الجزء 19

دلفت إلى المنزل مجبرة تشعر أن روحها ستغادر منها بكل مشاعر الاشمئزاز التي تشعر من عائلتها لولا وجود طفلتيها به ما كانت أبدا عادت إليهم مرة أخرى لا تريد رؤية أي احد منهم ذكرت نفسها بمرارة ولكن ما البديل هل تستسلم لمصيرها وتعود لمراد؟ لتعود تؤكد لنفسها في ظل كل ما حدث وعلمته ربما الحل الأمثل أن تفعل ما فعلته مريم تأخذ ابنتيها وترحل بعيدا عن الجميع توجهت على الفور إلى درجات السلم مسرعة تريد الاطمئنان على طفلتيها اللتان تركتهم منذ ليلة الأمس تريد الاطمئنان على كلتيهما، وتتساءل إن كانتا بخير؛ فهل وسط كل الجنون الذي حدث بالأمس ربما طفلتيها شعرتا بشيء تتمنى أن تكون الإجابة لا..
وصلت باب غرفتها وهي تحمد الله أنها لم ترى أي احد منهم لن تحتمل أي كلام مع احد. 
فتحت الباب لتجد طفلتيها مستيقظتان تجلسان على سريرهما والخادمة التي تعتني بشؤون طفلتيها -سحر- تعجز عن تهدئتهم؛ وجدت كبيرتها تضم الصغيرة بين ذراعيها، تبكيان بقوة تخلع قلب الام فيها من مكانه، تحركت مسرعة تضم الطفلتين إلى أحضانها بتشديد تحاول بثهم الأمان بوجودها. 
حدثتهم بلهفة:" ما بكما صغيرتي ما الذي حدث اهدئي حبيبتي أنا هنا الآن" 


لتسأل الخادمة التي تجالسهم:" ما الذي حدث لما يبكيان هكذا" 
لتجيبها سحر ودموع الشفقة على حال المسكينتين اللتان ترعاهم منذ أن عودتهم من أمريكا وإهمال أمهما لهما:" لقد استيقظت ميرا ليلا تبحث عنك ولم تجدك في أي مكان وأخبرتها انك ستأتي قريبا لتعود للنوم بصعوبة بعد أن أقنعتها بأنها لو عادت للنوم ستجدك عندما تستيقظ ولكنها استيقظت صباحا لتبدأ في البكاء هي وتاليا ورفضت حتى أن تجعلني أحملها"


عادت لهم تخاطبهما بحنو وهي تلوم نفسها أكثر متى تنتهي أنانيتها وتتذكر طفلتيها لكنها بالأمس لم تكن تعي أي شيء شعرت بالهلع على نفسها وهي تتهم نفسها بخوف هل تتحول لفريال أخرى، ضمت طفلتيها أكثر وهي تنفي لنفسها بشدة لن تكون مثلها يوما. 
عادت تحدث ميرا بصوت مرتعش:" ماذا ما الذي حدث حبيبتي لم تبكي صغيرتي هكذا سوف تثيرين ذعر أختك أكثر، أنا هنا الآن، ماما أتت إليك اهدئي قليلا"
لتنظر لها ميرا بعيون تملئها الدموع وهي تقول بصوت مبحوح من كثرة البكاء:" أنا شعرت بالخوف ماما، أن تكوني غادرت مثل بابا وستغيبين عنا كثيرا وتاليا كانت تبكي وأنا أردت أن اخبرها بأني لن اتركها مثلك أنت وبابا "
كلام صغيرتها رغم براءته كان قاسيا وبشدة عليها، أشعرها بفشلها هي لا تستحق صغيرتيها. 
ضمت طفلتيها إليها بقوة وحنو تبكي مثلهما، توزع قبلاتها بينهما بجنون متخبطة لا تعلم كيف تخبرهم أنها لم تتركهم ولن تتركهم يوما، يا الله هل حولت طفلتيها في سنهم الصغير هذا لنسخة منها ومن أخيها، عدم الشعور بالأمان مستحيل لن تسمح بهذا مهما حدث. 


مسحت دموعها التي انهمرت بقوة لتحرر الصغيرتين من أحضانها بعد أن هدأتا قليلا ربما الصغيره لا تعي تماما ما يحدث فهي صمتت بمجرد احتضانها لكن تبقى مشكلتها مع كبيرتها التي أصبحت تعي بعض ما يحدث، لتقول بحزم وصوت واعد قاطع:" ميرا انظري إلي، أنا لن أترككما أبدا مهما حدث لن انفصل عنكما حبيبتي كل ما هناك أني كنت في مكان بعيد وتأخرت قليلا هذا ليس معناه أني تركتكما، كما أن من قال أن بابا ترككما !، أنا كنت مخطئة حبيبتي سابقا، ها هو قد عاد لرؤيتكما وعندما يستطيع ويتفرغ من عمله سيكون معكما أكثر فأكثر، نحن نحبكما أكثر من أنفسنا يا ميرا ضعي في عقلك حبيبتي هذا لن نترككما أبدا "
لترد عليها ابنتها بصوتها الذي مازال يحمل أثر البكاء به :" وأنا أحبك ماما وأحب بابا وأريد أن يأخذني معه لا أريد أن اجلس هنا أريد بابا ماما" 
أغمضت عينيها بيأس من وضعها تستغرب من نفسها والسؤال الذي يكاد يوصلها للجنون منذ الصباح؛ هل تستطيع التضحية من أجل طفلتيها والعودة؟، هل تستطيع الثقة بمراد؟، بأنه لن يغدر يوما ويأخذ منها طفلتيها بعيدا عنها ولكن هي وثقت به سابقا وماذا فعل لها غير الخذلان والإخلال بكل وعوده. 
عادت لطفلتيها تربت عليهما بحنان أمومتها تضمهما بشدة وهي تحاول أن تشتت تركيزها لا تعرف بماذا تخبرها:" ونحن نحبك ميرا كما أخبرتك ولكن أميرتي ميرا كبيرة الآن ولا يصلح أن تبكي هكذا أميرتي قوية صحيح ما رأيك أن أخذكما اليوم إلى الملاهي ؟"
لتهتف الصغيرة بفرحة وكأن بكائها لم يحدث:" بالطبع أوافق شكرا ماما أنا احبك" لتضيف بعدها بتذمر واعتراض :" ولكن لا تناديني أميرتي أنا أميرة بابا فقط الأميرة ميرا" 
ضحكت منها رغم عنها لتلتفت لسحر تحدثها بهدوء:" اصطحبيهما ليتجهزا سحر، أنا أشعر بالإرهاق بشدة، سأحاول أخذ حمام دافئ أنا الأخرى لأستطيع اصطحابهما" 
:"كما تحبين سيدة إسراء، نصف ساعة بالضبط وتكون الصغيرتان مستعدتان"


