دلف بهدوء إلى داخل المنزل، يبحث بعينيه عن ساكنيه؛ ليرهف السمع قليلاً فيصل لأذنيه صوت الموسيقى الكلاسيكية التي تفضلها، تأتي من داخل المطبخ. تحرك بنفس الهدوء ناحيته مباشرة، ليجد ميرا تجلس على إحدى المقاعد وتفرد على المائدة الصغيرة التي تتوسط حجرة المطبخ الورق الخاص بالتصاميم الهندسية الخاصة به وتبدو منهمكة في رسم ما، وهناك أمام موقد الطعام؛ تقف فتاته ومعذبته الخاصة تعد الطعام وهي تحمل صغيرته على خصرها وتتمايل برقص هادئ وتتغني بكلمات أغنية بطيئة النغمات: " عندما تأتي المشاكل ويثقل قلبي بالأعباء...
وأنا لازلت انتظر هنا في صمت..
حتى تأتي وتجلس معي قليلاً رفعتني لأجلس أعلى الجبال..
رفعتني لأسير في البحار الهائجة أنا أقوى بك...
رفعتني لأكون أكثر وأقوى ما أكون للحياة من دون جوعها..
كل دقه قلب لا تهدأ، ناقصة ولكن عندما تأتي امتلأ بالعجب..
وفِي بعض الأحيان ألمح الخلود فأنا أقوى بك.."
اقترب من صغيرته ميرا، ليقبلها أعلى رأسها بهدوء، ويضع يده محذراً أن تتحدث ومازالت مولعته لم تنتبه بوجوده، هي مستمرة في اندماجها لتومئ الصغيرة له بتآمر وعينيها تفضح المكر فيها كعينيه، ليقترب بخفة منها ويحيط خصرها محتضنا صغيرته معها، لم تجفل أو تستعجب الأمر فهذه عادته منذ أن تزوجها؛ دفن رأسه في جيدها ليلثمه بقبل رقيقة وهي مستمرة فيما تفعل، لم تتوقف عن تمايلها وترديد كلمات الأغنية بل واستمرت يديها التي تتحرك بتقليب الطعام بتمكن وكأن وجوده لم يؤثر بها، شدد على خصرها من ناحية واحدة قاصدا أن يؤلمها وهو يتصنع العبث ويتمايل مع تمايلها ليخاطبها بصوت متذمر: "لمن أدين بهذا المزاج الرائق حتى أنك لم تنتبهي لي، يا فتاتي."
ردت بهدوء بدون أن تلتفت إليه، لتكرر أخر مقطع بالأغنية: "فأنا أقوى بك"، لتتوقف لحظة وابتسامة مغيظة تعتلي ثغرها، لم يرها وهي توجه السؤال له متجنبة ضغطه عليها والألم البسيط الذي تشعر به في خصرها.
: "اممم، ومن تعتقد سيد مراد المسؤول عن مزاجي هذا؟، وأكون أقوى بجانبه، أخبرني أنت؟ !"
ليشدد على خصرها حتى سمع تأوه الألم الذي خرج مرادفاً لضحكاتها، وهو يتحدث بجدية في إذنها بصوت خافت حتى لا تسمعه صغيرتيه: "سأقتلك يوماً ما حتى أشعر بالاطمئنان أخيرا من مراوغتك"
التفتت له برأسها نصف استدارة، لتتلاقى أعينهما، هي بشقاوتها التي لم يرها غيره يوماً وهو بعينيه التي تفيض دوما شوقاً إليها.
لتقترب من وجهه تلامس انفه بخفة لتهمس في وجهه: "كاذب، أنت لا تستطيع العيش بدوني، يا مسكين !، أنا أشعر بالشفقة على قلبك الذي يهدر الآن خلف ظهري، بقوة !"
ليلثم شفتيها بقبلة خاطفة وهو يقول بخشونة: "(مغرورة)"
عادت بوجهها، لتقليب الطعام وضحكتها تتعالى مع قولها بروح مرحة واثقة: "يليق بي، عندما يكون قلبك كاملا بين يدي يا حبيبي.."
اقترب من أذنيها يحدثها بصوت خافت حتى لا تسمع صغيرتيه: "فقط، توقفي عن ترديد حبيبي تلك والصغيرتين معنا، لا أريد أن يروا أفعال شائنة من والديهما في هذا السن"
تعال صوت ضحكة رنانة من ثغرها، ردا على كلامه.
لينجذب لصداها العذب ومزاجها الرائق ذاك والذي يعصف بكل مشاعره، كبت تنهيدة ألم، داخله يعلم جيداً منذ تحدثهما الصريح وبثهما المتبادل، كلاهما للأخر وجعه وما كان يفكر به في ذلك اليوم، أن هناك ألما يقابله من طرفها هي الأخرى، رغما عنه وعنها مازال هناك ما يعكر صفو هذه الضحكات وينغص فرحته عن الاكتمال؛ فهي خلال الأسبوع الماضي الذي تلا تلك الاعترافات، تتصنع النسيان والهدوء، نعم تتصنع وهو أعلم الناس بها، قد تكون هدأت قليلاً وربما صدقت كل حرف أخبرها به ولكن تبقى هناك الغصة موجودة وبركان داخلها يهدد بالظهور عند أول عقبة تقابلهم ولكن حان وقت ما وعدته بت، أن تستمع له وتتقبل المساعدة التي وعدته في قبولها.
ليتوقف عن تمايله ويبتعد قليلاً عنها، يغلق الموسيقي ويأخذ تاليا منها بهدوء يحدثها بصوت مداعب وهو يقبل وجنتيها المكتنزين فترد له الصغيرة مناغشته بكلمات غير مفهومة، ليقول: "متى سوف تستطيع التحدث بشكل طبيعي جميلتي؟، أنا متشوق لأسمع لقب البابا منك يا بابا.."
لم ترد عليه إلا بضحكات وهي تدفن رأسها في كتفه وتتشبث به، ليتوجه إلى ميرا يخاطبها والتي كانت قد توقفت عن مراقبتهم وعادت لرسمتها التي تبدو في غاية الأهمية.
