تشعر انها في كابوس مرعب، كل ما تمره الآن، بينما تجد نفسها تقف في مكان مخيف ، لا تعرفه، أشجار كثيفة تحيطه من كل مكان، فتحجب ضوء النهار عن التسلل، ليقشع الظلمة ، برودة تحيطها، فتجمد أطرافها.
بينما يتراءى لها من حولها، أشخاص لا تعرفهم، وجوه عدة تنظر لها بتيه، ترتدي السواد؛ سواد يحيطها ويعتصر قلبها ليحجب الفهم والإدراك عن عقلها، دوامة بكل ما تستشعره الآن وما تعيش فيه، دوامة فقط...
ومضات تمر بعقلها؛ ومضة نور فها هي تجد دفئها يحيطها؛ ابتسمت، حبيبها يظهر من وسط السواد، يبدد ظلمتها، يرتدي تماما مثلما كانت تخبره سابقاً، طاقم عملي بسيط بلون الرماد، فيعكس لون عينيه الحبيبتين، بلمعتهم التي دائما يخصها بها، يبثها عشقه دون حتى أن يخبرها بذلك، تحركت بلهفة تخترق تلك الوجوه التي حولها، لتصل إليه، فيقطع هو المسافة بدوره بدون مقدمات،
ليجذبها من ذراعيها يزرعها هناك على صدره، حطت رأسها على قلبه مباشرة، تستمع لدقاته التي كانت دائماً تخبرها أنها محرمة عليها، لا أنها دنياها الواسعة؛ هم لا يفهمون هي وهو فقط من يعلمون، أنها مقدرة لها ولم تكن يوماً محرمة ، بل هذا القلب خلق من أجلها؛ لتتنهد براحة كما دائماً معه وهي تستنشق عطره، دائما هو من ينتشلها من الضياع، يبدد عنها الظلام والظلم. تمتمت بدون أن ترفع رأسها عن قلبه لتخاطبه: "أنت هنا، كنت أعلم أنك لن تتركني"
أحاطها بتشدد دون أن يرد.
فلفت ذراعيها تحتضنه بقوة أكبر، لتكمل مخاطبته: "لا تتركني مرة أخرى"
ولم يأتيها الرد، مجددا.
فرفعت رأسها إلى وجهه، عيناها تفيضان دمعا، بينما تكمل حديثها: "مازلت غاضبا مني، اغفر لي"
أبعدها عنه، ليحيط وجهها بيديه ويقبل قمة رأسها، ليقول بصوت أجش: بل اغفر لي أنت حبيبتي"
أرادت أن تخبره أنها غفرت ونست، أرادت أن تخبره أنها لا تريد إلا أن يكون إلى جاورها، لكن الوجوه المظلمة اقتربت منه تحيطه، أذرع عدة امتدت تشده بقوة لتأخذه منها وهو مستسلم وابتسامته لا تفارق وجه.
صرخت، تخبطت ترجوه أن يقاوم من أجلها، عيناها تراقب وتتابع ملامح وجهه وابتسامته تنمحي والدماء تغطيه. فانخفضت عينيها إلى ملابسه، لتجدها مليئة بدماء سوداء !!
راقبتهم بعجز وكأن شيء عاد ليكبلها فيطبق على حنجرتها، أصوات اعتراضها كتمت، حتى الصراخ لم تفلح فيه، لم تستطع؛ لقد أخذوه منها انزلوه في حفرة كبيرة وأزاحوا فوقه التراب.
سمعت صيحته: "انتظرك مريم، حبيبتي أنتظرك لتخرجيني من هنا"
صرخت، اعترضت، وتخبطت عيناها تغمضهما عن منظر يعجزها.
ثم فتحتهما بعد صمت مخيف لتجد نفسها الآن في غرفة ضيقة، ملقاة على سرير وفِي حضنها طفلين؛ أطفالها هي. كيف آتوا ؟!!! ومتى ضمتهم إلى صدرها تبكي وتئن، تتفحص الغرفة و لا احد معها . حبيبها توأم روحها لا يجاورها.
عادت وحيدة، لا لم تكن وحيدة يوما إلا عندما لفظته هي، في لحظة تمرد منها إلى خارج حياتها . دفنت رأسها بين طفليها، قلبها يئن ووجع ينتشر في كل جزء منها ولا تستطيع حتى الصراخ. باتت وحيدة لطفليها، تركها و لم يعلم بأن قطعتين من روحه خالطا روحها و سكنوا جوار قلبها الذي يسكنه هو .
رفعت عينيها المعذبة وصوت صراخ طفليها يرتفع ولا تعرف كيف تهدئهم؟!، هل علموا بيتمهم كما يُتمت هي بفقدانه ؟!.
راقبت الباب يفتح برعب تملك منها، رأت أمها تدخل وابتسامة بشعة ترتسم في عينيها التي تطلق شرر وتقول لها: "ألم أخبرك، أنا بدايتك ونهايتك ؟!!!"
