الجزء 39

أعاد رأسها برفق على كتفه وهو يقول بهدوء: " انتظري يا روح إيهاب ! "
قلب الملف سريعاً أمام أعينها قائلاً: "وهنا أردت أن أؤمنك لأني أعلم أنك لن تجدي سندا بعدي، فنقلت بعض الممتلكات باسمك"
كانت ترتعش وهي تنظر مذهولة للتواريخ وما يخبرها بت، ليصل إلى بعض الأوراق يأمرها برفق: "هل ترين التواريخ هنا، عندما بدأت ثورتك قبل اكتشافي لحملك كنت أسعى جاهداً أن أثبت حقك أو على الأقل أجد طريقة أخرى أي طريقة كانت المهم إثبات زواجك مني حتى لو تنازلت عن جنسيتي الأمريكية ولكن كان هذا سيكون صعبا أيضاً ولم أجد ثغرة في القانون تساعدني لتحقيق رغبتي هذه"


أدارها إليه وهو يحرك الحاسوب جانبا، يبعده عنها. أخذ أنفاسه بعمق يراقب تشوش أفكاها من ملامحها، معترفا وصوته رغما عنه ينضج بالألم من اتهام الجميع له ليقول: "لم أتحرك من أجل الطفل فقط، ربما هو كان سببا رئيسيا لأكثف محاولاتي في الإسراع والبحث عن ياسر واستسلامي لمخاطبته لأنه كان أقصر الطرق، لن أكذب عليك أنا كنت أرفض أي مبادرة لمكالمته حتى لا يتعرف عليك، أنا أخبرك الآن وأبسط الحقائق أمامك لأني أردت أن تعلمي أني كنت أحاول من قبل اكتشافي لحملك، لأني كنت أخشى عليك أنت، حاولت أن أحميك وأرجع لك حقك الذي أهدر على يدي، أنا أخطأت مريم وبشدة، أهنتك حبيبتي ولكني حاولت الإصلاح....أنا"
توتر وهو يراقب وجهها، يجاهد بينما يخفي المرارة وهي تقول: "هذا رائع إيهاب، مؤثر جدا، أنا أشعر بالخجل حاليا، لا أدري ما أقول؟، أنت كنت تحميني بينما أنا اتهمك ولكن ماذا فعلت تلك الحماية لي، لما لم تصارحني، لما كنت تشعرني بإحساس العار وتوصم حبنا بالذل عند كل لقاء يجمعنا كنت تحجب عني كل سعيك هذا، تأخذ ما تريد وترحل فتوهمني أنك لا تهتم....ليتك أخبرتني إيهاب...ليتك ...وليتني..."



الحقيقة فيما تقول صدمته، مع بشاعتها لم يستطع نكرنها، ليقول بجمود وإقرار يحاول أن يجعلها تتفهمه: "مريم هل تدركين حقاً كيف أراك بعيني ! أنت طفلتي التي ولدت على يدي، كبرت بين ذراعي، ثماني عشر عاماً أخذ عنك كل قراراتك بدون الرجوع إليك لأني أعتقد أن هذا الأفضل لمصلحتك"
صمت لبرهة وهو يضمها أكثر إليه يحجب عنها تألمه الواضح التي تفضحه عينيها يحجب عنها تلك النيران الذي يتلظى بها، عند كل ذكرى تطوف في عقله لتألمها.
ليردف بخفوت يداري ضعفه البادي من كلماته: "عندما تم زواجنا مريم، اتهمتك أنك من بدأتِ، ربما كان هذا صحيحا ولكن غفلت أن أخبرك أني كنت أحترق بنيران أشواقي التي تهفو لوصال واحد منك، كنت أكاد أجن للمسك فقط، لمسك ليعود عقلي يخبرني بجنوني، كل حين كان ينقر دون توقف هذه طفلتك، ابنتك، كيف تفكر فيها كامرأة !، ضميري كان يتعذب، يجلدني بسياط الحقيقة المرة فارق العمر بيننا، استحالة العلاقة وعوائقها، أنك أمانة بين يدي يفترض أن أحميك من الجميع فكيف أكون أنا الجاني الأول والوحيد !، كيف؟؟"
أغمض عينيه بقوة وهو يسحب أنفاسه لداخل صدره المشتعل بقوة، يضم جسدها الذي يرتعش بين يديه يكبله وكأنه عاجز عن تركها ليكمل حديثه يسترسل في اعترافه: "وانهارت مقاومتي، رفعت رايتي، صغيرتي الخاصة عشيقة سرية أطيب بها أوجاعي وأبحث فيها عن راحتي لأجد سعادة حرمت منها منذ حداثة سني بين ذراعيها" 