اقترب منها وهو يسألها بصوت مهتم: "ماذا تفعل أميرتي؟"
لتكتفي الصغيرة بهزة رأس دون أن ترفعه نحوه، ثم تسرد ببديهية عفوية: "أقوم برسم منزلنا بابا وأيضاً...."، لتشير للأشخاص اللذين تمثلهم رسمتها والتي قامت بطريقة ما بتشبيك يد الجميع ببعضها البعض؛ كان رسما طفولي للغاية، بل يثير الضحك، لكنه بحنان أبوي جلس بجانبها يدعي الاهتمام وهي تفسر له: "هذا أنت وماما وأنا وتاليا؛ أنت وماما أخبرتموني أنك لن تتركنا مرة أخرى وتبتعد عنا فأحببت أن أرسم هذا لأشكرك بابا.."
لتضيف ووجها البريء يتغضن بضيق: "كل رسوماتي السابقة لم تكن أنت فيها، فكانت سيئة جداااا .. لكن هذه أجمل صحيح...؟ "
التفت لإسراء التي راقبت الانفعالات التي مرت على وجهه ما بين حسرة وندم وربما غضب منها ومنه ومن كل الأسباب والظروف التي حالت لتفرقهم سابقا وتكون وراء ما تلفظت به ابنته للتو.
تنهد ليكتم كل انفعالاته ويعود لصغيرته يحتضنها مخبرا إياها بحب: "صحيح أميرتي هذه أجملهم، وستقومين برسم الأجمل دائما، هل تعلمين لماذا؟؟"
: "لمَ بابا ؟"
ليضيف بوعد قاطع، ربما لنفسه أولا: "لأن كل رسوماتك ستبقى هكذا، دائما وأبدا لن ينقص أي أحد منا فيها، هذا وعد مني صغيرتي مادام في صدري نفس ينبض"
ربما لم تفهم نبراته الواثقة الواعدة، لكن بطريقة ما وصل لعقلها الصغير انه لن يتركهم مرة أخرى.
لتقفز من كرسيها وهي تحيط عنقه بذراعيها الصغيرتين تعتصره بضمتها العفوية في حضن دافئ يعشقه.
لتفلت بعد لحظات وهي تأمره بتسلط: "هيا معي إلى غرفتنا أنا وتاليا، شاركنا اللعب كما وعدتني"
ليرد عليها وهو يقوم مرة أخرى يسمك بيديها ويوجهها لخارج المطبخ: "اسبقيني أنتِ حبيبتي وأنا سوف أتي لاحقاً، أريد فقط التحدث مع ماما قليلاً، اهتمي بتاليا إلى إن أتي اتفقناً "
لتشير له وهي تضم كف يديها وترفع إصبع خنصرها في علامة لم يفهم ماذا تعني بها ولكن لا مشكلة إذا هي تستمع لما أمرها بت.
لتردف بجدية وكأنها أنثي ناضجة لا طفلة: "لا تقلق مراد، لطالما اهتممت بها، انهي حديثك مع فتاتك وتعال انتظرك"
رفع حاجبيه بصدمة مما يسمعه ليتوجه لإسراء بعينه مستفسرا عن حقيقة ما سمعه
لتنطلق ضحكتها التي كتمتها بصعوبة عند خروج الصغيرتين بعدما أنهت الصغيرة كلامها ونفذت وعدها كفتاة كبيرة واعية أما نظرات ووجهه مراد المصدوم
ليقول بتعجب: "هل سمعتِ ما سمعته !، ماذا قالت بالضبط !؟، انتهي منك وتنتظرني !، لمَ أشعر هنا أنها زوجة أخرى لي تنتظر وقتها لا ابنتي الصغيرة."
توقفت ضحكتها واحتل وجهها الغموض لم تكلف نفسها الرد وهي تقوم بإطفاء المقود وتلتفت لترتب بعض الأشياء.
التقط ما حدث على الفور وأدرك حقيقته وأسبابه، هذا ما كان ينتظره ويعلم جيداً بحدوثه من مجرد مزاح وتعليق على شيء لا يستحق الذكر.
اقترب منها مرة أخرى يتصنع عدم انتباهه لرد فعلها ليضع وجهه على كتفها توقفت عما تفعله، ليبدأ هو في الحديث مرة أخرى بصبر: "اشتقت إليك في هذه الساعات التي غبت فيها حبيبتي، لدي خبر لك"
بدون أن تلتفت إليه أو تتحرك من وقفتها المتصلبة، استفسرت بجدية متجنبة إخباره إياها بأشواقه: "ماذا لديك، أخبرني؟؟ "
ليبعدها قليلاً، يلف جسدها ليجعلها مقابلا له وهو يراقب أي رد فعل منها باهتمام، ليخبرها بتمهل ويده ارتفعت لتفك عقدة شعرها ويعيد ترتيبه على كتفيها وكأنه لا يبالي بما يخبرها إياه: "لقد وجدت استشاري متخصص، للتحدث معه كما اتفقنا، استشاري جيد للغاية وقمت أيضا بحجز موعد لك معه غداً بالفعل"
ردت بصوت قوي ولم تبدي أي تأثر بما يفعله: "لا تنمق اللقب مراد اللقب الصحيح طبيب نفسي"
تنهد بصبر وهو يبتسم بدفء لعينيها التي بدأت في الهجوم ليحرك أصابعه على وجنتها بخفة في حركة دافئة وهو يجيبها: "استشاري علاقات إنسانية، هذا اسمه الصحيح إسراء، تعلمين جيداً أن هناك فرقا بينه وبين الطبيب النفسي، لأن المرشد النفسي سيساعدك لما نسعى إليه دون دواء، أما الطبيب النفسي هذا يقوم بإعطاء أدوية دون الاهتمام بالسماع إليك وهذا ما لا تحتاجينه كما أني لا اهتم أيا كان لقبه هل هذا ما يهم المهم لدي أنه سيساعدنا سوياً حبيبتي"
لترد بنفي قاطع: "أنا لا أحتاجه بأي صفة يحملها، نحن عدنا وتحدث كلانا بما يؤرق الأخر وانتهى الأمر بعد ما مررنا به لا أعتقد أن من الممكن أن نكرر ما حدث سابقاً"
ليقول بصوت جاد قوي، يذكرها بوعدها له بأنها ستتقبل أي مساعدة منه: "هل نسيتِ وعدك لي، لقد قلتِ ستفعلين أي شيء لتستقر حياتنا والذهاب إلى طبيب من أهم وأول هذه الأشياء"
لينبهها لرد فعلها منذ دقائق وهو يكمل حديثه: "هل ظننت أني غفلت عن رد فعلك لمجرد تعليق مازح عل كلام ابنتنا، أنت توجست وعدتِ للجمود ولو مجرد دقائق عندما شبهت ابنتي وأسلوبها في الحديث بفطنة بأسلوب زوجة أخرى"