اقتربت من طفليها تشدهما من أحضانها، فصرخت ... اعترضت مجددا وقد كانت ضعيفة، أضعف من أن تقاومها . كبلتها صفعتها كما الماضي، لم تهتم وهي تتوسل إليها تترجاها، لعلها تجد الرحمة في قلب تعلم أنه متحجر ولم يعرف الرحمة يوماً: "أرحميهم ، هما ليس لهم يد انتقمي مني أنا، سأفعل أي شيء، أتركي أطفالي "، لم ترد وهي تنظر لها من علو لتزيح عينيها بغل توجه وجهها البشع لطفليها بانتصار وتحمل (خنجراً) يقطر دماءً لتضعه على رأس طفليها، حينها قوة شرسة تمكنت منها فنهضت بِجِزع تقاوم و تصرخ بوجع تنادي باسمه ربما يستطيع نجدتها ونجدة أطفاله.
ألتفت لها فريال وهي تزيحها بعيداً كلما ترمي بنفسها لتحيط طفليها، فتنهرها بالقول: "لقد مات، لم يعد له وجود، تركك وتركهم ومات وأنا سأتخلص من أخر ذكرى له..."
التفتت لها بدور التي كانت معها في الغرفة، لتطالع جسدها الذي يتشنج على سرير المستشفى، وفي نومها الاضطراري، صرخات كثيرة وقد كانت تصدر عنها بصوت عال ووجها يتغضن بالألم، العرق يصب بكثرة، تحرك يديها وكأنها تقاوم شيئا بشع للغاية.
تحركت بدور على الفور إلى جانبها، تحاول أن توقظها، رغم تحذير الطبيبة لها بعدم فعل ذلك؛ يريدونها طوال الوقت في حالة اللاوعي حرصاً على حياة الطفلين، على مدار يومين الآن عندما يحاولون إفاقتها تعود للصراخ ومقاومتهم، لا تكرر إلا أنها تريد أن تذهب معه، لا تتفهم أو تستمع لأحد، كل ما يصدر عنها صراخ وتغيب عن الواقع. ففضلت طبيبتها أن أفضل حل أن تبقى في غيبوبتها الإجبارية تلك، إلا أن يجدوا الحل؛ فكانوا يجعلوها تهدأ، وضعها المعقد بحملها يجعلهم عاجزين عن أي إجراء آخر أو إعطائها أي مهدئ ليستطيعوا أن يفهموها حقيقة ما حدث.
عادت إليها تمسح عنها قطرات العرق التي يصبب عن جبينها، ربتت على شعرها بحنان، ربما تستشعر الأخرى في نومها وتجعلها تقاوم هذه الكوابيس التي من الواضح أنها تعاني منها وبشدة.
صوت صراخها بدأ يعلو وهي تردد اسمه وترفض بجزع شيئا يبدو أنه يحدث، انحنت عليها تضمها بقوة، لم تستطع إلا أن تفعلها تتحدث بجانب أذنها بصوت هادئ مطمئن: "أفيقي هذا كابوس مريم، ما تعانينه مجرد كابوس، فقط قاومي حبيبتي، انتصري عليه وعودي لوعيك، نحن هنا في انتظارك"
انتفض جسدها بشدة في أحضان بدور، رفعت رأسها تنظر لهناء التي بدأت ترى القلق يتمكن منها، لتقول بصوت ثابت لهناء: "يجب أن تستفيق، لن انتظر رأي الطبيبة، يبدو أن ما تعاني منه الآن أقوى من كوابيس اليومين السابقين"
اقتربت هناء من مريم هي الأخرى، تحاول أن تحيطها بجانب بدور التي بدأت بالفعل في محاولة إفاقتها، تخبط على وجنتها برفق تحثها على الاستيقاظ: "مريم حبيبتي، أتسمعينني، أفيقي"
لدقائق ظلت الأخرى في صراعها، تحارب وصراخها بنحيب قاسي، صدرها يعلو ويهبط بعنف وكأنها لا تستطيع أن تتنفس بشكل جيد.
لتخبرها هناء بتعجل:" سوف اطلب الطبيبة، لن يفلح الأمر هكذا "
ذهبت على الفور، لتعود بعد دقائق برفقتها وتصاحبها منى ومي. الجميع أحاط استلقائها على السرير، ينظرون لها بشفقة مرافقة دائما لها.
بعد دقائق فتحت عينيها التي يحتلها الرعب ولم يبدو أنها أدركت وجودهم بعد، فمازال صوت صراخها بنبرة مبحوحة وبكلمات لم يفهموا فحواها ولكن الألم والرعب المرافق لها: "لا، أتوسل إليك، ابتعدي عنهم، سأفعل ما تريدينه، إيهاب سوف تقتل أطفالنا، امنعها، لا تتركني"
اقتربت بدور تكبل يديها التي تحركها بقوة وكأنها تقاوم شيئا مرعب، لتحدثها بصوت قوي حاسم النبرات: "اهدئي، لا أحد سيقترب منك، نحن هنا، أفيقي يا مريم، يكفي استسلام وانهيار"
ظلت تقاوم بدور وصراخها بصوته المبحوح يخرج بجراح نافذة.
