الجزء 36

مع الصوت الحاد للتهشيم الصادر من غرفته، صراخه الذي شق هدوء المستشفى الهادئ؛ فتحت الممرضة التي تعتني بحالته الباب باضطراب. منذ أن اتو به إلى هنا لم يهدأ، دائما ما تتسبب ثوراته في حالة فوضى؛ حتى أنهم اضطروا في كثير من الأحيان لأن يقوموا بتكٌتيفه وإعطائه إبرة مهدئ للتحكم في نوبته. تعلم جيداً أنه لم يتقبل وضعه الحالي بعد، فيظل غاضبًا طوال الوقت ويرفض أي مبادرة للعلاج بنفسه، فيمنحونه ما يحتاجه إجباراً وهو تحت المهدئ. فور أن فتحت الباب صرخ فيها بعنف: "اخرجي،ما الذي اتى بك أنا لم أطلب مساعدة ولا أريد رؤيةأحد هنا"
قبل أن ترد عليه، دخلت الطبيبة المتدربة التي تتابع حالته مع طبيبه الخاص، ببرود تام بدون الالتفاف لصراخه.
اقتربت منه لتميل إلى الأرض، تلتقط الحاسب المحمول الذي دمر تماما، أغلقت شاشته المهشمة بهدوء، لتضعه على طاولة جانبية وتقترب منه مرة أخرى تميل إليه بنصف جسدها تضع يديها الاثنتان على كرسيه المتحرك.


لم تحد عينيها عن عينيه وأنفاسه الغاضبة تلفح وجهها لتنطق بالإنجليزية بنبرات باردة غير مهتمةبأي مراعاة لحالته: "هل نحن مجبرين يومياً على سماع صراخك وإزعاجك للمرضى من حولك، ماذا سيد ممدوح هل تعودت على تكثيف الممرضين لك وإعطائك ابرة تتحكم في نوباتك كطفل خارج السيطرة !"
بغضب وصوته الصارخ يخترق مسامعها امرها: "اخرجي من هنا،حالاً !"
ردت بجفاء: "ليس قبل أن أعطيك جرعتك اليومية، لنرتاح من صراخك "
تستفزه كل ما فيها يستفزه؛ منذ أن أصبحت تتابع حالته كجرد تجارب وقد أصبح مجرد حالة يتدرب عليها طلبة الطب.
ببرود حاول أن يتحلى به وهو ينظر بتقليل لقمة فستانها المفتوح فيظهر جزء من مقدمة صدرها بقصد إهانتها ليقول: "لم يجبرك أحد على سماع صراخي ولا أن تأتي لي يومياً، تحاولين عرض جسدك علي بحركاتك المفتعلة تلك" ليردف ببطء مهين: "أم أنك تعرضينها على كل المرضى بقصد الترفيه قليلاً عليهم"
مال فمها بابتسامة ساخرة لترد بنفس وثيرة صوته: "امّم.. بل مجبرة للأسف أن أتدرب على حالتك وهذا من سوء حظي أم عن مفاتني فبالتأكيد أنا لا أقصدك أنت !، فماذا سوف أجني من عرضها على عاجز"
اشتعلت عيناه الغاضبة بجنون ليرفع يديه يحاول صفعها بدون ذرة تردد، يصرخ بعصبية: "نهايتك على يدي أيتها القذرة، لن أكون ممدوح إن تركتك تكملين دراستك من الأساس"
وقبل أن يصل إليها كانت يدها المحيطة به تغرس إبرة المهدئ لترتخي جميع أعصابه، فتبتعد سريعاً تعتدل عنه ترفع الحقنة في يدها وهي تنظر له بانتصار واستخفاف قائلة: "اهدأ عزيزي، هذا لمصلحتك أنت وركز على نفسك ولا تطلق تهديدا لن تستطيع تنفيذه أرأيت كيف شتت انتباهك بسهولة"
صرخ بجنون بلغته العربية وقد بدأ جسده في الارتخاء دون رضاه: "عاهرة مكسيكية لقيطة أخرى امتلأت بكم الولايات"
عينيها الباردةشعت بغضب وكراهية، للحظاتشعرأنها فهمًت مسبته جيداً فجعلت كل حواسه تنتبه لردة فعلها، لتعود بعدها تسيطر على نفسها ويحتل عينيها البرود التام، تفهمه يكاد يقسم أنها تفهم كل حرف ينطق بِه بالعربية ولكنها تتصنع عدم الفهم.
سمعها تقول بجفاء مهين له وكأنه طفل تعلمه آداب الحديث: "أخبرتك سابقاً لا تنطق بلغة نجهلها إن كنت تحتاج مترجما لا مانع لدينا فنحن نعمل على راحتك"
بدون انتظار رده التفتت تخاطب الممرضة: "استدعي أحد لمساعدة السيد ممدوح للاستلقاء على الفراش" لتلتفت له تردف باستخفاف: "فهو عاجز عن فعلها بنفسه كالعادة"
ليرد بغل متوعد: "نهايتك على يدي لوسيرو، أعدك بهذا"
نظرت له بعينيها السوداوين الساحرتين مثل بشرتها البرونزية لتقول ببطء: "انتظر هذا ممدوح ولكن كيف وأنت بحالتك تلك"
بدون تأخير لحظة واحدة خرجت لتترك غرفته تتنفس بحدة تطلق غضبها لا تعلم ما الذي يفعله بها لتخترق كل قواعد تعلمتها في مراعاة المريض ولكنه بالتأكيد يخرج أسوأ ما فيها فيستحق ما يحصل عليه منها.
تمتمت بغضب بصوت خافت: "سنرى ممدوح؟، سنرى من منا سيهذب الاخر ويقضي على غروره".
****************
لبضع الوقت لم تستطع السيطرة على ضحكها العالي الذي لف صداه أرجاء الغرفة، بينما هو مازالت النظرة البلهاء تحتل وجهه، أغلق فمه المتدلي ليجذبها بذراعه السليم بكل قوته التي استطاع أن يحصل عليها في الوقت الحالي قائلاً بغيظ: "على ماذا تضحكين؟،بل الأحرى ما هذا الذي تقولينه؟، هل تعتقدين أن هذا أمر يقبل المزح !"
حاولت السيطرة على نفسها وكتم ضحكها لتقول: "ماذا !، وجهك يثير الضحك، كان يجب أن التقط لك صوره نخلدها للذكرى"
عبس بوجها وهو يزمجر باسمها استنكارا: "مريم لا تتلاعبي بالكلام، أنت كنت تمزحين"
أراحت رأسها القريب منه على صدره، لتمسك يده برقةتعيدها إلىبطنها وهي تقول بحنان ويدها تغطى يده: "تعلم جيداً أني لا أجيد التلاعب وايضاً لماذا أكذب في أمر كهذا" ضغطت على يده أكثر وكأنها بحركتها تلك تحاول حثه أن يستشعر جنينيها مثلها هي لتردف: "اتشعر بهما إيهاب، تؤام حقاً !، هما من اعاداك إلي، لم تكن المرة الأولى في التفاعل معك أو في تواصلك أنت معهما"