لتبعد وجهها عنه وتتحرك ناحية حوض الغسيل تستند بيديها عليه وتنكس رأسها لأسفل فتتهدل كتفيها وهي تقول بصوت ضعيف: "أنا لست مجنونة مراد، أنا فقط لا أعرف بماذا أشعر، أحيانا لا أستطيع التحكم في نفسي ولا انفعالاتي عند ذكر هذا الحديث ولو مزاحاً"
اقترب منها مرة أخرى يديرها إليه ليجعلها تواجه عينيه وهو يخبرها بحنو: "ومن اتهمك هنا بالجنون !، أعرف جيدا أن ما يصدر منك رغماً عنك، ولكن هل نضع رأسنا في الرمل كالسابق وندعي أن كل شيء بخير، لقد تحدثناً في الأمر سابقاً إسرائي، أنتِ لا تحتاجين المساعدة لوحدك، بل كلينا يحتاج تخطي هذا الأمر وأنتِ بتقبلك للعلاج سوف تساعديني، ألا استحق هذا منك؟"
لتهم بالرد فيستشعر من خلال عينيها التي تلمع الرفض، واستعدادها لمجادلته فوضع يده على شفتيها وهو يردف: "اسمعيني أولاً، لما كل هذا الرفض إنه مجرد شخص مختص سيستمع إليك فقط ويحاول توجيهك لتفكري بوضوح وتحددي ما تريدين وما هي أولوياتك، سيساعدك كذلك لتتخطي الماضي بقوتك الحبيسة داخلك، لنتجاوزه جميعاً"
لتمتم من تحت يديه بصوت خافت: "أنت بجانبي ستساعدني، أنت تقويني، لا أحتاج أحدا أخر "
ليرد عليها بإقرار وإقناع: "لقد حاولت في الماضي حبيبتي ولأكون صادقا معك ومع نفسي لقد فشلت، رغم ثقتي بأني أساعدك، بل وفعلت عكس ما تحتاجين إليه وزدت في عدم ثقتك لينتهي الحال بنا بافتراق كاد أن يضيعك ويضيع ابنتينا؛ أنا فشلت معك هذه هي الحقيقة التي أتقبلها برحابة صدر"
لترد بإصرار، تحاول أن تتهرب من الأمر أكثر: " ولكن أنت تتعجل في الأمر، أعطني القليل من الوقت وأنا سأطلبه منك بنفسي، كما أن الآن يشغلني وضع ممدوح الحالي والمقلق"
ليقول بجدية: "إسراء أي حجة هذه؟ !، ممدوح، أوراق سفره انتهت وسيعود لأمريكا ليبدأ رحلة علاجه هناك الأسبوع القادم، كما أنه يرفض أن يراك أو يرى أي أحد من العائلة من الأساس"
ليكمل بصوت متوجس: " فلمَ كل هذه المماطلة؟؟" ليرفع أحد حاجبيه متمما: "أرجوك لا تقولي أن الفترة التي قضيتها هنا جعلتك تفكرين مثلهم؟، كون المختص استشاريا نفسيا، هذا لا يعني أنك مريضة، يفترض أن خلفيتك الثقافية والبيئة التي نشئنا فيها تجعلك أوعى من ذلك فلا تفكري هكذا"
لتتنهد بألم وهي تفضي له بالمزيد الذي يطبق صدرها ويتلاعب بعقلها: "أنا فقط خائفة مراد من الفشل، كل رعبي أن حتى هذا لن يساعدني بعد كل هذا الصبر منك ورغبتي القوية في العلاج، أن أفشل مرة أخرى يعني أن نعود للصفر مجددا وتغلق كل الأبواب في وجهي"
اقترب منها يقبل وجنتيها برقة يبثها ثقته فيها ووعده الصامت أن لا ييأس منها يوماً، أن لا يتركها مهما كانت النتيجة، ليقول: "اسمعيني جيدا يا فتاتي ومعذبتي أنا واثق من نجاحك لأنك تريدين هذا ولديك الرغبة القوية في تخطي الأمر، إن لم يكن من أجل نفسك فهو إذاً من أجلي أنا، وإن لم يحدث؛ أنت لم تفشلي يكفيك شرف المحاولة ووعد مني كما وعدت ابنتك أني لن أيأس منك يوماً وسأكون إلى جانبك دائماً وأحميك حتى من نفسك لو اقتضى الأمر وسأفعلها حتى لو كان رغما عنك وأعانك الله علي"
نظرت إليه بعيون تبرق بالدموع لتسأله باستغراب صريح: "لم تفعل ذلك؟، يمكنك أن تفوز بأي امرأة أفضل مني، امرأة قادرة على أن تسعدك وتبهج حياتك بدل أن تشغلك وتعثر بهجتك، امرأة أخرى لا توجد بحياتها كل هذه العقد"
لينهيها بصوت قاطع: "لا تتفوهي بتلك الحماقات مرة أخرى لا امرأة تملئ عيني وقلبي إلا أنت وأنت فقط لأني أحبك هل تفهمين هذا؟، هل تستوعبين؟، اعتراف رجل مراراً وهو يبثك عشقه الأبدي لك"
رفعت يديها تحيط وجهه لتخبره بصوت مخنوق بغصة بكاء: "فقط لا أريد منك غير أن تظل على وعدك لي، آسفة، أعلم أني أثير جنونك ولكن فقط لا تبتعد عني لأني أحبك والله إني أحبك، كنت غبية وأنكرها لنفسي حتى لا أضعف"
لم تعلم أثر كلماتها والصدق الذي بدا جليا على قسمات وجهها، لكن ر فعله كان أبلغ من أي كلمات بينما يرفع يديه ليحيط وجهها ويزيح جسدها للوراء بجسده، فتلتصق إلى الحائط الفارغ هناك بين المبرد والمائدة، قبل أن يطبق على شفتيها بقوة وهو يلصق جسدها بجذعه ليتركها لثوان وهو يلتقط دمعتها من فوق وجنتيها يخبرها بأنفاس هادرة: "أخبرتك أن لا تنطقي بحبي في أي مكان لا أتحكم في نفسي فيه، لقد ظننت أني لن أسمعها منك يوماً، لتأتي الآن تخبريني بها في مكان قد ترانا فيه الطفلتين"
ليعود التقاط شفتيها بشغف وهو يضغط على جسدها غير عابئ بضيق المكان الذي هم فيه ربما من خلال بثها قبلاته وهدير قلبه بنبضاته التي تنبض دائما بجنون قربها يستطيع أن يجعل عقلها الرافض يقتنع بحبه لها بأشواقه التي لا تهدأ يوماً إليها، أن يجعلها تشعر حقاً أن لا امرأة قد تأخذ مكانها في قلبه يوماً ولا في حياته.
