اتهامه له بأنه سبب ما يحدث بل أخبرته بنبرات قاطعة أنه المسؤول الوحيد بأنانيته الدائمة، مذكرة إياه أنهم اتفقوا على أنهم أتوا إلى هنا لاطمئنان فقط انها بخير ولن يخبروها أنه أبيها.
عاد بعينيه إلى الباب الذي فتح، وخرجت منه منى القاضي، تنظر له وهي تتوقع سؤاله الدائم عن حالها، لتجاوبه قبل حتى أن يسأل: "هي وطفلها بخير، لا تقلق ولكنها مازالت ترفض الحديث حتى معي"
ليطرق برأسه إلى الأسفل يتأمل الأرض تحت قدميه، عاجز حتى أن يدخل غرفتها، يريد أن ينظر لعينيها، يتحدث معها، يخبرها بكل شيء لتفهم ما يحدث ولكن خوفه وقلقه عليها بعد انهيارها ونصيحة زوجة أبيها بشكل قاطع ألا تراه، اكتفى بأن يدخل إليها أثناء نومها ويطمئن قلبه الملتاع باحتراقه الدائم إليها أنها تبدو ولو ظاهريا بخير.
ليسمع سؤال أبيها الذي يأتي يومياً ويجلس ساعة أو ساعتين، متعشما بأنه ربما يستطيع التحدث إليها ولكنها تائهة عن الجميع ولم يستطع أحد منهم اقتحام خلوتها، حتى عندما أتت مَي وجاسر للاطمئنان عليها، لم تستطع مَي أن تجعلها تخبرها أي شيء أو حتى تحدثها كما أخبروه تكتفي فقط بنظرات متحجرة إليهم جميعا ثم تشيح بوجهها تحدق في الفراغ، ليسمع ياسر يسأل زوجته: "إن كانت بخير؟!، دعينا إذا نتحدث معها، ما المانع في ذلك؟"
لتجاوبه وهي تتحرك لتجلس على إحدى المقاعد بجوارهم: "وما الذي تريد إخبارها به ياسر؟، هل وجدت الحجة القوية لإقناعها بسبب تركك إياها تعاني ما يقارب العشرون سنة؟، هل تستطيع تخيل ما تشعر به هي الآن؟ !؛ إنها في حالة صدمة، اتركوها لتهدأ هذه نصيحتي، ربما لو كانت ثارت أو صرخت، احتجت في وقتها كان هذا ليكون في صالحها وصالحكم، لكن انهيارها وصمتها هذا لا يدل إلا على شيء واحد، إن تحدثتم معها الآن سوف تخسرانها إلى الأبد، فأرجو بعض التعقل من كليكما..."
ليزفر ياسر بضيق، لا يستطيع تحديد مشاعره في تلك اللحظة، يشعر بالقلق، بالندم ويعود يكرر لنفسه بأسى لمَ لمْ يبحث وراء خطأ عمره !، فريال !، كيف وثق بكلامها وهو يعلم كذبها وطرقها الملتوية؟، أم ربما هو كان شبه متأكد من وجود قطعة منه معها ولكنه أراد إنكار ذلك ولملمة حياته وأطفاله ومحاولة مسح فريال من تاريخه بأي طريقة، فقط لو تمسك عندما رآها في حفل القنصلية وأعلن أبوتها.
الندم يهاجمه بقسوة ولكن ماذا يفعل؟، يأتي كل يوم متعشما في الحديث معها ربما تتقبله، ربما يستطيع أخذها إلى بيته في رعاية زوجته وباقي أولاده قد يكون هذا في صالحه ويستطيع بثها الاطمئنان وأبوته الضائعة منها.
ليقول بصوت هادئ، مقنع بعض الشيء، يخاطب الصامت الذي أمامه: "إيهاب هذا غير مجدي، ما نحن فيه ربما لو تم تغير الأجواء من حولها ورؤيتها إخوتها تستطيع أن تخرج ما هي فيه ربما تتحدث معنا ونستطيع إخبارها كل شيء وإقناعها وتتقبلني أنا بدون رفض وتتفهم أسبابي"
ليرفع إيهاب رأسه، ينظر إليه طويلا ووجه جامد لا إشارة فيه لأي انفعال، ليقول ببرود وكأنه يجبر نفسه على الإجابة عليه ليقول: "ماذا تعني بالضبط هل تريد أخذ زوجتي مني فقط لتستطيع أن تجعلها تتقبلك وتتفهم حبك لنفسك لكن أخبرني ياسر هل سوف تخبرها حرصك الشديد على سمعتك هل تعترف لها بأن لولا قلب زوجتك الرحيم ومناصرتها لي ربما لم تكن توافق على اعترافك بها أبدا"، ليكمل بسخرية منه ومحاولة أن يسيطر على غضبه: "هل سوف تخبرها بأن كل الإجراءات التي اتخذنها الآن تتم على أعلى درجة من السرية وبأنك لا تنوي تعريفها لأحد بأنها ابنتك "
ليصمت للحظات مدعي التفكير ليردف بعدها يسأله: "أخبرني ياسر عندما تأخذها إلى بيتك بأي صفة سوف تعرف الناس عليها؟"
بحزن عميق ارتسم على وجهه وخزي أكبر شعر به من الكلام الذي ينبض بالحقيقة الموجه إليه، أطرق برأسه للحظات وهو يتمتم بخفوت: "هذا الحل الوحيد إيهاب أنا لم أعد أرفض سأقدم لها كل ما أستطيع لتعويضها، لكن أعطوني بعض الوقت تعرف أحكام مجتمعنا الظالم وأول من سيطال الأذى هي لا غيرها في نظر المجتمع هي ابنة حر....."
