الجزء 4: لقاء الغريم

عند دقات منتصف الليل ..
بدأت سهرة جديدة بداخل أحد أكبر و أشهر ملهي ليلي في قلب المدينة ، بينما جلس " مروان " فوق آريكة حمراء مقوسة مرفقة بطاولة منخفضة مستطيلة ، وضعت فوقها المشروبات من مختلف أنواع و أصناف الكحول الفاخرة
و فيما تعالت ضحكات رفاقه الذكور و الإيناث ، إنطلقت صديقة له تقول و إمارات الثمالة واضحة عليها تمام الوضوح :
- انا ابويا ده باشا و الله .. بيقعد في البيت و مدور شغله كله من مكانه.
فسألها رفيقها الجالس ملتصقاً بها :
- ليه يا حبيبتي ابوكي بيشتغل ايه يعني ؟؟
ضحكت بغنج و أجابته :
- ابويا راجل محترم اوووي يا زومي ، بيتاجر بشرف.
- و بيتاجر في ايه بقي ؟؟
- في المخدراات. 
تعالت الضحكات المرحة النصف ثملة من جديد ، بينما رفيقاً أخر إنطلق يسأل " مروان " :
- قولنا انت بقي يا مؤسسة ، ابوك راجل غني اووي ، بيشتغل في ايه ؟؟
إبتسم " مروان " بجاذبية ، ثم أجابه بمرح و هو يلهو بكأسه المعبأ بالشراب :
- ابويا كان عنده شركة سياحة يا سيدي.
- كان !!
أومأ " مروان " رأسه ، ثم سحب نفسا عميق و عاد يقول باسما :
- ايوه كان ، قبل ما اخد انا منه كل حاااجة ، كل الهلومة اللي كانت بأسمه دلوقتي بقت بأسمي انا ، اينعم مش كلها بس انا ليا اكبر حصة.
ثم شرب محتوي كأسه دفعة واحدة ، بينما صاحت " سالي " صديقته الحميمة التي كانت تجلس بجواره :
- واو يا مارو ، مدهش بجد ، انت فعلا عملت كده ؟ يعني انت دلوقتي البيج بوص ؟؟
- انا طول عمري بيج بوص يا بت.
هتف بخشونة مصطنعة ، فأطلقت " سالي " ضحكة مجلجلة ناعمة ، ثم عادت تنظر إليه و قالت :
- طبعا يا روحي.
و إلتقطت زجاجة النبيذ الفاخرة ، ثم عبأت له كأسه قائلة و هي تلف ذراعها في خفة و دلال حول عنقه :
- بصحتك يا بوص. 
رمقها " مروان " بعينين ملتهبتين و هو ينظر إلي شفتيها الغليظتين المطليتين بلون أحمر كلون الدم ، ثم شرب كأسه دفعة واحدة و أدار رأسه نحو صديقاً أخر له و سأله بصوت أبح متأثرا بالكحول الباردة :
- و انت يا شادي ! ابوك بيشتغل ايه ؟؟
أجابه " شادي " نصف مركزاً لمشغوليته بإعداد السكائر الملفوفة :
- ابويا ! ابويا حرامي.
- حرامي !!
هتف " مروان " مشدوها ، ثم عاد يسأله :
- يا راجل ! سرق ايه ؟؟
- طول عمره بيسرق ، و من كام شهر كده عكش مبلغ محترم و كت برا البلد في اخر لحظة.
هز " مروان " رأسه في إعجاب قائلا :
- معلم ابوك و الله ، طب مابيصرفش عليك ياض ؟؟
- اهو كل اول شهر بيبعت لامي مبلغ مابشوفش منه مليم احمر. 
- ليه كده ؟؟
- البركة بقي في الموضة و الازياء اللي هوسة امي ، بتصرف كل اللي وراها و اللي قدامها علي شكلها و مظهرها.
ثم حول نظره إليه ، و قال باسما في إستكانة محببة :
- و البركة فيك بردو يا كبير طول عمرك جدع و مبتنساش حد خصوصا صحابك. 
رمقه " مروان " بإبتسامة خبيثة و هو مدركا تماما مقصده الإستغلالي المتخفي تحت بند الصداقة الزائفة ، بينما صاحت " سالي " و هي ترفع كأسها في الهواء :
- بصحة فلوسك يا مارو.