رفعت يديها تحيطه بتشدد تبادل قبلته بنفس شغفه وكأنها تتشبث به من كل أفكار تشتتها، تحاول التحلي بالثقة التي يمنحها إليها بفيض مشاعره الدائمة وببراكين شوقه التي دائما تتفجر إليها تتقبل منه كل عاطفته بجوع غير مفسر ربما لم يكن جوع لعاطفة حبيب فقط بل عاطفة أمان يحتويها بها هي وطفلتيها، استقرار وجود حضن دافئ مهتم بها وبها فقط، حنان لم تحصل عليه أبداً في السابق ولا حتى في طفولتها الجائعة لاستقرار للدفء ولصدر حاني يربت عليها، يخبرها أن الغد مشرق وأفضل
"بابا لقد تأخرت ".
انفصل عنها سريعاً وأنفاسه تهدر بقوة، يلتفت إلى صغيرته المتحفزة ليسمع ضحكة إسراء من خلفه بصوت لاهث، فيلتفت إليها مجددا محاولا أن يهدئ أنفاسه المضطربة.
ليخبرها مازحاً يحاول أن يشتت انتباهه عن مظهرها المتشعث بفعل يديه وهو يبثها جنونه الخاص بها.
ليخبرها بصوت مدعي التذمر: "أرأيت ماذا فعلتِ نحن مثال سيء للفتاتين كيف سوف تكون أخلاق ابنتينا وهم يرونا هكذا طوال الوقت"
لتتصنع العبث وهي تجاريه: "وماذا فعلت أنا الآن؟، انه أنت من لا يسيطر على نفسه، وما أنا إلا الزوجة المطيعة حبيبي، فتتقبل عاطفة زوجها بطواعية"
ليرد أمرا لها بصوت عابث: "عدلي ملابسك إلا أن أشتت انتباهها وسأنتقم منك لاحقاً، وأنا أجعلك تتوسلين الرحمة وتعدين ألا تعيدي كلمة حبيبي تلك"
اعتدلت من استنادها على الحائط وضحكتها تعود للسابق وهي تزيحه من صدره: "فقط اذهب لزوجتك الأميرة ميرا وأنا أعدك أني انتظر انتقامك على أحر من الجمر"، لترتفع قليلاً تلثم شفتيه سريعاً برقة وهي تكمل: "وسنرى من هذا الذي سيتوسل لأُعيد إخباره بمدى حبي له مرادي"
لتقاطعهم ميرا وهي تدب في الأرض بحنق: "لما لا ترد علّيا بابا وماذا تفعل أنت وماما، وتتهامسان هكذا حتى لا أسمعكما"
تعالت ضحكتها بدون سيطرة، وهي تخبره: "لقد حشرتك أميرتك في خانة ضيقة للغاية، اذهب وفكر بماذا تخبرها وأريني كيف تتخلص من هذا المأزق، ألم أخبرك أنك مسكـــــــــين"
ابتعد يدعي الضيق وهو يسب بصوت ساخط متوعد لها، ليرفع ميرا إلى ذراعيه يحملها وهو يخبرها بصوت جدي للغاية: "لم نفعل شيء لقد دخل في عيني الماما بعض التراب وكنت أقوم بإزالته"
لتشير لفمها وهي تستفسر أكثر: "وهل عيني ماما هنا بابا؟؟"
لقد غلبته ابنة أمها، ليضربها على جبهتها بمشاكسة خشنة وهو يأمرها: " تجابهيني يا فتاة ؟ !، اكتفي بما أخبرتك به وهيا أريني ما الذي تريدين مني أن أشارك به"
لتبدأ في الهذر باهتمام في شرح لعبة ما بتركيز وقد نسيت الموضوع برمته، ليلتفت لإسراء قبل خروجه يقول بصوت قاطع منهيا أي حوار: "ستذهبين غداً إسراء، جربي حبيبتي وان لم يعجبك الأمر نبحث عن أخر"
لتومئ له بصمت مطبق وضحكتها السابقة تنمحي مرة أخرى من على وجهها لتعود لتوجسها من الأمر.