ليقف الآخر يقطع حديثه بهدر مجنون: "اصمت، لا تعنتها بهذا، هي ليست هكذا ولن تحمل اللقب يوما، أنت والحقيرة شريكتك فقط من تستحقون كل ألفاظ الانحطاط في العالم هي ضحية لكما لا أكثر من هذا "
ليقف الآخر يوازيه يرد بغضب وصوت خافت من هجومه المتكرر عليه: "أنا لا أنعتها بشيء المجتمع الظالم هو من سينعتها تلك هي الحقيقة وَيَا ليت الأمر سوف يتوقف عند هذا الحد، بل جميع أولادي سيطولهم الأمر لن يقتنع أحد يوماً بأنها ناتجة عن زواج حتى لولم يكن شرعي لما إذا كل حربك علي أنا اذهب وأعلن عن الأمر وحارب المجتمع واقطع كل لسان سوف يخبرك بهذا تلك هي الحقيقة كما أخبرها ابن عمك مريم ابنتي ولكن ستحمل لقب ابنة الحرام إلى الأبد فماذا سنفعل لنخرس كل لسان؟ !"
ليقترب منه الأخر والشرر يتطاير من عينيه، يهدر به: "اخرس، فقط اخرس هل تريد قهرها إن سمعت كلامك، لا يعنيني أنت أو اسمك، حدالمجتمع ولا اهتم، سآخذها من هنا وسأهرب بعيدا، لا أريد اعترافك ولا أي شيء أخر منك، لولا حاجتي لاسمك لإثبات نسبها ونسب طفلي لم أكن سأجبر لتقبل تفاهتك، أنانيتك أو لرؤية وجهك اللعين... !"
لتقف منى حائلا بينهما، تهز رأسها بيأس، يتبادلان الاتهامات وإعلان أحقية كل واحد منهما بمريم ولا يفكران بخطورة حديثهما إن سمعته عليها ولكن هنا هي في صف إيهاب من حقه الدفاع عنها من تصميم زوجها إلقاء جبنه وحرصه على سمعته وعلى كلام المجتمع واتهاماته، لتقول تنهيهم بهدوء وحكمة تلعب على أوتار خوف إيهاب وحرصه عليها: "هل من الممكن أن تهدئا الآن يكفي تبادل اتهامات وكلام قاتل إن سمعتكما من تجلس في الغرفة المجاورة تخيلا وضعها‘ فعنادكما هدا سيزيد الوضع سوءا وهي يكفيها ما فيه"
لتلتفت لإيهاب: "بني، اهدأ قليلاً لا أحد يلقبها بشيء ولكن من أجلها فقط ومن أجل طفلك حاول التزام الهدوء لتتعامل بحكمة معها"
ليلتف برأسه يخبر ياسر بقرار قاطع منهيا الحوار في طلبه السابق: "ردا على كلامك وطلبك، مريم لن تخرج من هنا مهما حدث هنا بيتها وبيت طفلها، قبل أن يكون بيتي وأنا لم امنع أحدا إن أراد رؤيتها وانتهى الكلام في هذا الأمر ياسر لأنك كررته كثيرا في الأيام السابقة"
بعد مضي بعد الوقت بقي كل منهم يلتزم الصمت بجمود في مكانه، مواجهين لبعضهما المكان ولكن كل منهم يشرد تفكيره في مكان أخر، لتقطعه منى التي كانت ذهبت لغرفتها لتطمئن عليها تخبره: "إيهاب، اعتقد حان وقت تدخلك الآن"
عبس بوجه في علامة على عدم استيعاب جملتها لتكمل هي تفسر له: "اعتقد أنها بدأت في الإدراك واتخاذ قرار ما في عقلها، لقد خرجت من سكونها أخيرا ونهضت من الفراش وهي تقوم بطردي خارج الغرفة متوجهة للخزانة تبحث عن ملابس لها على ما يبدو لي وهي تعلن بتعجل أنها سوف تغادر من هنا وتذهب لامرأة تدعى هناء"
نهض سريعاً، بدون تفكير وهو يتوجه لغرفتها ليصدم بها تفتح الباب وتخرج منه بتعجل، أمسك من كتفيها بحنو قبل اصطدامها به يحاول تصنع الهدوء وابتسامة واهية، يحدثها بصوت هادئ، متفهما لما سوف تفعله، قلق من صمتها وتفكيرها ليبتلع كلامه داخل حلقه الذي جف عندما رفعت إليه نظرات شرسة تحرقه، وقع قلبه بين أضلعه يعلم جيدا عندما تثور وتغضب ستهدم كل شيء بينهما بغباء؛ لقد خسرها لا محالة رفعت يديها تزيحه فتبعده عنها بدفعها صدره بعنف وكأن إمساكه بها يحرقها وهي تهدر به بغضب: "ابتعد عني على الفور، إياك ولمسي أو الاقتراب مني، أنا سأغادر من هنا، لا أريد رؤية وجهك بعد الآن يا كاذب.. "
ازدرد ريقه بصعوبة وقلق متجنبا نعتها إياه بالكاذب ولم يحرك يديه عن إمساكه بها ليستفسر منها بهدوء: "إلى أين سوف تذهبين حبيبتي؟، هل من الممكن أن تخبريني؟"
لتصرخ بِه بفقدان سيطرة وهي تتملص منه بحدة: "أنا لست حبيبتك ولا أعرفك حتى، ابتعد عني ودعني أغادر وإلا افتعلت فضيحة هنا لأخبر الجميع باستغلالك لي رغما عني وحملي منك يا أخي العزيز"
اشتعلت عيناه بغضب فاقدا سيطرته على انفعالاته التي تحتل وجهه عند سماعه كلامها المسموم عاجزا حتى عن الرد أو مقارعتها مثل الماضي عندما كانت تتهمه بهذا وهي تسخر منه بلقب أخيها هذا أخبر نفسه اهدأ واحتويها لديها الحق في كل ما ستفعله بل هذه هي البداية فقط حاول أن تجهز نفسك لما هو أسوأ.