عندما حاولت الفكاك منه وجسدها يهتز بين يديه أبعدها عنه برفق ليجد عينيها تناظره بوجع مهلك، لم تبقى فقط عينيها تجلده بذنب بصمت. 
أكمل اعترافه باستسلام وهو يواجهها: "لم أكن أعلم أنا ألمك ولم أقصد أن أجعل وضعك مهين"، صمت لبرهة ليكمل الحقيقة المرة قائلاً: "أنا كنت غافلا يا مريم، لاهيا فيما أنهله منك وأطيب جروحي الخاصة، كنت أبرر أنانيا، جبانا كليا وأنا أبرر لنفسي...أتصدقين !، أبرر لها بأن أحدا لن يحبك ويفهمك مثلي، أن ما أفعله لأحميك، فلجأت لبضع أوراق اثبت حقي فيك وتناسيت أساس العلاقة الزوجية، نسيت الحب، المصارحة، نسيت أن أفهمك، كنت اكتفي بأن طفلتي بين يدي ولن تفهم ما أفعله أو لن تهتم بتفسيره يكفيني فقط هي تتقبل ما أقدمه لها في الوقت الذي أحب وبالطريقة التي أريد بامتنان...أخرس"
أسبل أهدابه لدقيقة كاملة مكتفيا بالصمت، كأنه يحجب عنها نفسه لينطق بعدها قائلاً: "لن أحاول الإنكار وادعي البطولة وإن كنت أفعل وأحاول أن أبرر خطئي في حقك" بإقرار أردف: "لأني لو لم أكن أنانيا ما كنت ارتضيت لك الوضع السابق" 
نظرت له بحدقات مهتزة كسائر جسدها وهي تتنهد بقلب مثقل بصوت خافت لائم رغماً عنها قالت: "جيد أنك تعرف، لن أنكر أن ما رأيته الآن ربما أسعدني ولو قليلاً جعلتني أعلم أنك بالنهاية كنت تهتم وأن لدي قيمة عندك، قيمة ترضيني بقلبك وعقلك ولكنك اعترفت بنفسك أنك كنت تعاملني كعشيقة حتى لو كنت تثبت حقي فيك كعادتك في السر مستترا ولكنك حاولت وهذا ربما يغفر لك عندي ويجعلني أتقبل الماضي بشكل أسرع"
كانت تتأمل وجهه الذي بدا عليه الألم وكأنه يحمل هموم العالم فوق كتفيه لينتقل إليها ألمه رغماً عن كل ما حدث ويحدث بينهما، هي لا تطيق رؤيته يتألم أو يعاني، يكفيها الألم الذي تسببت فيه له، لقد أخذت بحقها من الجميع ومنه هو أولهم. 
لتنطق بهدوء وهى ترفع يديها تحيط وجهه بينهما لتقول: "إذاً أنت أخطأت وأنا أخطأت ألن ننتهي لقد وعدتني في المستشفى أنك لن تؤلمني مرة أخرى وأنا أخبرك أنا أتألم إيهاب من ابتعادك عني هذا يقتلني، الوجع يتسلل لي ببطء عندما أرى في عينيك أنك ما زلت هناك محبوسا في تلك الليلة التي أهنتك فيها، محبوسا في ماضينا الأسود القريب، فمتى تتحرر لما تصبح كالحلم عندما أقترب وأظن أني حصلت عليك وربحت سعادتي وهدوئي، تفلت من بين يدي هارباً وتأخذ سعادتي معك"
عندها أجهشت في البكاء مرة أخرى وهي تقول بحرقة: "أنت قلت أن أخر دموع لي هناك على فراش مرضك، أنهيتها على صدرك إذاً لما تصر أن تجعلها تفارق عيني"
عندها احتواها مرة أخرى، بقلب وجل خائف عليها، يهددها بين يديه يراضيها وهو يقول: "أنا آسف، أخبرتك سوف أظل أعتذر منك كل ليلة وكل يوم إلى أخر يوم في حياتي"
ضربته على صدره بعنف وهي تشهق بغصة بكاء قائلة بسخط: "أنا لا أريد اعتذارك تباً لك فقط توقف عن إيلامي وتذكيري بالأمر، أحب أن أخبرك كل ما قلته لا يعنيني ولا أريده"
شدد من احتضانها، يضم يديها التي تخبطه على صدره بعنف ليمددها بعدها برفق على الوسائد المحيطة بهما ويتمدد بجانبها ليقول برفق: "حسناً لا تنفعلي سوف أتوقف، كنت أحتاج لإيضاح بعض الأمور، لتغلق تلك الصفحة بشكل نهائي أعدك ألا أتحدث في الأمر مرة أخرى"
هدأت سريعاً وهي تدفن رأسها على كتفه ليتحول بكائها إلى شهقات متفرقة لتقول بهمس: "أنا لا أريد وعودك فأنت تخلفها معي كل مرة، أنا بالذات من بين البشر"
ضحك بخفوت وهو يسحب إحدى الوسائد ليضعها بينهما أسفل بطنها مباشرة برفق. 
رفعت وجهها إليه تهمس من بين شهقاتها التي تهدأ باستغراب من فعلته البسيطة: " أنت تذكر !"
أجابها هامساً: "ومتى نسيت شيئا يخصك؟ أعلم أن تلك الوسادة تريح من ثقل حملك قليلاً أثناء النوم"
بعيون دامعة مترجية وهي تنظر إليه نطقت: "أنا لا أريد الوسادة ولا أريد حنانك الذي تحيطيني به لا أريد عاطفة الأبوة الجافة التي أصبحت تغلف سلوكك معي"
عقد حاجبيه باستفهام سائلاً: "إذا ماذا تريد أم أطفالي !؟"
علت شهقتها مرة أخرى وهو تقول بسخط: "أنا أريد أن أكل المانجو بطريقتك الخاصة"
****************
بعد يومين من حديثهما استمرت معاملته لها كما في الأيام السابقة، يحنو عليها، يعاملها برفق ولا يذكر الماضي بأي طريقة ولكنه مازال يبتعد عنها، لم يقربها بأي طريقة حتى، القبلات المسروقة منه منعها عنها تماماً، وهي توقفت، اكتفت، لم تعد تطالبه بشيء، بل تتقبل ما يمنحها إياه بصمت، تسايره في مزاحه وهزاره وانطلاقة تصرفاته معها، فقط تستمتع بتلك الشخصية التي اكتشفتها فيه بتمهل، إيهاب أخر غير هذا الجدي، الوقور والعاقل. 
كان يشاكسها بصبيانية طول الوقت، يمازحها وهو يحذرها أن تأتي له بفتاة وإلا سوف تعاقب، عندما استنكرت وكيف تفعل ذلك رد لا أهتم. 
بغيظ منه وهي تراقب وقفته على حوض المطبخ يقوم بغسل بعض الأطباق بنفسه دعت الله أن يكون ما تحمله صبيين حتى تستمع بإزعاجه فقط كما يثير حنقها. 
وقفت ببطء وهي تخبره بجفاء: "أنا سوف أنام"
نظر إليها بطرف عينيه، وقفتها الجامدة مازالت ساخطة وغاضبة، لم تتفهم خوفه عليها، ربما سوف يجاريها، ففي النهاية هي ليست المرة الأولى التي تحمل وبالتأكيد ليس هناك رجل يمنع نفسه عن زوجته ولكن يريد بداية جديدة مميزة لهما وربما يستطيع اليوم مفاجأتها بما طلبت ليقول بهدوء: "ألا تحبينني، ابقي معي قليلاً"
بنفس نبراتها الجافة ردت: "لا، إن كنت أنت تريد قربي فتعال أنا لن أمنعك"
ابتسم في أثرها بمشاكسة يستمتع بغضبها المستتر، لن تتغير طفلته الساخطة إن أرادت شيء يجب أن تحصل عليه دون إدراك العواقب، تنهد بقوة وهو يؤكد نعم طفلة وإلا ما كانت نست بسهولة كل ما حدث بينهما وتتصرف بعناد متزمت طوال الوقت.
بعد ساعة،،
رن جرس المنزل ليتوجه إلى الباب على الفور حتى لا يوقظها، بعد أن ذهب للاطمئنان عليها وجدها تغط في النوم بالفعل، يبدو أنه كلما اقترب موعد الولادة زادت ساعات نومها، 
فتح الباب ليجد مساعده الشخصي في وجهه، ابتسم عندما لمح حافظة الأطعمة الضخمة التي يحملها ليتناولها منه على الفور وهو يسأله بتأكيد: "من نفس العنوان الذي أعطيته لك؟" 
ردت مساعده باستغراب من الطلب الغريب لصاحب عمله، أرسله إلى خارج البلاد خصيصاً ليأتي فقط ببضع........
قاطع تفكيره إيهاب وهو يسأله بجدية: "أين ذهبت أكرم؟ هل هي من نفس المكان أجبني؟"
رد الآخر بعملية وهو يقول: " نعم نفس العنوان سيد إيهاب، وتأكدت من الشخص الذي وصفته لي، أتيت لك بها بنفس الطريقة التي تريدها ولم يصبني إلا الإرهاق من هذا الجنون !، هل كان يجب أن أذهب لبلد أخر فقط من أجل بضع شرائح من ...."
ببرود رد عليه إيهاب قائلاً: "اذهب أكرم، لا أحد طلب شرحك ورأيك العاقل، ولا أريد سردا لمعاناتك، لذا هيا من هنا "
أغلق الباب في وجهه بدون سلام !. 
ليهبط المساعد يضرب يدا على الأخرى وهو يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله، كنت عاقلا قبل زواجك سيد إيهاب، رحم الله عقلك الذي كان يزن بلدا بأكمله ..."
أما الأخر كان ينظر لما بين يديه بانتصار. 
كان قلبه يرتجف إثارة وترقب من ردة فعلها، عندما ترى ما بين يديه، توجه مسرعاً إلى الغرفة وهو يعقد العزم على أنه حان وقت مراضاتها وربما مراضاة نفسه فيها، لن ينكر أنه يحترق ولا يستطيع إلا تخيلها بين ذراعيه يحرقها طوفان أشواقه. 
وضع العلبة جانباً، ليجلس بجانبها على السرير يكاد يلتهمها بنظرات عينيه الجائعة وهو يوقظها بتعجل، فتحت عينيها بتشوش قلقل تنظر لعينيه اللامعة.
اعتدلت على يديها نصف اعتدال وهي تسأل بعدم فهم: "ماذا هناك؟؟"
أمسك كتفيها يضمها إليه باختناق عاطفي ربما يستطيع أن يوصل لها حدة مشاعره ويجعلها تفيق سريعاً. 
تأملته عاقدة حاجبيها وهى تزيح عنها أثار النوم قائلة بتعجب: "ماذا إيهاب ما بك؟؟"
أبعدها قليلاً وهو ينظر إليها بعبث قائلاً بإثارة: "أريد أن أكل المانجو يا قلب إيهاب"


