الجزء 31

تنهدت بإرهاق، لا يخلو من الراحة، بينما تخرج من المبنى الحكومي الذي تمت فيه آخر أوراق المعاملات القانونية لأهم تعديل قانوني في حياتها، فلا تفهم اللحظة طبيعة المشاعر التي تمكنت منها الآن،لكنها بطريقة ما تشعر بالقوة والنصر، ولو متأخرا، فقد حصلت على حقها الذي سلبوه منها، اسم والدها الذي كانوا يعيرونها بجهلها لهويته وشخصه، الابنة مجهولة النسب، من كانت ابنة أمها أصبحت رسمياً(مريم ياسر الراوي)؛ وما أعجب ما يفعله اسم رجل قبله وصف أب قبل اسمها في نظر الناس والمجتمع.


التفتت لجاسر،الذيكان عبوسا طوال الوقت فلم يبتسم في وجهها ولو مرة واحدةعلى مدار الأيام الماضية، يتنقل رفقتها من مكان لأخر، لتكملة الأوراق الرسمية، لا تعلم سبب تعامله البارد الموجه منه نحوها، وجهت لنفسها السؤال أكثر من مرة والاجابة كانت ارتباكها. هل حقاً لا تعلم لمَ يعاملها هكذا!، مؤكد إيهاب أخبره بما جرا منها في حقه، لهذا لا يشفع لها إرهاقها ولا ابداء اهتمامها المبطن بإيهاب بدون تصريح، فلم يخبرها أي شيء عنه، لا تريد سوىأن يطمئن قلبها، وأن يخبرهاأنه بخير.
التفتت له بينما يحثها على الحركة بتعجل، وتستمر هي في تحركهاببطءبسبب ثقل جسدها.


لم تستطع أن تخبئ إرهاقها وهي تخبره مازحة ربما تجعله يعاملها برفق قليلاً كما السابق: "مهلاً قليلاً عمي جاسر، ألا ترى حالتي؟"
ليخبرها جاسر بصوت جاف، غير مهتم حقاً بما تشعر به وقد خسرت بعضا من تعاطفه نحوها: "نعم ارى ولكن هذا لمصلحتك، لقد كررتِ مراراً في الأيام السابقة أنك لا تريدين رؤية والدك الذي يقف بالفعل هناك ويبدو عازما على التواصل معك"


حركت عينها قليلاً ناحية السيارات المرصوفة على مقربة، لا تنكر أنها لمحته مرات عدة، منذ بدأ التنقل لأجل الوثائق، وبشكل خاص اليوم، دائماً تراه على نفس وقفته عند خروجها من أي مكان تأتى إليه وكأنه ينتظر أي تفهم منها لمحادثته ولكنها اليوم رأت في عينيه الإصرار للتواصل معها.
لم تحد عينيها الغاضبة الساخطة بسبب ظروفها المعقدة التي سمحت لها بالتنازل وقبول اعترافه بها،سارعت في تحركها قليلاً، تخطو نحو سيارة جاسر.
لتتعثر في شيء ما على الطريق،لتجد يداً تسندها وصوت مهتم قلق يحذرها برفق: "انتبهي لخطواتك حبيبتي أي حركة غير محسوبة قد تؤذيكِ"
استعادت توازنها سريعاً وهي تنفض يده بعيداً عنها، لم تعلم كيف قطع المسافة القصيرة سريعاً ليكون بجانبها هكذا، ليبدي اهتمامه وسنده.
تراجع عنها بعد العنف والرفض الذي رَآه في عينيها،فسمحت لنفسها أن تتأمله طويلاً وعن قرب وهي تتذكر كم الاذلال التي تعرضت له،الرفض، الخزي، العنف وكل المشاعر السلبية التي كانت تتعرض لها؛ لم تتمالك نفسها وهي تصرخ به بوحشيةوتستنكر اهتمامه غيرعابئةأنهم في الشارع أو أمام مبنى حكومي.
: "اتعرض لأذى !، وهل تهتم حقاً بما كنت ومازالت اتعرض له من أذى؟، وجودك في حياتي هو اذى أنت ومن تدعى أمي، و خطائك أكبر أذى،فهل لم أتأذى بعد بسبكما"
ارتد وجهه للوراء مأخوذاً بهجومها ليقول: "لم أكن أعرف بوجودك من قبل حتى ولا ما تتعرضين له من أذى"
بنفس الشراسة ردت: "وعندما علمت ماذا فعلت؟، هربت مثل أي جبان حتى تحافظ على صورتك ويبقى سرك القذر طي الكتمان، نعم يا سيد ياسر أنا أعلم كل شيء حدث هناك وقتها"
طاف الغضب من بين شحوب وجهه والحقيقةالمرة مماتقوله تلسع قلبه،تجلده وهو يصرخ بها: "كفي عن مهاجمة كل من يحاول أن يقترب منك ليعوضك عما حدث،أنت أبنتي رغماً عن أنفك وأنفي حتى أنكرت أو لم أنكر"
احتل صوتها الغاضب المستنكر المرارة وهي تقول: "ابنتك حقاً !، كم هو وقع اللقب على السمع رائع !، لكن هل حقاً أنت فعلت شيئا لى يدل على هذا،أنت سبب دماري منذ مولدي حتى عندما ظهرت كان سبب في خسران الشخص الوحيد الذي أملكه، الوحيد الذي رعاني واهتم لي حقاً"
توقفت لحظة فقط وكأنها تستعيد موقفها الرافض، لتهتف به: "أنا لا اريد أن أكون ابنتك ولا أريد أي صلة لي بك، متى ستفهم هذا؟، لقد أخبرتك بهذا في لقائنا في بيتي سابقاوأخبرت زوجتك وابنتك أيضا،ارحل بعيداً عنى والتزم بما كنت تفعل بادئ الامر،أنا لا وجود لي في حياتك، فقط و لمعلوماتك كما أخبرت أيضاً عمى جاسر منذ قليل أني قبلت باسمك من أجل أطفالي"
لتضيف بصوت قوي: " ولأني قررت أن استرد كل حق سلب مني،واسم عائلتى هوحقي وأنا منذ اليوم لن اترك حقا لي أبداً"
امتقع وجه وصار شحوبه للون رمادي القاتم، لم يجد ما يخبرها به وكأنه فقد كل الكلمات التي يحتويها قاموسه.
ليتمتم بصوت خافت: "أنت أبنتي و انا لن أتراجع حتى تسمعي ما لدي لأقوله لك"
تحركت مرة أخرى وهي تبتعد عنه لباب المفتوح، وتقول بفتور وكأن كل المواجهات التي مرت بها بالفعل الأيام الماضيةاستنزفتها ولم تعد تريد المزيد منها: "لا يا سيد ياسر لن تقترب مني، انا لي والداً بالفعل؛ هو من رعاني كان الأب والصديق وأخيراً الزوج ولم أعد أريد أي صلةلي سواه، ارحل من حياتي وعد لحياتك، بيتك وبَنَاتِك وأخرجني من حياتك"