قبل أن يتحدث أو يرد عليها، كان يأتي ياسر من الخلف يخبرها بصوت قلق و هو يستشعر الرعب في نبرات صوته عند محدثتها، ليسمعه يقول بصوت متقطع مهزوز : "اهدئي، يا ابنتي ودعينا نتحدث قبلاً ونفهمك كل شيء"
دارت برأسها بشراسة وتقزز تلتفت لياسر بعد أن تخلصت منه هو لتوجه ياسر مباشرة وهي تسأله باستخفاف: "ومن أنت؟ !، ولما قد استمع إليك من الأساس هل من الممكن أن تخبرني؟ !"
تردد ياسر أكتر والعرق ملأ جبينه وهو يقول بتقطع: "أنا، أنا..."، ليخبرها بثقل: "أنا والدك الحقيقي يا مريم ومن حقي أن تستمعي لي" صمت بعدها وكأنه يبحث عن أي شيء يخبرها به.
لتقف مكانها تربع يديها على صدرها تشمله بنظرات تقليل من أطراف قدميه حتى منبث رأسه تقدح عينيها بشرر، استمر تأملها وقت طويل للثلاثة الذين يترقبونها بقلق، لتنطق بعدها بقوة وإهانة وهي تقول بتشدق: "حقاً أنت والدي؟ !، ابنة الحرام خاصة فريال أصبح لديها أب !، أين كنت من عشرون عام بالضبط يا هذا؟ ،! إن كان ما تخبرني به صحيح؟"
لتكمل بصرامة، قبل أن يجاوبها تلتفت لإيهاب: "هل هذه لعبة جديدة إيهاب !، لتكبلني بك وتجعلني أنهار بضعفي المقيت لك من هذا الرجل أجبني ثلاث أيام مضت وأنا أفكر وأنكر لنفسي ما سمعته من هدركم بأن هذا الشخص أبي هل أنا لي أب إيهاب تخبئه عني"، لتصرخ به وهي تمسك رأسها بيديها: "أجبني أنا سوف أجن.... !" لتكمل برجاء مستتر بين نبرات صوتها: "فقط قل لي أنها لعبة لتسيطر علي، انتقام مني لهروبي منك، مزاح ثقيل !،أن هذا الشخص يكذب أو خيالي يتلاعب بي !، أني أحلم !، أنا سوف أجن، أخبرني أي شيء وأنهي هذا الأمر لا تجعل خيبتي فيك تكبر أكثر "
عاجزا عن الرد، بل جميعهم عاجزين عن الرد، وسط هدرها وصراخها ماذا سوف يخبرها؟.
ليقترب منها ياسر يحاول أن يلمسها ويحيطها يخبرها بالحقيقة لتتراجع للوراء برعب وهي تصرخ: "لا ..لا ابتعد عني، من أنت لتلمسني ؟"،
لتلتفت لإيهاب: "تحدث، قل أي شيء، كيف ترى رجلا أخر يقترب مني ولا تعترض؟" لتقترب منه بثورة تضربه على صدره بقوة وانفلات وقد بات فقدانها لسيطرتها هو ما يتحكم في ردود أفعالها بانفلات وبهيجان ظاهرين للعيون المراقبة بعجز: " تحدث ما الذي يحدث هنا لما أنت صامت هكذا؟"
أمسك يديها يحاول السيطرة على جسدها الثائر بقلق ليقول: "فقط اهدئي، دعينا نتحدث أولاً وسأخبرك كل شيء منذ البداية"
لتعترض بثورة رفض شرسة وهي تجزم بكل كلمة ستقال لها، أب ينكره عنها جعلها تتذوق مرارة كل أفعالهم ونعتها بابنة الحرام عايش كل ألمها منذ طفولتها..
اتخذها زوجة في السر كأي مخطئة...
كأي علاقة محرمة بحجة أن لا أوراق لديها يستطيع إعلان زواجه منها وهي لها أب...
جعلها تعيش قهر نسب غير موجود، تتقبل تضحيته بأنه قبل بها وهي لا تحمل أي شرعية لنسبها..
كادت تقتل طفليها بسبب زواجهما الذي لن يخرج للنور يوماً استغل كل جزء منها وهي لها أب له والد ينكر معرفته به لتخبره بصراخ: "لا لن اهدأ ولن أتحدث لا أريد أحدً منكم، اتركني أغادر لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى، كان خطئي أني تراجعت عن سفري كم كنت غبية بضعفي نحوك"
ليقاطعهم ياسر مرة أخرى وهو يخبرها بتعجل وقلق: "اهدئي من أجلك ومن أجل طفلك هذا خطر عليه، إن كنت تريدين المغادرة أنا سوف أخذك من هنا"
لتلتفت له وشعرها يتناثر بهمجية من حولها متضامنا مع هز رأسها بسرعة يستدير نحو ثلاثتهم، تنفي بجنون قبول طلبه بينما تعاود القول بتأكيد وإهانة له: "وأنا أعيد سؤالي من أنت لأذهب معك؟، أنا أخبرك أن لا والد لدي، أنا ابنة حرام، لا أحد يعلم من أبي ولن نعرف يوماً، أنت لست والدي ولن تكون يوماً لا والد لي إلا الرجل الذي تكرم علي ومنحني اسمه حتى ولو لم يعاملني يوماً كابنته سأظل ممتنة له، لكن أنت !، أنا لا أعرفك ولا أريد رؤية وجهك المقيت، عمي حسين هو أبي وانتهينا من هذه القصة السخيفة"
لتمتم بغضب وقلة أدب متعمدة: "حقير أخر وكأنه ينقصني حقراء في حياتي لتظهر أنت"، لعل كلماتها تلك تحقق ما عجز الانكسار المستتر أن يحققه فيبعد سعيهم نحوها ويوقفه، لا تريد وعودا ..ولا تودد زائف ..لا أمل كاذب ..فكل وعد، تودد وأمل زرعته في نفسها سابقا لم تجني من بعد زرعه إلا الحزن.