تأملته بترقب وهو يقترب منها كانت تريد أن تستفهم ما الذي يحدث معه ولكنه لم يعطها حتى الفرصة وهو يميل عليها ليغيب عقلها معه في قبلة عاصفة جائعة شغوفة.
بادلته قبلته بتعطش، رفعت يديها تضمه إليها بلهفة تستقبلها كتائه في صحراء ووجدت قطرات ماء. 
أما هو فكان يتحرر بها من كل قيد فرضه عليها وعليه في الشهور الماضية ،كان يتحرر من كل ألم مر عليهما يستسقي منها كل حرمان في بعدها عنه كان يأخذ بلهفة يبتلع دون شبع 
ولكنها كانت مختلفة فقد كان يمنحها دون أنانية كما يأخذ منها. 
انفصل عنها مرة أخرى ليضع جبهتها على جبهته وأنفاسه الثائرة لم تهدأ.
لتقول هي بمشاكسة وأنفاسها هي الأخرى لم تهدأ: "لا تقل أنك أتيت توقظني لتقبلني كالعادة وتعطيني إحدى محاضرتك في عدم أهمية العلاقة الزوجية بيننا"
ضحك بأنفاس متقطعة وهو يمد يده يأخذ حافظ الطعام يدسه بينهما قائلاً بشيطنة صبيانية يجاريها: " لا بل أيقظتك لأشرح لك أهمية تلك العلاقة وأنا سوف أذبح فعلا إن رفضتِ"
نظرت لما بين يديه وهي تقول: "هذا يتوقف على معرفة ما بين يديك لأني ربما وفقاً لغيظي منك قد أفعلها"
مال إليها مرة أخرى يقبل عنقها بقبل نارية يتمتم من بينها: "هل أهون عليك؟؟"
تمسكت بكتفيه ومازال الحافظ بينهما لتقول وما يفعله يذهب بعقلها: "لا لا أستطيع"
ابتعد مرة أخرى يبتسم بانتصار خبيث وهو يفتح الحافظة قائلاً: "كنت تريدين أكل المانجو على طريقتي وأنا كنت أريد من يومها أن أطعمك إياه قطعة..قطعة في كل لحظة بيننا ولكن آثرت الانتظار"أردف يوضح وهو يمد يديه يحرر إحدى الأطباق المتراصة بداخل الحافظة ليلتقط إحدى القطع بيديه يقربها من فمها وهو يقول بعبث يرقب تألق عينيها اللمعة بعشقها الذي لا ينتهي إليه: "لقد أرسلت لك في طلبها من نفس المكان رأساً وهذا ما جعلني أتأخر في تلبية طلبك" وراقب كيفية مضغها وتقلب شفتيها مع كل قطعة ببطء، تلطخ بتعمد جانب فمها. 
أبعد الحافظ بإهمال محتفظا بإحدى الأطباق بينهما ليدسه سريعاً بين ذراعيها فيسحبها لجسده وكله مشدودا، ملهوفا لوصالها، ليهمس لها بضراوة: "سوف أطعمها لك بطريقة جديدة مبتكرة غير الطريقة الأولى"
عندها ارتفعت ضحكتها وهي تضم الطبق بينهم تهمس له بهمسها القديم: "حبيبتك بين يديك ولم يمنع أحد عنك تعليمها ما تريد وبالطريقة التي تحب"

انقض مرة أخرى على شفتيها ينهل منها بشغف و بجوع ضار إليها يستشعر طعم المانجو من بين شفتيها.
قال باختناق وبعاطفة واضحة وهو يضمها إليه يرجعها إلى الوراء برفق: "اشتقت لك وافقي عقلك وامسحي كل ما فات، الليلة يا مريم هي بدايتنا، لن تتألمي من قربي، لن استشعر الذنب وأنت لن تتحملي بالعار سوف تتحررين يا مريم لن تتذكري شيئا إلا أنا وأن، أنا زوجك أمام الجميع وأنت امرأتي، ذوبي في يا مريم وتلاشي بعاطفتي تذكري دائماً أنك قلبي وروحي يا ناعمة"
أنهى طلبه وهو يغمرها بين أحضانه يغوص في نعومتها بشغف يعوضها عن كل فعل سابق منه بقصد أو دونه يحررها ويتحرر من خوف كان يلازمه عند كل اجتماع بينهما. 
وهي كانت تذوب بدون تحفظ تتلاشى بدون خوف تعطيه بدون ترقب..فقط تتحرر !
بعد وقت،،


كان يضمها إليه بتشدد ويده تلتمسها باجتياح لم يهدأ ويدها هي تتشبث بِه كالغريق ووجد منقذه، كانت تدفن رأسها في صدره.
بينما اكتفى كليهما بالصمت عقب كل مشاعرهما المتفجرة بدون تحفظ التي تبادلاها لم تجد ما تقوله وأنفاسه المشتعلة لم تهدأ بعد. 
حاولت التحرر من تشبثه بها ليرفض وهو يثبط محاولتها بسهولة لتقول بصوت خافت ووجهها يتورد: "أريد الاستحمام بقية المانجو ملتصقة بي وتزعجني"
هز رأسه برفض وهو يتأملها يبدو أنها وأخيراً تحلت ببعض الحياء و الخجل بعد أن حقق لها ما تريد. 
ضمها وهو يعيدها لنومها قائلاً: "آسف حبيبتي ربما بعد بعض الوقت لأن هناك عهد أخذته على نفسي بأني لن أتركك لوقت طويل بعد أي شيء يحدث بيننا، هل هذا مفهوم !" استسلمت ليديه بصمت وهي تعود لتغوص بين ذراعيه بطواعية.
ليلاً فتحت عينيها وهي تستشعر ألما يضرب أسفل بطنها ويتردد صداه في ظهرها، اعتدلت قليلاً تبتعد من بين ذراعيه وهي تستشعر أن هذا الألم مختلف، هذا ما نبهتها الطبيبة وحدثتها عنه. 
تأملت أنفاسه المنتظمة بجانبها، مترددة في إيقاظه، كان قد خلد للنوم مباشرة بعد استحمام كليهما وعندما خرجت هي بعد حمامها الطويل بالماء الدافئ وجدته غير فراش السرير بنفسه ليسحبها برفق يضمها إليه مرة أخرى، يأمرها بهدوء أن تلجئ للنوم.
نظرت للساعة بجانبها فوجدت أنها لم تصل لمنتصف الليل بعد، لم يستغرقوا الكثير من الوقت في النوم، عادت من أفكارها الشاردة وضربة جديدة تنبهها وتأكد لها أن الميعاد قد آن وولادتها بالتأكيد قريبة. 
أخذت قرارها لإيقاظه على الفور. 