لم تهتم بأن تسمع رداً منه حتى وهي تنهى حديثها وتستريح في جلستها أخيرا في السيارة وتغلق بالباب خلفها.
خاطبت جاسر الذي تحرك ليحتل مقعده عندما رآها تترك ياسر: "هيا عمي،أعدني للمنزل لقد انتهى هنا كل شيء"
طوال الطريق لم يتبادل معها الحديث بالطبع، كان منتبها لدموعها التي كانت تحاول أن تداريها حتى لا يلاحظها، لا ينكر اعجابه بمواجهتها مع والدها هو يستحق بالفعل ما قالته ولن ينكر ايضاً غضبه منها،الذي لم يستطع أن يداريه رغم تحذير صديقه اليومي بالرفق بها عندما يتصل به ليستعلم عن خطواتهماأولا بأول،لكنه لم يتصل منذ مساء أمس على غير عادته 


لتفاجأهوهيتسأله بغضب لا بل ربما تهاجمه من نبرتها المشدودة: "لمَتعاملني هكذا؟،إن كنت لا تحتمل رؤيتي كنت أوكلت الأمر لشخص أخر،أنا لم أفعل ما يسئ إليك"
تمالك أعصابه مرغما، حتى لا يطلق عليها كل جنونه الذي لا يستطيع أن يسيطر عليه وهو يشتم بداخله مستنكرا نفسه (هل أتى اليوم الذي يجبره فيه أحدهم على تحجيم لسانه وجنونه، تباً إنها إحدى مزاياه التي تغرم بها حمقائه)
ليقول بهدوء: "وماذا فعلت لك؟، هل ظهر لك مني ما يجعلك تقولين هذا؟،أنا لا أوجه لكِ أي حديث إلا في نطاق تلك المهمة، أظن هذا ما كان ليفعله حتى الشخص الاخر الذي كنت لتحبذي وجوده بدلا عني"
لترد باستنكار: "وهذا هو ما أقصده!" لتقول بتذمر طفلة ساخطة: "امضي هنا مريم، سوف نذهب الى السفارة، سنقابل المحامي،.... هذا فقط ما توجهه لى وبعدها تناظرني بغضب وكأنك تعلن عن عدم احتمالك لى كأنه ينقصني المزيد من الساخطين علي" لتضيف بتردد: "كما أني أشعر أنك تصمت مكرهاوكأنك لا تجرأأن تخبرني ما تريد...كما..."
مط شفتيه بامتعاض وهو يقول: "كماأني ماذا..؟،اسمعي يا مريم،أنا في السابق كنت أعاملك كأخت صغرى لي، لكن وبصراحة مطلقة بعد ما صدر عنك وعلمت به لا أستطيع
الا أن أعاملك كزوجة لصديقي الذي قام بتوصيتي أن اهتم بك وأرافقك واليوم انتهت مهمتي"
تحدث عنه...أخبرت نفسها.
لقد أتى على ذكره، لم يهجرها بل هو من قام بتوصيته، بالطبع أخبره بما حدث لهذا يهاجمها جاسر.
بخفقه مؤلمة لم تعرف سببها وصوت مرتعش ينبض باللهفة، سألته وكل تركيزها على شيء واحد مما أخبرها به، لتقول بصوت خافت متسارع: "هل يحدثك حقاً !، كيف حاله؟، أين هو، ماذا قال؟،أخبرني أي شيء عنه"
أوقف السيارة بجانب المنزل ليلتفت إليها بغضب مستنكر: "هل حقاً تهتمين لأمره مريم، تهتمين لأحواله بعد أن قمتي بكسره وجعلته يختفي عن الجميع، بعد كل ما فعله من أجلك؟"
هطلت دموعها بضعف وهي تنكس رأسها وتفرك يديها باضطراب لتقول بصوت خافت يتألم من أجله: "ماذا أخبرك؟، لم أقصد،أنا كنت غاضبةوساخطةبسبب ما علمت به وهو لم يخبرني شيئا لقد ..."
أوقف سيل حديثها وهو يقول بغضب مكتوم: "لم يخبرني بشيء، يصر دائماً أن ما بينكم أكبر وأعمق من أن يتحدث عنه ولكن ربما أنا غاضب منك لأني شعرت بقهره وهو يحدثني، ليس هناك أصعب على الرجل أن يخبر رجلاأخر أن زوجته حطّمته يا مريم، حتى لو كان صديقه"
صمت بعدها وكأنه لا يريد أن يتحدث بالمزيد حتى لا يفلت غضبه منه.
لم تستطع رفع عينيها إلى عينيه، كل ما قاله آلمها أيضاً، الفترة الماضية قضتها في التفكير طويلاً، تعيد الموازنة بين كل ما علمته من منى وهناء وحديث بدور معها أيضاً عند ذهابها للطبيبة ورؤية جنينيها وقد وضحت ملامحهم أكثر يجعلها تشعر بالفقد بالحنين والحزن، مشاعرعدة تعتمل في صدرها وعقلها، تريده أن يقف بجانبها ويرى أطفالهما سوياً، مثلما ترى العديد من النساء هناك.
تريد قربه بجانبها، هذا ما توصل له عقلها كما أخبرتها بدور إن أرادت الغضب منه لا تبعده عنها. 
غاضبة منه ومازالت ولكن تحن إليه وبشدة، تفتقده وتحتاجه رغم كل الرعاية لها منهم لكن لا أحد يستطيع مدها بالاطمئنان والدفءإلا هو.
أتاها صوت جاسر يقول بجفاء: "هيا يا مريم،اصعدي إلى بيتك حتى اطمئن لوصولك وأغادر"
أمسكت مقبض الباب بتردد لثوان لتترك بعدها تنظر لجاسر بملامح مستعطفة، ودمدمت بخفوت: "أين هو؟، هل أستطيعأن أعلم !،أريد أن أطمئن عليه فقط،أرجوك"