فردد الجميع هتافها ، بينما إبتسم " مروان " في غرور متعال مزهوا بهيبته الطاغية بين الجميع ...


تململ " توفيق " في ضيق بفراشه الجديد الذي إحتوي جسده بصورة جيدة ، ثم فتح عينيه بتثاقل و هو يدير رأسه نحو هاتفهه الرابض فوق الطاولة المجاورة للفراش ، و إلتقطه ثم إنتصب نصف جالسا ، و راح يحدق إلي أسم المتصل بعينين ضيقتين ناعستين ، فإذا هي إبنة شقيقه ... :
- يا خبر ! ده انا نسيتها خالص !!
صاح " توفيق " متضايقا ، ثم أجاب مسرعا :
- الو يا حبيبتي ، معلش انا اسف سامحيني مسألتش عليكي بقالي مدة ، حصلتلي ظروف جامدة اوي. 
جاء صوت " هانيا " هادئا إلي سمعه :
- و لا يهمك يا انكل ، انا كنت عند حضرتك انهاردة الصبح و عرفت كل حاجة. 
- عرفتي ؟!
هتف " توفيق " متخاذلا ، بينما باغتته " هانيا " مسرعة :
- انكل توفيق مش هاينفع الكلام عالتليفون ، انا لازم اشوفك في حاجات كتير حصلت لازم تعرفها. 
- انا عارف كل حا ..
- لا يا انكل !
قاطعته بقوة ، و أردفت :
- انا عارفة ان حضرتك كنت علي علم باللي حصل لبابا ، لكن انا عايزة اقابلك عشان في حاجات جديدة حصلت لازم تعرفها. 
- ايه اللي حصل يا حبيبتي ؟؟
سألها بإهتمام ، فأجابته :
- لازم اشوفك عشان احكيلك يا انكل ، انت فين ؟؟
تنهد بثقل و أجاب :
- قاعد عند واحد صاحبي.
- طب اديني العنوان ، هكون عندك الصبح.



عند دقات الثانية بعد منتصف الليل ..
إستمر بوق سيارة " مروان " الفارهة يصدح عاليا حتي فتح له الحارس البوابة الإلكترونية الضخمة علي مصراعيها ، فإنحرف " مروان " يسارا و مشي عدة أميال حتي أوقف السيارة بصورة تدريجية وسط ساحة المنزل ، ثم ترجل و أعطي المفتاح لأحد الحرس ليصفها بالكراچ الخلفي ، و بينما هو متجها صوب الدرجات الثلاث المؤدية لباب المنزل ، سمع صوت عويل و صراخٍ حاد ، فتجمد بمكانه للحظة ، ثم إلتفت إلي الحارس و سأله عابسا :
- ايه الصوت ده يا سعيد ؟؟
أجابه " سعيد " بلا إكتراث :
- ده تلاقيه عبيد هو و مراته يا باشا. 
قطب " مروان " حاجبيه ، و راح ينصت جيدا ، ثم عاد يقول :
- بس دي بتصرخ جامد اوي.
- اه ما تلاقيه بيضربها زي عادته.
- بيضربها ! ليه ؟؟
- مراته و بيأدبها يا باشا ، اكيد غلطت فيه او عملت حاجة غلط.
عند ذلك ، صر " مروان " علي أسنانه بقوة ، كما شد علي قبضتيه أيضا ، ثم إندفع إلي مؤخرة ( الڤيلا ) حيث غرفة البستاني و زوجته ..
طرق الباب بعنف صائحا عندما إتضح له صوت الصراخ أكثر :
- عبيييييد !
لم تمر ثوان إلا و إنفتح الباب ، ليظهر المدعو " عبيد " من خلفه ، كان أصلع ذو جسد ممتلئ و أنف أفطس ينحدر إلي فما غليظ يعلوه شاربا كثيف .. :
- مروان بيه !