لتحاول الابتعاد عن إيهاب مرة أخرى وهي تهم بالمغادرة غير عابئة لعيني الرجل التي تكاد تنفر منها دمعات الألم من كلامها السام.
ليمسك إيهاب بها يدفعها لداخل الغرفة مرة أخرى وهو يقول بقوة وسيطرة: "يكفي جنون إلى هذا الحد مريم يجب أن تستمعي لي أنا على الأقل"
لتهتف بجنون ساخر بصوت عال قبل أن يدخلها الغرفة تهدر به بكلمات مهينة طاعنة أمامهم، تضرب أخر مسمار في نعشه: "أتحدث معك وحدنا هل تمزح !؟، أنت لا تنفرد بي إلا لطاقة داخلك تفرغها في مثل أي حيوان"
لتشير لبطنها: " وكانت هذه النتيجة يا أخي الناضج الكبير، يا أبي الذي رعاني، طفل حرام أخر من ابنة الحرام لا تريد الاعتراف به بل تشككت انه منك"
توسعت ﻋينا ياسر ومنى مما يسمعاه بصدمة غير قادرين على قول أي شيء أخر مما تقول، وهو أيضاً ناله من صدمتهم جانب ليزيحها إلى داخل الغرفة بتوتر وهو يهدر بها: " اخرسي ما هذا الذي تقولينه؟"
ليتركها تقف في منتصف الغرفة ويعود ليغلق الباب بتعجل في الوجهين المصدومين غير مستوعبين لما يقال، ليستمع لباقي هدرها تقول باستنكار: "اخرس؟، اخرس؟، لما قد اخرس !، أنا أقًول الحقيقة إيهاب هل لك تفسير أخر لعلاقتنا السرية المحرمة غير الذي قلته؟"
اقترب منها وهو يسيطر علي نفسه بقوة يحاول التفهم أن يدرك تغيبها عن الوعي فيما تقول، ليجز على أسنانه وهو يخبرها: "لا يوجد بيننا علاقة تحمل صفة الحرام يا غبية لا تكرريها في كل مناسبة بداع وبدون داعٍ أنت زوجتي.. زوجتي أخبرتك سابقاً زواجي منك شرعي، فما دخل أي شيء أخر بزواجي منك الآن؟"
لتستطيل على أطراف أصابعها تواجه عيناه: "حقاً زوجتك؟ !، منذ متى إيهاب فأنا لم اسمعها منك إلا عند علاقتك الجسدية معي، حتى تؤكد لنفسك أنك المثالي الذي لا يخطئ"، لتمد إصبعها تضرب على صدره في إشارة حانقة: " لكنك تدرك أن كل ما يحدث حرام لا يحمل إلا صفه الظل "
ثم تضيف بتشدق: "متى أخبرتني...؟ أها... ؟عندما هدرت بها في المستشفي ولكن هل كان من أجلي أم من أجل تحسين صورتك أمام الطبيب وصديقك ؟"
عقد حاجبيه بتعجب مما يسمعه منها: "هل أنت تدركين ما تقولين؟، هل تعين كلامك حقا أم تلفظين لمجرد جرحي به فقط؟، لعلمك لو كنت كذلك لاستطعت أن أنكره أمامهم، أن أخبرهم بأني لا صلة لي بك يا غبية بل أخبرت الجميع لحمايتك أنت، فكيف أحمي نفسي وأنا أخبر الجميع بخستي معك"
لتضحك باستهانة وهي تصفق بيديها: "حقاً أنت مرح للغاية، وهل يفترض بي أن أصدقك أيها الكاذب !، كل ما أخبرتني به كذب" لتضيف والألم احتل وجهها ولكن لم تتخلى عن نبرات صوتها القوية: "كل ما عشته معك كذب، ادعائك الحماية كذب، حبك وتملكك لي كذب، ادعاء زواجك مني كذب، أنا الآن متأكدة أن تلك الورقة أيضاً التي افتعلتها أنت وحسين وفريال لإيهامي بزواجي منك ما هي إلا محض خدعة... لنقل مسؤوليتي بينكم كسلعة مستهلكة، أخبرني إيهاب، هل دفعت لهم ثمني هل كان ثمن باهظ هل قدم لك جسدي ما يستحق ؟"
احتله الذهول من ما تهذي به، هل نسيت الغبية كل شيء هل تناست أنها من سعت في بادئ الأمر هل يجلدها الآن ويذكرها بما كانت تفعل لإغرائه بل وتوسلها المتخفي لعلاقة معه؟، ليقول لها ينهيها : "يبدوا أن الجنون تملك منك تماما هل تعين ما تقولين أي صفقة ! وأي جسد هذا الذي اشتريته !، هل أخبرك أحد أني كنت عاجز عن إيجاد امرأة والزواج منها لأشتريك يا مجنونة ؟"
لتقول: "لا لم يتملكني الجنون بعد، ودعني فقط أوضح لك نقاط أنت من كنت غافلا عنها وأنت أتثبتها لي منذ البداية، أخبرني لم خبأت عني أبي؟، لما لم تحاول اثبات حقي به قبل زواجك مني؟، لعلني كنت نجوت من ارتباطك بي وأنقذت نفسي"، لتشير
إلى باب الغرفة وهي تردف: "هذا الرجل في الخارج أنا أتذكره جيدا بعد أن راجعت صورته في رأسي، هذا هو من أرعبك أنت وفريال عندما تحدث معي في ذاك الحفل البائس، لتأتي بعدها بوقت قصير تخبرني بزواجك مني وتخدع تلك الصغيرة التي وثقت بك أكثر من نفسها وأنت كان كل ما تريده هو السيطرة علّي، لقد أجدت اللعبة إيهاب لتجعلني انزوي بألم وخزي من نفسي بأني من حاولت معك بالتأكيد كنت تعلم هيامي بك ولم تقترب مني إلا بعد أن تأكدت من خزي بنفسي وتصديقي لك بأني من سعيت لتستغل جسدي كما تريد ووقت ما تريد"، لتضيف بفحيح أشعره أن من أمامه فريال لا مريم حبة قلبه الصغيرة، ناعمته الخاصة: "ولا أنت كنت عاجزا عن إيجاد أخرى وغير واثق من أن امرأة تتقبلك بعد خيانة إسراء لك، إذا كان غير هذا؟، لما لم تتزوج بعدها أخبرني؟"