الصدمة احتلته كله لتترك جسده متجمدا، يده التي تحت يدها تتحرك مع محاولتها بطواعية، دقائق مرت عم خلالها الصمت مرة أخرى عقب ماأخبرته إياه.
ليردد داخله بعدم تصديق، تؤام!
هو سيصبح أبا لتؤام!، ينتظر من قبل خمس أشهر من الآن عندما علم بحملها، كان يفقد كل أمل أن يكون له ابن من صلبه، طفل يحمل اسمه،تجري دماءه في عروقه، يمنحه من حنانه، طفل يشبع أبوته الجائعة، صغير يكون له هو لا ينكره ولا يتمرد عليه بدلأن يعوض أبوته الضائعة في كل طفل يراهوهو ليس له.
تنهد بحرقه وهو يخرج آه متألمة متوجعة.
عاد إلى الاستلقاء مرة أخرى وهو يحرر يده من تحت يدها، ليسحبها معه ويجعلها تستلقي بجانبه، وحرك يده المتضررة من أثر الحادث ليحيطها بكلتاه يديه وكأن ما سمعه منها الآن وما يحتل عقله ينسيه الألم.
لدقائق كان ينظر الى سقف الغرفة وكل لحظة وأخرى تخرج منه آه محترقة.
لم تفهم ردة فعله ولم تتفوه بكلمة؛ عاجزة على أن تقطع صمته، تحترمه وربما تتفهمه. لقد مرت بنفس الصدمة يوم أن عرفت أنها تحمل جزئيين منه، لتأخذ قرارها بعدم أذيتهما وإن كانت حياتها الثمن.
أغمضت عينيها تلف يدها حول جذعه تستند برأسها على صدره.
كانت تستمتع بكل أهه محترقة تخرج منه ربما حرقته هذه تعوضها عن الأشهر التي كانت تعاني فيها من حملها ووحدتها.
قطع الصمت بينهما وهو يخبرها متألما: "يفترض أن أكون أسعد رجال الكون الآن، من المتوقع مني أن أحملك وأدور بك أصرخ ربما أستطيع أن أعبر عن فرحتي بما قلتِ"


ترقرقت الدموع في عينيها وهي ترفع وجهها إليه لتقابل وجهه المطل عليها، كان يتألم!!
لتقول بوجوم: "ظننت أن الأمر سيسعدك"
أطل عليها يتأمل عينيها الذهبيتين بدموعها التي أصبحت جزء لا ينفصل عنها، تظنه غير سعيد !، بل إن كل معاني السعادة إن وجدت لن تعبر عما يشعر به في هذه اللحظة. لكن ما يطبق على صدره ويجعل فرحته ناقصة تخيلها تعاني كل هذا وحدها. عقله يجبره وهو يتأمل عينيها ويغوص في عسليتهما لتخبره كل معاناتها، هاتفها المتوجع السابق وهي تخبره عن ألمها عندما كانت تكتم وحامها، تحتمل كل تبعات حملها وحدها.
الألم الجسدي والنفسي الذي تعرضت له، صدمتها !.
مؤكد صدمت صغيرته بمعرفتها حملها، ليتساءل مع نفسه كيف كان غبي حقا ولم يلاحظ الأمر عليها، كيف لم يكتشف وكل جزء منها كان بين يديه طوال الوقت، وجع أخر ومجرد الفكرة تطرق بعقله كيف استقبلت خبر حملها بتؤامهما.
كيف ولماذا ابتعدت عنه؟ لم َلمْ تعطه فرصة واحدة لإصلاح ما أفسده؟
أغمض عينيه بشدة يمنع عنها دموع الكبرياء رغما عنه تطرف عينيه فيحجب عنها القبضة التي يشعرها تطبق على قلبه ليخبرها بحرقه: "لم حرمتني من هذه اللحظات، لم منعتها عني ونفيتني بعيدا عنك؟ لماذا يا مريم؟.منعت عني فرحة كنت بانتظارها طوال حياتي وكدت أفقد الامل في الحصول عليها،لم قسوتِ صغيرتي؟"