هتف " عبيد " لاهثا أثر الجهد الذي بذله في تأديب زوجته بالضرب المبرح ، ثم تابع متسائلا :
- مساء الخير يا باشا ، في حاجة حضرتك ؟؟
حدجه " مروان " بغضب ناري ، ثم سأله بحدة و هو يتنقل بعينيه بينه و بين تلك المرأة القابعة فوق أرض الغرفة و الدماء تسيل من أنفها إلي فمها :
- ايه الصوت العالي اللي سمعته من برا ده ؟؟
ثم أشار برأسه إلي إمرأته قائلا :
- و ايه اللي انت عامله في مراتك ده ؟؟
سحب " عبيد " نفسا عميقا ، ثم أجابه بهدوء :
- مراتي و بأدبها يا بيه ، حقي.
- التصرفات دي ماتحصلش في بيتي تاني.
صاح " مروان " غاضبا ، ثم أردف محتدا :
- مفهوم ؟؟
صمت " عبيد " للحظات ، ثم أومأ رأسه قائلا علي مضض :
- مفهوم يا بيه.
رمقه " مروان " شزرا ، ثم قال بلهجة آمرة قاتمة ، لا تقبل الإعتراض أو النقاش :
- مراتك هتيجي تبات الليلة دي جوا البيت مع باقي البنات اللي بيشتغلوا في المطبخ.
عجز " عبيد " عن الإحتجاج ، بينما وجه " مروان " كلامه إلي الزوجة الشابة :
- يلا يا حنة ، انا داخل البيت ، تعالي معايا عشان هتباتي جوا مع البنات.
أطاعته " حنة " مسرعة ، إذ وضعت شالها السميك الرث علي كتفيها العاريتين ، ثم تبعته في الظلام حتي داخل المنزل ، و ما أن دخلا و إنغلق الباب خلفهما ، حتي أمسك " مروان " بمعصمها و قادها بحذر إلي غرفته بالعُلية الأولي ، ثم أغلق الباب في هدوء و أسرع إليها ..
نزع عنها بقوة الشال الذي كان يححبها عنه ، ثم قبض بيديه القويتين علي كتفيها العاريتين ، و سألها بصوت أجش :
- ايه اللي حصل ؟؟
تطلعت إليه بأعين دامعة ، فهزها بنفاذ صبر ناقلا إليها عنف إنفعالاته من خلال يديه ، بينما لم تشعر " حنة " إلا و دموعها تنسكب علي خديها ، فعاد يسألها ملحا :
- حنة .. اتكلمي ! جوزك الحيوان ده ضربك ليه ؟؟
نطقت " حنة " أخيرا ، حيث قالت بصوت أبح و جسدها ينتفض نفضا بين ذراعيه :
- بني ادم مقرف ، مش كفاية صابرة عليه و مستحمله عمايله فيا ، اخرتها بيضربني.
- ضربك ليه ؟؟


- عشان مارضتش اديله الفلوس اللي ابويا بعتهالي من البلد.
قطب " مروان " حاجبيه غاضبا ، فيما إعتمل شعور العنف المدمر بداخله و هو يتأمل سيل دموعها الذي أغرق وجهها الحزين ..
لم تكن " حنة " مجرد فتاة عادية الجمال ، بل كانت ملامحها الريفية رائعة التفاصيل ، إستدارة وجهها الناصع النضر ، و عيونها شديدة الخضرة ، و أنفها الدقيق الذي ينحدرإلي فما مكتنزٍ و ناعم ، كما أن جسدها الممشوق و الممتلئ برشاقة هو أول ما جذب إنتباه " مروان " لها بمنحنياته و مرتفعاته المثيرة ، فراح يتودد إليها حتي نجح في إستمالتها إليه و جعلها عشيقته في الخفاء ، بينما إنغمست معه في الملذات المحرمة مسلوبة الإرادة ، مسحورة بجاذبيته و وسامته إضافة إلي دفعات الحنان التي كثيرا ما يغدقها عليها بلا نهاية !
- خليه يمد ايده عليكي تاني و انا اكسرهاله.


هتف " مروان " مزمجرا و هو يمسح بكفه علي شعرها الاسود الحريري الطويل ، ثم مد يده الاخري إلي جيب سترته و أخرج منديلا ، ثم طفق يمسح قطرات الدماء السائلة من أنفها و فمها ، بينما تأوهت بخفوت و قالت بعد قليل :
- انت اللي مصبرني عليه .. لو ماكنتش في حياتي انا كنت هجيت من زمان و لا خليته يعرفلي طريق جرة.
ثم رفعت كفها إلي وجهه قائلة و هي تتظر بعمق إلي عينيه البنيتين :
- انا بحبك اوي يا مروان بيه. 