لتقوم باصطحابهما لغرفتهما الخاصة، لتتجه هي إلى نافذة غرفتها المفتوحة بنية إغلاقها، سحر وأفعالها أخبرتها كثيرا أن لا تفتحها في هذا الوقت لا تحب هذا الضوء الذي يتسلل صباحا، يزعجها بشدة وهي تصر على أنه جيد للصغيرتين.
رباه الخادمة تهتم لطفلتيها أكثر منها ما الذي أوصلت نفسها له، زفرت بضيق وهي تمد يديها لتغلق النافذة ولكنها توقفت مصدومة مما تراه، جحظت عينيها بشدة وكتمت أنفاسها بجزع عندما التقت عينيها بعينيه الغاضبة وهو يترجل من سيارته ويرفع رأسه فجأة وكأنه يعلم جيدا أنها تقف تنظر إليه. 
تمتمت بصوت مذعور:" يا إلهي لقد نفذ وعده وفعل ما كانت تخاف منه وكان هو يمنع نفسه عن فعله"
تركت النافذة وتوجهت إلى باب الغرفة تهرول مسرعة. 


لا.. لا.. لا تريد مصائب أكثر، يكفيها ما يحدث، تدعو في سرها أن تلحق به قبل دخوله المنزل والأهم تدعو أن يكون إيهاب غير متواجد في هذا الوقت، فهي تعلم جيدا ما الذي سوف يحدث إن تصادما، إنهما يتجنبان بعضهما منذ يوم زواجها من مراد وإن تقابلا الآن مع غضب كل منهما ربما يخلف الأمر قتيلا لامحالة.
للمرة الألف كررت لنفسها، ما الذي فعلته بنفسها كيف سمحت لنفسها بقلة عقل أن تضع بركانين في مواجهة بعضهما البعض، لو حدث ما تخافه ستكون هي المسؤولة لا غيرها. وصلت أخر درجة للسلم لتجد أن دعواتها تبخرت في الهواء وهي تنظر لمن يفتح باب المنزل بنفسه.
هتفت بذعر :" إيهاب توقف لا تفتح الباب أرجوك "
نطر إليها باستغراب، متى أتت وأين كانت من الأساس وسط كل ما حدث نسيها تماما ولم يفكر بها، ويبدو من مظهرها وملابسها التي مازالت هي نفسها أنها قضت ليلتها خارج المنزل. 


لم يرد عليها وهو يفتح الباب ويخبرها بعدم لامبالاة بطلبها ولا بصوتها المذعور:" لمَ إسراء هل أعلنا غلق المنزل للناس أم ماذا "
أغمضت عينيها بيأس عندما رأت مراد كالوحش الكاسر يقف بتحفز وغضب عينيه وقعت في عينيها مباشرة، ليلتف إيهاب ينظر مباشرة للقادم الذي حول نظراته إليه. 
تسمر لدقائق مكانه وهو يبادله النظرات لتتحول نظراته للغضب تذكر بمرارة شعوره بالغدر والخيانة، صديق عمره الخائن الذي لم يسمح له سابقاً بأي محاولة للحديث معه وتوضيح أي شيء بعد زواجه من إسراء ورده القاسي وقتها بأن الأمر انتهى ولا يريد رؤية ظله حتى في أي مكان يتواجد به، كان يعلم جيدا أن أي مواجهة بينهما سيكون مصيرها الفتك بحياة أحدهما. 
ليقطع مراد النظرات بينهم لينظر لإسراء مرة أخرى يأمرها بصوت غاضب وشرس:" هي كلمة واحدة إسراء لن أعيدها اجلبي ميرا وتاليا الآن لتأتوا معي"
لتجيبه بتلعثم وخوف مما تعلم أنه سيحدث الآن:"مراد أخبرتك هذا لن يصلح .ا.ا"
ليتقدم لداخل المنزل بنيه أن يقترب منها ويسحبها إجبارا.
ولكن قبل أن يتقدم إليها كان إيهاب يقف في وجهه وهو يخاطبه بصوت قوي:" ماذا تنوي أن تفعل بالضبط؟ !، ألن تكف عن انتهاك حرمات بيتي !، دناءتك لن تنتهي أبدا أم أن من فيه داءً لن يكف عنه يوماً "


تمتمت هي بذعر لم يفارقها وكأن جميع كلماتها نفذت:" يا إلهي يا الله الرحمة يا رحيم "
ليرد مراد عليه من بين أسنانه بصوت غاضب:" ابتعد عن طريقي سآخذ زوجتي وأطفالي وأغادر هذا المنزل حالاً "
ليجيبه إيهاب باستفهام ساخر :"عن أي زوجة تتحدث بالضبط وأي أطفال مراد؟، تقصد طليقتك وأطفالك الذين رميتهم من أجل أن تكمل في طريق الخيانة التي تبرع فيه، خيانة صديق، خيانة عائلة وخيانة زوجة رميتها هي وطفلتيك لي منذ عام مضى بأي وجه تأتي الآن لتتحدث"