ضمتها بدور إليها بدون تردد، تحاول أن تجعلها تتفاعل معها، لتحاول أن تخرج صوتها هادئا، حنون،لا يخلو من النبرات الحاسمة: "أمرتك بأن تهدئي، أفيقي حبيبتي، لم يحدث شيء مما تظنين، عقلك يبدو فقط من يبدو أنه يصور لك أشياء بشعة، أنت بخير، أطفالك بخير، أنت معنا، فأرجوك اهدئي"
لدقائق ظلت تربت عليها، تضمها إليها وتبثها كلمات مطمئنة، إلى أن هدأت الأخرى تماماً بين يديها، لترفع ذراعيها تتشبث بصدر بدور ويبدو أنها تعود لإدراكها ببطء، فتقول بصوت مذعور، مبحوح، خافت وهي تحملق من خلف بدور في الأوجه المحيطة بها، تحاول أن تتعرف عليهم ولكن صورهم تأتيها مشوشة لتقول: "بدور أنت، بدور"، خرجت شهقة من صدرها تقول برجاء: "أنت قوية، لست مثلي امنعيها عني سوف، تقتل أطفالي"
لتنفجر في النحيب وكأنها تشكو وجعها بشكل غير متوازن: "إيهاب تركني يا بدور، اااااااااااه تركني، لما لم ألحق به"
أبعدتها بدور قليلاً تنظر إلى عينيها وهي تقول بصوت قوي: "أيا كان ما رايتيه ومن تخافينها، فقد كان كابوس، أطفالك بخير، فقط توقفي أنت عما تفعليه بنفسك"
حركت يديها تحيط بطنها التي شعرت بأنها مازالت ممتلئة بروحين منه ،
تمتمت بنحيب: "مازالوا هنا، لكنه تركني وتركهم لم يعرف بوجودهم حتى، تركني بدور، لن أستطيع وحدي، يجب أن الحق به،هو ينتظرني، لم يعد ما يستحق أن أتشبث بالحياة من أجله، أنا خسرت دنياي بعده"
اقتربت منها منى تربت عليها، تنوي إخبارها حقيقة ما تجهله، فنظرت لها مريم بتيه وكأنها تحاول أن تعود لإدراك أكثر.
رفعت بدور يدها وهي تلفت وجه مريم إليها، لتقول بصوت يحمل كل الصدق، لتبادر قبل أحد: " اسمعي مريم، أنت تثقين بى..؟" لم ترد وهي تحملق بها ودمعة تسابق الأخرى لتنزل من عينيها، تنهدت بدور وهي تقول: "لا يهم الثقة ولكن حبيبتي أنا لا أكذب كما أخبرتك من أجل أحد وما تعيشينه الآن صدمة مما حدث، ركزي مريم واسمعيني جيدا"
لتعترض الأخرى وهي تصم أذنيها: "لا أريد أن أسمع أي شيء، لا أريد إلا هو وهو تركني"
لتنطق مي بنبرات هجومية من بين دموعها لم تسيطر على ما يخرج منها: "يا غبية لم يتركك، دائما متسرعة على البلاء"
لتقترب تتخطى بدور وهي تقترب منها، تمسك كتفيها في مبادرة لجعلها تستوعب ما قالته، تردده وكأنها هي من فقدت وعيها: "لم يتركك يا غبية، لم يستطع فعلها، كما أخبرك الجميع وما يحاولون لإفهامك إياه، إيهاب مازال هنا معك ولكن ماذا فعلت أنت انهرتِ بدلا من أن تقفي بجانبه، تجاوريه في أزمته، تمنحينه السبب ليقاوم ويستفيق من أجلك"
نظرت لهم بعدم تصديق، لتعود بالنظر لهناء وكأنها هي الوحيدة من سوف تمنحها الصدق كما منحتها حضن الأم لأول مرة في حياتها، فهزت هناء رأسها بالنفي بالترافق مع ابتسامة مطمئنة لها وهي تقول بصوت محبب، تؤكد على كلام مي: "نعم حبيبتي لم يتركك، بل ينتظرك هو الأخر لتنتشليه من دواماته التي يتخبط فيها، إيهاب بحاجة إليك يا مريم..وأنت وحدك من تستطيعين مساعدته"
عادت مي بدون سيطرة تخاطبها، تريد مهاجمتها لا تعلم ما يحدث معها، قلبها يتألم بقوة لأجلها ولكنها تريد أن تخرجها مما هي فيه ولا تعلم سبب المهاجمة بدل إخبارها برفق، ربما لأنها كانت تراهم يحاولون بثها الحقيقة عندما تفيق قليلاً، على مدار المدة التي قضتها في غيبوبتها ولم تستمع لأحد منهم.
أوقفتها بدور وهي تخاطبها: "يكفى مَي إلى هنا، لقد استفاقت بالفعل، دعيني أنا أتحدث معها"
ابتعدت مي بطواعية، خطوات إلى الخلف، تبتلع كلماتها في جوفها، يكفى حقاً إلى هنا طالما وصلت المطلوب.