لتضيف باتهام لاذع: "أنت كنت تريد جسدًا بريء لتفرغ طاقتك و شهوتك به دون اعتراض، كنت متأكدًا من استسلامي لك وعدم خبرتي في شيء وهذا يرجع لثقتك في نشأتي على يديك"
نظر لها بصدمة حقيقية وكأن لسانه شُل للرد عليها وهو يشعر أن قلبه هوى إلى ما بين قدميه، برودة سرت في جميع أطرافه وسارت في باقي جسده.
يسأل نفسه عند كل كلمة تنطقها هل مريم من أمامه أم فريال احتلتها وتتحدث بلسانها، هل هذه صغيرته ؟؟؟
لتكمل بدون اكتراث به: "شهور طويلة، أتحمل ثورتك بقلب عاشق، إهانتك لي عند كل لقاء بيننا وأنت تعاملني كالساقطات، لا بل ربما الساقطة أفضل مني إذ ربما قد تأخذها بين ذراعيك بعد لقائك بها ولكن أنا ما كان يحدث بعد عودتنا من اسبانيا تلتقي بي وبعد انتهاء كل شيء تنهض وكأن حية لدغتك"
هبطت دموعها رغم عنها وهي تكمل بألم غير قادرة على التجلد بالقوة أكثر عندما عاد لها كل شعور بالخزي والمهانة بل وربما العار وهي تسترجع شعورها آنذاك عند تركه لها، هل تعلم ماذا كان شعوري عند رؤيتك ترتدي ملابسك بتعجل وأنت تأمرني بمداراة أي أثار لما حدث بيننا هل كنت تشعر بخزي من نفسي وأنا ألجأ إليك كل مرة لشعور فقط بالأمان لتنتهي بعلاقة في غرفتك وككل مرة يجب أن أتسلل إلى غرفتي قبل أن يراني أحد، هل شعرت بقهري وأنا أراك؟، تعرف أني أخت لك أمام الناس لتعود بيني وبينك رجل متلهف لن أستطيع قول عاشق لأني لا اعتقد أبدا أنك أحببتني حقا يوماً، حتى عندما كنت اعتكف في غرفتي ولا أذهب إليك لتتصل بي بصوت هامس أن أتي إليك وأن أكون حريصة ألا يراني أحد أنت كنت تأخذ ساقطتك الخاصة التي هي أنا تلتقي بها في فندق، هل تعلم أن هذا كان ذابحا لي أني كنت اصمت وأنحي أي شعور بخطئك نحوي أخبر نفسي بصبر أنك زوجي أنك إيهاب حبيبي أن لا مشكلة فيما يحدث ما يهم أنه معي وحولي"
ليعلو صوتها مرة أخرى: " اللعنة عليك إيهاب، حتى عندما ثرت محاولة واهية من صغيرة غبية أتمرد على الوضع جلدتني جلد وأنت تثبت شكوكي وأنت تخبرني بحقارة أني جسد يستخدم في الخفاء بالفعل هل تعلم كم كنت أتعذب وأنا أعاني وحامي وحدي لم أكن أداري الأمر جيدا كم سخرت مني وأنت تخبرني بالاستمرار في مداراته بل كنت أعاني منه وحدي أمر أجهله ولا أعرف كيف أتعامل معه لتأتي في النهاية عند معرفتك تنكره، حتى بعد عودتي المخزية لك بالأمس"
صمتت لبرهة تحاول السيطرة على أنفاسها ترفع يديها تُمسح دموعها بعنف من على وجهها، لتقول بتشدق تسخر من كلامه معها، من شوقه إليها ومن عاطفته نحوها: "كل ما فعلته، أنك أتيت بي مباشرة لهذا الفراش وأنت تسيطر على أي تفكير لدي كعادتك مخبرا أياي بكلماتك المنمقة تلك، ماذا قلت آه نعم حرفيا وكيف استطيع أن أنسى فالوعود الكاذبة تحفر جيدا (قد لا أعرف التعبير عن حبي نحوك بالكلام مريم ولكن سأعبر بعاطفتي نحوك )"
ارتسم التقزز على وجهها وهي تضيف: "لم تكن أشواقك بل حاجتك لهذا الجسد القذر لم يكن اشتياق لي بل اشتياق لرجولتك في أنا "
اجفل جسدها وهي تراه أصبح كثور مجنون فاقد سيطرته تماماً يحطم كل شيء بالغرفة حولهما ويعود ليضرب الحائط بجانبها بقبضتيه وهو يصرخ بها: "توقفي فقط توقفي هذا افتراء علي، لم أكن هكذا يوماً ربما أخطأت في حقك لكن لم أعاملك يوماً كما تقولين، لما أركِ مجرد جسد أبداً، تعاقبيني أنا على أب لك وهل حاول الاقتراب منك المطالبة بك، هل أخبرتك أمك بوجوده؟، ما ذنبي يا مريم؟، فعلت ما استطعت لحمايتك من الجميع وأنا من ذهبت أطالب بحقك وحق ابنك لا إنه ابني أنا، متى أنكرته؟، اخبريني ؟، متى أعطيتني الفرصة لأشرح أسبابي كنت أسابق الزمن وأحارب الجميع لأرد لك حقك المسلوب وأنت تخططين بحقارة لموت طفلي وللهروب مني "
هدرت به بصراخ: "كـــــــــــــاذب !، أنت كاذب الحقيقة الوحيدة الثابتة الآن هي كل ما أخبرتك بِه ولن تقنعني بغيرها"
اقترب منها نار تشتعل به طعنة في الصميم لرجولته وهو يسترجع كل حرف نطقت به اتهامها له بأنه كان عاجزا عن إيجاد امرأة تضغط على جروحه بحقارة..