ليجيبه مراد يحاول أن يسيطر على انفعاله حتى لا يثير فضيحة يشعر أنه وصل إلى حافة الجنون :" ابتعد يا إيهاب لم آت لأثير مشاكل معك هدفي محدد طفلتي وزوجتي وليست طليقتي، هي تعلم هذا جيدا لم يكن ذنبي أنكم عائلة لا مبالية ولم تبحث وراء طلاق إسراء هانم، لم يتم مازالت زوجتي هي أنهت أوراق الزواج المدني في أمريكا فقط وهذا ما لم يعترف به الشرع لدينا وأنت تعلم ذلك جيدا وأيضا لم تنهيه هنا إذا مازلت زوجتي"


ليلتفت إليها هي:"هيا إسراء صبري قد نفذ تحركي"
لم يتحرك إيهاب من أمامه يمنعه عن التقدم إليها، ليعاود يخبره بقوة:" لن يتحرك أحد من هنا مراد لا إسراء ولا ابنتيها طالما هي لا تريد" 
ليصرخ به مراد وهو يمد أيديه يحاول أن يزيحه من طريقه بعنف وهو يخبره بصوت صارخ وكان قد فقد كل تحمله وصبره :" بأي صفة تتحدث من أنت لتقف في وجهي تمنعي عن زوجتي ابتعد من طريقي وإلا تحمل العواقب" 


ولكن قبل أن تصل يديه لموضوعها كان يمسكه إيهاب من يديه يوقفه ويصرخ به :" لا أحد هنا سيتحمل عواقب ما يحدث غيرك صفتي أنت تعرفها جيدا، أنا من استقبلتها في بيتي لعام كامل هي وطفلتيك سيد مراد ، بعد أن وجدتك في أحضان عاهرتك، أنا ابن عمها إن كنت نسيت، سأظل بجانبها رغم عن أنفك، زواجك السخيف منها وخيانتك وخيانتها لي لن توقفني عن ذلك فأنا ببساطة لن أرد أي إنسان لجأ لحمايتي وهي التجأت لي أنا"
نفض مراد يده بعنف يمنع نفسه بصعوبة من ضرب الغبي الذي أمامه عينيه تشرد لتلك التي تقف أمامه يراها تنظر إليهما بخوف وترقب مما سوف يحدث.
أخبر نفسه آه منك يا إسراء ومن أفعالك متى تتوقفين عن أعمالك تلك متى تستفيقين مما أنت فيه وتعلمي أن لا حامي لك إلا أنا يا غبية. 
عاد للغاضب أمامه، غضب منفلت غريب !، كأنه لم يعرف إيهاب من قبل، حتى عندما حاول مواجهته بعد زواجه من إسراء كان غاضب نعم وربما قاموا بالتطاول على بعضهما بالضرب ورفض الاستماع إليه ولكنه لم يكن بهذا الغضب الذي يراه الآن. 


كز مراد على أسنانه وهو يخرج كل حرف من كلماته يخبره به بمفاجأة لهم وله هذا ليس موضوعه لكن يجب أن يصحح كل شيء من بدايته وأولهم أن يقنع الغبي بعدم خيانته أو خيانتها، إسراء لم تخن أحد، زوجته هو لم تخن أحد، يجب أن يفهموا هذا الأغبياء :" لم أخونك أبدا يا غبي، لم يخونك أحد، متى تستطيع أن تفهم كيف استطعت أن تصدق الدعوات الكاذبة للأفعى بأني كنت على علاقة بامرأة تحمل اسمك؟ !، إسراء لم تكن خائنة وأنا لم أفعل شيء خطأ في حقك ذنبي أعرفه جيدا وأعلم به، الذنب الوحيد الذي ارتكبته بأني أحببتها بل عشقتها منذ أن وقعت عيني عليها، لم استطع ولم يكن بيدي أن أتوقف عن حبها حاولت يعلم الله كم حاولت أن ألهي نفسي بغيرها عندما علمت بقرار ارتباطك بها وكم أندم الآن أني لم اقترب منها قبل، إذ أن تهمة الخيانة ملتصقة بي لكني بغباء وقفت أشاهد كيف أنت تجعل منها زوجة لك "


ليرفع يده بعدم سيطرة عندما تذكر امتلاكه لها قبله، كانت زوجته وهو لم يستحقها
وجه قبضة يده بمباغتة للواقف أمامه يضرب بعنف على أنفه مباشرة وقد أفلت منه غضبه بشدة وهو يصرخ به :" لم أخنك بحق الله لم افعلها يوما متى تستوعب "
فاجأ غريمه للحظات يستوعب فعلته وكلامه ليرفع يده هو الأخر ويبادله الضربات، 
تصارعا بما يحتمل كل منهما بغضب قهر فقد الثقة شعور الغدر الخيانة والصدمات المتكررة ليصرخ به إيهاب وهما في تشابكهما :" أخبرتك سابقاً لا أريد أن اسمع حجج واهية، كاذب وخائن ومازالت تملك الجرأة لتقف تتبجح في وجهي بحبك لها وهي كانت تحمل اسمي، كنت تدخل بيتي تنظر لامرأتي بعيون عاشق كما تدعي، وأنا كنت المغفل !، ماذا مراد أخبرني؟ ماذا كانت تجرك خيالاتك وأنت تنظر لزوجتي تحت سقف بيتي والمغفل الغافل الذي هو أنا يجلس بجانبك ويثق بك"
ليرد عليه مراد بصراخ مماثل لصراخه:" ترفض الاستمتاع لأنك تريد أن تقنع نفسك بخيانة لم تحدث لا تريد أن تقتنع أنك لم... لم تفهمها يوما، أنت تعرفني جيدا متى خنتك خمسة عشر عام ونحن أصدقاء متى غدرت بك متى لم أقف بجانبك كنت دائما ظهرا لك لم يقف أحد بجانبك غيري في كل أزماتك زلتي الوحيدة في حقك حبي لها ماذا كنت لأفعل وقلبي اختارها من بين جميع النساء، اللعنة إيهاب كنت تعلن أنك تعرف ما يدور في عقلي بكل تبجح وأنت لم تشعر بعشقي، لماذا لم تشعر بقهري وأنا أشارك صديقي ترتيبات زواجه وسعادته بامرأتي أنا لما لم تشعر بقلبي الذي يتمزق وأنا أقوم بحجز قاعة الزفاف بنفسي لك، لما لم تشعر بناري وأنا أوصلك بنفسي لتعيش معها شهر عسل كامل وخيالاتي في عقلي تقتلني فيما سيحدث بينك وبين حبيبتي هل تعلم مدى القهر وكسر خاطر الرجال وحبيبتي بين يدي أخر، اللعنة عليك إيهاب وعلى معرفتي بك لم استطع حتى كرهك أو حتى السخط عليك وأنا أموت إلماً كنت أتقن دور الفرح لصديقي وأنا أموت ببطء ومع كل هذا عندما أصبحت زوجك لك كنت أسيطر على نفسي جيدا أن لا أنظر لها، أذكر نفسي بوجع هذه زوجة إيهاب صديق عمرك إياك والتفكير بها تذكر دائما أنها زوجته فقط وليست الفتاة التي لاعبت خيالات صباك ورجولتك، ليست حلمك أبدا هي زوجته لم اقترب منها حتى أنت يجب أن تصدق"