: "بدور ما الذي يعنيه كلامك هذا، لقد تحدثناً كثيراً في الأمر "، قالتها منى بصوت خافت غاضب وهي تحدث ابنتها الوسطى على الهاتف؛ تلك الفتاة بشخصيتها القوية ورأسها المتحجر، لقد أخذت قوة ياسر وتجبره ولكن تحمد الله أنها لم تأخذ منه أنانيته بل أخذت منها هي نصر الحق حتى لو كان ضد مصلحتها الشخصية، ولكن لا تعلم لما كل هذا الرفض والتعنت وإنكار أي صلة لهم بمريم بل ومحاولة إقناعها هي شخصياً العدول عن الأمر
لترد بدور على الطرف الأخر من الهاتف بصوت جاد: "ما سمعتي يا أمي، أنا لن أتي وأرى أحدا، أنا لا أعلم سر إصرارك هذا على مناصرة تلك التي تدعون أنها أخت لنا"، لتضيف بنوع من الاتهام: "أنت تهملين شيماء يا أمي منذ أسبوع مضى، الآن لم تراك لم تشعر بك وهي في حاجة دائمة لك ومن أجل من؟، أخرى ظهرت من العدم لا نعلم عنها شيئا "
لتقاطعها منى وقد مر في عينيها لمحة ألم لتتنهد بصوت موجوع: "شيماء تراني يا ليتها تراني يا بدور؟"
لترد بدور: "أمي، أنا لم اقصد أن أشير لشيء أو تذكيرك، أنا فقط أحاول لفت انتباهك من هو الأهم برعايتك"
لتقاطعها منى مرة أخرى بصوت حازم تحاول أن تنسى وجعها الدائم على صغيرتها: "اسمعيني بدور جيداً لأني لن أتحدث في الأمر مرة أخرى لقد حدثتك بالفعل منذ وقت طويل في الأمر قبل حتى ظهور زوج مريم والمطالبة بحقها فينا وأعلمتك أن مهما طال الأمر ظهورها مؤكد في حياتنا وأنت تفهمتني بحكمتك ورحابة صدرك، فما الذي حدث إذا لتعودي لتكرار كلام أختيك الكبيرتين واللتان كل من هما لاهية في حياتها بالفعل ولن تهتم أي منهما بما يحدث حقا، ينتظرن ماذا يخبرهن أزواجهن حتى تبدوان ردة فعل وكأن لهما رأي في الأمر من الأساس"
لتحاول بدور نفي أي صفة لطاعتها لكلام أو رغبة أحد لتقول وهي تجز على أسنانها: "أمي أنا لن أنجر وراء رأي أحد لم يخلق بعد من يؤثر علي أو أكون مجرد ظل له كما الحال مع بناتك"
لتقول منى بصوت أمر ناهي: "إذا اسمعيني يا ابنة ياسر جيداً ولا تقاطعيني في الحديث"
ونظراتها تتجه لتعلق على الغرفة التي تتواجد فيها مريم ولا تغادرها تقريباً، ترافقها هناء التي أتت لها منذ أربع أيام الآن تحاول أن تجعلها تتحدث مرة أخرى ولكنها تكتفي بكلمات قليلة وكأن ما حدث استنفذها وهم لم يحاولوا الضغط عليها نظراً لحالتها الصحية التي لا تبدو بخير أبداً.
لتعود لابنتها على الهاتف تشير للغرفة وكأنها تراها من داخلها الآن: "أقوم بالاعتناء بها شئتِ أم أبيتِ رغم عن أنف الجميع وأولهم أنت، هي أخت لكم ضحية أخرى من ضحايا والداك لو رأيتها لعلمتِ سبب إصراري على الاعتناء بها، نعم شيماء تحتاجني ولكن أنت لديها وخالد أخوك لديها وحتى والدك بجانبها تحيطونها جميعكم باهتمام لكن مريم عكس شيماء تماماً لا يوجد لديها أحد على وجه الإطلاق لقد خسرت بيديها أخر احد يهتم بها حقاً والآن لا يوجد إلا أنا وامرأة أخرى غريب عنها نعتني بها"
لترد بدور بصوت نزق: "أمييييي، لا تحاولي استعطافي أرجوك أنا حقا إلى الآن لم افهم أسبابك بوضوح هناك الملايين من الفتيات يحتاجون الراعية إذا لما هذه بالذات إنها ابنة إم..."
لتهتف بها منى : "اخرسي بدور يكفي إلى هذا الحد "
وأردفت: "وهل أنا بلهاء، لا أعلم ابنة من، هي؟؟، أنا لا أراها إلا ضحية لنا، لأبوك، طفلة هدر حقها ببشاعة، أخبرتك قصتها كاملة والآن بعد أن رأيتها..... –توقفت تجلي صوتها قبل أن تكمل باستنكار- إنها حامل حالتها الصحية والنفسية سيئة للغاية، خسرت كل ما لديها وهي لم تكمل العشرون بعد، صدمت بوجود أب لها وهي عاشت طول عمرها ملقبة بابنة حرام وأنت تأتين لتذكيري بمن هي وتحاسبيني، ماذا بدور؟، هل تعتقدين أني إحدى موظفيك أم أني غبية حمقاء لا أعلم ماذا افعل؟ !"