تنتقم منه بنفس أسلوب أمها، مثلها ومثل الجميع.
تمتم بغضب وهو يقترب منها عينيه تقدح شررا تراجعت للوراء خطوات ليوقفها باب الشرفة الزجاجي من خلفها، دارت خوفها بجسارة وهي تحدق به بأعين شرسة لم تبدي أي ردة فعل أو خوف منه متوقعة بعد صدمتها به أي شيء قد يفعله بها: "لم أكن كاذب يوماً أنا يا مريم عاجز وناقص وحيوان ولم أستطع إيجاد إلا أنت لعلاقة معي هل كل ما كان بيننا هذا فقط"، ليرفع يده بدون سيطرة ليوقفها في الهواء وهو يرى حدقتيها اللتان اهتزتا، لتسقط عينيه على بطنها المنتفخ، لينزل بقبضته على الباب الزجاجي من خلفها بشدة أغمضت عينيها وجسدها ينكمش رغم عنها وهي تسمع صوت تحطم الزجاج، تضامنا مع صراخه بكلماته: "فقط ما يمنعني طفلي عنك الآن وإلا كنت جعلتك تعلمين حقاً معني الحقارة، معني الحيوان العاجز التي تتهميني به"
لتهدر به بجنون: "أنا لا أخاف منك، لم أعد حتى اهتمً بما تشعر وبما تفعل هل تظن أن ما تفعله الآن يخيفني؟، أنت تحلم؟"
: "أنا سأترك هذا المنزل وأنت بغير رجعة لا أريد رؤيتك مرة أخرى وأطفالي لن تراهم أبداً لقد اكتفيت منك ومن كل أفعالك، من خيبتي المتكررة بك أنت كشفت إيهاب على حقيقتك أمامي هل تفهم ؟"
وسط كل عواصفهم لم يستوعب بعد لزلة لسانها التي كررت مرتين وهي تخبره بأنها تحمل طفلين وسط كل مشاعره، غضبه، انكساره منها ربما حتى لم يتفهم ألمها وهي تخبره كيف كانت ترى علاقتهما، كل ما يراه الآن رجولته التي طعنتها باستخفاف شعورها المخزي نحوه تراه حيوان بل وتريد الابتعاد عنه ليضغط على حروفه وهو يخبرها أنه لن يهتم بشيء ولا بما تشعر لقد توقف حتى عن شعور المراعاة لها.
ليصرخ: "في أحلامك الخاصة فقط لن تتركي هذا المنزل ما حييت طفلي سيولد بين يدي أنا" ليكمل وهو يسألها ساخرا وكله يتمزق منها ربما يريد صفعة آفاقه لها لتعلم وضعها جيداً: "ولكن أين ستذهبين؟، هل لك أحد غيري؟، ماذا مريم هل ستذهبين لأحضان أمك الحنون مثلاً، ارتضي بما هو متاح لك هذا قدرك أنا وأنا فقط "
لتصرخ به والألم يعتصرها هذه هي الحقيقة الثابتة الوحيدة ومن لها لتلجئ إليه وأين تذهب لقد عجزت حتى عن مغادرة هنا لتعود له صاغرة ترجو تلمس بعض الأمان منه لكنها علمت بالطريقة المرة كذبه وحقارته معها من البداية لقد حطمها كلياً بما علمت
لتقول: "أنت لا تملكني إيهاب، تفهم لا يعينك أين اذهب هذا القدر أرفضه وسأتخلص منه"
اقترب منها بغضب ليمد يديه يمسك أعلى ذراعيها بعنف.. لم يع في هذه اللحظة بحملها ولا صدمتها به كلما يستوعبه هو كلامها القاتل والموجع واتهامها له وكأن كل ما بينهما لم تر منه شيئا غير علاقتها الجسدية بهت تهمه بأن عاطفته نحوها لإشباع غرائزه فقط وكأنه مثل أي حيوان.. اتهامها لرجولته ..