لتصرخ إسراء وهي تقترب من تشابكهم :" توقفا ما الذي تفعلانه يكفي أنا لا أريد أي احد منكما لا أريد دفاعك مراد ولا أريد حمايتك إيهاب لم اشعر في حياتي بالكره على أحد قدر كرهي لكما "
لينفض إيهاب يد مراد بعنف وينفصل عنه يقف يتأمله بأنفاس هادرة من أثر تشابكهم، خصمه لم يكن سهلا أبدا بل مماثل في القوة وربما أمهر لخبرته في الألعاب القتالية. 
كلام مراد قتله بشدة من داخله هل هو كان أناني كما يدعي مراد ولم يشعر به وبحبه لها حقاً هل كان يذبحه وهو يشركه بكل تفاصيل زواجه السابق منها. 
نقل نظراته لها هي ليجدها تقف بعيد قليلا عنهما تنظر لمراد بعيون مليئة بدموع يبدو أنها تسيطر عليها بصعوبة ولكنها كلها رجاء. 


ليحول نظراته لمراد الذي ينظر له بوجع يتحدث بصوت لاهث لم يهدأ بعد، ليكمل مراد بوجع داخله:" يجب أن تكون تثق بها هي على الأقل، أنت تزوجتها لسبب واحد إيهاب ثقتك بأخلاقها التي نشأت أمام أعينك إسراء لم تكن امرأة لعوب لم تلتفت لي يوما لا قبل زواجك منها أو حتى أثناء الزواج وأنا لم اقترب للفت نظرها، احترمت إخبارك لي بزواجك منها مستقبلا ولكن بعد طلاقك منها الذي حاولت لو تذكر أن أنهيك عنه وأنت رفضت كل سبل الإقناع من وجعك منها كان يجب أن أستغل الفرصة لأني كنت متأكد أنك لن تلتفت لها يوما، لأنها اختارت التوقيت الخاطئ في انفصالها عنك كنت أناني ربما لأني بحثت عن تطبيب جروحي أنا ولم اهتم بوجعك، أعلم أنه من المستحيل أن يقتنع أحد بالحقيقة يوما الجميع ينظر للأمر من جهة واحدة، صديق تزوج طليقة صديقه بالتأكيد هناك خيانة سابقة وهذا لم يحدث أبدا أنت لم تفهمها يوما إيهاب، لم تحبها مثلي، أنا الوحيد الذي رأيت ما وراء قناعها الخارجي، أنت لم ترى أبعد من مواصفات مثالية بامرأة تناسبك، أنا فقط من فهمتها، أنا فقط من رأيت الطفلة المنزوية التي بداخلها "
ليصرخ به إيهاب بحدة يوقفه:" يكفي لن اقتنع بكلمة واحدة منك، إن كنت كما تدعي كل هذا الحب، لما خنتها مع النساء بحق الله كيف تتحدث عن هذا الحب الأسطوري لها وتعود لخيانتك وحياتك العابثة "
هدأت أنفاسه قليلا وثورته لينظر لإيهاب يخبره بحزم وصوت قاطع :" لم أخنها أبدا أخبرتها يوم زواجي منها أنها لدي كل النساء وها أنا أخبرك أنت لم أخونها ولن أفعلها يوما، إن كانت أخبرتك كما أخبرت الجميع أنها رأتني فأنا اعترف بذنبي الأكبر وخطئي الذي لا يغتفر في حقها وحق نفسي وحق أطفالي"
ليصمت لبرهة يغمض عينيه بشدة، وهل هناك ما هو أصعب مما هو فيه يعترف أمام إيهاب من بين البشر بخطته الغبية بالتأكيد لن يخبره بالأسباب ولكن يجب أن يعلم ويخبرها أمامه هو بالذات ربما تهدأ قليلا وتقتنع. 
ليقول بقرار بذنب لم يقترفه:" كانت خطة مني خططت لكل شيء وأنا من أرسلت لها الرسالة لتأتي وتراني بذلك الوضع "
ليلتفت لإسراء يخاطب عينيها الذاهلة بدون كلمات، يشكي لها نفسها وأفعالها السابقة، أن تحاول تذكر ألمها له ومقاومته ومقارنتها الدائمة بينه وبين الواقف أمامه ولكن لسانه يأبى أن يخرج هذا العتاب أمام غريمه لكن سيكتفي بإقناعها بعدم خيانتها ليقول يؤكد لها:" لم أخنك إسراء، لم أمس امرأة غيرك يوما رغم اتهامك الدائم لي أنا عند عهدي لك حتى هذه اللحظة يجب أن تصدقي هذا"