لتقول بصوت آسف محمل بالاعتذار: "أمي سامحيني، أنا لم اقصد، أنا فقط لا استوعب الأمر بعد الحديث شيء وما تفعلينه وتطلبيه مني شيء أخر "
لتهدأ منى قليلاً قائلة: "اسمعيني بدور أنا أيضاً لن أنكر الأمر أنا أساعد مريم لأني
أريد هذا لم أتعود أن لا أناصر الحق وارده لمظلوم"
لتصمت لبرهة وبعدها تردف بغموض: "كما أن لي أسبابي الخاصة، تلك الطفلة في الداخل رغما عنها يجب أن تتقبلني وتثق بي، لن اخذلها بمشيئة الله ولكن بثقتها بي ربما ترد لي حقا أخذ مني، صفعة أردها لأحد ما وبقوة بفضل حبها لي أنا.....؟"
: "لا أفهمك أمي ...؟"
: "غير مهم الآن إن تفهمتني أم لا، ما يهم حقا أن تأتي أنت وشيماء وخالد وتتعرفوا عليها وتعامليها بطريقة جيدة"
لتكمل وهي تتذكر كلمات إيهاب الأخيرة (عدت أم لم أعد )واختفائه منذ ما حدث
لتقول: "ربما لم يعد لها أحد غيرنا، تعالي يا ابنتي ربما إن رأيتها بنفسك يختلف الوضع وتنجذبي إليها، صدقيني حبيبتي فيها شيء يدفعك لحمايتها أن تخبئيها عن العالم أجمع وأن تنسي أي اعتبارات أخرى، ربما الآن أتفهم سر التملك المجنون من زوجها، ملامحها البريئة وعينيها المنكسرة رغم ما تدعيه من قوة واهية ورغم ما لديها من لسان يذبح ويعذب بسطو كلماته ولكنها تدفعك دفعاً للتناسي وتقديم العون لها، هل فهمتي؟؟؟"
تنهدت بدور بيأس تدعي التفهم، فهذه هي أمها مهما حاولت إقناعها ستظل كما هي لن تتغير يوماً لتقول: "حسناً يا أمي، سأحاول أن أتي، دعيني أرى وقتي إن كان يسمح أو لا؟"
لترد منى بصوت محذر: "بدور لا تحاولي إيجاد حجج كاذبة "
: "حسناً، حسناً يا أمي سآتي غداً وأعانني الله وجعلني أتحكم في ردة فعلي وقتها، وسأحاول أن آتي بشيماء معي بالتأكيد سترحب بذلك، عندما أخبرتها فرحت بالأمر وكأني أخبرها أننا وجدنا جائزة ما، إنها حتى لم تستنكر الأمر...؟ !"
ابتسمت مني بحنان عند تذكر صغيرتها ضحية أخرى من ضحايا زوجها بوجهها المشرق دائما وضحكتها التي لا تفارقه وعينيها الكحيلة بالبحور الزرقاء أكثر شيء خلاب في وجهها، عينيها ... !
تنهدت بوجع نعم خلاب ولكنه ناقص ....؟ !
لتنهي المكالمة معها على وعد بانتظارها في اليوم التالي.
***************
تحركت من وقفتها، بعد أن أغلقت الخط وعادت لوجهها الهادئ الرصين لتتوجه إلى غرفة مريم ووقفت على باب الغرفة تستمع لحديث هناء الهادئ معها والذي تحاول به دفعها للحديث، لا تعلم الى الآن علاقتها حقاً بها ولم كل هذه الثقة من مريم فيها، في الأسبوع الذي قضته معها لم تجعل أحدا يقترب منها ولكن عندما أتت هناء منذ أربع أيام كان رد فعلها رغم جمودها ودموعها التي لم تتوقف بعد مغادرة إيهاب أن ارتمت في أحضانها فوراً لم تنطق بكلمة ولكن تحول بكاؤها الهادئ لأنين متوجع خلع قلوبهم من مكانها لتذهب بعدها في نوم طويل في أحضان هناء والأخيرة تقوم بالتربيت عليها بهدوء وهي تخبرها بكلمات هادئة مطمئنة.
لتسمع هناء تحدثها بهدوء: "وماذا بعد يا مريم؟، ما الذي تفعلينه بنفسك؟، ما ذنب الطفلين بما يحدث؟، انظري لحالتك كيف أصبحت، سوف تخسرينهما حبيبتي هل هذا ما اتفقنا عليه ؟؟ ألم تخبريني بوعد قاطع أنك ستكونين أكثر قوة من أجل طفليك، ألا يهزمك شيء مهما حدث"
التفتت اليها مريم بوجه جامد لا حياة فيه وهي تجلس على الفراش مريحة نفسها إلى ظهر السرير، لتقول: "عندما وعدتك تخيلت كل شيء من الممكن أن يحدث لي ولكن لم يطرق لتفكيري بأني سأعيش طوال حياتي بكذبة اسمها إيهاب"
ثم أردفت بخشونة: "لقد كنت تقبلت معاملته المهينة لي عندما قررت الرجوع إليه وقلبي الغبي تعشم به أنه ربما يجد حلا ويحيطني أنا وطفلي، أن يجد حلا لوضعنا هذا , أخبرت نفسي ربما اشتياقه لطفل يشفع لي ويحل الأمر ويعلن زواجي منه وبوجود طفلي وينسبه إليه لكن أن أصدم أنه كان يجد الحل!! أنا من عذبوني وتنقلوني بينهم كل منهم يريد التخلص من حملي فقط لأني ابنة حرام , لأجد انه كذب , و كان يوهمنى بهذا فقط لدفع ثمن اعتنائه بي"
لتضيف بعذاب وهي تعدل من جلستها تدفن وجهها في يديها تتمتم لها بصوت خافت وحرارة ما تسرده توجعها بحرقة فتاكة: "أنا لي أب يا هناء، أنا لست ابنة حرام كما أوهموني، أب أنكرني طوال حياتي أب رآني واقترب مني وتحدث معي ورأى معاملة فريال القاسية لي ولم يكلف نفسه أن يخبرني أني ابنته، لقد قامت بتعنيفي أمامه يومها ولم يبدي أي ردة فعل"
توقفت هنيهة تجلي صوتها قبل أن تضيف: "أب يعرفه إيهاب وأنكره بل وسارع ليمتلكني أكثر بورقة ليس لها أي قيمة أو معنى بحجة زواج شرعي حتى لم يعلن , أي زواج هذا هناء وانا أعيش في الظل أخبريني ؟؟ "
لتحاوطها هناء وهي تشدها إليها تحدثها بحنو لا تعرف حقاً ما تقول كل ما تمر به صعب ولا أية كلمات بالعالم تستطيع أن تهون عليها ما هي فيه مرفوضة من الجميع والد يظهر من العدم والشخص الوحيد الذي كانت تثق به خذلها وخسرته كما اخبرتها زوجة أبيها عندما استفسرت منها عن ما حدث.