هتافها بوجهه والإصرار والعزم في قرارها التخلص منه، تريد تركه مرة أخرى وهذه المرة إلى الأبد. ليقول ردا على تهديدها وصوته يحمل الشرر، يهزها من عضديها علها تفيق من هذرها من بشاعة كلماتها ووصفها لعلاقتهما: "أنت كلك ملكي وحدي، تقبلت هذا أم لم تتقبليه لم أعد اهتم"
ليقترب من وجهها يهمس بغضب وشراسة يكمل بتأكيد ويميل برأسه ليوازي رأسها ينظر لعينيها التي تبادله بنظرات شرسة مثله:"نعم كما قلت يا مريم أني ربيتك لأجد المقابل ولم أمانع بأن يكون جسدك هو الثمن، أن كنت مصرة أنك لما بيننا كان مجرد علاقة حيوانية، كل مشاعري لك اختصرتها في هذا، أنت لي حتى عدد أنفاسك التي تخرجيها لي أنا، دقات قلبك هي لي، كل فعل يخرج منك امتلكه، ظهور أباك من عدمه لا يعنيني ولن يغير وضعك أبداً، خروج من هذا البيت لن يحدث.. هروبك مني إن كنت تسامحت به سابقاً وتهديدك بقتل طفلي فأنا أخبرك أني أتراجع وسوف تعاقبي عليه.. تعايشي مع هذه الحقيقة المرة لك لأني لن أتركك وحقا أنت لن تخرجي من هنا مهما حدث"
لترد بفقدان سيطرة تهدر بصراخ وقوة: "حقير، قذر يا إيهاب.. هذا ما توصلت إليه أخيراً..لم أتوقع منك غير ما تقول، وقسماً على قسمك سوف أتخلص منك ولو أغلقت علي ألف باب، كيف كنت عمياء طوال حياتي ولم أرك على حقيقتك؟!"
لم يهتز حتى وكلما تقول يذبحه ويحطم قلبه لشظايا صغيرة منثورة بداخله ليرد بتأكيد وسخرية مريرة: "جيد انك علمت هذا، تعايشي معه لأن لا مفر لك مني، أنت أم طفلي وزوجتي رغما عن انفك، حتى روحك أنا من امتلكها"
ردت وعلامات النفور تكسي وجهها:
"نعم، نعم علمت ولكن أريد أن أخبرك شيئا، أنت علقة يجب التخلص منها، أنا أشمئز منك، أشمئز من كل مكان في جسدي تلمسته، أكره كل شيء بي ويصيبني التقزز عند تذكري أنك امتلكته فكيف تنوي حبسي؟! ألا يوجد لديك كرامة؟! أنا سوف أخرج من هنا مهما فعلت وسأتخلص منك وأنسى أي شيء يخصك"
ليعلو صراخها: "أكرهك، أكرهك ألا تفهم أم أن الغباء أصابك؟!"
رد بألم وهو يترك عضديها ويتراجع للوراء ليغادر الغرفة.. لن يحتمل أكثر من هذا، لن يستطيع أن يبقى أمامها لحظة أخرى:
"وكأني أهتم بحبك أو كرهك أو حتى كيف أصبحت صورتي بعينيك! خروج من هنا لن يحدث، تركي مرة أخرى امسحيه من تفكيرك لأنه لو حدث يكون سيكون بموتي، وضعي في عقلك أنت هنا من أجل طفلي فقط لا تمسكا بك"
لتهتف به بفحيح من وراء ظهره، الألم ينزف من كلماته صدقها أو تكذيبها، قلبها النازف متردد بغير وعي: "كم أتمنى أن يكون هذا قريبا، فلتذهب إلى الجحيم"
التفت لها برأسه وعيناه تنضجان ألما، طعنته بخنجر مسموم في منتصف قلبه: "وأنا أيضاً يا مريم أتمنى أن يتقبل الله دعوتك لتتخلصي مني لأنه لا يوجد لك مخرج أخر"
شهقت بصدمه وهي تضع يديها على فمها وكأنها سوف تعيد الكلمات البشعة التي قالتها داخلها جحظت عينيها بذهول عند أدركها لما هتفت به في وجهه طعنت الألم التي رأتها في عينيه أصابتها هي.
هل حقاً تتمنى موته؟، لا لم تقصد هذا؟، رغم كل ما فعله، رغم صورتها لتحطيمه، رغم كل وجعها منه، رغم كل الجنون التي أخبرته به وغير نادمة عليه ولكن لا تتمنى هذا أبدا ولم تقصد أن تقول هذا له، أن تتمنى موته لن تستطيع مجرد تخيل أن يصيبه مكروه.
تمتمت بذهول من وراء ظهره، بعد أن غادر الغرفة وهي تتراجع تجلس على طرف الأريكة التي بجانبها وهي تشعر بانهيار جميع جسدها، لن تستطيع أن تستمر في وقوفها لقد أنهكها كل ما تبادله لتقول بألم والدموع تنساب رغم عنها على وجنتيها: "إيهاب، لا قد أموت أنا قبل أن يمسك أذى"
خرج بعاصفة وعلامات الألم لا تفارق وجهه وجه، رجل مطعون إلى الصميم شعور مقيت يتملك منه في كل تخيلاته لمواجهتهما لم يتطرق إلى تفكيره أبدا أن تتهمه بكل هذه الحقارة والبشاعة، تعيد كلمات فريال عليه؛ أنه ناقص !.
أغمض عينيه بقوة وهو يشعر بترنح جسده يتوقف قليلا حتى يعيد توازنه في الممر الذي يربط الغرف ببهو الاستقبال.
يعيد كلامها كله في ذاكرته بقهر ويتوقف عقله عند جملة واحدة (ولا أنت كنت عاجز عن إيجاد أخرى وغير واثق من أن امرأة تتقبلك )، يواجه السؤال لنفسه بعذاب
ما الذي فعله بنفسه؟، ما الذي أوصل نفسه له؟، وهو يحاول حمايتهم وهو يحاول لم شتاتهم فعاش فقط مخلصا للجميع وسندا له، هل هذه جزائه مراعاته لهم هل هكذا تكافئه باعتنائه بها وكأن كل مصائبها هو السبب فيها.