انفلت دموعها أخيرا في طوفان هادر على وجهها وهي تهز رأسها بيأس:" لقد
رأيتك بعيني، لقد كنت عاري مراد !، وهي كانت آه يا الهي لا أريد التذكر أشعر بالاختناق والموت"
اقترب منها سريعا يضمها إليه عندما شعر بانهيارها الوشيك وهو يخبرها:" أقسم لك حبيبتي لم اقترب من امرأة غيرك منذ تاريخ زواجي منك حتى لو أردت ذلك جسدي لن يستطع فكري وروحي سيرفض بشكل قاطع"
هزت رأيها بيأس تحاول التخلص من احتضانه لها تبتعد خطوة للوراء، لتقول له بيأس:" كاذب.. كاذب أنت تحاول تجميل صورتك، من منكما صالح ليكون زوج، أب وحامي العائلة حتى أخي دنيء كلكم مراد صورة واحدة متعددة الأوجه لا أستطيع تصديقها، أخبرتك بالأمس أنا لا أثق بأي منكما، حتى هذا الذي يقف خلفك أصبح صورة أسوء من الجميع" 
أغمض عينيه بقوة يخبر نفسه بصبر، اهدأ مراد هذا طبيعي هل كنت تتوقع منها أن تصدقك بمجرد اعترافك لها بالحقيقة اصبر كما الماضي لتفوز بها. 
خاطبها بصوت حاول أن يجعل كل الإقناع به:" جربي إسراء كما السابق خضتِ معي التجربة رغم كل مصاعبها تبحثين عن نفسك فيها الآن أنا اطلب منك أن تخوضيها معي من أجل طفلتينا إسراء"
ليردف يضغط علي شعور الامومة الوليد الذي استشعره فيها :" ألا تريدين لهما أن تعيشا في بيئة طبيعية، تنشأ كلتاهما في حياة سليمة بعيدا عن التشتت والأحقاد، فكري إسراء من أجلهما "
ليقاطعه صوت إيهاب بسخرية :" مذهل مراد طوال فترة صدقتنا لم أتلمس دور الممثل البارع فيك !، هل هكذا أقنعتها بجوازك منها إن كان ما تقوله صحيح ولم تقترب منها قبل الطلاق بيننا ؟ !"


التفت إليه مراد بحقد أعمى غيرة رجولية لا يريده أن يذكر أبدا أنها كانت له وهو مستمر في فعلها منذ أن دخل من الباب يعلم جيدا أن إيهاب ينتقم منه يضغط على نقاط رجولته بتذكيره أنها كانت له، إيهاب ينتقم بتخفي في كلماته يشعر أنه لا يعرفه هل الزمن والبعد وتوالي الكوارث يغير من الإنسان هكذا ؟؟؟
ليلتفت له يقارعه:" ربما إيهاب أقنعتها بتمثيل ذكي مني وأخذتها زوجة أمام العالم أجمع، لم اخجل من فعلتي كنت مؤمنا بحبي لها أنها لي أنا وستظل ما تبقى من عمري، أحببتها وأشعرتها بحبي لها وهي أحبتني إيهاب وكانت فخورة بزواجها مني كما لم تفعل مع إنسان من قبل، كانت سعيدة معي لا حياة باردة وجدت معي كل ما افتقدته" 
ليضيف بقوة:" أما أنت ما حجتك بزواجك من ربيبتك بماذا أقنعتها لتتزوجك وهل شعرت معك بأمان أو حب وهل أنت أحببتها من الأساس أم كان زواج تأدية واجب كما عادتك، أخبرني لما هربت منك أنا تزوجتها في النور إيهاب لا في الظل مستترا عن الجميع من فعلتي "
أشعلت ثورته من كلماته وغضبه الذي يعميه لا يعنيه ما قاله عن إسراء فهو محق فيه، اعترف لنفسه بذلك إسراء لم تكن له يوما وهو لم يكون لها ولكن لا أحد يحكم على علاقته بمريم لن يفهم أحد يوما علاقته بها لن يستطيع ؟.
ليصيح بصوت جهوري يرد له لكمته التي عاجله بها في غفلة سابقا:" اخرس لا تتحدث عن شيء لا تعرفه لا وجه مقارنة بيننا لن يفهم أحد يوما علاقتنا ولا أهتم أن يعلم أحد... بها..يكفيني أنها لي ..زوجتي أنا ."


ابتعد مراد خطوات عنه، أوصله لما يريد بالضبط وقالها بنفسه لن (لن يفهم أحد ما بينهما)، نظر له بقوة وهو يمسد أنفه وهو يبتسم رغم كل غضبه يخبره:" هذا هو إيهاب قلتها بنفسك لن يفهم أحد يوما ما بينكما، لم تأثر العلاقات وخصوصيتها لنفسك، فكر للحظات كل ثنائي منا بينهما شيء خاص لن يستطيع أي أحد فهمه إلا هما ربما لا أعلم علاقتك بها أو حتى أسبابك لا أعلم إلا ما أخبرتني به إسراء ورغم بشاعة ما أخبرتني به أنا أثق بك ولا أصدقه"
ومع تخبطها وشعورها الداخلي بالنفور والاشمئزاز من هذه العائلة ووجه طفلتيها الضعيف الباكي الذي لا يفارقها وكلمات مراد الذي تشابكت مع صورة ابنتها، جملة ابنتها الصغيرة تترد في عقلها بقوة وصورة مريم، كلمات إيهاب الذي استغل صغيرة. 
اشتعل سؤال في عقلها بالإلحاح، هل لو مريم كان لها أسرة طبيعية وأب يحتضنها كان إيهاب استطاع استغلالها؟