لم يملك إلا أن يهدأ قليلاً وهو ينظر ويستمع لصوتها المترجى، ليستفهم بهدوء: "لما يا مريم؟، ألم تخبري الجميع حتىمي بأنك تريدين الانفصال عنه"
هزت كتفيها باستسلام وهي تهز رأسها بالنفي وعينيها تدمع مرةأخرىوهي تخبره: "كذبت،ماذا ألم تر طفلة غبية من قبل؟ !"
توقفت لبرهة واحدة لتدفن وجهها في يديها وهي تردف بوجع مشتاق، استشعره الآخر الذي رغماً عنها أشفق عليها كما الحال دائماً عندما يرى ضعفها: "أنا افتقده وأحتاجه رغماً عنى،أنا...أنا ..."، ترددت وكأن الكلمات لم تسعفها، رفعت رأسها مرة أخرى بعينيهاالدامعةإليه: "أرجوك عمى،إن كنت تعلم مكانه أخبرني فقط هل هو بخير؟"
هز رأسه بموافقة رغما عنه ليطمئنها: "نعم هو بخير"
بصوت هادئ أكمل ولا يعلم ما الذي يدفعه لهذا: "هل تريدين أن تتحدثي إليه"
لمعت عينيها بشوقها إليه، لتهز رأسها بالموافقة وابتسامة تحتل وجهها لتنمحي ابتسامتها سريعاً ويحتل وجهها الحزن وهي تهز رأسها بالنفي لتقول بخفوت: "لا..لا أستطيع وهو لن يقبل أن يحادثني"
وافقها على الفور وهو يتصنع عدم الاهتمام لا يريد الضغط عليها بل أن تفعل الأمر من نفسها ليعيد هاتفه مكانه: "وهو يقول كما تريدين"
عينيها تعلقت بالهاتف وكأنه هو منقذها لتسمع صوته الحبيب،أن تتواصل معه، كم مر علىأخر مرةنعمت بقربه فيها..
توقفت لحظة وهي تغلق عينيها بيأس بل اللفظ الصحيح كم مر الوقت على إهانتها له،هل تستطيع أن تنسى شهرا كامل بعيدة عنه وقبلها شهرين قضتها هاربة منه.
فتحت عينيها وهي تهم بالمغادرة لا تستطيع أن تحدثه، ماذا ستخبره وهل سيتفهمها؟.
لتقول لجاسر باستسلام: " شكراً لك عمي، على كل شيء وعلى وقوفكمعي"
قبل حتىأن يرد عليها رِن هاتفه لينظر للرقم سريعاً وهو يقول: "مريم توقفي.."
نظرت له بعدم فهم ليشير للهاتف يخبرها وهو يسخر داخله (قصص الحب الدرامية) ماذا هل شعر برغبتها للتحدث معه ليتصل الان.
أجلى صوته وهو يبتسم لها يحثها بهدوء: "إيهاب من يتصل يبدو أنه شعر بك، هل لديك الشجاعة لتحدثيه وتخبريه ما أخبرتني إياه"
حدقت به غير مصدقة لتعود عينها للهاتف تتعلق به.
ليحثها جاسرأكثر وكل ما يفكر به احتياج صديقه إليها والذي يشعره في كل سؤال ملهوف عنها: "هيا مريم، إن انقطع الاتصال لن يعيده مرة أخرى"
بدون تردد خطفت الهاتف منه بلهفة لتفتح الخط على الفور وتضعه على اذنها.
ابتسم جاسر لها بتشجيع وهو يلاحظ ارتباكها ليشير لها بانه سيترك السيارةويترك مساحة لها لم تنتبه حتىإليه وهي تسمع صوته الاجش يحدثها: "مرحباً جاسر، هل تسمعني؟" لم ترد لوقت طويل وقلبها يهدر بعنف، أغمضت عينيها تستمتع بصوته يا الله هل تشعر بالدفء من البرودة التي كانت تحيطها لوقت طويل بمجرد سماعها لصوته على الهاتف؟
عاد هو بإلحاح يطالب جاسر بأن يرد عليه.
حاولت جاهده أن تجلى صوتها وكأنهاتعاني من اخراج بضع كلمات بصوت مختنق وهي تنظر لسقف السيارة تارةوتعود لتنظر إلى يديها تارةأخرى كأنها ستجد ما ينقذها ما ويساعدها على الحديث.
لا تعلم كيف استطاعت أن تخرج صوتها المرتجف باختناق وقلبها يتلوى بين أضلعها: "مرحباً"
الصمت فقط هو ما حصلت عليه وصدى أنفاسه العالية تصلها هادرة لم تستطع أن تفسر سببها حتى، أغمضت عينيها بيأس ليختنق صوتها بدموعها أكثر وهي تستدعى كل شجاعة لديها وتقطع الصمت بعيون دامعة وصوت مخنوق،سألته: "كيف حالك؟،أنا..."
صمتت مره أخرى وكأنها لا تستطيع الحديث ماذا تخبره.
بعد ثوان أتاها رده بصوت بارد مقيت لها: "حالي لا يعنيك في شيء، أعطى جاسر الهاتف ليحدثني"
تجنبت بروده معها إذا هو ما توقعته: "عمي جاسر، ليس هنا كما أنيأردت...."
قاطعها بنفس البرود: "نعم يا مريم، أنتِ تريدين كالعادة ومملوكك ينفذ أليس هذا هو الحال بيننا؟"
همست بعذاب وكأنها تتوسل إليه، تتوقع هجومه عليها،كانت كل افكارها تائهة بل هي ضائعة بدونه ومعه: "ايهااااب.... افتقدك"
هدرت أنفاسه مرة أخرى وصدر صوت مكتوم من ناحيته لم تعرف أسبابه، لتكمل هي بدون إعطائه فرصة الرد وهي تسمع الصوت المكتوم يتكرر.
خرج صوتهاالمعذب بغصة بكاء واحتياج حقيقي فضحه صوتها: "أنا اشتاق لمكاني فيأحضانك، إيهاب أشعر بالفقد والبرد،أريدك أن تضمني وتحميني حتى من نفسي، افتقدك، أنا احتــــــــــــــــــــــــاجك...."