سمعت بدور تتحدث بهدوء للذاهلة وهي تنظر لهم بعيون متحجرة وكأنها لا تصدق الفرصة التي منحها القدر لكليهما هو وهي.
لتقول: "كما أخبرتك مي، حبيبتي إيهاب لم يمت، مازال هنا يقاوم وينتظرك لتساعديه، لتخطي أزمتكما، لم تخسري شيئا مريم، دنياك مازالت على قيد الحياة، أما بالنسبة لطفليك إن استمرت الحال معك على هذه الوضع، فأنت من سوف تقتلينهم لا أحد أخر "
لم تعلق إلا بكلمة واحدة خرجت متحشرجة: "الطبيب"
لتردف بعض برهة تكمل حديثها وهي تغمض عينيها عند تذكر الموقف: "الطبيب خرج وقال.. قال.."، ترددت وكأن الكلمة تثقل لسانها.
لتهتف مي بغضب مكتوم تسب الطبيب: "طبيب أبله، غبي، لم يعلم كيف يصوغ لنا حالته الصحيحة وأنت لم تمهلينا الفرصة لنفهم منه، عندما دخلتِ في حالة هستيريا، هل تعلمين ما تسببت فيه وقتها وحالة الهلع التي كنا فيها عليك وعليه"
لتختتم كلامها وعينيها تلمع بشماتة على الطبيب: "على كل حال هو يستحق ما حصل عليه من جاسر، لقد حطم له فكه حتى يتعلم كيف ينقل الخبر بشكل صحيح للأقارب الهلوعين بالفعل"
لم يعلق أحد وإن رأت مريم أن ثلاثتهم وحتى الطبيبة التي تقف برزانة تجاور هناء يبتسمون، هل يبتسمون وهى في مصيبة؟
هزت رأسها بعدم فهم ولم يهدأ تنفسها بعد ولا دموعها لتعلق: "لا أفهم، أنا لا أفهم! "
اقتربت منها الطبيبة لتقول بصوت عملي: "لا يهم أن تفهمي الآن، ما يهم أن أحافظ على ضغطك وصحة الجنينين"
أزاحتها برفق وهي تطلب من بدور مساعدتها، بينما اعترضت وهي تقاومهم: "انتظري، ماذا تريد...؟"، لتوجه كلامها لبدور برجاء: "بدور أرجوك ما يقال صحيح، لم يتركني، إيهاب على قيد الحياة، انتم لا تكذبون علي"
أجابتها بدور على الفور وهي تأكد: "اقسم لك، لا يا مريم بكل صدق ولا أحد يكذب عليك، هو مازال على قيد الحياة"
استسلمت لِيَد الطبيبة حينها وكأن قسمها ويقينها أن تأكيدا بقسم لن يخذلها، لن يكذب عليها، ولأول مرة منذ ما حدث تنفست الصعداء لثانية واستسلمت بضعف إلى أيدي الطبيبة التي أزاحت الغطاء بعيدا، وكشفت عن بطنها في استعداد لفحصها، رغبة فقط بأن تنعم بتأكيد رؤيته كما تقبلت حقيقة حياته، شوقا أن تراه، فتمتمت لهن برجاء وشهقاتها عادت لتخرج منها مجددا: "أرجوكن، أريد أن أراه، ماذا حدث، اجعلنني اذهب إليه، أتوسل إليكن"
وضعت بدور يدا على فمها واليد الأخرى تمتد لتمسح دموعها برفق وهى تنهيها: "اهدئي ولا تتوسلي أحداً، تعلمين هذا أيضاً حبيبتي ستنهي الطبيبة الفحص، وإن وافقت سوف أصطحبك بنفسي، فكما أخبرتك هو أيضاً يحتاجك"
لتستفسر بلهفة وقلبها المتألم مازال ينبض بالوجع: "ماذا حدث أخبريني؟، وأين هو الآن هو بخير صحيح؟، طمئنيني بدور"
تلكأت بدور وهى تنظر للطبيبة التي أومأت لها برأسها على الموافقة وكأنها تذكرها بما تناقشوا فيه، وجود مريم بجواره سيكون دعما نفسيا قوي له، قد يجعله يقاوم هو أيضاً كما أخبرهم طبيبه.
لتقول بدور بحرص: "سوف أخبرك بكل صدق ولكن يجب أن تتذكري جيداً أن وجودك صامدة قوية بجواره، هو ما سوف يعيده إليك، إن دخلتي في حالة الهستريا مرة أخرى ستفقدينه وتفقدين الطفلين"
عادت لذعرها مرة أخرى والألم الذي يقبض على قلبها بدون رحمة، ولكن رغم هذا قالت بخفوت: "لن أعود وسأتحلى بالقوة طالما مازال يتنفس وعلى قيد الحياة يجاورني ولو من بعيد بطريقته الخاصة"
تنفست بدور بعمق وهي تبادل أمها الصامتة النظرات وكأنها مازالت تخشى أن تخبر مريم بالحقيقة كاملة.