عادت تنظر لهذين الذين يتقارعان ويضغطان على جروح بعضهما بمهارة لتأخذ قرارها، ربما يكون صحيحا وربما يكون خاطئ ولكن طفلتيها تستحقان المحاولة، وما الفرق بين منزل مراد ومنزل إيهاب لا فرق، بل على العكس فمراد والد طفلتيها ولن يؤذيهما حتى لو أذاها ستذهب معه ولكن هذه المرة من أجل طفلتيها ستذهب معه وتعرف ما ينتظرها لن تجعله يقترب منها ستعيش معه إلى أن تعلم كيف تخطو خطواتها .
نظرت لكليهما لتقول وهي تنظر لإيهاب تخصه بقرارها ربما تريد اعتزاز منها لنفسها عندما كنت تذل نفسها له بلهاثها ورائه ليعود إليها أو تريد اعتذار ً صامت لمن هو رغم كل عيوبه وأفعاله وخيانته لها يظل أفضل من إيهاب الآن بعد اكتشفها مدى انحطاطه مع مريم لتحدثه وكأنها تقر لنفسها قبله :" أنا سوف أذهب مع مراد، سأعود أنا وابنتاي لزوجي إيهاب، لا أحتاج لدفاعك أو قلقك سأعود للمنزل الوحيد الذي شعرت فيه بالدفء والأمان، للرجل الوحيد في حياتي الذي تعامل معي باحترام، الرجل الذي رغم ما فعله بي لكنه يبقي الرجل الوحيد في حياتي الذي أحترمه وأقدره، يبقي هو أمني الوحيد ولكني كنت غبية أن لا أدرك هذا" 
توقف مراد ينظر لها بدهشة مما يسمع هل هي جادة فيما تخبره ولما هو تخبره بهذا أم كعادتها تريد أن تعلن كم هي قوية وربما انتقام من إيهاب بإعلانها أنا لا أحد في حياتها غيره وأن إيهاب لا يعنيها. 
أما الأخر كان ينظر لها وله التقط معاني كلماتها الموجهة له إسراء تريد أن تخبره أنها لم تحبه يوما ورغم أنها كانت تحاول أن تعود له مرة أخرى لكنها لم ترد العودة لحبها له ولكن من أجل أمان مفتقد ربما انتقام من مراد لا يعلم أسبابها بوضوح ولكنه فهم رسالتها جيدا ولكن ما كان يطرق في عقله بشدة كلمات مراد لقد أفاقته ونبهته لشيء واحد لا مريم أخرى في هذه العائلة وإسراء لديها اثنان من الممكن أنا يصبحا مثلها وأيضا من هو ليحكم عليهم من خانه خان وانتهى، لم يستمر في الخطأ بعد انهيار إسراء بالأمس يعلم أنها تحتاج لأحد ما وبشدة يحميها من خطر نفسها وهذا الأحد بالتأكيد ليس هو، يشعر بمراد الآن وبجنونه عليها مراد يحبها أي أن كان ما بينهم خانها أم لا هذا شيء لا يعنيه ولكنه يستحق فرصة أخرى معها. 


فرصة يتمناها هو مع جزئه وقطعته المختفية، حبيبته نعم مريم حبيبته، آه لو فقط يجدها سيفعل أكثر مما يفعله مراد الآن، مراد يضع نفسه في هذا الموقف من أجل إسراء وهو يعلم كبريائه جيدا ولكنه يضحي به من أجلها. 
إذا هو يستحق ليعود لسؤال نفسه من هو ليقف أو يحكم عليهما هما صفحة وانتهت من حياته. 
ليخبر إسراء مباشرة:" أوافق وبشدة إسراء عودي لزوجك واحتضني طفلتيك وصححي أخطائك إذا كانت هذه رغبتك أنا أشجعك عليها استمعي له وحاولي أن تبحثي عن الجيد بينكما"
ليقول وكأنه يخبر مريم:" ربما هو أخطأ في حقك بغباء ولكنه يستحق فرصة أخرى، تحملت كل هذا بصبر إذا لا تبخلي بفرصة أخيرة ربما يعوضك عن كل شيء" 
نظرت له إسراء بعيون بها بعض الدهشة من كلماته، لتسأله باستفهام تريد التأكد انه لا يسخر منها :"حقاً ما تقول بهذه البساطة اقتنعت؟ ! "
رد عليها بهدوء لا يمثل كل البراكين التي بداخله وهو يتذكر المختفية واتهام كل واحد له :" حقاً إسراء أنا أوافق مراد، ميرا وتاليا يستحقون كل التضحية في العالم لأجلهم فلا تكوني أنانية"، صمت للحظات يبتلع ريقه بمرارة ليكمل بعدها:" أنتما لا تدركان ماذا تعني كلمة طفل، لم تجربا شعور الحرمان منه حتى تعلما قيمته وتقدساها وإلا ما كنتما بحثتما عن نفسيكما فقط ولم تتذكرا الضحيتين اللتان بينكما، كما أني أريد أن أخبرك ربما ظهور مراد في الوقت المناسب لك أنا أيضا سأغادر هذا المنزل لأتحرر من لعنته ومن ما يحتويه من قسوة" 


لتنظر له إسراء ببعض السخرية عند تذكرها ما فعله هو مع مريم وهتافه المتفاخر بإجبارها وحملها:" أرجوك إيهاب لا تتحدث عن القسوة ربما أتقبل بعض من كلامك لكن لا تنسى انك أول من تعاملت بقسوة لا بل بدناءة لا استطيع إلى الآن استيعابها ولكنك أيضا تثير اشمئزازي ستغادر المنزل جيد ولكن ضحيتك أو ضحيتنا المختفية ما الذي سيحدث معها هل ستسلم أمرها هكذا وتكتفي من البحث أم ستبحث من أجل هذا الطفل" 