لوقت طويل فقط صوت انفاسهما المتبادل على الهاتف كل ما يأتي منهما، لم تعي كم استمر الأمر ليكون في النهاية الرد له هو، بشكل قاطع ليقول بفظاظة ساخرة وطعنة لقلبها مباشرة: "أحضاني وتحتاجين إلي، أسف يا صغيرة، لم يعد مكانك ولا تملكين الحق في إعلان احتياجك لي"
: "حق من اذاً إيهاب، هو حقيمنذ طفولتي"
ليرد بحزم وما يخبرها إياه يقتلها مثلما قتلته: "لم يعد لك أي حق في،أنت تنازلتِ عنه وأصبح ملك لمن تقدره"
بصدمة ووجه ذاهل استفسرت بتوجس مستنكر: "ماذا؟، لا أنت تكذب لن تفعل هذا بي،أنت حقيوحدي لن تستطيع إيهاب"
ليرد بسخرية مريرة: "لمَ مريم، لأني عاجز، لن أستطيع أن اقنع امرأة بقربي"
لترد بحرقة وهي تهتف بتملك: "لا..لا لم أقصد لكن أنت حقي وحدي، ألم تكن تردده دائماً لي"
رد بجفاء: "نعم كما أخبرتك بالكثير من الأشياء وبالنهاية اكتشفتِ أنى كاذب، اذاً ضيفيهذا أيضاً"
لتتابع بصوت معذب: "لكن أنت،أنت لست خائن، لن تفعل بي هذا أبداً"
ليرد بخشونة وبرود قاصداً أن ينهيالحديث: "هذا حقيقي مريم،أنا لا أخون ولكن أنت تخليتي عن حقك بنفسك"
قاطعته بعذاب: "إيهاب اسمعني"
ليرفض بقوه: "لا.. لن أسمعك.. اسمعيني أنت، بعد بضع أيام من اليوم سوف يتم الزواج بيننا رسميا، لن احتاج موافقتك ولكنى أخبرك فقط، وبعد تعديل بعض التواريخ وولدتك الطفل سوف أمنحك ما طالبتي به طلاقك"
صاحت بعذاب تنهيه: "إيهاب اسمعني أعطني الفرصة..."


ليرد بالألم: "ولمَ لمْ تعطيني أنت"، أغلق الهاتف على الفور وتركها ترتجف من قمة رأسها حتى أخمص قدميها.
بعيون جاحظة وكأنها لم تستوعب بعد ما أخبرهاإياه، تركت الهاتف على مقعد السيارة وهبطت أخيراً ببطء وكأنها تائهة لا تعي حتى خطواتها ولا صوت جاسر الذي يناديها بإلحاح.
نظرت له بنظرات زائغة وهو يحدثها ولا تستطيع حتى تفسير ما يقول لتتركه بعدها وتتحرك الى داخل العمارةببطء.
غير مدركة للعينين التي تراقبها بأسى من مكان غير بعيد عنها وصوته يردد ...
آآآآآه يا قلب إيهاب، اغفريلي، لم أستطع يا روح إيهاب أن أمنحك الغفران الذي تستحقينه، لقد قتلتني يا مريم بدون رحمة، فلم يعد هناك شفقة احملها لكِ.
لقد كان يراقبهما منذ وقت طويل وعندما هاتف جاسر لم يتوقع أن تحدثه هي.