لتقول بصوت متردد: " الحقيقة الكاملة حبيبتي، إيهاب حاليا في غيبوبة مريم، الحادث لم يكن سهلا، لقد توقف قلبه بالفعل داخل حجرة العمليات عند نزع ذلك الشيء من صدره، وتم إنعاشه لكن للأسف جسده لم يحتمل كم الألم مع وجود بعض الكسور الأخرى في صدره بالفعل ف....."
هتفت منى بحزم توقف سيل الشرح الذي يضر أكثر مما ينفع في حالة انهيارها تلك: "بدور هذا يكفي لقد شرحتي بالفعل ما تحتاج لسماعه"
وضعت مريم يدها على فمها تكتم صرخة قوية تريد الخروج، لتخرج مكتومة رغما عنها
عندما انتهت الطبيبة، لتشير لهم برأسها وهي تقول: "حالة الجنين مقلقة، إن استمرت في هذا الذعر وارتفاع ضغط الدم ربما تدخل في ولادة مبكرة وهذا ما نحاول بالفعل منعه منذ أيام"
لتعترض بقوة مريم: "لا.. لا.. أريد هذا، لا ولادة الآن أريده بجانبي، لن أكون وحيدة حين ألدهم لأن فريال.. فريال ستأخذهم مني"
عبست الطبيبة بعدم فهم، بينما التوتر حلهم على من يرافقونها.
لتجلس منى بجانبها، تنزل ملابسها بهدوء وهي تقول: "لا أحد سيقترب منك، لا فريال ولا غيرها، هل تشككين بقدرتنا على حمايتك"
مدت يدها تربت عليها وهي تكمل بهدوء: "مريم إن كنتِ تريدين الحفاظ على أطفالك وأن يعود زوجك بجانبك، الفرصة في يدك حبيبتي، العامل النفسي في هذه الحالات مهم، هل تستطيعين أن تهدئي وتسيطري علي جزعك"
تحاملت على يد منى وهي تحاول الاعتدال لتقول: "أريد أن أراه، أن المسه، أن أرى ما أخبرتموني به حقيقي"
لتعود منى تحذرها بالترفق مع وعد لها: "هل سوف تستطيعين أن تفعلي ما نطالبك به، إن استطعت لن أتأخر لحظة في اصطحابك إليه"
أومأت برأسها بموافقة مترددة ولكن تريد أن تهدأ قلبها وتحافظ على أمانتها التي أودعها إياها -أخبرت نفسها-، تحاول أن تمد نفسها بالقوة.
من أجله يا مريم، إن قاوم وعاد إليك يجب أن تفعلي المستحيل ليكون بجانبك مرة أخرى.
التفت منى إلى الطبيبة تسألها: "هل تستطيع التحرك"
أومأت الطبيبة بالموافقة مع تحذير بالرفق بنفسها و ألا انفعالات قوية.
كانت تسندها بدور، وهي تتحرك ببطء يرافقها مؤخراً، ولكن مشاعرها الآن بقلبها النابض بعنف، يتقافز بين أضلعها، لم يكن يتناسب مع بطئ حركاتها، يدها التي مازالت بها(لكولونيا) الطبية تحيط بطنها، بعد أن رفضت الطبيبة أن تنزعها منها تحسباً لأي موقف تتعرض له مرة أخرى ويدها الأخرى تستند على بدور وتلقي حمل جسدها الذي تشعر بثقله عليها.
وصلت أمام غرفة العناية المركزة، لتجد جاسر ومراد، كل منهما يجلس أمامها ولكن كل واحد منهما بعيداً عن الأخر، لم تركز عليهما كثيرا وعينيها لا تحيد عن باب الغرفة، قلبها متلهف وعقلها مرتعب مما قد تراه ولكنها ستراه والفكرة نفسها كفيلة أن تمنحها القوة الكافية لتنحي وجعها، ذعرها وخوفها، سيحيى ويشفى من أجلها، من أجل عائلة يبنونها سويا، عائلة حلمت بها معه وحده؛ لذا هو سيغفر لها، كما هي نسيت كل شيء صدر منه في حقها، لا تريد إلا أن يكون بجوارها يحيطها مرة أخرى.
رأت جاسر يخطو إليها، بوجه مرهق وملابس متشعثة وكأنه لم ينم لوقت طويل.
وصل إليها ليحاول أن يسندها مع بدور.
فهزت رأسها بالرفض، تحاول أن توازن جسدها وحدها. مبتسمة ابتسامة مهتزة، لا تريد لهم أن يتهمونها بالضعف، ربما يمنعونها عن رؤيته، خاطبته بصوت ضعيف: "أنا بخير عمي، أريد فقط أن أراه، لا تخف لن أقوم بإزعاج أحد مرة أخرى، دعني فقط أدخل إليه"
ليرد عليها برفق بصوت مرهق: "سوف أحدث الطبيب حالاً، ارتاحي فقط على أحد المقاعد، إلى أن أتي لك بملابس خاصة لتستطيعي الدخول"
أومأت له بطاعة، لا تريد المجادلة، سوف تتحلى بالصمت إلى أن تقع عينيها عليه، تطمئن أنه هنا بجانبها.