لم يرد عليها داخله يشعر أنه يستحق أكثر من هذا يعاقب نفسه وبقسوة يريد أن تسقط صورته أمام الجميع أن يعلم الجميع انه بشر يخرجوه من تلك الصورة السخيفة الذي وضعوه بها وكان أنانيا بأن يحافظ على مظهره ونسي طفلته التي تتعذب بين يديه من سلوكه ذاك، بدون أن يشعر وهو يثبت لها كل مرة أنها للظلام كما يدعي الحقير الذي يحتجزه في غرفة خارج المنزل. 
تكلم ببرود يوجه كلامه لمراد:" إن كنت صادقا فيما تدعي وهي مازلت زوجتك خذها من هنا وحاول هذه المرة أن تتصرف تصرفا سليم من أجل طفلتيك وميرا تراك بطلها الذي لا يشبهه أحد لم أعد اهتم إن كنت خنت أم لا؟ ولا تعنيني صورتكما في كل الحالات أنتما شوهتما الحقائق أمام الجميع بفعلتكما تلك وشوهتما صورتي أنا وأظهرتموني بصورة الرجل الغافل عما يجري في بيته" 
ليجيبه مراد بتأكيد متجنبا أي محاولة لإقناعه مرة أخرى بأي شيء غير واحد:" مازالت زوجتي إيهاب هي أمامك أسألها لم ألقي عليها يمين الطلاق أو ننهي في سفارتنا مما أخبرتك فقط انتهى بصورة قانونية في أمريكا ولم احضر أنا الأمر بنفسي"
لكن إسراء كانت غافلة عن إجابة مراد وهي تسمع ما يقوله إيهاب هزت رأسها بيأس لا فائدة ستظل في صوره الخائنة ولكن هل أصبحت تهتم بصورتها أمامه بعد ما عرفته عنه ؟ هي أيضا لم تعد تهتم. 
نظرت لمراد فقط تخبره وكأنها مجبره على الأمر :" سوف أقوم بتجهيز أشيائناً ونأتي إليك أعطني بعض الوقت فقط "
هز رأسه بدون تعقيب يعلن موافقته. 
تراجعت للوراء بظهرها تنظر إليهما وكأنها لا تريد تركهما بمفردهما وكأن وجودها سيمنع أي تشابك بينهما. 


ولكن ما يريحها قليلا علمها أنها لا تعني إيهاب حقاً هو لا يهتم بها ولكن ألمه الوحيد من مراد وإحساس الغدر الذي يشعر به. صعدت الدرج متوجهة إلى غرفتها وهي تسأل نفسها هل هذا الحل السليم ربما لا ولكنه الأمن لابنتيها .
************
بعد وقت قصير جلس مراد على إحدى الأرائك وفِي مقابله إيهاب الذي تقدم بصمت يجلس أولا ثم يشير له ببعض كمادات نظيفة وباردة أتت بها خادمة بعد أن طلبها منها ليمد له يده بها ليأخذها منه يحاول أن يمسح الدماء التي سالت من جانب فكه من اثر عراكهما. 
قطع الصمت إيهاب وهو ينظف وجهه هو أيضا ليخبره بقرار:" يدك أصبحت أثقل من أخر مرة اذكرها، لقد زادت مهاراتك" 
ليرد عليه مراد بصوت رتيب وكأنهما لم يفترقا لحظة ويجلسان يتناقشان في أحوال الطقس ولا ضرب أحدهما الأخر حتى :" وأنت إيهاب زدت همجية أو بوجه الدقة أصبحت همجي أسف لأخبرك ذلك ولكني أشعر بأني لا أعرفك "
ابتسم إيهاب بسخرية ليجيبه :"أنا أصبحت أكثر بشاعة وأنانية لا همجي فقط" 
:"أنا اعلم إيهاب بل متيقن أن ما أخبرتني به إسراء محض كذب وافتراء ولكن مما فهمت من كلامها المضطرب بالأمس أنك أنت من أخبرتهم بهذا "
نظر له إيهاب بالثواني فقط يستوعب كلماته إسراء أخبرته، أي لجأت إليه بعد انهيارها بالأمس، ربما لا تعنيه إسراء ولكنه يهتم حقاً بها ويشعر بالمسؤولية، أخبر نفسه بتأكيد إسراء لم تكن له لو اخبره صديقه من البداية بحبه لها ربما كان تفهمه ليته حاول معها الغبي قبل زواجه هو منها.
نطق الكلمات مباشرة:" لو أخبرتني مراد ربما كنت ثرت وغضبت منك وقتها اعترف ولكني كنت سأهدأ وأتفهم وربما أساعدك على وصالك معها "
نظر له مراد لا يفهم مقصده، ليكمل إيهاب يخبره :"اقصد إسراء هي لم تكن لي يوما أنا اعلم هذا الآن جيدا، أعلم أن كلامي جارح ولا يُطاق لكن تلك هي الحقيقة إسراء لم تحبّني يوماً وكما أرى حتى لم أصل معها لعلاقتكما تلك هي لجأت لك أنت بالأمس رغم كل ما بينكما، ولا تلجأ المرأة في احتياجها إلى لمن تثق به حقاً وتحبه وتراه عالمها وحتى لو كان يذبحها غباء منا نحن الرجال وضعف وطهارة قلوب منهن وإسراء رغم كل ما تحاول أن تظهره من قسوة اكتشفت متأخر جدًا أنها تحمل بعض الرحمة التي لا توجد في قلب أي شخص من هذه العائلة.


أجابه عليه مراد يكتم غيظه لا يريده أن يذكر اسمها حتى لا أن يشرحه له ويوصيه بها. باغته بسؤاله: "وأنت الآن تعلم ما في داخلهم من ضعف؟ صحيح لما تزوجت من مريم."
أجابه بكلمة واحدة قاطعة: "أحببتها كانت الجزء الناقص من البداية واكتمل، مريم كانت ما أبحث عنه ووجدته، لم أحب قبلها أي من النساء ولن أحب بعدها."
ليضيف بعدها ينهي حوارهم:"مراد تعلم أن الأمر لن ينجح بيننا أبدًا مهما سمعت من مبرراتك، وأنت أيضًا لن تتقبل وجودي قربك، فاجعلنا نتوقف هنا. كل طلبي منك من أجل الصغيرتين حاول أن تكون أبًا جيدًا لهن."
لم يعلق مراد يوافقه على ما يقول. ليومئ بصمت.
وبعدها يرفع عينيه يخبره:"أوافقك ولكن أريد أن أهنئك علمت أيضًا أن مريم حامل بطفلك أتمنى لك حقًا أن تراه وتحمله على يديك."
أجابه إيهاب بسخرية مريرة: "هذا عندما أجد أمه أولًا والتي فرت هاربة به مما يحدث هنا."
ليجيب مراد بثقة:"ستجدها، قلبك سيرشدك إليها وهي من ستبحث عنك مهما طال بعادكما.."
قاطعهما دخول إسراء وصخب ميرا عندما رأت مراد لتجري نحوه بصخب وهي تعلن عن فرحتها، ضمها إليه وهو يحملها ويقبلها ويقوم من مجلسه،لتحدثه الصغيرة: "اشتقت إليك بابا.. أنا سعيدة ماما أخبرتني أننا سنذهب معك ولن تتركنا مرة أخرى."
ليجيبها بهدوء وهو يبتسم لها: "نعم حبيبتي.. لن أترككم أبدًا. وأنا سعيد أيضا بذهابك معي مرة أخرى أميرتي ميرا."
التفت ليجد الصغيرة تاليا تمشي بهدوء ناحية إيهاب لا هو.. أغمض عينيه بشدة لا يريد أن يُغضب الطفلة. عندما أدركت العالم كانت تعيش تحت سقف بيت إيهاب لا هو، أكد لنفسه -ولو كان الثمن حياته هذه المرة- لن يكرر فعلته راقب طفلته تصل إلي إيهاب وتقف أمامه بهدوء ليترك الآخر ما بيده ويحملها بين يديه يحدثها بحنو وهو يقبلها: "مرحبا بالجميلة صاحبة حمرة الخدين اشتقت إليكِ يا جميلة
بادلته قبلته بصمت ليقف إيهاب بعدها وهو يرى نظرات مراد إليها وعلم معناها فتقدم منه وهو يضمها كأنه يودعها ثم يعطيها لهوهو يخبره:"لن أستطيع أن أخبرك مرة أخرى.. انتبه لهم؛ تاليا على وجهٍ خاص تحتاج رعاية منك إنها لم تتحدث إلى الآن وتحتاج لاهتمام بشدة."