عاد بعينيه يراقب تحركها البطيء بحملها، خطفت قلبه كعادتها ومن وقفته البعيدة لم يستطع تبين ملامحها جيداً، راقبها ليتفحص ما ترتديه كعادتها لا تحب التكلف في مظهرها، شعرها كما تحب دائما تتركه بنعومته و بغجريته يحيط وجهها، فستان بسيط مخصص للحمل حريرى بلون أرجواني تتداخل فيه بعض الورود بلون قرمزي، ليضيق من الأعلى وينزل على قوامها يحتضنه فيظهر حملها بشكل ملحوظ، لقد تأملها بشكل أشبع قلبه المشتاق قليلاً فقط اليوم، لم تكسب إلا قليلا من الوزن بالطبع عدا عن انتفاخ بطنها بشكل كبير استغربه، تسللت ابتسامةرغماً عنه لتحتل وجهه كله وهو يتخيل الطفل المكتنز الذي توقعه من انتفاخ بطنها بهذا الشكل.أم أنها طفلة؟، يريد طفلة تشبهها، سوف يكون سعيداً بوجود طفلة لذيذة وشقية في حياته مرة أخرى، سيدللها كما لم تتدلل أنثى من قبل، حتى أمها لم يسبق أن نالت منه كل الدلال الذي ينويه لطفلته، تنهد بحرقه عند تذكره ما حدث منذ دقائق،ليضرب المقود بقبضة يده عدت مرات، كما فعل عندما أعلنت احتياجها إليه وكأنه يفرغ غضبه فيه، بدل أن يخرج الآن ويتوجه إليها ليكسر رأسها بيديه، بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبعدها يعيد ترتيبه كما يهوى لعله ينسيها ما كان وبعدها يحتضنها، يسكنها بين أضلعه يعطيها ما تحتاجه بدون أن تطالب به.


آآآآآه محترقة، خرجت منه، كيف أنسى يا صغيرتى إهانتك لي وكيف أستطيعأن أنسيك ما حدث منيى في حقك، القهر والدناءةالتى اشعرتك بها كيف أمحيها من عقلك وأمحي ما حدث منك في حقي.
لم ينتبه وهي تختفى من أمام ناظريه إلا وباب سيارته يفتح ويحتل الكرسي الذي بجانبه ثقل جسد جاسر.
سمع الاخر يقول بفتور بدون ترحيب حتى: "أغبياء"
زفر إيهاب بضيق وهو يبادله نفس الفتور ويرد: "مرحباً وأنا أيضاً سعيد لرؤيتك"
مط جاسر شفتيه بامتعاض كعادته ليقول بلامبالاة: "لم أخبرك بسعادتي،أنا أخبرك أنكغبي وتلك الطفلة أغبى منك حقاً، ما تقوله عنها أصدقه الآن هي طفلتكوقطعة منك إذ أنها تشبهك في غبائك"
زفر إلاخر بضيق ليقول بصوت مكتوم مرهق: "يكفي هجوم جاسر، ما بك أنا مرهق حقاً لم أنم منذ الامس"
: "متى عدت وأين كنت من الأساس؟"
: "لا يعنيك أين كنت، ووصلت فجراً"
: "اذاً ما استشعرته صحيح أنت تراقبناً منذ الصباح"
أرجع إيهاب كرسي القيادة قليلاً إلى الوراء ليريح رأسه الذي يكاد أن يفتك به الصداع من أفكاره المتشابكة
ليخبره بصوت مرهق: "نعم حدسك صحيح، كنت احتاج لرؤيتها بعيني وعندما حدثتك كنت أريد أن أعلم لما طال جلوسكما كل ذلك الوقت لأفاجئ بك تعطيها الهاتف، فاضطررت أن أدعي أنّي لا اعرف من معي"
توقف للحظات وهو يتذكر كم العذاب وضبط النفس الذي فعله عندما سمع صوت أنفاسها ونبرات صوتها الناعمة
ليكمل بصوت لم يستطع إخفاء غيرته فيه منذ جلستهما في سيارةجاسر التي طالت وملاحظاته الجدال بينهما: "بماذا كانت تحدثك في السيارة وماذا أخبرتك ولما كل هذه الانفعالات والبكاء منها"


ضحك جاسر وهو يقول بتسليه: "مهلاً، هل استشعر الغيرة والاستجواب هنا؟؟"
نبهه إيهاب بتحذير وهو يقول باعتراف صريح: "جاسر !،انتبه لما تقول ونعم أنا أغار وبشدة حتى من نسمة هواء عابرةتداعبها،فتوقف.."
وهو يعتدل ويلتفت له: " فقط أخبرني ماذا كانت تخبرك؟"
هزجاسر كتفيه وهو يقول بلا مبالاته الدائمة: "فقط كانت تعترف بغبائها وغبائك واحتياجها إليك وإلحاحها على الاطمئنان عليك الاستماع الى صوتك"
ليردف بجدية: " لم أخبرتها أنك سوف تطلقها"
سأله بتعجب: "هل أخبرتك سريعاً؟؟"
: "لا لم تخبرني، عندما حاولت أن أطمئن عليها وانا أرى شحوب وجهها بعد محادثتك كانت تتمتم الكلمة بدون وعي كما يبدو"
زفر بضيق وهو يعود لخبط المقود بيديهوهو يقول بغضب: "غبية، غبية وأنت كيف تتركها تصعد وحدها ممن المحتمل أن تتأذى"
: "إيهاب أنت غبي أقسم لك ،إذا كنت تخاف هكذا، لم أخبرتها بهذا، أخبرتك عن سوء حالتها الصحية يا إلهي منك.."
زفر بحنق وهو يقول يردف جاف: "لا تخف مي كانت تنتظرها أمام المصعد كما طلبت منها قبل قليل وهي تحادثك كنت أعلم بغبائك"
ليصيح به بغضب: "توقف فقط توقف عن نعتي بالغباء،أنت لا تعلم بما يدور بينا فتوقف"
صمت عم السيارة لدقائق.
ليقطعه جاسر مرة أخرى وهو يقول بهدوء: "اسمع إيهاب ما أخبرك إياه الآن لم أقصه على أحد من قبل، فقط من يعلم تفاصيله صديقي مازن وهذا رغما عنى الظروف دفعته للتواجد حينها"
أوقفه بتسارع من يده وهو يقول: "لا تقاطعني، باختصار يا إيهاب سأخبرك قصتي مع مي، لم تكن سهلة لرجولتي على الإطلاق، فعلت ما لا يحتمله رجل إن كنت تقول بأن مريم كسرتك فإن صح التعبير ما حدث مع زوجتي أنى أجبرت للركوع تحت قدميها فقط لتبادلني حبي المجنون لها،تنازلت عن كل كبريائي فقط لأربح معركتي معها، أطلقت كل جنوني معها، تستطيع القول أني أجبرتها ووالدها على زواجها مني، كانت زوجتي تحت سقف بيتي لأشهر ولم أقترب منها بأي طريقة، أعطيتها كل ما يلزم من غرور انثوي حتى تسلم ريتها بنفسها وعندما سلمت كما يرضيني ويرضيها"، توقف للحظة وكأنه متردد مع نفسه لم يقول ولكن إن كان سيساعده بطريقة ما لدفعه لإصلاح زواجه من مريم فسيفعل، فأردف بدون تردد ليقول: "فعلت بي ما لا تستطيع أن تتخيله حقاً إيهاب، فعل لا يغتفر كسرت هامتي وقتها أعلم أنه بحماقة منها كالمعتاد، كانت تثور لنفسها بدون أن تعي ما يحدث حقاً، وقتها فعلت مثل ما تفعل الآن وقمت بدون تردد بإخراجها من حياتي، أتت تتوسل لى أخيراً لردها وتعترف بحبها كما حلمت دائماً على مدار أربع سنوات ولكن لم أستطع منحها الغفران فتجرأت لتثير جنوني أكثر وبغباء أقدمت على الزواج من شخص أخر"