أنفاسها المتلاحقة ويدها الرقيقة التي ربتت على كتفه توقظه من النوم نبهته أن هناك خطب ما بها، اعتدل على الفور ينظر لها يتفحص وجهها الذي يتغضن بالألم قليلاً سألها متلهفا بقلق تمكن منه:"ما بكِ حبيبتي؟" ، اغتصبت ابتسامة حتى لا تجزعه ويديها تضغط على بطنها: "أعتقد أنه حان موعد الولادة" .
أغمضت عينيها بيأس منه وهي تراه يقفز من الفراش يتخبط في ظلام الغرفة يبحث عن ملابسه ويشرع في ارتدائها بعجل.. استطاعت أن تناديه بهدوء عندما ذهبت أول نوبة انتابتها من المخاض تعلن عن بداية ولادتها فقد أخبرتها الطبيبة ونبهتها ألا تتسرع عند أول نوبة ألم تأتيها لأن الأمر قد يستغرق ساعات:"إيهاب اهدأ" 
اقترب منها سريعاً يحاول حملها بدون حتى أن يهتم بالرد عقدت حاجبيها وهي تزيح يده الممتدة لجسدها باعتراض:"ماذا تفعل؟! أخبرتك .. ." 
كزّ على أسنانه وهو يقول: " وماذا تعتقدين أني أفعل؟ أنتِ تلدين وكل ما تفعليه الآن الاعتراض".. 
كان ردها الضحك على منظره غير المهندم لتخبره عندما رأت غضبه الذي بدأ في التصاعد:"لا تغضب لكن عندما تخيلت ردة فعلك، أنت ميؤوس منك حبيبي" ، نبهها باعتراض وهو يحاول حملها مرة أخرى قائلا:"لا وقت لتعليقاتك السخيفة" 
احتل بعض الذنب صوته وهو يحملها بين يديه ليقول:"أخبرتك أنه يجب ألا أقترب منك، بالتأكيد ما حدث بيننا عجّل في ولادتك" 
عندها ارتفعت ضحكاتها وهي تتعلق بعنقه أردف بغيظ:"أنتِ معدومة الإحساس،,يا حمقاء معاد ولادتك لم يتبقى عليه سوى أسبوع" ليكمل بعدها وهو يتأمل وجهها ويتحرك لباب الغرفة:"هل ستصبح هذه عادة لدينا؟! كلما أقترب منك تحدث كارثة! " 
لم ترد وهي تستمتع بقلقه البادي وتخبطه وهو يحملها ليكمل بصوت قاطع: " أنا لن أقترب منك مرة أخرى" ضحكت بدلال وهي تقترب تلمس جانب فكه لتبتعد تضغط على حروفها بثقة نابعة من مشاعره التي يحيطها دئماً بها وهي تنظر لعينيه:"كاذب لن تستطيع أن تقاوم قربي يوماً" 
توقف وهو ينظر لمظهرها الصاخب بفعل عبث يديه منذ ساعات.. يتأمل عينيها اللتين تخلصتا أخيراً من نظرة العار والذنب عند كل علاقة حميمية تحدث بينهما ثقة في حبه لها ليقول:"بالتأكيد أستسلم، أعرف أني كاذب ومهما ابتعدت سوف أسلّم كل حصوني بين يديكِ يا قلب إيهاب" 
الصمت الذي تبادلاه مع العينين واثقتي النظرات كانت تكفي عن أي كلام آخر.. الحب والتحرر من أي اتهام لهما والمصارحة هذا ما كان يحتاجانه، عندما تغضّن وجهها مرة أخرى وأنفاسها ارتفعت لاهثة عاد لقلقه مرة أخرى ليتحرك سريعاً ناحية باب الشقة يهم بالخروج لتوقفه:"إيهاب توقف أرجوك وأنزلني، هناك وقت طويل قبل الولادة" اعترض:"هل جننتِ؟ انظري لنفسك" 
بتبرم ردت:"إيهاب أنا أتألم ولا ينقصني جنونك الآن، أعلم أنك قلق ولكن اسمعني انزلني الآن وتوجه للهاتف واخبر فريدة بما يحدث" 
رد ببرود يحاول مداراة خوفه:"أنا لن أستمع إلى جنونك بل سأخرج من باب الشقة وأتوجه بكِ لأقرب مشفى" 
لتصرخ به:"إيهاب سوف تستمع بما أخبرك أن تفعله، الأمر قد يستغرق ساعات طويلة أنا أعرف ما أفعل، لن تتم الولادة الآن.. اتصل بفريدة الآن واتركني " 
حاول الاعتراض:"لكن..." بحزم ردت: "لا لكن، أنا من أتألم وأنا من سأنجب لك طفليك وإلى أن يتم الأمر سوف تستمع لي " 
باستسلام لا يريد أن يزيد من ألمها أنزلها برفق ليمددها على الأريكة الواسعة مال إليها بعدها يضع جبهته على جبهتها قائلا بخفوت:"حسناً يا أم أطفالي سوف أكون طوع يديك اليوم فقط ولكن بعد الولادة انتظري العقاب " 
تركها علي الفور ليتحرك إلى الهاتف..تحدث مع الطبيبة باختصار ووضّح لها رفض الأخرى لتوجهه للمشفى لتؤكد عليه أن رأي مريم هو السليم وربما يستغرق الأمر ساعات طويلة فمن الأفضل ألا تتحرك إلى هناك إلا عندما يتكرر ألم المخاض بشكل متسارع ليخبرها إيهاب بعدم اقتناع:"ولكنها تتألم ألا يجب أن تذهب لتعطوها أي مسكن أنا أعلم أن الأمرسوف يزداد سوءا"..ردت فريدة بهدوء:"هذا طبيعي إيهاب فلا تقلق وساعدها على الاسترخاء قلقك ربما يأثر عليها سلباً"
:"وكيف أفعل هذا؟" 
بعملية أخبرته:"اهدأ أنت وشتت انتباهها عن الألم في الساعات القادمة".. أغلق الهاتف وهو غير مقتنع بما قالته الطبيبة أو ما تصر عليه هي ..توجه إليها ليجد أن نوبة المخاض قد هدأت وتنظر له ببراءة مفتعلة تحسد عليها وهي تقول:"أخبرتك لا داعٍ لتثير ضجة منذ الآن " 
جلس القرفصاء يجاور الأريكة يمسّد على يديها قائلا:"أنا خائف عليكِ لِمِ ترفضين؟ دعينا نتوجه من الآن سأكون أكثر اطمئنانا" 
ارتفعت يداها تحاوط يده بين كفيها لتبتسم قائلة:"وأنا حرمت من الكثير أثناء حملي، كنت دائماً أحلم بمجاورتك لي يوماً بيوم" لتردف برجاء:"لذا أرجوك حبيبي أريد أن أخوض الأمر كاملاً أنا وأنت فقط إلى أن تأتي اللحظة الحاسمة" 
ابتسم بدفء يتفهم طلبها وحقها في التعويض الذي لم تكف عن المطالبة به منذ أن عادا سوياً..أنزل يدها المحيطة بوجه ليقف وهو يشدها معه يضمها إليه ويقبّل قمة رأسها ليقول بصوت هادئ يحجب عنها خوفه الذي قد يصل لحد الذعر قائلا:"إذا دعينا نشتت انتباهك وانتباهي" 
"وكيف ستفعل؟!" سحبها برفق ناحية الشرفة الواسعة وهو يخبرها: "أتذكرين مرحنا تحت المطر في أسبانياً؟ " 
ابتسمت وعينيها تخبرانه بكل ذكرى سعيدة مازالت عند ذكرها تبهجها لترد بدلال يرافقها:"وهل نسيت يوماً؟" أوقفها في منتصف الشرفة ليوجهها وهو يميل يلثم وجنتها قائلاً بصوت مفعم بالعاطفة:"إذاً سوف أراقصك تحت المطر إلى أن يقترب الوقت المناسب ولن أتنازل عن هذه الرقصة صغيرتي الشقية" 
باستغراب سألته:"ومن أين ستأتي بالمطر؟! يبدو أن اقتراب الولادة جعلتك فاقد الإدراك".. لثم جانب ثغرها بخفة وهو يؤكد لها:"سوف تعاقبي على كل كلمة يا ناعمه فاحترسي للسانك رفعت يدها ضاحكة تكتم فمها وراقبت ابتسامته التي ارتسمت من رد فعلها وهو يترك يفتح لوحة مفاتيح جانبية يعبث بها أنزلت يدها ببطء وهي تنظر لأعلى سقف الشرفة بانبهار وقطرات الماء تغرقها..اغرورقت عيناها بالدموع تأثراً، نادته بصوت خافت متأثر بفعلته:"إيهااااب!" 
اقترب منها وهو يضمها عندما صدحت أغنيه (لمجده الرومي) (كلمات) في أرجاء الشرفة.. أمسك يديها ليحاوط بهما عنقه لتتسلل يداه يحاوط خصرها المنتفخ يهمس لها وهو يقبل كل جزء من وجهها بهدوء:"المطر كان شاهدا على كل لحظة سعادة أعيشها أول مرة على يديكِ فأردته أن يشاركنا دوماً لحظاتنا الخاصة عندما نريد" 
همست له بارتعاش وعقلها يتناسى الألم الذي يأتيها خفيفا على فترات متفرقة: " لم تخبرني!" 
: " كنت أنتظر وقتا مميزا يا ناعمتي" ألصقت جسدها به بتملك تشده إليها همست بنعومة:"أحبك " 
ابتسم وهو يدفن رأسه في طيات شعرها:"وأنا أخبرك كلمات الحب التي أعرفها لن تستطيع أن تصف لكِ كم أعشقك حتى النخاع يا روح الروح رقصه الهادئ معها وهو يحركها مستسلمة بين ذراعيه، يرفع ذراعها بحرص وهو يلفها حول نفسها بالتوافق مع النغمات الهادئة لتكمل دورتها حول نفسها ويعود ليدفنها بين أحضانه مرة أخرى بحنو برفق وتمهل أصبح ملازما لتعامله معها..كل كلمة كانت تصل لمسامعها كانت تصف حالتها معه رددت له وهي تهمس وعينيها تبرقان سعادة وعشقا 
(يحملـني معـهُ يحملـني لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات وأنا كالطفلـةِ في يـدهِ كالريشةِ تحملها النسمـات يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات يهديني شمسـاً يهـديني صيفاً وقطيـعَ سنونوَّات يخـبرني أني تحفتـهُ وأساوي آلافَ النجمات و بأنـي كنـزٌ وبأني أجملُ ما شاهدَ من لوحات) 
قبّل طارف أنفها وهو يخبرها بصوت يماثل همسها:"طفلتي وملكتي وسيدة قلبي الوحيدة هو أنتِ " 
استمر رقصهما الهادئ بعض الوقت وألمها تزداد وثيرته بين كل وقت وآخر بتسارع متقارب تركت يديها من محاوطته وهى تميل تمسك أسفل بطنها، تطلق تأوها خافت.
اقترب منها بقلب خافق مشفقا عليها، انحنى يوازي انحناؤها ليضع إحدى يديه أسفل بطنها ويده الأخرى تمسد على ظهرها يمنحها القوة والمساندة عندما أطلقت تأوها عال هذه المرة. كان إعلانا صريح منها أنه حان الوقت للتحرك.
 