ردت بصوت باهت بدا بعيدا يأتي من ماضيها السحيق ومن ألمها القاتل: "كنت أتألم وأنت كنت قاسيا باردا عند اكتشافك حملي، حجبت عني كل عاطفتك ومنعت عني أمانك الذي كنت دائماً تحيطني به"
صمتت تأخذ أنفاسها بعمق تحاول التراجع عن ذكر الماضي، لقد أخذت وعدا على نفسها أنه إن عاد إليها فلن تفتحه معه، سوف تنسى كل شيء، التجربة التي مرت بها جعلتها تدرك ذلك جيداً، طالما هو على قيد الحياة معها، يتقبلها ستسامح وستعطيه الفرصة ليصلح كل شيء بينهما.
لتنطق بترجي: "أنسى إيهاب وجعلني أنسى كما وعدت، عوضني عن كل الألم الذي شعرت به لا تفكر إلا فيما أخبرك به"
فتح عينيه ينظر لعينيها التي تبرق له برجاء واستعطاف.
ابتسم لها بارتعاش وهو يخبرها بتقطع يحاول النسيان كما تخبره وأن ينحي ألمه ليتغلبا على ماضيهما سوياً ومعاً: "إذا هما طفلين؟"
ابتسمت لعينيه بصفاء ودموعها مازالت تجري على خديها لتجيبه وهي ترفع يدها تشير وهي تقرب إصبع الإبهام والسبابة من بعضهما في اشارةتصغير.
لتنطق تخبره بصوت محبب لقلبه: "نعم طفلين صغيرين للغاية كما أخبرتني طبيبتي بهذا الحجم"
ضحك وطريقتها المحببة لتقليل حجم صغيريها تنسيه بعضاً من ألمه ليمسك يديها يفردها ويلثمها برفق وهو يقول بصوت مبحوح: "لا أعتقد انهما بهذا الحجم، ألا ترين حجم بطنك المتضخم؟"
عبست تدعي الضيق وهي ترد بحنق: "هل هذا كل ما لفت نظرك مما اخبرك إياه حجم بطني؟، ولا أنا لست متضخمة بل لم اكتسب الكثير من الوزن"، لتردف تخبره بتأكيد: "كما أني رأيتهما العديد من المرات وهما صغيرين حقاً"
ترك يدها ليمسك بصدغها بين إصبعيه يرفع وجهها إليه بحنان ليقول برقة: "اشتقت لشقاوتك وجنونك"
ليردف مؤكدا لها وهو يحرك سبابته على شفتيها المرتعشة: "لا أنت لم تكتسبي أي وزن يذكر، مازلت ناعمتي" عينيه انحدرت تتأمل جذعها بين يديه ليكمل بصوت حار مثير لها: "ولكن لن أنكرأن هناك بعض الأماكن امتلت بشكل محبب لي"
اعترضت بخجل وهي تحاول التحرر منه: "إيهاب كف عن كلامك هذا"
ضحك بجذل وهو يقول يحاول اغاضتها يستمتع بتبرمها: "لا تقولي إنك تخجلين مني وأنت تحملين طفلاي وبعد كل ما بيننا"
بامتعاض أجابته تحاول ألا تنجر لمحاولته في إغاظتها: "أخجل وهل أنت تركت أي شيء بيننا للخجل"
مال عليها وهو يترك وجهها يده تسلل إلى طفليه، ليمسد على بطنها يستشعر حركات طفليه اللذان لم تهدئ وأمهما كل تركيزها عليه وكأنهما يريدان أن يخبراه نحن هنا ونستحق جزءً من انتباهك.


تحركت يديه بالتضامن مع وجهه الذي مال إليها وفمه الممتلئ يلتقط شفتيها الرقيقة في قبلات حانية متقطعة يلثمها بخفة.
ارتفعت أنفاسه تأثرا وهو يخبرها: "أريد أن أراهماوأن اعوضك أيشيء من معاناة وحدك، امسك بيديك عندك طبيبتك ونراقبهما سوياً وهما ينبضان بداخلك"
رفعت يدها تضعها على وجنته هذه المرة كانت عينيها تدمع تأثرا بعاطفته نحوها لتخبره برجاء: "أجل أرجوك، أريدك أن تعوضني الكثير، لو تعلم كم تمنيت أن تكون بجانبي، كم من المرات والطبيبة تفحصني كنت أغمض عيني أتخيل صورتك أمامي وأشعر أن يدك تمسك بيدي فتشاركني فرحتي وأنا أرى المعجزة الخاصة بنا رغم صغرها تنبض بداخلي"
ضمها وهو يبتعد عنها يريح رأسه للوراء على وسادته ليخبرها بإرهاق، مفاجأتها كبيرة جدا لدرجة أن انفعالاته أطبقت على جرحه، فأصبح ألم جرحه لا يُطاق، حاول ألا يشعرها به وهو يؤكد له: "سأفعلها حبيبتي، أعدك عند استطاعتي للوقوف مرة أخرى واستعادة بعض من قوتي ستكون أو شيء أفعله"
اعتدلت وهي تميل إليه بقلق، إذ رأت حبات العرق التي بدأت تتصبب من جبينه رغم برودة الغرفة: "هل تشعر بالألم، أنا آسفة، أرهقتك ولم اختر الوقت المناسب للحديث معك"
ابتسم لها يطمئنها: "لا تقلقي أعتقد أن هذا طبيعي كما أنك تتعبيني دائماً فلا شيء جديد"
قاطع تواصلهما الطرق الهادئ على باب الغرفة، لتنتفض سريعاً من جانبه تقف على بعد خطوات من الفراش غير عابئة بحملها.
نظر لها بتعجب للحظات ليجد القلق والتوتر الذي ظهر فجأة على محياها، أغمض عينيه بقوة يطرد صورة مشابهة عندما كانت تفعل ذلك في الماضي، عند مفاجأة أحد لهما، فتح عينيه وهو يمد ذراعه إليها يخبرها بهدوء: "اقتربي وعودي لمكانك بجانبي"
ردت بتوتر لم تستطع أن تسيطر عليه: "هناك أحد يريد الدخول وأنا... نحن ...أعني.."
بحزم أمرها مرة أخرى: "مريم اقتربي، اجلسي بجانبي وعلى فراشي"
اقتربت بتردد لتجلس بجانبه ليحاوط خصرها وهو يقول بصوت هادئ مرهق: "تذكري دائماً أنك زوجتي أمام الجميع استمدي كل قوتك مني كما كنت تفعلين في الماضي، لن تشعري بالعار مرة أخرى، أنت امرأتي والجميع أصبح يعلم بهذا"، أردف باستنكار منها: "أنت على وشك الولادة مريم، تحرري من أي شعور سابق، ساعديني وساعدي نفسك" مع إتمام كلماته أمرها: "اسمحي الطارق بالدخول وإياك والتحرك من مكانك هذا"
بصوت خافت فعلت ما أمرها به ليحذرها برفق: "أقوى قليلاً حبيبتي أنا لم أسمعك حتى"
بصوت غاضب منه متبرم هتفت: "ادخل"