توقف عند الذكرى التي يتناسها وعينيه تقدح شرراً، نظر إليه إيهاب بصدمة إذ أنه لم يسمع منه من قبل أي شيء عن قصته، مستعجبا مما يخبره إياه. 
لم يستطع كبح فضوله وهو يسأل: "كيف؟، لكن ما أراه بينكما لا ينم عما تقول"
عاد الاخر للتماسك وهو يجبر نفسه على محي الذكرى.
ليكمل: " كيف؟، كما أخبرك تماماً، بتعنت مني وكبرياء رفضت أي مبادرة أفعلها لأنهي تلك المهزلة حينها، كان كبريائي يمنعني من توسل الحب منها مرة أخرى وتركتها تتم الأمر، لن تتخيل النزيف الذي كنت أتعرض له، تحطمت حرفياً إيهاب، ليلة عقد قرانها كنت أموت ببطء وأنا أتخيل أنه بعد ساعات زوجتي وحبيبتي سوف تكون....."، توقف وهو يتجنب الشرح أكثر 
ليقول: " لا يهم ما كان يحدث لي ولكن في لحظة اتصلت تستنجد بي لأنهي هذه المهزلة وتعترف بغبائها المعتاد وحبها لي تتوسل مني الغفران، فذهبت بدون تردد إليها وبعيدا عن التفاصيل أنهيت الأمر لأكتشف حملها بطفلتي، لن اكذب وأقول سامحتها على الفور ولكن إصرارها وحبي لها وحبها لي جعلني أتفهم تخبطها وثورتها في ذلك الوقت، وضع في حسبانك إيهاب فارق السن بيننا، نحن متشابهان في هذا الأمر، أنا أكبر من مي بأربعة عشر سنة وأيضاً أكثر لا تنسى عقل المرأة الغبي والمعقد الذي تملكه، هم لا يفكرون مثلنا عندما يثورون لا يدركن غبائهن، إلا بعد أن يهدئن ورغم كل ما بينك أنت ومريم تبقى أنثى صغيرة لم تملك الإدراك والحكمة بعد ولا تعرف من الحياة إلا ما أخبرتها أنت إياه"
توقف عن الشرح وهو يهم بالمغادرة وتركه ليحسب الأمر جيداً 
ليكمل وهو يغادر: "نصيحة أخيرة مني لا تتحدث عن أمر لن تستطيع فعله، مريم تحمل طفلك وهذا يجعلك تغفر أي ما كان بينكما وصدقاً أي ما كانت فعلته بك لن يقارن بأفعال زوجتي السابقة"
ليضيف ينبهه ساخراً: "أي طلاق تتحدث عنه منها، هل تدرك أنها صغيرة فقط؟، فكر أنها من الممكن أن تتزوج غيرك وأخبرني هل تستطيع التخيل، أنت تغار عليها من جلوسها معي للحظات وهي كانت تخبرني بحبها لك وندمها، إيهاب فكر بالأمر جيداً يا صديقي"
ليترك ويتوجه الى سيارته وهو يهتف به من وراء ظهره: "أراك بعد ثلاث أيام إيهاب، كما حددت مع ياسر لإنهاء أخر شيء زواجك منها ولا تهتم لشيء لقد رتبت لأمر مع المأذون وأفهمته الوضع"، أنهى حديثه بالفعل وهو يترك الأخر يعيد توازنه مع أفكاره المهتاجة بعد كلمات جاسر التي أنصت لها واجما حائرا، يوازن الأمر فتنقلب حيرته لاشتعال، مريم لغيره هذا مستحيل ومرفوض، أن يفكر به حتى، لا هو يستطيع ولا هي تجرأ لن يخبره أحد أنه كان يعاقبها بالكلام، لم يستطع أن يكبح ألمه منها فتفوه بهذه الحمقات التي من المستحيل أن يفكر بها.
نظر لجاسر الذي صعد إلى سيارته ويبدو أنه يتحدث في هاتفه ويضحك بصوت عال، كأنه لم يخبره الآن بقصته التي فهمها جيداً و تحفظ الأخر عن ذكر بعض التفاصيل والمحطمة لأي رجل.
بعد دقائق رأى مي تخرج من المبنى وهي تضع هاتفها في حقيبتها بالترافق مع جاسر الذي أغلق هاتفه هو الأخر، رآها تضحك بجذل وهى تصعد بجانبه تنظر له وكأنه لا يوجد غيره بالعالم. 
كما تنظر له هو صغيرته، لا صغيرته تنظر بامتلاك وانبهار دائما وكأن العالم لا يتواجد به غيره، لم تلتفت لأي بشر منذ طفولتها. 
راقب انصراف الاثنان والأفكار تموج في عقله كأمواج ثائرة يوازن بين ما حدث وبين ما أخبره به جاسر، ولكن الصغيرة حطّمته لا.. لا يوجد علاقة تشبههما، عاد ينفى لنفسه.
نعم لا علاقة تشبههما وربما هذا دافع أقوى ليغفر لها ويحاول الإصلاح كلاهما أخطأ في حق الأخر، إذا لمَ ينكر حقها فيما فعلته به، ألم يفعل بها ما هو أسوأ، سيعيد التفكير في الأمر جيداً، حتى تثبيت زواجه منها وبعدها سيرى ما يحدث، عاد للنظر إلى الأعلى، تحديداً إلى شقتها ليخرج صوته المشتاق رغماً عنه متألما وهو يستعد للمغادرة.
(سامحيني حبيبتي، إذا لم أخبرك أني أيضاً لا أريد إلا أن أضمك لصدري وأتنفس عبيرك المُهلك الذي لا يفارق صدري لأشعر أني عدت إلى وطني)
تحرك بسيارته وهو يعد نفسه بلقاء قريب سوف يعود الى السكن معها بعد ثلاث أيام كما خطط في السابق ونوى ويرى ما تؤول إليه الأمور بينهما. 
 