لوقت لم تعي مدته، ظلت عيناها معلقة على الغرفة، إلا أن أتى جاسر إليها وطبيب يتبعه، يحمل معه ما يشبه ملابس الأطباء ولكن بنسيج شفاف وغطاء للرأس.
تولت بدور مهمة مساعدتها لارتدائه، بينما الطبيب يعطيها بعض التعليمات المهمة قبل دخولها.
عند انتهاء بدور التي ترافقت مع تعليمات الطبيب، أحاطت وجهها مرة أخرى وكأنها بحركتها هذه تتواصل معها، تمنحها من تجلدها من قوتها، لتخاطبها بهدوء: "اتبعي كلام الطبيب وتذكري حرصك عليه وعلى طفليك، حبيبتي لا تنهاري مريم، حتى لا يمنعوك من زيارته مرة أخرى"
هزت رأسها بموافقة وكأنها لا ترغب في أي حديث مرة أخرى، فهمًت وحفظت ما يريدون لما لا يدعوها في حالها في لهفتها، ينهون عذاب الانتظار، لا تريد إلا رؤيته.
همت بدور بمساعدتها مرة أخرى، لتوقفها مريم وهي تقول بصوت بدا هادئاً لهم: "لا أنا بخير، دعيني بدور"، توجهت للباب على الفور، بدون تردد ضغطت على المقبض ودلفت للغرفة.
اقتربت مَي من جاسر بصمت وهي تراقب دخولها لتضع رأسها على كتفه تخبره بصوت مرهق: "أنا خائفة، متى ينتهي كل هذا أشعر بالألم من أجلهم"
رفع يده يحيط بكتفيها، ليقول بهدوء: "فقط ادعي لهم، أنا أثق في رحمة الله يا مَي، محنة وسوف تنتهي، لقد مراً بالمرحلة الأصعب حتى الآن وتجاوزاها كليهما، بل أربعتهم"
تمتمت بصوت باك: "أنا لا أعرف جاسر، لا أشعر إلا بالخوف، مريم تقتلني ولم استطع حتى أن أقدم لها العون، لم أقترب منها كما يجب، بل أنا تقريباً هاجمتها لتفيق مما هي فيه".
يشعر بها منذ ما حدث، لم تكن تصرفاتها طبيعية بالطبع ومن طبيعي بينهم منذ ما حدث، لكن الخوف والتخبط الذي تبديه مَي في تصرفاتها لم يكن خوفا فقط على حالة مريم أو إيهاب، هناك شيء أخر يزعجها ويطبق على صدرها، خاصة مع نظراتها إليه طوال الأيام السابقة، كانت كأنها تتجنب أي حديث معه، فقط عينيها عندما تنظر إليه تهتز وكأنها توشك على البكاء.
ضمها بتشدد وكان الجمع المراقب لهم لا يعنيه، لا يستطيع أن يرى ضعفها ولا يمدها بما تحتاجه ومي تحتاج له وإن لم يعلم السبب، ليخبرها: "هل تريدين الذهاب للمنزل، أعتقد مريم لم تعد تحتاج وجودك والبقية بالفعل هنا وسوف نتحدث لاحقاً في مهاجمتك تلك ولو أني أعتقد أنها كانت تحتاجها"
هزت رأسها بالنفي، لتقول بصوت عال قليلاً: "ليس من دونك، سأبقى هنا إلى أن تأتي معي"
اقترب منه مراد والذي كان يتجنب أي حديث معه في اتفاق ضمني صامت، فما يحدث لم يكن يحتاج لجدال بينهما أو حتى عتاب، فقط يكتفيان بأن يراقبا حجرته، ومتابعة حالته مع الطبيب، لم يستطع منع نفسه من أن يأتي إليه عندما أوصل إسراء للمنزل بعد الحادث والتصميم الذي أبدته لمرافقة مريم، ولكن منعها انهيارها هي الأخرى فأجبرها على الرجوع والاكتفاء فقط بأن تأتي ساعتين، تطمئن عليه وتجلس بجانب مريم التي لم تكن تدرك وجود أحد ثم تنصرف، من أجل الطفلتين أيضاً، ما حدث منه بعد أن رافقها وانهارت بين يديه في نحيب على إيهاب، وما صدّر منه في حقها لم يكن آدميا على وجه الإطلاق.