دخل الطبيب بالترافق مع ممرضة تحمل صينية من الطعام يرافقهما جاسر الذي نظر له بابتسامة مريحةتحتل وجهه، تحدث الطبيب أولاً وهو يتفحص قراءات الجهاز الذي ما زال موصولا بت ليخبره بصوت عملي: "مؤشراتكً الحيوية أكثر من جيدة سوف أفصله عنك الآن وتستطيع البدء في تناول بعض الأطعمة بحرص"
: "ومتى أستطيع المغادرة؟"
ابتسم الطبيب وهو يقول بهدوء: "بالتأكيد ليس الآن، عشرة أيام على الأقل يجب أن تبقى تحت مراقبتنا وإن سار كل شيء بشكل جيد كما أتوقع يمكنك المغادرة"
اقترب مرة أخرى وهو يأمر الممرضة أن تضع ما بين يديها وتأتي له ببعض الأدوات ليشرع في تغير ضمادته وتطهير الجرح البشع في نظرات المراقبة لجواره ليردف الطبيب وهو يتابع ما يفعله: "يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حادثك لم يكن سهلا فتتعامل بحرص مع أي حركة تصدر منك"
رد بإرهاق جلي وهو يترك خصرها من محاوطة لها: "أعلم بهذا ولكن أريد بعض المسكنات القوية الألم لا يُطاق"
: "سوف يحدث هذا، سوف تمنحك الممرضة كل أدويتك فور أن تنتهي من طَعَامك"
أومأ له بهدوء وهو يستشعر تسللها من جانبه لم يتحدث ولم يرد إحراجها مرة أخرى اكتفى بأن ينظر لها بعتاب صامت وهو يستسلم لِيَد الطبيب مخبرا نفسه أن الوقت والزمن كفيلين بمعالجة كل شيء ورحلته في الإصلاح لم تبدأ معها بعد.



فور مغادرة الطبيب اقترب منه جاسر وهو يخبط على ذراعه المصاب بفظاظة ليقول 
: "مرحباً بعودتك يا بطل لم أتوقع لك النجاة لقد أرعبتني"
حرك يديه وهو يتغضن بألم ليزيح يده وهو يقول: "متى تكف عن جنونك وتراعي مشاعر البشر"
أجابه جاسر بضحكات خشنة: "تعرف أن هذا لن يحدث أبداً"
هز إيهاب رأسه بيأس وهو يقول: "بالطبع أعرف ولم قد أستغرب الأمر!"
ليردف بجدية: "إذا؟، فعلت ما أخبرتك به"
عاد الأخر لجديته وهو يقول: "نعم كل شيء رتبته كما تريد،سيأتي ياسر الرواي خلال ساعة من الآن ومعه كل ما يلزم لا تقلق"
التفت إيهاب للممرضة التي تحاول مساعدته وهي تقرب منه الطعام ليشكرها بهدوء وهو يخبرها: "أشكرك زوجتي هي من سوف تساعدني"
ليخاطبها مرة أخرى بهدوء: "لو سمحت مريم ساعديني"، اومأت له بصمت وخجل من نظرات جاسر الذي يبتسم بتفهم.
اقتربت منه لتجلس موازية له وتبدأ في تقريب الطعام منه ابتسم لها بامتنان وهو يتقبله من يديها ليعود بحديثه مع جاسر قائلاً: "أخبرتني أن ياسر وعد أن يجد حلا لمشكلة التواريخ، تعلم أني أريد هذا العقد بتاريخ العقد الأصلي للزواج هذا في غاية الأهمية بالنسبة لي"
: "لا تقلق إيهاب وركز في صحتك حالياً ودع الأمر لنا" ليردف يوضح: "ياسر أخبرني بأن لديه ابن أخ يستطيع ببعض العلاقات أن يقوم بالأمر بسهولة لاختصار الوقت ويكون العقد بالتاريخ الذي تريد قبل ولادة طفليك"