بعد ثلاثة أيام،،

دخلت مريم إلى غرفة المعيشة؛ التي يجتمعون فيها كالعادة ما بين مرح وصخب وكأن حياتهم اليومية تمشي بطبيعية عادية، لا يوجد بها ما يعكر صفو يومهم. 
لم تخبر أحداً على مكالمته معها، لم تستطع إلى الآن أن تصدق ما أخبرها بت، لا لن تصدق، إيهاب لن يفعل ذلك مهما حدث، بالتأكيد يعاقبها فقط، هي تثق بت، سخرت داخلها وهي تخبر نفسها بلوم حقاً تثق به الآن، إذاً لما لم تمنحه الثقة قليلاً وتستمع لمبرره كما أخبرها سابقاً، لتعود تبرر لنفسها لأنه لم يعطيها وقتها السبب الكافي للثقة بت. تنهدت بهم غير مدركة لعيون الجميع التي تعلقت بها. 
لتعقد حاجبيها وهي تتحدث بنوع من المهاجمة لهم للنظرات المعلقة بها بفضول: " ماذا هناك؟، هل ترون كائنا فضائي؟" 
كانت مي أول من تولى الرد وهي تمط شفتيها بامتعاض وتخبرها: "لا حبيبتي نرى كائن البؤس والهم"
ثم أضافت باستنكار غاضب تهتف بها: "اخرسي يا حمقاء، اقسم بالله يا مريم لا أحد أحمق وأهبل من يوم معرفتي بها غيرك"
لتقاطعها هناء باهتمامها المعتاد وهي تنهي مي عن الحديث أكثر: "توقفي مي"، لتعود لمريم تخاطبها: "ما بك حبيبتي؟، هل هناك ما يزعجك؟"، لتضيف مازحة: " اليوم يومك يا عروس لا تغضبي وتثيري الزوابع"
انفجر الجميع بضحك ومريم تزمجر بثلاثتهن بسخط: "كفوا عن السخرية، هناء أي عروس هذه !، ماذا هل أصبتم بالغباء جميعكن أنا على وشك الولادة"
قاطعتها مي مرة أخرى وهى تقول: "لا يا عروس، يتبقى لك شهرين وأسبوع ربما..."
نظرت إليها بغضب وشرر وهي تعيد أمرها: " فقط اخرسي مي وركزي مع بطريقتك الخاصة التي لا تكتفي من الطعام"
عادت مي بنظرها لابنتها وهي تقوم بتدليلها وإغاظة مريم فتحشو فم الطفلة بالمزيد من الطعام. 
نظرت لها مريم مرة أخرى وهي تكمل ساخرة: "يكفى، ترفقي بها سوف تنفجر من الطعام"
لم ترد مي، مستمرة في حشو ابنتها بالمزيد، بعد قليل من الوقت أتت منى في موعدها كما أخبرتهم، قبل أن يأتي إيهاب وياسر والمأذون لجعلها تمضي على أوراق الزواج التي تم تجهيزها بالفعل. 
رغما عنها كانت تشعر بالتوتر عند ذكر الأمر، هل سوف تقابله بعد قليل ستنظر لعينيه، ماذا ستخبره وهل تهديده لها صحيح؟. يا إلهي ستصاب بالجنون حتما، هل يستطيع قلبها أن يتحمل ألم فقدانه بشكل قطعي. أن تنتهي صلتها معه كزوج وحبيب وحامي...ستموت !.
وسط أفكارها، شحب وجهها وهي تضع يدها على قلبها الذي انقبض فجأة وألم لا يحتمل يعتمل به لم تفسره سوى بالانقباض من أفكارها، لكن الألم كان لا يطاق أكبر من ارتباطه بفكرة فقط كان حقيقيا بشكل كبير، توجهت لها منى سريعاً وهي تسألها: "ما بك حبيبتي؟، هل تشعري بالألم أخبريني"
نظرت لها بتيه وهي تخبرها ويدها مازالت تضغط على قلبها: "نعم ألم في قلبي، طعنة غادرة يا منى لا أعرف لها سبب"
لم تكمل حديثها، ليرن هاتف مي التي ردت سريعاً وهي تبتسم: "مرحباً حبيبي" قالتها مي قبل أن يشحب وجهها بعد ثوان وهي تنظر لمريم التي بادلتها الشحوب والذعر. 
وهي تقول بذعر: " قلبي يتألم" 
صرخت باسمه ولم تعي السبب بعد: " إيهاب أصابه مكروه"
****************
قبل ساعتين،،
نطق جاسر وهم في مكتب إيهاب يتبادلون الحديث وجاسر يعطيه جميع الأوراق التي طلبها: " حسناً هذه جميع الأوراق التي تحتاجها، لم تخرج هويتها بعد ولكن طلب (المأذون) شهادة ميلادها، لأنها كافية خاصة أن الزواج تم بالفعل وهذا مجرد إثبات له وأيضاً هناك والدها وكيل لها أي سيتم الأمر بشكل صحيح هذه المرة.