بعد وقت، في المستشفى كانت تبكي بنحيب متألم، تصرخ بدون قدرة على التوقف، تتمسك بيديه وهى تستنجد به من ألمها. لقد رفض المغادرة لقناعته ألا يتركها لوحدها في غرفة الولادة. كان مصرا على أنها لن تخوض ألم المخاض وحدها ومع تعلقها هي الأخرى به لم تكرر طبيبتها محاولتها لإخراجه.
ضمها إليه بتلهف قلق، الخوف والرعب تمكنا منه بينما يكتمهما وصراخها الحاد في كتفه، فيأخذها بين أضلعه بقلب وجل يكاد يفقد أنفاسه مع كل صرخة متألمة ومتوجعة تخرج منها تمسكت بكتفيه وكأنه نجدتها، تهدر من بين صراخها ودموع الألم لا تتوقف: "أنا أموت إيهاب افعل شيئا ما جسدي يتمزق اااااااه"،
مع كل آه صارخة تخرج منها كان هو الأخر يزأر بآه متألمة بدون تحفظ كأنه يمر بنفس الألم الذي تمر به فيمزق قلبه المرتعب لأشلاء. 
هدرت الطبيبة به: "أنت هنا لتساعدنا لا تزود رعبها وألمها" 


بدون أن يلتفت إليها كان يرد باستسلام وقلبه يخفق بعنف ووجهها المعذب وأنفاسها المتلاحقة تقتله: "لا أستطيع، أنا أشعر بها"
حاولت أن ترشده وترشدها بهدوء وسيطرة: "مريم حبيبتي تذكري كل ما كنت أخبرك به وجهي ألمك وتركيزك لخلاصك وخلاص طفليك تشجعي حبيبيتي لقد قاربنا على الانتهاء"
ضمها إليه وهو يحتضن جسدها العلوي قائلاً بتلهف: "أفرغي ألمك بي أنا تشجعي حبيبتي أسمعت لقد اقترب الأمر دقائق قليلة وتحملين طفلينا بين يديك"
كان ردها بصراخ متألم وأنفاسها المتلاحقة لا تساعدها وهى تخبره بشهقات متوجعة وعينيها تفز بوجع: "لا أستطيع الأمر فوق طاقتي"
خرجت آه أخرى منها تدفنها به رغماً عنها، كانت تعصر ذراعيه تنخر لحمها بأظافرها وكأنها تبثه ألمها ليشاركه به لم يبالي بالألم المنتشر على طول ذراعيه وإحدى أظافرها تنبشه لتطول ذراعه الذي مازال متضرر ولم يلتئم جرحه بعد كانت أظافرها التي تنبشه فيه تسيل دمائه المترافق مع صرخاتها المنسابة ودمها المرافق للولادة لتشعره أنه يشاركها رحلة وجعها لإنجاب طفليه ولو بشيء ضئيل كان يعاني مثلها خوف وألم وترقب لم يكن يعنيها رؤية طفليه في هذه اللحظة كانت كل دعواته الصامتة وابتهاله الخالص لله أن يخلصها هي من هذا الوجع سريعاً وتعود له سالمة معافاة. خرجت صرخة منها أكثر قوة تحمل من الألم ما لا يوصف مع كتمها في ذراعه تنهشه بأسنانها بدون سيطرة لتخرج صرخة مترجية منه هو: "يا رب " 
تترافق مع صراخه خروج أول أطفاله للحياة.