رفع إيهاب حاجبيه باستنكار وهو يتوقف عن تناول الطعام من يد مريم ينظر لها وكأنه يلومها رفعت كتفيها بقلة حيلة تقول: "أردت أن تكون أول من أخبره لكن الكوارث الذي حدثت جعلت الجميع يعرف إلا أنت"
ليرد جاسر متهكماً بامتعاض: "حجة غبية تذكرني بحمقاء أخرى قالتها في السابق"

بعد ساعتين، كانت تقف أمام نافذة الغرفة تستمع لحوارهم المتبادل.
كانت تكتم بكائها برباطة جأش تحسد عليها، فقط جسدها المهتز من يعلن على أنها مازالت معهم تفهم ما يقولون.
كان المدعو والدها قد أتى برفقة المأذون المنتظر ورجل أخر كان يتفحصها بدقه عينيه الشرسةالغامضة جعلت قشعريرة باردة تسري على طول عمودها الفقري، لم تتقبله !!!
حاولت المغادرة قبل ان يأتوا فرفض إيهاب بحزم وجعلها تبقى جواره لكنها لم تحتمل الأمر ولم تحتمل نظرات والدها المستجدي لوصالها كالعادة والحديث معها لقد كان يأتي في الفترة السابقة يحاول التظاهر بالدعم لها، فلم تقاومه ولم ترفضه لكن تمسكت بالتحفظ معه والالتزام بالحدود فلم تجعله يقترب منها بأي طريقة.
من أفكارها البعيدة سمعت المأذون يعلن عن انتهاء الأمر وأمر إيهاب لها بالاقتراب 
التفت لهم تنظر له هو فقط تكبح اهتزازها الواضح بشدة. تحاول أن تستمد منه القوة للمواجهة كما أخبرها.
كان يحجب عنها انفعالاته كما في الماضي يكتفي بابتسامة مشجعة لها، نظرة عينيه تمنحها ما تريده منه بصمت، كان يمنحها قوة غريبة، لتشمخ برأسها المنكس بكبرياء هي ليست مخطئة هم جميعاً من أخطئوا في حقها ومن عرضوها للظلم حتى هو، ما يجرى الآن هما السبب فيه تتزوج منه وهي على وشك الولادة، شعور بالعار كان يحاول أن يتمكن منها فترفضه بإصرار، هي أخطأت ولكن من منهم أعطاها حق الاختيار؟، من منحها حياة سليمة طبيعية لترفض وضعها السابق فكانت اختياراتها دائماً في الماضيأن تقبل المتاح في الظل بامتنان؟.


بصمت اقتربت، لتوقع على ما يشير إليه المأذون، فأمسكت القلم لدقائق عدة، كانت تنظر لما خط على الورق، نظراتها معلقة باسمه بجانب اسمها وبين المخطوط كلمة واحدة استطاعت بصعوبة أن تفهم معناها (البكر) فتطعنها معنى الكلمة بخنجر في ثنايا روحها.لم تفهم معظم المكتوب هناك بعدها ليتها تفهم العربية جيداً لعلها تستوعب المكتوب ربما تتحدث بها جيداً لكن مازالت تواجه صعوبة في فهم نصوصها. لاحظ إيهاب للحظات اهتزاز القلم في يدها وكأنها تتردد مع جمود نظراتها على الدفتر المفتوح.
بصوت خرج هادئا لم ينطق إلا باسمها يشجعها: "مريم توقيعك وينتهي الامر"
التفتت له، ليومئ لها بدون تردد أخر وكأنها تريد أن ينتهي الموقف خطت ووقعت باسمها كاملاً تحت اسم والدها، الرجل الذي ظهر لينهي معاناتها والذي كان هو سببها في الأصل.
قاطع الصمت صوت والدها يخبرها بلهفة تفضح صوته: "مبارك حبيبتي رجوع حقك"
نظرت له بدون تعبير لتقول ببرود الجمه: "ليس بفضلك سيد ياسر، فلا تعطي الأمر أهمية، بك أو دونك كان زوجي سيجد الحل.!"
أغمض عينيه بقوة يكبح الألم منها ويحجبه عن النظرات الموجهة إليه.
عادت لمكانها مرة أخرى بهدوء ترفع نظراتها تتأمل السماء الصافية تحمد الله بامتنان صغيريها لن يعانيا مثلها سيمنحان اسم رجل ويحملان صفته الشرعية فلن يحملهما المجتمع ذنب ليس هما من ارتكباه.
أخيراً تخلصت من شعور الذنب ذاك الشعور المريع الذي كان يسيطر عليها هي ليست مثل فريال، هي ليست ابنتها.
اقترب منها مراد الذي كان قد حضر منذ قليل وأصر أن يكون شاهدا على العقد رغم رفض إيهاب في بدئ الأمر، ليقف جوارها عند التهاء الجميع مرة أخرى مع الأوراق.
وقف جوارها بدون أن يلتفت إليها لينظر مثلها للفضاء يحدثها بصوت أجش منخفض
: "مبارك يا مريم"
بتهكم مرير ردت: "على ماذا عمي بالضبط أن زوجة منذ عامين وما يحدث الآن يحملني العار وحدي ولا يستدعي أي مباركة"
أكمل بهدوء: "أشعر بك يا مريم ولكن ليس أنت من يفترض بها الشعور بالعار لم يترك لك أحد الخيار في السابق يكفي أنك رفضتِ وقاومت إلى أن رجع لك حقك، مجتمعنا من يفترض به أن يشعر بالعار لأنه يضع قوانينه الخاصة وأحكامه المجحفة علينا"
لم ترد، فأردف يكمل لها: "ولا تحملي إيهاب أيضاً الذنب وتذكري أن جميعناً بشر معرض للخطأ ربما وقتها حقاً لم يجد الحل وتذكري أنه سعى مثلك لإثبات حقك فيه وفي والدك"
ليضيف يشجعها عندما التفتت له ليقول بقوة: "ارفعي رأسك وحاربي من أجلك أنت لم تكوني مخطئة، أنت تعرضت للظلم فقط جدي واسعدى بما حققت بحق الذي ظهر لن يستطيع أحد نعتك بشيء لم يكن فيك واجهي مريم وافخري بنفسك وزوجك وتذكري دائماً إيهاب انت تعنى له الكثير أنسى يا مريم وأبدئي من جديد جميعناً تقابلناً تعثرات وسقوط معدننا الحقيقي يظهر وقتها ونحن نقاوم لنخرج من سقوطنا فنتعلم من اخطائنا ونحاول مرة بعد مرة الى ان نحصل علي ما نريد "
بصوت منخفض: "شكراً لك أنا أعرف ونسيت بالفعل، ما تعرض له جعلني أدرك أني أريد إلا أن يبقى بجانبي، فقدانه كان يعنى فقداني لحياتي عمي"
أومأ لها بهدوء: "أعرف ولذلك أخبرك طالما انتما سوياً ستواجهان أي شيء أخر"
ابتسمت له وهي توافقه، دعمه في هذه اللحظة عنى لها الكثير تحرك من جانبها وهو يلاحظ انسحابهم برفقة جاسر ليقول مازحاً: "أنا سعيد بأنك ما زلت تناديني عمي لكن اعتقد أنك يجب أن تجدي لأجلي وجاسر لقبا أخر فأنا في عمر زوجك"
: "سوف أحاول عمي"
هز رأسه مدعيا اليأس وهو يلتفت لا يهاب: "لا فائدة سوف تستمر في قولها"
لمح نظرات الرفض الذي مازال يحمله له إيهاب في إعلان واضح انه مازال لم يتقبل عودته لجواره.
ليعاكسه بالقول يخاطبه: "أشكرك مراد وكما قلت الوقت كفيل بمعالجة كل شيء"
ليرد الاخر وهو يقف عند باب الغرفة: "وأنا أشكرك الظروف التي ربما تكون قاسية ولكن ساعدتني لكسب صداقتك مرة أخرىوهي تعنى لي الكثير ........"