لتقول: "فقط اهدئي وحاولي أن تركزي على نفسك وطفليك وماذا تريدين بعدها ؟؟ هل تدركين ما أنتِ فيه حقاً يا مريم لماذا تنظرين للأمر هكذا انظري للنقطة الإيجابية في الموضوع أنت لك والد يريد منحك اسمه وهذا بطبيعة الحال سيحل وضعك الذي ربما لا افهمه جيداً إلى الآن ولكن لم يعد لزوجك أية حجة بعدم زواجه منك ليحمل طفليك اسمه ونسبه"
لتهدر بها مريم بدون أن تتحرك من موضعها، لتقول برفض: "لا أنا لا اريد اسم هذا الرجل ولا أريد الزواج من هذا الكاذب الآخر بل أريده ان يبتعد عني ويطلقني هذا لو كان هناك زواج صحيح من الأساس"
لتقاطعها منى وهي تتقدم تدخل إلى الغرفة، تحدثها بصوت قوي تنهيها عن كل ما تفعل لقد حان وقت التدخل أن يعلمها احد خطأها وما فعلته أن تدافع عن هذا الرجل الذي لم يجد منها غير النكران، لتقول بصوت رنان قوي: "اسمعيني يا مريم جيداً وافهمي كلامي لقد صمتّ كثيراً متفهمة ما أنت فيه وأنت تبكين على ما كان، ترين نفسك فقط وألمك أنا لا أنكر صعوبة ما أنت فيه ولكن إلى هنا ويجب أن تتوقفي وتكفي عن أفعالك تلك"
رفعت مريم عينيها تنظر اليها بشرر لتوجه كلاما ساما كعادتها مؤخراً: "ومن أنت لتوجهي لي الكلام او تخاطبيني , أنا لا أعلم بأي صفة تبقين هنا بل وتجبريني على البقاء أخبرتك منذ يومين أنت زوجة لهذا الرجل , من تدّعون أنه أبي وانا لا أريدك هنا مثله"
تنهدت منى بصبر واطرقت رأسها للحظات للأرض تفكر لترفعها وفِي عينيها الإصرار أن تجعلها تفيق من هذا الرثاء، لتقول: "سوف أتجنب هجومك الغير مبرر لي والمستمر وأنا كل ما أريده مساعدتك , لدي سؤال واحد أهم : هل حقاً أنا أجبرك على البقاء، أربع أيام لا يوجد إلا أنا وأنت وهناء لما لم تقومي بالاتصال بأحد لمساعدتك لما لم تحاولي الهرب ليلاً مثلاً أخبريني؟؟"
تراجعت مريم عن هجومها وهي تنظر لها بغرابة تستوعب كلامها الموجه تسأل نفسها حقاً ما الذي منعها من المغادرة.
لتكمل منى تكشف لها نفسها أكثر: "لا تقولي إنك خفتي من تهديده , من كسرت رجل بهذه الطريقة بدون اكتراث او مراعاة لأي شيء لا أظنها أبدا تخاف من بضع كلمات مهددة ومن قام بالتهديد اختفى بعدها ولم نسمع عنه شيء"
لترد بصوت متقطع خافت تنفي عن نفسها ما تحاول ان تتهمها به لتقول: "أنت تمنعيني كما أني كنت سأذهب لهناء وهي هنا ولمعلوماتك انا سأغادر على كل حال من هذه البلاد من الأساس"
لتتردد أكثر ويختفي صوتها وهي تتذكر وجهه المتألم عندما هتفت بوجهه بتمني الموت له لتقول وهي تحاول أن تداري الألم الذي أحاط بقلبها تنفي لنفسها بقوة أنها غير نادمة أبداً على ما حدث كان يجب أن يعلم بوجعها منه أن يتألم مثلها تنتقم لنفسها فيه هو
لتقول: "كما أني أنا لم أكسر احدا ولم أنكر شيئا أنا أخبرته الحقائق فقط "
اقتربت منها منى لتجلس بجانبها لتقترب من وجهها وهي تقول بتأكيد: "بل كسرتيه يا مريم حطّمتيه بقسوة كلماتك ربما لم استمع لحديثكم كاملا إلا عندما كنت تصرخين ببضع كلمات ولكن من بعض مما سمعته يعتبر محطما لكبرياء أي رجل فكيف برجل رعاك زوجك ووالد طفلك"
ثم اردفت: "ربما لا افهم سبب هجومك هذا عليه و لكن كل ما تتهمينه به باطل وستندمين لاحقاً"
لتزمجر مريم بشراسة تقفز من الفراش مبتعدة عنها وهي تهتف بها: "يكفي لا تدافعي عنه امامي هو المسؤول الوحيد أمامي عما أنا فيه"، ولتضيف ساخرة: "الآن تدافعين عنه لتجعليني أندم على شيء لا يستحق , وربما لاحقاً ستدافعين عن زوجك"
وقفت منى توازي وقفتها لتقول بترفع: "أنت طفلة في كل أفعالك لن تنضجي وتفهمي ما تدمرينه بيديك , انا لا أدافع الا عن الحق ورد على سؤالك الاول انا هنا لمناصرتك أنت ولكن يبدو حقاً أنك عمياء لتري هذا , أنا أدافع عن إيهاب نعم رغم أني لم أعرفه من وقت طويل وأنت عرفتيه طوال حياتك تجهلينه حقا , أيًّ كان خطأه معك هل حاولت الاستماع إليه ؟؟ هل منحته الفرصة أم هربت كالجبانة وهو ظل يبحث عنك كالمجنون ؟؟ لقد كان يحدثنا ليل نهار يبحث عنك بين الشوارع لقد أصابه الهوس بك وتأتي الآن لتهتفي بوجهه بعدم حبه لك او أي إن كان ما أخبرته إياه"
لتقاطعها مريم صارخة : "يكفي لن أقتنع لا أريد أن أسمع تلك التفاهات"
لتدخل هناء وهي تتحدث بهدوء: "منى يكفي أنا لا أريد لها أي انفعالات دعيها الآن"
لتنظر لمريم وهي تقول: "هي فتاة ناضجة وتستطيع أن تقرّر ما تريد تصديقه من عدمه وستحدد خطوتها بنفسها لمصلحة طفليها أليس هذا صحيح يا مريم ؟؟"