لم يتزحزح عنها وألمها مازالت إماراتها جلية على ملامحها فتعلن عما تعانيه، لم تترك ذراعه ولم يبعدها والطبيبة تعاني معها لإخراج الأخر، ولم تمر دقيقة أخرى إلا وكانت تخرج للنور معلنة عن قدومها بصرخات طفلة، تعلن عن إنتهاء الأمر أخيرا. هدأت أنفاسها فجأة وتراخت يديها التي كانت تتشبث به لتعود فتستلقي على سريرها بإنهاك وتغمض عينيها بإرهاق. فقط أنفاسها المتلاحقة وصدرها الذي كان مازال يهبط ويعلو بانفعال كانت من تطمئنه أنها مازالت هنا معه. اقترب منها بلهفة يناديها بمعاناة حقيقية نابعة من قلبه المحترق: "مريم حبيبتي؟ حدثيني مريم؟ أنت بخير؟" 


فتحت عينيها ببطء ووجها المحمر من البكاء والانفعال يغطيه العرق ويلتصق شعرها بجبينها ووجهها. لتجيبه بإنهاك وصوتها الضائع من أثر الصراخ يأتيه مبحوحا: "لقد فعلتها أتيت لك بطفلين، معجزتنا الصغيرة" دفن وجهه في عنقها المتعرق يؤكد لها بصوت يماثل صوتها يردد كلامه لها: "حبيبتي القوية لقد فعلتها... فعلتها واجتزت الأمر يا ناعمة" لفهم الصمت وهي تضم رأسه في نحرها بكلتا يديها بتعب، أنفاسها المتلاحقة كأنفاسه تعود للهدوء ببطء. لم يعلم أحدهما كم مر على الأمر ولم يلتفت أحدهما للطفلين ولو مرة واحدة. الرعب المتمكن منها والجزع لم يكن يمهله للتفكير في أحد ما عداها هي، أن تكون سليمة معافاة تضمه كأنه طفلها، تبثه الراحة أخيراً وتحرره من الذنب عند رؤيتها تعاني بسببه مرة أخرى. قاطعه هز الطبية لكتفه، فرفع وجهه إليها وعينيه التائهة النظرات لا تسعفه إدراك بغيتها من تنبيهاتها المتكررة، فأمرته برفق: "ابتعد لتضم طفليها" 
راقب بعينيه حلمه أمامه يتحقق، بين ذراعي الطبيبة التي تضمهما إلى صدرها برفق وتنقلهما إلى صدر مريم مباشرة، قائلة بفخر: "هل تعلمين أني أنا التي كانت تعاني رغم أني قمت بهذا الأمر ألاف المرات من قبل ولكن هذه أول مرة استشعر أن الأمر يخصني وحرصي على حياتك وحياة طفليك كانت ترعبني لذلك أردت أن احتضنهما وأعطيهما لك بنفسي" ضمت طفليها إلى صدرها ودموع الفرحة وهي تلتهم ملامحهما الصغيرة بعدم تصديق، تغرق وجهها المتعرق وتنزل على صدرها شلالات متدفقة كبحور ، راقبت وجهه المذهول مما يرى، هل هو في حلم؟ طفلته سليمة أمامه، تضم طفلين يحملان دماءه، جزئين منه. اقترب بوجل تخالطه اللهفة لينحني يضم ثلاثتهم بلهفة واشتياق. قلبه الذي يدق بعنف ورهبة يكاد يقفز من بين أضلعه بدوي هادر، يكاد يقسم أن دقاته تفضحه فيسمعه كل من في الغرفة. وأجهش بنشيج عال في البكاء بدون تحفظ، دموعه تخالط دمعها، دموع كان يكتمها منذ أشهر، منذ تهديدها له بقتلهما، كان يكتمها بكبرياء وقد حان وقت خروجها بدون خجل أو تحفظ من أجل معجزته التي بين ذراعيه، ومن يلومه أو يستهين بدموعه، فهو قد صار أب! 


في المستشفى، بعد عدة ساعات من وقت الولادة. 

كان ينظر إليها بعد أن ذهبت في غفوة، تمكنت منها لترتاح ولو قليلا وأجبرتها على تركه وترك الطفلين اللذان كانت تتمسك بهما رافضة أي مبادرة من الطبيبة أو الممرضة لأخذهما منها حتى تستطيع أن ترتاح.
حتى عندما تم نقلها من غرفة الولادة لغرفة عادية رفضت الأمر بعناد أن تحررهما من أحضانها؛ استطاع أن يقنعها بصعوبة عندما كان النعاس يداعب جفونها، ليتمكن منها في النهاية، بينما كانت ترفض بإلحاح أن يأخذهما بنفسه ليكون رجائها حتى بع نومها أن يتركهما ولا يحركهما من جانبها. 
بحاجة ملحة للاطمئنان عليها، اقترب من وجهها الشاحب البادي الإرهاق، يقبل جبينها نزولا إلى شفتيها بتهور الساعات القليلة الماضية، مازالت ذكرى الولادة والذعر الذي تلبسه كليا، تحطمه وهو يراها أمامه تعاني، عاجز عن فعل ما يخفف عنها، ألمها.
ابتعد عنها عندما تململت باعتراض واهن على قبلته، ابتعد لاهثا يتمتم باعتذار خجول لم يصل مسامعها عندما عادت لغفوتها مرة أخرى.
عندها سمع بداية بكاء أحد الطفلين بصوت كمواء قطة حديثة الولادة. 
اقترب برهبة من السرير الصغير المجاور لسرير مريم، يتأمل كليهما؛ ملامح صغيرة ناعمة، براءة ونقاء يحرران روحه من الأثقال التي تكبله، يتأمل كليهما دون شبع، نهما لمرآهما وكأنه لم يصدق بعد وجودهما أمام عينيه. 
مال بنصف جسده العلوي يحيط كليهما بحنو، لم يستطع أن يحمل أحدهما، مازالت الرهبة والخوف متمكنان منه، لقد عانى عندما أخذهما بحرص الواحد تلو الأخر من أحضانها، ليضعهما على سريرهما، يستشعر الخطوات القليلة بين الفراشين أميال عدة.
عاد صوت البكاء الخافت يعلو مجدداً يعلن عن اعتراض صغيرته الأخرى لصمته، كأنها تطالبه بوصالها مثلما فعل مع توأمها. 
ابتسم بحبور وعينيه تحمل الفرحة الخالصة، يوجه كل تركيزه مع تلك اللفة البيضاء بخيوط وردية 
ملامح ناعمته الصغيرة الأخرى، ضربته في صميم قلبه وهو يتذكر مشهد أخر وصغيرة أخرى حملها حديثة الولادة بلفافة مماثلة. 
ارتفع مواء طفلته باعتراض، تفتح عينيها لأول مرة منذ ولادتها على وجهه هو، لم يستطع إلا أن يمد يديه المرتعشة يحتويها بحرص ويضمها إلى صدره، يتأملها بشغف يراقب تلك العينين تعلن عن عيني متمردة أخرى في حياته ولكنها لمفاجئته تحمل لون عينيه الرمادي.
أخذ يدها الصغيرة بين يده وذراعه الأخرى ترفعها قليلاً إلى صدره ليقرب تلك اليد الصغيرة إلى فمه يقبلها بحنان أبوي. 
يتمتم لها بصوت خافت: "مرحباً يا شبيهة أمك، شقية متمردة أخرى ومعترضة ناقمة"
كان مازال بكائها مستمرا، ليهددها بين ذراعيه يحاول أن يهدئها، فينظر لذلك الصغير الساكن رغماً عنه يتأمله ولكن صغيره كان يبدو غافلا عنه، مستمرا في نومه مثل أمه. عاد للأخرى التي تصر على تركيزه حين تستشعر توقف هدهداته، كأنها منذ البداية تعلن تملكها له وألا ينظر لغيرها. جلس على ذلك السرير بحرص يبتعد عن صغيره الهادئ، فيربع ساقيه ورغماً عنه يضحك من نفسه وهو يعود للمعترضة ليكمل تهدئتها وهو يحدثها كأنها تستمع لكلماته وتفهم حواره الأحادي.
: "من الجيد أنك أخذتِ لون عيناي، لا تخبري أمك بهذا حتى لا تغضب" 
هدر لها وكأنه يعوض سنين حرمانه، يرى صغيرته كأنها تفهم حقاً حديثه، عندما استطاع جذب نظراتها وهي تفتح عينيها فيه تتأمله وتبدأ في الهدوء: "أتعلمين !، منذ ما يقارب العشرين سنة، عشت نفس الحدث، فعلتها أمك من قبلك أول من فتحت عينيها على وجهه كان أنا وأول من منحته الاهتمام" وهدأ بكائها بين يديه بينما يكمل: "يومها اعتقدت أني ربطتها بي لكنِ لم أكن أعلم يا صغيرة أنها من قيدتني وختمت قلبي بصك عشقها إلى الأبد"
مسد على رأسها بحنو، مشاعر أبوية فياضة لم يستطع حتى أن يصفها أو يحدد ماهيتها، مشاعر مختلطة عدة كانت تضربه وتلك العينين الواسعتين برماد حدقتيهما تتأملانه باهتمام وكأنهما تعرفانه. 
قربها منه يرفعها بين ذراعيه يلثم رأسها بشعرها الغزير بلونه العسلي المناسب مع طفلة حديثة الولادة. 
أبعدها عنه وعينيه رغماً عنه تدمع مرة أخرى ليخبرها بصوت أجش: "هل تعلمين كم انتظرتك وحلمت بك وكم كنت فاقد الأمل بوجودك حتى ولكن رغم عني صغيرتي لم استطع إلا أن أحلم بعطية الله وحكمته، وبعد أن كاد اليأس يتملكني منحني أنت وأخاك من ناعمتي الخاصة وابنتي قبلكما" 
هبطت دموعه وهو ينظر لصغيرته بعينها المتوسعة تناظره، رفع يده يمسح دموعه سريعاً 
ليستمر في هدره بصوت أمر: "هذا سرناً الصغير لن تخبري أحدا أني بكيت بسببك أنت مرة أخرى، أنا أعتمد عليك يا حبيبة أباك" 
حركت شفتيها مرة أخرى كأنها توشك على البكاء، يديها التي يمسكها بين يديه تتحرك وكأنها تبحث عن شيء ما، بصوت متلهف سألها: "ما بك صغيرتي؟، لا تبكي حبيبتي طالما أنا على قيد الحياة" 