تناول منه إيهاب الأوراق وهو يتفحصها ويرد عليه: "نعم أفهم هذا، لقد تحدثاً بالأمر سابقاً لا داعي لتذكيري كل مرة، هيا سنتوجه الآن إلى مكتبه لنصطحبه إلى منزلي، ياسر سيسبقنا إلى هناك"
هما بالتحرك وجاسر يخبره وهو يقهقه بصوت عال عند تذكره ملامح ياسر الباهتة من هجوم مريم، ليخبره: " ياسر لن يجرأ أن يذهب إلى هناك وحده، لو رأيت مهاجمة مريم له كنت أكتم بصعوبة ضحكي على مظهره وهو كالتلميذ المذنب أمامها، لا أعلم كيف سيطرت على نفسي"
تمتم له إيهاب وابتسامة ساخرة تتمكن منه: "لا.. لا داعي لتذكر الأمر لقد جربته بنفسي هي تجيد الجلد والطعن"
ليقول جاسر بنوع من الحكمة تفاجئه هو شخصياً عندما يتحدث بها: "أنسى إيهاب واجعلها تنسى وابدأ من جديد، من أجلك وأجلها أولاً ومن أجل طفل كنت تتمناه"
لم يعقب على كلمة وهو يومئ له بصمت، بعد قليل خرجا من المبنى، ليتوجه كل منهما إلى سيارته مع تواعد لمكان اللقاء.
صعد إلى سيارته وهو يشعر بتوتر وخوف من مجهول، ضحك من نفسه وهو ينفى أي شعور أو توجس بخطر قريب يشعر بت، ليخبر نفسه ربما هو أصبح يخاف من لقاء الصغيرة. 
رِن هاتفه ليجد رقم عمه، ضيق احتله رغماً عنه، ترك الهاتف يصدر ضجيجه بعدم اكتراث ليتوقف الرنين ويعود مرة أخرى وأخرى، قرر في ثالث مرة أن يجيب وير ماذا يريد منه، فتح سماعة الهاتف، لم يتمهل الرد ليخبره حسين بشماته: "مرحباً يا ابن أخي أم أقًول ودعاً يا مرحوم إيهاب"
لم يستوعب النبرات الساخرة لثوان، عندما أردف عمه وهو يفصح بالمزيد: "هذه أخر محادثة لك إيهاب مع أي أحد ستموت وآخر صوت تسمعه هو صوتي"
بعدم فهم من صدمته سأل: "مهلاً حسين، هل جننت أم أنك ترى الأقدار الآن؟ !"
: "لا يا ابن أخي لا أحتاج لرؤيتها عندما احدد بنفسي ساعة موتك، لقد أردتها لك الآن وبالتحديد، حتى تموت متحسرا على نفسك، لن تستطيع إتمام زواجك ولا اثبات نسب طفلك هذا إن كتبت له الحياة لأني أعدك أنه سيلحق بك قريبا "
بذهول حاول أن يضغط على كابح السيارة فلم تستجيب له، ليصرخ به: "ماذا فعلت حسين؟، هل فقدت عقلك تقتلني يا عمي؟، ما الذي فعلته لك هل حقدك أنت والأفعى زوجتك أوصلك للقتل"
باستنكار أجاب حسين: "ماذا فعلت !، كل شيء إيهاب، كنت السبب في أن أخسر أبنائي، كنت السبب في ابتعادهم عنى وممدوح هل تذكره؟، من قمت بتشويهه وكنت السبب في عجزه، وأيضاً بقدرة ودهائك سيطرت على جميع ما نملك وحولته باسمك، للأسف لم تعد تملك الوقت وإلا كنت أخبرتك بالمزيد إلى الجحيم يا ابن أخي المراعي"


أغلق الخط وتركه في ذهول يحاول أن يوقف السيارة التي بدأ بالفعل في فقدان السيطرة عليها وكل حياته تمر أمام عيناه في شريط متسارع لتتوقف عندها هي وهو تهتف بوجهه بغل (كم أتمنى أن يكون هذا قريبا، فلتذهب إلى الجحيم) ثم نبرتها المترجية (أحتاجك إيهاب وأشتاق لمكاني في أحضانك)
صوت ضحكاتها، هتافها بحب تحت المطر وهو يدور بها ...
وعدها له على ظهر المركب ومضة أخرى.. عندما وجدها 
لم أستطع البعد عنك يا وجعي..
طفلة مازالت تحمل طفله... 
استسلم لقدره أخيراً وهو يرى بعينيه انحراف سيارته عن الطريق لتخترق الحاجز الذي يفصله عن حاجز ترابي ولكنه ينحدر بضع سنتيمترات عن الأرض ليفقد السيطرة عليها بشكل تام.
ليقول بوجع واستسلام (سامحيني حبيبتي هذه المرة لم أوفي رغما عني)
لم يعي بعدها لأي شيء والعالم يغرق من حوله في الظلام...



إعدادات القراءة


لون الخلفية