إبتلع " مروان " ريقه في شي من الإضطراب ، ثم قال متصنع الحدة :
- اتا مش قلتلك قبل كده ميت مرة لما نبقي لوحدنا تقوليلي مروان بس منغير بيه دي ؟؟
أومأت رأسها باسمة في إستحياء ، ثم رددت جملتها مع إختلاف نطق إسمه مجردا من الألقاب :
- انا بحبك اوي يا مروان. 
إبتسم " مروان " بخفة قائلا :
- ايوه كده .. شاطرة يا حبيبتي.
ثم مرر أصابعه في شعرها ، و أزاحه برفق عن جبينها الناعم قائلا بصوت مرتج عميق و هو يتآملها برغبة :
- لو تعرفي انا بحبك اد ايه ! مافيش واحدة بتعمل فيا ربع اللي بتعمليه.
ثم إنحني و لثم خدها بشفتيه ، فأغمضت عينيها و سألته :
- بتحبني ؟؟
فأجابها هامسا بأذنها في شبه فحيح :
- اوي.


- يعني لو اتطلقت ممكن تتجوزني ؟؟
- انتي ملكي في كل الاحوال ، بجواز او منغير جواز.
و دفن وجهه لدي عنقها البض ، ثم ضمها في عناق دافئ غيبهما عن الواقع للحظات قبل أن يرفع رأسه و يسألها لاهثا :
- هو انتوا كنتوا بتعملوا ايه قبل ما يضربك ؟؟
عضت علي شفتها السفلي في خجل ، ثم أطرقت رأسها ، بينما إعتمل الغضب بنفسه ، فرفع ذقنها بإبهامه في قسوة و أعاد السؤال مجددا ، و عندما أجابته بالصمت مرة أخري ، صاح بها منفعلا :
- انا مش قلت مايلمسكيش ؟ قلت كده و لا ماقلتش ؟؟
- طب ازاي بس !!
هتفت بحيرة ، فأجابها بنزق :
- ماعرفش .. تتصرفي ، تعملي اي حاجة.
- حاضر .. بس لو رجع يضربني تاني ؟؟
- ماتقلقيش ، انا الصبح هيكونلي كلام تاني معاه ، مش هيقدر يهوب ناحيتك تاني .. وعد. 
ثم آمرها بلطف صارم :
- و دلوقتي ادخلي خدي دوش بس بسرعة ، انا مستنيكي.
قالت في تردد :
- ايوه بس .. بس انا خايفة ممكن اي حد يعرف اني كتت عندك هنا !
- ماتخافيش ، قبل الفجر ما يطلع هنزلك اوضة البنات.



في صباح اليوم التالي ..
وصلت " هانيا " إلي مسكن عمها الجديد بسهولة متبعة إرشاداته التي أملاها عليها ، و بينما كانت تجلس إلي جوار عمها فوق أريكة بحجرة الجلوس ، إنطلق " رشدي " يمتدحها قائلا :
- بسم الله ما شاء الله يا توفيق ، عندك بنت اخ زي القمر.
أجفلت " هانيا " ثم شكرته برقة :
- شكرا لحضرتك ، ميرسي علي المجاملة الرقيقة.
أهداها " رشدي " إبتسامة عذبة قائلا :
- العفو يا حبيبتي ، بس انا مش بجامل هي دي الحقيقة.
ثم نهض واقفا علي قدميه ، و توجه بالحديث إلي صديقه :
- انا هنزل الورشة تحت اشوف الشغل ماشي ازاي ، خد بالك بقي من القمر دي يا توفيق قوم بواجب كرم الضيافة معاها احسن تقول علينا بخلة.
أومأ " توفيق " رأسه مبتسما ، و قال :
- حاضر يا رشدي. 
- يلا عن اذنكوا.
ثم غادر " رشدي " الشقة مسرعا ، بينما إلتفتت " هانيا " إلي عمها قائلة :
- انكل توفيق ، ازي حضرتك يا انكل ؟ عامل ايه ؟؟
تنهد " توفيق " بثقل ، ثم رسم إبتسامة باهتة علي شفتيه و أجابها :
- كويس يا حبيبتي ، عايش اهو زي مانتي شايفة ، المهم طمنيني عليكي انتي ، اخبارك ايه ؟؟
- اخباري مش كويسة خالص يا انكل ، انا عايزة اعرف ، عايزة افهم .. اللي حصل ده كله ، حصل ازاي و ليه ! أرجوك يا انكل لو عارف اي حاجة قولهالي !!