بعد مغادرتهم،
خاطبها بهدوء: "لن ترهقيني وأنا استجدي عودتك لجواري كل مرة"
لم تجعله يكررها مرة أخرى لتتحرك تحتل مكانها بجانبه ضمها فتمتمت شاردة: "هل رأيت العقد لم أستطع قراءته ولكني فهمًت" بسخرية مريرةأكملت: "لقد كان مكتوب فيه )بكر(أنا افهم معنى الكلمة جيداً إيهاب"
أغمض عينيه بقوة يحاول أن ينحي الضيق الجاثم على صدره الشعور الطاعن بوجعها خرج صوته المعتذر الهادئ يوضح لها: "ما رأيته نقلاً عن العقد الأصليأخبرتك هذا للشكل القانوني فقط باسمك الجديد حبيبتي حتى نستطيع أن نسجله"
ليردف بعدها بذنبيجلدها: "أنا آسف حرمتك من الكثير في يوم كهذا سلبتك حق فرحتك حرمتك من الفستان الأبيض الذي تحلم به كل فتاة"
ضمت نفسها اليه تحتضنه وهي تقول: "لا أريد أبيض أنا أريدك أنت كنت أريد اثبات الحق للصغيرين"
نظرت له بضحكة مرتعشة تقول: "وأريد أن أرتدي زي الفلامنكو مرة أخرى لتراقصني"
خرجت ضحكة مغتصبة يحاول أن يجاريها: "هل أنت متأكدة؟ أفكر كيف سوف ندخله فيك وأنت بهذا الحجم"
تحشرج صوتها ليخرج مرتعش: "لا أعلم كيف؟، سوف أترك الأمر لك للتصرف لن أتنازل عن ارتدائه مرة أخرى فور عودتنا للمنزل"
قبل قمة رأسها وهو يقول مغمض العينين متأثراً بوجعها البادي: " لك كل ما تريدين سوف يتحقق سأرسل في طلب واحد أخر يناسبك"
صمت بعدها وهو يقول وكل كلمة تخرج منه: "أسف، أنا لن افعل مثلهم وأبارك بل اعتذر منك وأرجو مسامحتك وغفرانك لي لتأخري كل هذا لجبني وترددي في عودة حقك حبيبتي، فهل سوف أجد الغفران يوماً؟"
بشرود أجابته: "أنت وجدته منذ وقت طويل إيهاب، ربما لم أكن أدرك وقتها لكن مع كل حنين إليك ألجأ فيه إلى ذراعيك كنت أمنحه لك"
رفع وجهها إليه وهو يقول بقهر نابع من داخله من وقوفها المهتز من شعورها المقيت الذي يستشعر: "ظلمتك كنت أناني معك بحثت عن راحتي فيك ولم أبحث عن وجعك أنت، 
أريد أن أخبرك عن أسفي، اعتذاري ولكن لو استمررت في اعتذاري لأعوام لن أوفيك حقك"
سمحت لعينيها أن تنزل دموعها أخيراً في وعد لنفسها أن تكون المرة الأخيرة التي تسمح لها أن تواسيها في أخر معاناتها، لتقول: "لن أمانع في سماع اعتذارك وأسفك كل ليلة ولكن لا تتركني، لا تكن قاسي معي، لا تعد مثل ما كنت أن يظلمني العالم أجمع شيء وظلمك أنت لي شيء أخر كان يحطمني ويقهرني"
ضمها بقوة يبثها وعده الصامت يتمتم لها بصوت خافت: "أنا أسف، لن أظلمك أعدك سأكون بجانبك دائماً سأمدك بكل ما تحتاجين سوف أتحمل أي شيء منك ربما أستطيع التكفير عن كل ظلمي لك"
: "لا تتركني إيهاب فقط لا تجعلني أعيش رعب فقدانك مرة أخرى، كنت أموت في كل لحظة أراك عاجزا أمامي مهددة بفقدك"
ليضمها بدفء يسترسل معها: "أتعلمين !، أنا لم أعد إلا لأجلك،ِ لقد حلمت بك في غيبوبتي كنتِ معي هناك ولم أفق إلا عندما ارتعبت بما كدتِ تفعلينه الأمر كان حقيقيا لحد الذعر"