أتاه صوت أمها المرهق على الفور تضحك بصوت وهن، همسا: "حبيبي هل تعتقد حقاً أنها سوف تجيبك ؟"ً
التفت نحوها على الفور يبتسم لها، بوجه عاشق: "مرحباً بعودتك كبيرتي" 
عقدت حاجبيها بعدم فهم ليقف على قدميه بحرص يقترب منها، ويميل ومازال يحمل الصغيرة المعترضة على ما يبدو بين ذراعيه، ليلثم جبهتها بحنو يخبرها: "أنت سوف تظلين أول معرفتي بمعنى الأبوة ابنتي قبلهما يا روح إيهاب"
همست قائلة: " قربها مني واقترب أنت أيضا لأقبلك، أحتاج لهذا" 
ضحك بصوت أجش وهو يقترب منها يقبل خديها بنفسه ويلثم شفتيها مدت يدها لأخذ الصغيرة فابتعد معترضا، ليخبرها بمشاكسة محببة: "آسف يا ناعمة هذه ابنة أبيها، لديك البديل النائم هناك أما صغيرتي المعترضة فهي لي أنا"
عقدت حاجبيها باستنكار رافض وهي تقول: " هل تمزح إيهاب؟ !"
لكنها عندما لاحظت إصراره ببساطة، أضافت: "هل بدأنا لا يعقل ما تقوله، أعطني ابنتي ولا ترهقني إيهاب"
هز رأسه برفض وهو يتأمل ابنته بين يديه وحركة يديها المرافقة لرجفة شفتيها لم تهدأ، 
عادت مريم تقول بتعب: "إيهاب أرجوك لن استطيع مجادلتك الآن، أريد أن أراها لا تكن أنانياً" 
على مضض، اقترب منها يضع الصغيرة بين يديها اللتان رفعتهما لتتلقفها بهما، تضمها إليها وترفعها لتلثم خدها برقة، لكن الصغيرة على غير توقعها بكت بين ذراعيها مرة أخرى ويدها الصغيرة تتحرك بتخبط تائه، اقترب منها مشفقا، عندما رأى جهلها الواضح في التعامل وحيرتها.، تحاول تهدئتها دون جدوى فتحاول مخاطبتها كما كان يفعل هو منذ قليل: "ما بك؟، ماذا تريدين؟، لا تبكي أرجوك سأبكي مثلك" 
مد يديه يحرك جسدها ليجلس وراء ظهرها، يضمهما معا، يسند ظهر مريم إليه وهو يرشدها بهدوء: "اهدئي أنت أولاً وتعاملي معها بحرص حبيبتي" 
التفت له تخبره: "أنا لا افهم كانت جيدة معك؟" 
بهدوء وهو يرفع الصغيرة التي بين ذراعي أمها إلى صدرها ويضمها قائلاً: "لا كانت تبكي في البداية واستطعت إلهائها قليلاً يبدو أنها جائعة وما تفعله للمطالبة بطعامها" 