هم ليغادر وهو يتوجه لباب الشقة، ليتوقف لحظة وهو يلتفت للوجهين اللذان ينظران له بترقب وقلق، يسأل نفسه إلا أي حد إهانته صغيرته أمامهم وماذا سمعوا من حديثهم المنفرد.
لم ينطق ياسر بحرف، اقتربت منه منى تربت على كتفه بحنو وهي تخبره: "إلى أين لا تخرج بحالتك تلك، يدك تنزف نظر ليديه التي لم يشعر بأي شيء فيها ولا الجرح الغائر والدماء التي تغرقها"
خرج صوته غاضبا بعض الشيء وكأنه ينفي أي شيء قد يكون سمعاه، ليقول بقوة متجنبا الرد على سؤالها أو إخبارها له بيده النازفة: "إلى الجحيم كما طلبت ابنة أمها وأبيها ولكن أخبريها وأيضاً أنت يا ياسر قسماً لن أرجع فيه أبداً إن خرجت مريم من هنا بأي طريقة وتحت أي سبب سيكون أخر يوم في عمرها البائس ولن أرحمك أنت فاتقي شري وانتقام الحليم عند الغضب، ابنتك ستكون حبيسة هنا إلا أن أقرر أنا إطلاق سراحها"
ليجيبه ياسر وهو يشعر بالغضب، هل أتى عليه اليوم الذي يهدده فيه أحد ما ويكون منكسرا أمامه وعاجزا عن فعل شيء: " هل تهددني ؟"
ليرد الأخر بقوة وتأكيد وهو يعلو صوته ليسمع التي داخل الغرفة: "نعم أهددك، أهددها وأهدد أي شخص يقترب منها هل تفهمون جميعاً"
ليفتح الباب يغادر، ليتوقف مرة أخرى عند عتبة الباب يلتفت لمنى يخبرها بصوت منخفض قليلاً لم يستطع أن يغادر بدون التأكد أن أحدا هنا يرعاها: "لا تتركيها مهما حدث، أنا أثق بك لا أعرف لما ولكن أثق بك مهما ثارت لا تتركيها هي أمانه لديك عدت أم لم أعد"
لتنظر له منى بقلق واستفهام: "ماذا تعني ؟ !"
ليجيب وهو يوليها ظهره: "فقط لا تتركيها ولا تهتمي بشيء أخر"
***************
بعد ساعتين لم يتحرك من سيارته التي تقف أمام المبنى الذي به الشقة التي ابتاعها وسجلها باسمها هي، ربما خوفا أن تنفذ تهديدها وتغادر غير عابئة بأحد لم يرى إلا ياسر يغادر هو أيضا والقهر يرتسم بين قسمات وجهه وربما بعض الدموع تلمع في عينيه، لم ينتبه له حتى وهو يصعد إلى سيارته وينطلق السائق بها.
ابتسم بمرارة رغماً عنه، قطته الصغيرة أصبحت لبوءة شرسة تمزق الجميع بدون رحمة، نظر ليديه التي مازال الدماء تنزف منها، لم يستمع للحارس الذي ساعده في جلب بعض الشاش والقطن لمساعدته في تطهير جرحه وهو يخبره أنه يجب أن يذهب لطبيب ليقطب الجرح الغائر، وضع رأسه بتعب يريحها على ذراعيه المسنودة إلى المقود وصوت فحيحها مازال يرن في أذنيه.
رفع هاتفه يضعه على أذنه ولم يتحرك من وضعه هذا، ليأتيه صوت جاسر المرح: "مرحباً، هل أخيرا تذكرتني ورضيت عني؟"
ليخبره مباشرة وصوته يفضحه الألم الذي يسكنه: "جاسر، أريدك أن تخبر زوجتك أن تتصل على عمتها في الحال مريم تحتاجها"
ليجاوبه جاسر بقلق وترقب مما قد يخبره به: "ماذا حدث هل خرجت عن صمتها أخيرا"
: "فقط لا تسأل واجعل هناء تأتي إليها يبدو أنها لا تثق بأحد الآن غيرها، جاسر أريد منك طلبا أخير ونحي أفكارك الخارقة وتعليم دروسك المجنونة جانباً أناشدك باسم صداقة بيننا كن مخلصا لي"
ليجيبه الأخر بحزم: "قل ما تريد وثق بإخلاصي لك"
ليرد عليه والإرهاق حل منه: "أولا لا تخبر أحدا بأني من طلبت منك إرسال هناء، أخبر مَي بأي حجة على سبيل المثال، مريم متعبة أي شيء .."
ليقول الأخر: " لك ما تريد، لا تقلق هي على كل حال تطالب منذ يومين بأن تأتي إليها وأنا من منعتها وأجلت الأمر هل هناك شيء أخر"
: "نعم جاسر اعتني بها ولو من بعيد هذه المرة جاسر لا تخيب ظني بك، طفلي وهي أمانة في عنقك سأطالبك بها ولن أسامحك أبداً إن قصرت"
: "علم إيهاب لا تقلق "، ليسأله بحرص نابع من شعور خوف عليه هو: " ولكن لم تخبرني بهذا أنت موجود لأجلهما"
صمت ولم يجبه، ليقول جاسر وهو لا يريد الإلحاح عليه الآن ولكن لم يستطع إلا أن يستفسر عن سبب كلامه هذا: "إيهاب ماذا حدث بينكما؟، هل أستطيع المعرفة؟"
ليجيبه إيهاب بجرح نابض في ثنايا روحه، فينطق مع ضحكة مرتعشة: "لقد حولتها لوحش كاسر، لكائن لا أعرفه" ليضيف بانكسار رجل موجوع، ليقول: "طعنتني في الصميم بدون شفقة، لقد مزقتني أشلاء يا صديقي"