أغمض عينيه بيأس، لا لن يتذكر فليضع كارثته الخاصة الآن وبعدها يرى ماذا سيفعل؟، خاصة أنها تتجنب أي حديث معه وهو لا يستطيع إلا أن يأتي يومياً وكأن شيئا ما يجره، ليقف يراقب غرفته، ربما يطمئن لأي خبر جيد عنه، نفض أفكاره وهو يحاول إقناع جاسر مرة أخرى بأن يذهب إلى منزله، اقترب منه يخاطبه بتعقل وهدوء: "اذهب معها، كلاكما يحتاج للراحة ولا تقلق لن أتركه سوف أبقى هنا إلى أن تعود "
رفع جاسر إليه وجهه، ينظر له بشرر متطاير من عينيه ليقول بهجوم: "لن أذهب إلى أي مكان، سوف أبقى إلى أن يفيق وإن بقي عاما كامل، لن أترك صديقي وحيدا ولا مع أحد غريب"
أغمض مراد عينيه بقوة يضغط على أسنانه، يحاول كتم غيظه بصعوبة، لا الوقت ولا المكان يسمح بأي عتاب على مهاجمته له، ليقول وهو يضغط على كل كلمة تخرج منه: "أنا لست عدواً له ولا غريبا عنه، بل أنا الآن الأقرب له ولها منك أنت حتى، دع جدالك الشخصي جانبا"ً
أخرج أنفاسه ببطء ليحاول الهدوء وهو يقول: "فقط حاول أن تحسبها بتعقل، هل تعتقد حقاً أني من الممكن أن أؤذيه، خلافي الشخصي معه لا يعني أني أضمر شرا له، اذهب يا جاسر ونم ليلتك في بيتك ودع زوجتك التي تبدو لا تستطع الوقوف ترتاح هي الأخرى وعد في الغد وإن حدث جديد سوف أخبرك على الفور"، وقوفه المتصلب ووجه الجامد كان يعلن عن رفضه للفكرة تماماً.
لتتحدث مَي بإرهاق تمكن منها، تحاول إقناعه بتردد: "هو محق، دعنا اليوم نذهب ونأتي في الغد، فقط الليلة سوف نقضيها هناك والدتك لم تأتي اليوم بمنار وأنا اشتاق إليها"
حسم موقفه وإن كان مجبرا ويرفضه ولكنه حقاً يحتاج للنوم بضع ساعات وأن يغير ملابسه التي لم يخلعها عنه منذ الحادث، ليستطيع المواصلة معه وربما يستطيع أن يعلم ماذا يجري مع حمقائه الخاصة.
ليهم بالمغادرة وهو يؤكد على المتواجدين: "سوف أقضي الليل فقط وأعود في الصباح الباكر"، التفت لمراد ثم أكمل: "لا تتحرك من هنا وسوف اتصل بك كل ساعة لتطمئنني"
أومأ له علامة الموافقة على كلامه، وهو يقول: "فقط اذهب يا جاسر وافعل ما تريد، أنا هنا"
التفت لهناء ومنى: "لا تتركوها، لم أرد المغادرة وهي بالداخل ولكن لم أسمع إلى الآن أي صراخ، أظنها تحلت بالتعقل أخيراً"
ابتسمت هناء بثقل وهي تقول: "لا تقلق، أنا هنا وهم معي، فقط غادر واهتم بمي"
تسمرت للحظات أمام باب الغرفة، عندما دخلت، مرافقة للطبيب، تنظر له وكأنها لا تصدق أنه مازال هنا وعلى قيد الحياة. تفحصته بشجي حزين، يطعن قلبها بدون رحمة، تسأل نفسها عما أوصلهم إلى هذه اللحظة، هل يدفعون ثمن أخطائهم، أم أن القدر مازال يعاقبهم بطريقته ولم يحن لهم موعد السعادة بعد، فقط العتاب والأسف على ما كان.
تحركت ببطء تريد أن تجاوره، تنظر لوجهه عن قرب ولكن كيف وهذا القناع الذي يجعله يتنفس يحجب عنها وجهه وعينيه المغلقة.
كلما اقتربت منه خطوة، تشعر أنه يبعد عنها مسافات طويلة، تراقب جسده الذي لم يترك جزء منه لم تغطيه الأسلاك.
اقتربت أكثر حتى وصلت إليه أخيرا، لم تعلم أن دموعها مازالت تنهمر منها بتدفق حتى تصل إلى صدرها وكأن دموعها لا تنضب، ألم يحن وقت جفافها من مقلتيها بعد.
وصلت إلى جانبه، جاورته فرأت بعينيها الجاهز الموصول بقلبه يتحرك برتابة، يؤكد لها أنه مازال معها، جلست بجانب فراش المرض خاصته، تضع رأسها بجانب يده، تلامس تلك اليد التي لم تعرف يوماً منها إلا الحنان تحيط بها دائما بدفء وتمدها بالأمان.
رفعت يدها المرتعشة كسائر جسدها لتمسك يده، ترفعها لفمها وتلثمها بعمق، تتنفس راحته منها، تخبره بصوت متحشرج هامس: "قلبي أصبح لا يعرف إلا الوجع، يئن بأسى،
عشقنا ما هو إلا نار قوية، تحرقنا كلما حاولنا الاقتراب"
لدقائق ظلت تغمر وجهها في كف يده، التي قلبتها لتدفن وجهها فيها، مثلما كان يتواصل معها وهو يغمرها بكلا يديه يبثها ولعه بها.