لتوجّه منى لها الحديث مرة أخرى قائلة: "ليكون في معلوماتك مريم ربما لا تعرفيني ولكني لن أدافع عن ياسر بأي طريقة أنا أناصرك أنت , ونعم هو أخطأ في حقك كثيراً ولكن لمعلوماتك أيضاً ربما هذا يجعلك ترين الصورة بوضوح ياسر الراوي لم يعرف بوجودك من الأساس الا عندما رآك أول مرة في ذاك الحفل"
لتهدر مريم بها مرة أخرى وهي تحاوط بطنها وتبدو علامات الألم على وجهها: "هذا إن كان صحيحا فهو أسوأ ومصيبة أكبر . هل تعتبرين هذا مبرراً لفعلته مع فريال وتركها وإكمال طريقه بدون أن ينظر ماذا ترك خلفه ؟؟"
اقتربت منها منى سريعاً تحيطها لتتبعها هناء، لتقول منى باهتمام وقلق: "اهدأي أنا آسفة لهذا الحديث لا يهم الآن"
لتساعدها هي وهناء وهي تمتثل لكليهما بدون مناقشة لتتمدد على الفراش مرة أخرى لتبدأ منى بفحص ضغطها وهي تسألها: "هل تشعرين بالألم في ظهرك او أي انقباضات قوية"
هزت رأسها بنفي وهي تجيب بإرهاق: "لا بعض الانقباضات الخفيفة فقط أسفل بطني و بعض الدوار"
تنهدت منى وهي تحدثها بضجر: "هذا لأنك لا تأكلين جيدا ودائماً في حالة انفعال يا الله لم لا تتقبلين أي حديث بهدوء يا فتاة"
التفت لهناء: "آسفه هناء ولكن هل من الممكن ان تأتي ببعض الطعام الآن لها"
لتهز مريم رأسها برفض وهي تقول: "لا أريد شيئاً اتركوني فقط أريد أن أرتاح قليلاً"
لتقول هناء بصوت آمر وهي تتحرك خارج الغرفة: "بل ستأكلين رغماً عنك انتهى الوقت لذي نسمع فيه لأي رأي لك"
بعد أن خرجت من الغرفة تابعت منى فحصها باهتمام وأعطتها بعض المسكنات الخفيفة للألم ومقو عام لتجلس بجانبها تحاول ان تجذبها لحديث ودي
: "اذاً هما طفلين لا طفل كما توهم الجميع كنت أشك بهذا على كل حال ولكن لم استطع التأكد إلا عندما سمعت حديثك المستمر أنت وهناء وهي توصيكِ بهما"
لم ترد عليها مريم بشيء فقط تحدق بها وهي تستكشفها تسأل نفسها ما الذي تريده منها حقاً هذه المرأة ولما تحاول ادعاء الاهتمام بها بل وتتحمل كل مهاجمتها لها بصبر
لتكمل منى متجنبة تلك النظرات التي تعرف مغزاها جيدا تعلم أنها لم تثق بها بعد او حتى ربما لا تتقبلها ولكن لا ضير من المحاولة كما وعدت نفسها: "أتعلمين في أي شهر أنت الآن"
أومأت لها مريم بصمت، لتخبرها منى وكأنها لم ترها: "أنت في بداية شهرك السادس الآن يفترض بان الجنينين بدآ في الحركة بالفعل هل تشعرين بهما"
لترد مريم بصوت خافت استشعرت منى فيه بعض الخجل، لتقول: "نعم أشعر بهما حركة خفيفة تشعرني بأني لست وحدي , حركاتهم هادئة كريشة ناعمة تزغزغ أحشائي تشعرني بالسعادة رغما عني , لتوقف عني أي حزن وتحتل الابتسامة وجهي"
اقتربت منها منى وهي تحيط وجهها بيدها بحنان: "ألم أخبرك انك طفلة نقية للغاية أنا واثقة من هذا"
لتضيف تشجعها: " لا تشعري بالخجل أبداً من طفليك حبيبتي بل عندما تتحدثين عنهم ارفعي وجهك وتحدثي بثقة وقوة كما أخبرتك ربما لا أعلم سر إصرارك وهتافك طوال الوقت ان الزواج لم يحدث ولا أريد المعرفة إن كنت لا تريدين الحديث ولكن أنا رأيت ورقة زواجه منك بنفسي يا مريم زواجك أمام الله لا يوجد به خطأ ولهذا لا تشعري ابدا بالخجل من طفليك"
لترد مريم وهي تسألها بحيرة: "لم تفعلين هذا معي أنت لا تعرفيني ويفترض بك ان تكرهيني كما الجميع اذا لما تفعلين هذا"
ابتسمت لها منى ابتسامة رائقة واثقة لتربت على وجنتها وهي تقول بحنان فياض: "لأني اهتم بك لأني أريد حقاً أن أساعدك وربما لن تصدقيني ولا اريد أن أبالغ بالأمر ولكن بطريقة ما انت دخلت قلبي وأثرت اهتمامي"
لترد مريم بحيرة أكبر: "هذا مستحيل أنا لا يتقبلني أحد بسهولة هذا غير ممكن" لتقاطعها هناء وهي تدخل الغرفة وهي بيدها صينية عليها طعام شهي، لتقترب منها وهي تقول: "لما مريم حبيبتي مستحيل , انا أحببتك من قبل ان أراكي حقاً وعندما رايتك أثرتي كل حواسي لحمايتك وأحبك أخبرتك سابقاً انا لا بنات لي وأنت والحمقاء ابنة أ
خي أصبحتم بناتي"
لترد مريم وهي تهز رأسها برفض: " ولكن... !"
لتقاطعها هناء وهي تدس في فمها شوكة الطعام تطعمها وتقول: "لا لكن يا مريم تقبلي هذه الحقائق ولا تجادلي وهيا الآن ستنهين الطعام وبعدها ترتاحين قليلاً"
بعد وقت كانت قد نامت بالفعل لتقطع هناء الصمت وهي تتحرك باتجاه الباب لخارج الغرفة تخاطب منى التي تقوم بتدثير مريم بالغطاء: "منى أريدك بالخارج من فضلك في حديث خاص بيننا إذا سمحت لي "
نظرت لها منى بغموض