نظرت له بحيرة تسأله: "وماذا نفعل الآن ؟ !"
عقد حاجبيه باستنكار مستغرب: "مريم هل تقولين أنك لا تعلمين كيف تطعمينها؟ !" 
: "لا ! أنا أعلم، كانت هناء قد حدثتني عن الأمر سابقاً" 
: "إذاً افعليها حبيبتي لأنها لن تصمت تشبهك" بخجل أخبرته: "إيهاب أعلم الطريقة لكن لا أعلم كيف يتم الأمر" 
بصوت مشفق وهو يتولى إمساك الصغيرة التي مازالت تبكي، أمرها برفق: "ابدئي حبيبتي الآن وأنا سوف أساعدك" 
بهدوء شرعت فيما أمرها بت، عانت قليلاً وهي تتخبط وهو يحمل الصغيرة معها يرشدها برفق بعد دقائق من التيه نجحت في مسعاها والصغيرة ترضع طعامها بنهم، أراحت رأسها إلى كتفه وهى تضحك بجذل ودموعها تسيل رغماً عنها تخبره بنصر: "لقد نجحت وهدأت صغيرتك" 
بدالها الابتسامة وهو يقول بهمس يراقب صغيرته: "تبدو عنيدة مثلك، نهمة تسعى بإصرار لما تريد وتأسر خفقات قلبي رغماً عني" 
غمغمت له بتعب وهي تقول معترضة: "لن يأسر قلبك غيري أنا، فاحذر منذ الآن حتى لا أشن حرب عليها لاحقا" 
ضحك بقوة يجيبها: "هي تأسرني لأنها منك شبيهتك وكأن العمر عاد عشرون عام ليكرر المشهد عندما ضممتها شعرت أني أضمك أنت"، بإقرار أردف يطمئنها بتصريح: " لن أكذب عليك سوف أعشقها يا ناعمة وربما تنافسك على دلالي ولكن تذكري فقط لأنها جزء منك" 
لم يمهلها الصغير الآخر الرد عندما ارتفع بموائه المشابه لبكاء أخته، لتعترض مريم قائلة 
: "لا !، يبدو أنه يطالب بحصته مثلها" 
حركها من أحضانه وهو يقف من الفراش يقترب من صغيره ليحمله وينظر لوجهه وعينيه اللتان فتحهما ينظر للأعلى، ليخبرها وهو يقترب: "لا تتمردي على نعمة الله منذ الآن يا ساحرة لقد بدأنا للتو" 
باعتراض أخبرته: "أنا لا أتمرد ولكن الأمر مرهق"، جلس بجانبها وهو يحمل الصغير 
قائلاً: "أعلم هذا، لأنك مازلتِ لم تستردي قواك بعد، مازلت صغيرة حبيبتي، أنا آسف" 
هزت رأسها برفض ويدها رغماً عنها تقترب من الصغير بقلب خافق تتأمله بين ذراعيه 
: "أنا لست صغيرة، أحب كليهما، هما قطعتين مني ومنك، لا تقلق أبداً أنا أم جيدة سوف اثبت لك"
بثقة قال: " أعرف، وسوف أساعدك بنفسي سنتعلم سوياً وسنحيطهما برعايتنا دائماً فاطمئني أنت"
فصلت صغيرتها عنها وهي تقول بحزم مضحك: "خذ ابنتك وأعطني ابني أنا راضيه تماماً. عن تقسيمك السابق بيننا"، تبادلا الطفلين بينهما، لتقرب الصغير منها يأخذ حصته ويبدو أنها تمكنت من الأمر بدون مساعدة منه هذه المرة.
تأملها مبتسما، كل انتباها مع طفله، أسترعى انتباهها وهو يقول في حوار حميمي بعد أن زال توتر الساعات الماضية وكأن وجود الطفلين بينهما حرره من كل خوفه ورهبته ليستشعر نعمة الله التي بين يديه، زوجته، امرأته التي أحب وطفلين كان حلمه الضائع لأعوام كثيرة غادرة: "أتعلمين ما المضحك عند سماع بكائهما؟" 
باهتمام رفعت رأسها إليه لتسأله: "ماذا؟"
ضحك بقوه يخبرها بمشاكسة: "تشبيهك السابق لهما، أنك قطة تحمل توأمين، لأن صوتهما يماثل صوت القطط حديثة الولادة حقاً" 
ناظرته بامتعاض وهي تقول: "لا أنا أجدت الشرح أنت من شبهتهما حبيبي" 
مد يده يسحب يدها بعد أن غفت صغيرته بين يديه يجذب يد أمها يقبل أناملها وهو يخبرها 
: "أحبك يا متمردة فترفقي بقلب عاشق أنت وعطياك" 
 


ليلاً كانت غرفتها يسودها الهرج، بعد أن أتى جاسر ومي يصطحبان معهما هناء وابنها ثقيل الظل على قلبه، وسط مباركات ولوم وعتاب منهم جميعا، لأنه لم يتصل بأحدهم لحظتها، عاجزا عن شرح الأمر وإصرار مريم المستميت في أن تخوض الأمر كله رفقته فقط .
اقترب منه جاسر، يقفان بعيدا عن تجمع النساء المحيطات بمريم والصغيرين، يرتب على كتفه المصاب بفظاظة وعنفه الدائم وهو يقول: "مبارك لك من سيقلبان حياتك جحيما و ليلك نهارا ويحرمانك طعم النوم"
ابتعد عنه وهو يقول: "أنت تتعمد الأمر!، تعلم أن ذراعي لم تشفى بعد" 
أجابه جاسر: "بالتأكيد انتقم منك على الرعب الذي لن أنساه منك ما حييت"
هز رأسه بيأس: "حسناً لا فائدة، ولكن هل هذه مباركة منك أم محاولة لتجعلني أقلق "
بلامبالاة أخبره جاسر: " لا أنا أخبرك واقعا سوف تراه بعينك لن أغشك، لن تنام الليل ونهارك سوف يتحول لحرب طاحنة غير الجنون الذي سوف تراه من زوجتك، لن تطيق حتى رؤية وجهك عند كل بكاء من أحد أطفالك فما بالك بطفلين" 
ابتسم ابتسامة واسعة وهو يخبره بانتصار لا يعلم سببه: "سوف تكره اليوم الذي رأت فيه وجهك صدقني" 
بدا على ملامح إيهاب الرفض التام للفكرة وهو يخبره بثقة: "أنت تهذي ليس لهذا معنى، ولو أنه لا يبدو أن زوجتك قامت بالأمر لأنها إن فعلت حينها فقط سأفكر أنه ربما مريم أيضا قد تفعلها" 


قاطعه جاسر بملل يقول بتأكيد:"سوف نرى" 
تركه لهزاره المجنون، ليتأمل صغيرته الفرحة وهي تضم طفليها ترفض بإصرار اقتراب أحد منهما، لكنها سمحت لهناء فقط بحمل إحداهما. 
هناء المرأة التي منحتها حنانا أمومي بدون أسباب، فتعلقت بها بدون أن تشعر، فيجد نفسه اليوم يحبها ويحترمها لشخصها وعطائها معها هو الآخر من أجل حبها لمريم الغير مشروط ورعايتها السابقة، لها يعلم جيداً أنها أعطت مريم الكثير لتصل للهدوء والمسامحة مع نفسها التي وصلت لها الآن، كانت الجندي المجهول الذي ساعد في استقرار حياتهما الآن، وبالطبع لن ينسى فضل زوجة أبيها منى وأختها الكبرى بدور والتي تبدو أنها لا تتقبله بعد.
على ذكرهما، طرق الباب، ليدلف منه مباشرة منى القاضي تتبعها بدور بثقتها المعتادة وأناقتها المتكاملة التي لا تتنازل عنها وفى يدها تمسك برفق وحنان لم يره منذ معرفته بهما إلا رفقة مريم وتلك الصغيرة شيماء، التي يشفق عليها رغماً عنه ولكن لم يظهر ذلك الآن.



رفع عينيه مباشرة ينظر لذلك الأبله الذي يفضح نفسه بأفعاله وهو يفتعل صخبا على ما يبدو ليعلم الأخرى أنه هنا، قائلاً: "اشتقت إليك يا بدور، مرحباً، كم أشكرك لأنك أتيت وأرحتِ قلبي المشتاق الذي يهفو لرؤيتك"
عقدت بدور حاجبيها باستغراب وهي تتوجه لفراش مريم مباشرة تتبع أمها قائلة: "هل تقصدني أنا يا فتى؟" 
صك على أسنانه ويبدو أنها جرحت رجولته الوليدة أمام من يحاول إثارة إعجابها: "أنا لست فتى، اسمي نزار وعندما يخبرك أحد أنه اشتاق لرؤيتك بادليه أدبا ولو مجاملة بعضا من اشتياقه"
رفعت بدور حاجبا واحدا وهي تقول ويبدو أنها أدركت الأمر مؤخراً ومن يقصد وهي تستشعر توتر الأخرى بين يديها ووجهها الذي تورد لتقول ببطء: "ما رأيك أن أتي وأقبلك" 
تنهد بهيام وهو يقول: "يا ليت متى تفعلينها، قبلة واحدة فقط تشبع شوق قلبي سوف أكون ممتنا"



إعدادات القراءة


لون الخلفية