وجدت يد الطبيب تربت على كتفها وكأنه يواسيها، ليخبرها بهدوء وتعاطف ينبهها مرة أخرى: " لا تبتئسي مرة أخرى وتذكري أنه يحتاجك"
تأوهت بعذاب ومازالت تدفن وجهها هناك، لا تجد ما ترد بت، تأخذ نصائحهم بصمت، لا أحد يشعر بها، مهما كان متعاطفا معها، لا أحد يشعر بقلبها الملوع، بالنار التي تسيطر على صدرها تكبل عقلها.
هزها برفق مرة أخرى وهو يقرب لها مقعدا ويخاطبها يستشعر حاجاتها لمجاورته: "إن التزمت الهدوء هكذا، تستطيعين مرافقته الوقت الذي تريدين"
وافقته بدون اعتراض وهي تعيد يده المتشبثة بها إلى جواره برفق، لتنهض بتثاقل من جثوها على ركبتيها بجانب الفراش، فتنقل جلستها إلى المقعد، تقربه حد الالتصاق بالسرير، وعينيها لا تحيد عنه، تراقب صدره وهو يهبط ويعلو بانتظام.
نبهها الطبيب مرة أخرى وهو يرى دموعها التي لا تتوقف، ليقول : "لا انفعالات كما أخبرتني طبيبتك ونصحتك أنت أيضاً"
بصوت مهتز، ضعيف ومتردد وقلبها المطعون يهدر ويترقب الإجابة سألته: "هو بخير، سيعيش ويستيقظ من هذه الغيبوبة، أليس كذلك؟"
عينيها المترجية جعلته لا يقوى أن يصرح لها بالحقيقة في هذه الحالات هما ببساطة لا يتوقعون شيء سوى رحمة الله، ليخبرها بمداراة حرصاً على صحتها هي أيضاً: " قدمي المشيئة بنيتي وثقي في الله"
لتعيد سؤالها بإلحاح: "متى أخبرني، متى سيعود إلي؟؟"
ليرد برفق: "هو وأنت من ستحددون يا ابنتي"
بتعجب سألته: "أنا، كيف ؟؟"
اقترب منها الطبيب وهو يقول بصوت رتيب: "هناك حالات مثل حالة زوجك مرت علي، بعضها لا يكون متشبثا بالحياة ربما يأس ويريد الراحة، ليفضل العالم الذي ينجر إليه،
وفقط ما يعيده أمل قوي، شخص بجانبه يبثه هذا الأمل، يعطيه النور، ليخرج من الظلمة التي ينجر إليها، أما متى، فأنا أسف لهذا ولكن لا نستطيع تحديدها، كل شخص يختلف وأسبابه كذلك"
ابتعد عنها مرة أخرى وهو يقول: "الجميع أكد أنك من تستطيعين يا مريم، فامنحيه ما يحتاجه"
ليبتسم لها بود وهو يردف: "سوف أمر بعد قليل لأطمئن عليه، مؤشراته جيدة إلى الآن ولكنى أمل أن تكون أفضل بعد وجودك"
عادت بعينيها تتفحصه بتمهل، لعلها تشبعهما منه، مازال عقلها رغم كل ما يمر به في حالة إنكار شديدة، كأنه مازال يرفض ما يحدث، يحاول عدم تقبل الواقع المعتم هذا، يرفض الاستلام والاعتراف رغم كل وجعها وهستريتها ولكن هناك في مكان ما يجرها عقلها بأن ما يحدث كابوس،
مثل كابوسها السابق، تتفحص وتستسلم بأنه مسجى هنا بعجز، ليعود عقلها للرفض بحثها أن تفوق من أوهامها، لتتفحصه مرة أخرى ربما تؤمن بما يحدث، تدرك ما هما فيه، أوقفت أفكارها لترفع يديها تمسح دموعها براحتيها، تتذكر كلام مَي، بدور وأخيراً الطبيب، هو يحتاجها ولكن كيف، ماذا تستطيع أن تفعل، كيف تحثه على أن يعود إليها مرة أخرى؟.
جرها عقلها لكابوسها المعتم، عندما أخذوه منها، لقد قال لها انتظرك، هل كان يتواصل معها، هل كانت رسالة أرسلها إليها أم عقلها النشط هو من يحاول مدها بالأسباب لتقاوم من أجله ومن أجل جنينيها.
اقتربت منه مرة أخرى لتلامس رأسها الثقيل بدوار مازال متمكنا منها كتفه، تخبره بصوتها المبحوح من أثر بكائها ونحيبها الذي لم يتوقف حتى عندما كانوا يجعلونها لا تستفيق حرصاً عليها.
لتقول: "حبيبي، نفسي ترجوك أن تعود إلي طال البعد بيننا، بدونك حبيبي عالمي يفنى ولا يعود..فعد إلي أرجوك..عد إلي ..ولطفليك..طفليك وأنا نحتاجك إيهاب"