مسد على شعرها عندما استقرت في أحضان أبيها بدون اعتراض بل ووضعت رأسها على كتفه كأنها تعلم جيدًا أنه مكانها الطبيعي. ليكمل إيهاب: "إنها ذكية جدًا مراد ولكنها تحتاج إلى رعاية واهتمام خاص."
لتقاطعه ميرا تلفت انتباه:" ألم أخبرك عمي إيهاب أن بابا يحبني وسيعود من أجلي لا كما أخبرتني ماما" 
ليميل إليها يضمها هي الأخرى وهو يخبرها: "وأنا صدقتك ميرا وأكدت لك أنه سيعود ولكن ربما الماما كانت غاضبة منه قليلًا لأنها اشتاقت له مثلك حبيبتي.. صحيح؟"
لتأكد له وهي تحتضنه: "صحيح سأشتاق إليك عمي هل ستأتي للعب معي في غرفتي عند بابا."
"ربما ميرا في يومٍ ما حبيبتي."
تركها بعدها لِيَد مراد التي امتدت لها بصمت.
ليلتفت لإيهاب عندما وصل باب الغرفة في إعلان عن انصرافه.
"إيهاب شكرًا لك لاهتمامك بهن رغم كل ما بيننا."
ليجيبه إيهاب بهدوء: "ليس من أجلك مراد، ولا حتى من أجل زوجتك بل من أجلهن. ولكن مهما اهتممت أنا.. هذا لن يخدمهن في شيء أنت الوحيد القادر مراد على الاعتناء جيدًا بأطفالك إنسى نفسك وقدر النعمة التي لديك 
ليومئ له مراد بموافقة وهو يخبره:"أتمنى لك أن تجدهم سريعًا إيهاب حقًا أتمنى لك هذا من كل قلبي."
تابع السادس عشر 
نظر لهم وهما يغادرون وهو يخبر نفسه هل سيصدق مراد حقًا، ربما كان يخبر نفسه أحيانًا أن مراد لن يخونه حتى لو أراد، وربما ما أخبره به سابقًا ويؤكد عليه الآن صحيح، ولكن تبقي النتيجة واحدة.. لم يحترم أي عهد صداقة بينهم، يريد أن يصدقه وبشدة ربما يستطيع أن ينسى أي وجعٍ شعر به.
ولكن رؤيتهما سويًا بكل هذا الألم الذي يشعران به جعله يعيد بعض حساباته مع نفسه على الفور، مراد يحبها حقًا ويتحمل من أجلها تحدي العالم وتزوجها عكسه هو،إسراء ربما حقًا تعاني هي الأخرى من توابع ماضيه، لما لم يفكر أنها تأثرت بما حدث سابقًا وكان جل اهتمامه بمريم، لم يفكر أبدًا أن إسراء ربما يكون بداخلها كما وصفها زوجها طفلة مذعورة. والآن يعلم جيدًا أنه فقدت الثقة. مراد حقًا هو من يستحقها من البداية، زواجه من إسراء كان أكبر خطأ ارتكبه، لم يفهما ولم تفهمه حتى علاقته بها كانت باردة ينقصها الكثير لم يستطع خلال عامين كاملين أن يتحرر كرجل معها،أن يشعرها بأهميتها لديه، فعل كل شيء أمام أسرتهما لها لكن بينه وبينها كانت علاقة رتيبة وأحيانً مملة له ولها حتى علاقتهما الجسدية كانت لمجرد زوجه وزوجه رغبة مقيدة لم يتحرر منها يومًا 
معها كم فعل مع مريم من أول ليلة لهما سويًا.


تحرك ناحية النافذة يتأمل المطر الذي بدأ في الهطول ابتسم لنفسه للذكرى التي لن تُمحى من عقله يومًا عند كل هطول للمطر يتذكرها بعشق عاشه معها لأول مرة في سنوات عمره التي تعدت السادسة والثلاثون. يتأمل الهطول الشديد للأمطار الآن وكأنها تشاركه نزيفه الداخلي وتريد أن تذكره بكل لحظة عاشها مع حبيبته بدون قيد أو اهتمام فقط زوجته والأنثى التي أصبح يريدها ويرغبها كما لم يرغب امرأة من قبل، كل ذكرى مميزة لهما معًا في رحلتهما تلك كانت تشاركهما الأمطار بها وكأنها تعلن عن مشاركتهما استسلامهما لمشاعرهما تلك، تأيدهما في قرارهما تخبره أن لا أحد سيطيب جروحه يومًا إلا هي ربيبته وابنته وحبيبته.



إعدادات القراءة


لون الخلفية