ردت تستفسر: " كيف؟، أخبرني كل شيء"
:" سوف أخبرك، لكن أولاً هل رأيتِ الملف الذي أخبرتك عنه؟"
هزت رأسها بنفي وهي تقول: "لا، لم أتذكره حتى، كل ما كان يهم وقتها كان أنت وأن تستفق، أما أي شيء أخر فهو غير هام"
أخرج نفسا قويا، ليقول: "قبل الحديث في أي شيء، مريم يجب أن تري ما يحتويه، سوف نؤجل الأمر إلى أن اطلب من مدير مكتبي أن يأتي به"
حررت نفسها لتعدل قليلاً، لتسأله: "لماذا؟؟، ألم ينتهي الأمر الآن !"
مد يده وهو يمسح دموعها قائلاً: "انتهى بالنسبة لهم، هؤلاء المحيطين حولنا ولكن أنا وأنت لم ينتهي بعد ولكنه بدأ للتو"
أنزل يده بعدها يضمها إليه بقوة وكأنه بتشبثه بها منذ استيقاظه يحاول أن يعوضها ويعوّض نفسه مرارة البعد ووجع الفقدان ليقول بإرهاق صادق: "أنا متعب يا مريم الآن فقط أستطيع أن أغمض عيني وأنا مطمئن، أريد أن أرتــــــــــــــــــــــــــاح فلقد كنت أسابق الزمن لوقت طويل"
 


لمحها من بعيد، تتوجه إلى الممر الهادئ للمستشفى، حذائها ذو الكعب الرفيع يقرع الصمت المحيط بهم، استل نفسه من الحديث الخافت الجانبي مع من يقف معهم، ليقف في أقًرب نقطة سوف تصل إليها.
يراقب هذا القوام الساحر، الممتلئ بتوازن تحت ثوبها الضيق، التنورة القصيرة التي تظهر من تحتها ساقين طويلتين بانسيابية، خطواتها الرشيقة الواثقة كعادتها جعلته يتململ ببعض الضيق، بينما يواصل مراقبة تقدمها وعينيها اللوزيتين بنظراتهما الباردة وقعت عليه بنظرات استخفاف. 
تبادله الحرب الباردة التي لم تهدئ لسنوات، نفس التهكم، نظراتها الدنيوية وكأنها لا تراه في مجالها، لم يتحرك من مكانه وهو يبادلها البرود والتهكم. 
اقتربت منه أولاً فشعر بانتصار طفولي بتقدمها نحوه بنفسها، عينيه لم تحد عن عينيها التي أطلقت منها شررا غير قادرة على مداراته للحظة. 
لتعود لبرودها سريعاً وهي تمشط بعينيها قامته القوية ومظهره الكلاسيكي سريعاً بدون اهتمام يذكر وهي تقول بجفاف: "راشد"
رد ببرود وجفاء مماثل: "الأميرة بدر البدور"