أطرق " توفيق " رأسه آسفا علي حالها و حاله في الوقت ذاته ، لكنه سرعان ما رفع وجهه إليها مجددا ، ثم تتفس بعمق و راح يحدثها في هدوء :
- بصي يا هانيا .. اولا انا عايزك تعرفي حاجة مهمة جدا .. انا و مصطفي اخويا الله يرحمه من زمان عمرنا ما كنا بنتفق علي حاجة ، كان كل واحد فينا افكاره و شخصيته مختلفة عن التاني ، كنا زي القطرين اللي ماشين علي القضبان جنب بعض ، بس كل واحد بياخد اتجاه عكس التاني .. و بناءً علي كده انا عمري ما قدرت افهمه ولا قدرت اتدخل في حياته ، ابقي كداب لو قلتلك اني اعرف اسرار الحكاية اللي حصلت ، رغم انه لجألي قبل ما يتوفي ، الا انه رفض يحكيلي اصل الحكاية. 
- اصل الحكاية !!
رددت " هانيا " مقطبة ، فأردف "توفيق " :
- ابوكي ما قاليش غير ان كان في بينه و بين رئيسه القديم في الشغل عداوة قديمة. 
- ايه اسباب العداوة دي ؟؟
هز " توفيق " كتفيه و أجابها :
- هو قالي ان المجموعة بتاعته اللي كان بيديرها الله يرحمه قبل ما يتوفي ، زمان كانت ملك رئيسه القديم ، واحد اسمه طايع الصباغ ، و لما فلس الراجل ده ابوكي اشتري شركته و مصانعه بتراب الفلوس ، انا وقتها بصراحة اندهشت و قلت ابوكي جاب الفلوس دي منين ! بس المهم يعني مش موضوعنا ، من هنا بدأت العداوة ، بعد ما مصطفي اشتري الشركة و المصانع ، بس الراجل مات من عشرين سنة ، و اللي رجع عشان ينتقمله بعد كل السنين دي هو ابنه .. عاصم الصباغ ، اللي خد كل حاجة من ابوكي و ماسابش و لا حاجة.
عند ذلك ، إكتملت الصورة بأعين " هانيا " التي صمتت للحظات تستوعب و ترتب كلام عمها ، ثم حولت بصرها إليه و سألته :
- عشان كده بابا انتحر ؟ عشان فلس ؟!!
- ماكنش سهل يا هانيا علي ابوكي بالذات بعد ما بني إمبراطورية ضخمة زي دي ، يصحي في يوم و يلاقي المعبد كله اتهد فوق دماغه و شقي عمره بمنتهي السهولة بيتنسب لشخص تاني ، محدش يعرف ابوكي ادي ، انا ماتصدمتش اوي لما جالي خبر موته منتحر ، كان شيء متوقع بالنسبة لي ، ابوكي عمره ما قبل و لا كان هيقبل الهزيمة ، فإنتحر.
لوت فمها بسخرية مريرة قائلة :
- يعني مات بكرامته و ارتاح من كل ده ، و سابني انا اواجه المصايب و الكوارث لوحدي.
- المهم انتي قاعدة فين دلوقتي ؟؟
تنحنحت " هانيا "ثم أجابته بفتور :
- قاعدة عند داده قوت في حتة اسمها الوراق ، هي منطقة بشعة ، بس انا مضطرة اقعد هناك ، ماعنديش اختيار تاني.
ثم صمتت لثوان ، و قالت :
- لحد ما اروح اقابله بكره.
قطب " توفيق " حاجبيه متسائلا :
- هتروحي تقابلي مين ؟؟
نظرت " هانيا " إلي عمها ، ثم أجابته في هدوء بالغ :
- عاصم .. عاصم الصباغ طالب يقابلني يا انكل.



علي الطرف الأخر ..