قالها وهو لم يقاوم كالعادة التهام ملامحها، انفها الدقيق، وجهها الممتلئ، وجنتها المرتفعة وشفتيها المغريةل المحرمة، تغيرات نبرات صوتها سريعاً وهي تسأل بحزم: "ما الذي تفعله هنا؟؟"
ليرد متهكماً: "وماذا تتوقع الأميرة، قد فعل هنا برفقة والدك؟؟، أتيت لنفس أسبابك" ليردف بعملية يوضح: " أوراق زوج أختك تحتاج لبعض التغير في التواريخ وأستطيع إنجازها في وقت قصير بدل الانتظار"
بسخرية باردة ولاذعة وصقيع نابع من الجليد المحيط لقلبها: "آها نعم كيف نسيت لقد تحدث ياسر عن أمر كهذا" لتضيف بجمود: "فأنت رجل المهام القذرة فكيف لم أعلم أنه سوف يستعين بك "
أحس بالدماء تفور في عروقه وأنفاسه تتردد في صدره ليعود لبروده المماثل سريعاً يرغم نفسه على نفس البرود والجمود الذي يعاملها به منذ خمس سنوات مضت منذ إعلانها الحرب بنفسها: "كما تحبين أن تسميها ولكن لا تنسى أن رجل المهام القذرة هو يد والدك اليمنى الآن وأستطيع طرد فخامتك بسهولة من منصبك الأنيق"
عينيها احتلها الغضب لتمتم له من بين أسنانها: "لن تستفزني يا راشد، تعلم أنك لم تعد تستطيع، اكتفي بمساندتك لعمك الحبيب ولا تقترب من محيطي"
رفع حاجبيه ببرود يجاوبها: "وهل اقتربت منك بدور، أنا هنا أساعد ابنة عمي في ورطتها وأنت من أتيت تلقين اتهاماتك جزافا"
ليقترب منها وهو يعتدل يستفزها وهو يقول: "هل رأيتها؟، صغيرة شهية تشبهك" ليردف ساخراً: " ولكن خسارة كبيرة لقد سبقني أحدهم إليها ربما كانت سوف تصبح تعويضا جيدا لي"
وجهها الجامد الرخامي الأنيق لم يتغير ولم تجفل ملامحها لحظة مما يخبرها إياه 
لترد ببرود صقيعي: "كان يجب أن اعلم أنك قذر ولن تترك حتى فتاة صغيرة متزوجة بالفعل من نظراتك الدنيئة ونعم هي تشبهني يا راشد فلا تحاول الاقتراب لأنها لا تشبهني في الشكل الخارجي فقط "
لتردف ولم تتحرك عضلة واحدة في وجهها وهي تقول: "انتقامها مهين يكسر أعتا الرجال بدون رحمة وربما يستغرق خمس سنوات ليستطيع فقط أن يلملم غروره الضائع"
استغل النقاش الدائر وعدم انتباه أحد لهما. 
لتمتد يده بلمح البصر تمسك بمرفقها تشدها إليه وتسبب لها الألم ليزيحها معه لباب الغرفة الذي كان يستند عليه، ادخلها هناك ويده الأخر تطبق على فمها الذي حاول الاعتراض سريعاً ومن بين الظلام حرك يده ليتمتم بغضب شرس لم يستطع السيطرة عليه: "اذكري هذا مجدداً وانتظري انتقامي منك، كما في الماضي فأنا لم أكسر وحدي برودك الذي تحيطين نفسك به ما هو إلا خدعة ولكن لم يتألم أحد ويكسر إلا أنت"
لترد وأنفاسها تزداد عنفاً بفعل الغضب وعينيها تبرق وسط الظلام بانفعال: "عش في كذبتك الخاصة، لم أكسر ولن تستطيع فعلها يا راشد ولو حاولت لمائة سنة قادمة، اتركني الآن وإلا صرخت وجمعت عليك كل من في الخارج لأعرفهم على حقيقة رجل الأعمال الأنيق الهمجي"
لدقيقة كاملة ظل كل منهما ينظر للأخر وأنفاسهما الغاضبة تلفهما.
ليرد بتهكم عصبي انفعالي: "تفعلينها !، كيف أنسى برودك وعشقك للفضائح وانتقامك البارد"
تركها بعنف وهو يتراجع خطوة واحدة، لترد بسخرية وهي تعتدل تمسد على ملابسها: "جبان يطري نفسه كثيراً" لتردف تكمل: "إجابة على كلامك تعلم جيداً أني سوف أفعلها بدون تردد، فلقد جربت الأمر من قبل"
اشتعلت عيناه بالغضب مع تحفز كل عضله في جسده الضخم بدون أن يمنحها فرصة عاد لشدها إليه، يلصقها للباب المغلق ويطبق على تلكما الشفتين بقسوة، بعنف وجشع ينتهك عبر تقبيلها روحها، أنوثتها الذي منعتها عليه وعاطفتها التي حرم منها بعد أن كانت طوع يديه ذلك الفم الذي أهانه بالرفض في الماضي على الملأ وحرم عليه. 


يضغط على تلك اليد يريد كسرها لتجرئها السابق على إهانته وصفعها له يوم أن اعتقد أنها منحته السماح. 
أخطئ في حقها بغرور وثقة منه أنها لن تكتشف فعلته لتعاقبه بالكسر والحرمان منها فغلفت نفسها بالجليد وعلقت يافطة أنت ممنوع من الاقتراب، فأصبح زواجه منها مع وقف التنفيذ وأعلنت بغرور وكبرياء أنها زوجة محرمة. 
تأوه وهو يبتعد عنها بنفس العنف الذي ضمها بت، بعد أن ركلت بقوة بكعب حذائها على قصبة ساقه فتعاظم غضبه مع تخبط مشاعره ليضغط على يدها بغرض إيلامها 


اشتعلت عينيها بالغضب وهي تقاومه بشراسة ويدها الحرة ترتفع أمام عينيه تمسح فمها وعلامة النفور والتقزز ترسم على محياها: "اتركني أيها الهمجي، اقسم يا راشد أن تدفع ثمن استباحتك لحرمتي غاليا"
ليقول بغضب: "ماذا؟، هل سترفعين علي دعوى تحرش؟"
لينطق ولسانه يفرقع بحروفه: "إذن لا تنسي أن تخبريهم أنك ما زلت زوجتي وقد عجزت لخمس سنوات كاملة عن التخلص مني"
لتهتف به بعد أن استطاعت أن تزيحه من صدره: "أعدك أن وقت الخلاص منك قد اقترب للغاية، سوف أسجنك يا راشد وسأدمر كل من يقف في طريقي للخلاص منك"
إزاحته بعنف مع استسلامه لشراستها وغضبها الذي استطاع بِه أن يخرجها من جحيم جليدها أن يستشعرها حية بين يديه مرة أخرى. 
الباردة لم تضعف للحظة واحدة أمام قبلته المتعطشة المحمومة لها.
راقب خروجها العاصف وهو يعد نفسه بصوت خفيض: “احلمي يا ابنة ياسر سوف تظلين ملكي إلى أخر يوم في حياتك وان لم أطل منك شيئا”



إعدادات القراءة


لون الخلفية