جلس " مروان " بحديقة ( الڤيلا ) إلي طاولة مظللة بأوراق الشجر يتناول الإفطار ، بينما آتي إليه البستاني " عبيد " مهرولا ، ثم قال بأدب عندما وقف أمامه مباشرة :
- صباح الخير يا باشا .. حضرتك طلبتني ؟؟
نزع "مروان " نظارته الشمسية و نظر إليه بتعال ، ثم قال في جمود حاد :
- طبعا انا مش محتاج انبه عليك تاني بخصوص اللي حصل ليلة امبارح ، لو مديت ايدك علي مراتك تاني بالطريقة العنيفة دي ، حسابك معايا هكون عسير.
لوي " عبيد " فمه الغليظ ممتعضا ، ثم قال عابسا :
- انا مابمدش ايدي عليها من الباب للطاق يا باشا ، لما بتغلط بأدبها.
- اسمع يا عبيد.
هتف " مروان " محتدا ، ثم إستطرد بلهجة آمرة :
- مراتك من انهاردة هتسيب الجنينة ، ماعادتش هتقعد معاك في الاوضة تاني الا في يوم اجازتها من حقها تختار المكان اللي هتقعد فيه ، لكن من انهاردة هتدخل تشتغل جوا البيت ، و ليها مكان في اوضة الشغالين.
ثم أضاف محذرا :
- و قسما عظما لو لاقيت علي وشها اثار ضرب غبي زي اللي شفته امبارح حرميك في السجن بإيدي.
نظر إليه " عبيد " متململا و هو لا يجرؤ علي الإعتراض ، بينما رمقه " مروان " بإزدراء متعال ...


عندما حل المساء ، و أوغل الظلام في إنتشاره ..
ذهب " عاصم " إلي غرفة مكتبه ليباشر عمله من خلال حاسوبه المحمول ( اللاب توب) بينما دلف " زين " إليه فجأة من دون إستئذان صائحا :
- خلاص يا عاصم ، البنت وافقت تتقابلوا. 
ثم أضاف و هو يجلس في كرسي قبالته :
- المحامي بتاعها لسا قافل معايا ، قالي انها وافقت تقابلك ، بس مش هنا في القصر. 
- اومال فين ؟؟
سأله " عاصم " متجهما ، فتنهد " زين " و أجابه :
- في الشركة.
أبدي " عاصم " إمتعاضه الشديد من هذا الطلب ، فهو قليلا ما يذهب إلي مقر شركته ، تقتصر زياراته علي نحو مرتين أو ثلاثة مرات في العام الواحد ، كان " زين " هو من يهتم بشئون العمل ، و يقوم بكل الواجبات علي أكمل وجه ، بينما " عاصم " يساعده من خلال موضعه بمنزله ، فقد كانت الندبة بوجهه أكبر عامل مؤثر في حياته ، جعلته يكره الظهور أمام الناس عموما .. :
- هتيجي امتي ؟؟
تساءل " عاصم " واجما ، فأجاب " زين " :
- بكرة الصبح الساعة تسعة ، انا اللي حدت الميعاد .. بكرة يومنا فاضي شوية من اوله. 
راح " عاصم " يهز ساقه اليمني في حركة عصبية ، ثم عاد يسأله :
- جبتلي صورتها ؟؟
- اه ، لحظة. 
ثم أخرج " زين " هاتفهه الخلوي من جيب سترته ، و نهض متجها صوبه ، ثم فتح صورة معينة و ناوله الهاتف و هو مركز بصره عليه يراقب ردة فعله من خلال تعابير وجهه ..
بينما تسمر بصر " عاصم " في ذهول و إنبهار علي شاشة الهاتف بيده ، فقد كانت الصورة تمثل فتاة زرقاء العينين ، في فستان ربيعي مزهر ، كان شعرها أشقر معقودا إلي الخلف و قد أفلتت منه خصيلات رقيقة كالريش علي صدغيها ..
حبس " عاصم " أنفاسه ، و لا شعوريا رفع يده إلي صفحة وجهه المشوهة يتلمسها بأنامله متمتما بأنفاس مبهورة :
- دي حلوة !
وافقه " زين " باسما :
- ايوه يا عاصم .. حلوة اوي.
و هنا تطلع إليه " عاصم " و التصلب باد علي قسمات وجهه ، ثم سأله بجمود :
- قولتلي اسمها ايه ؟؟
- اسمها هانيا. 
- هانيا !!
ردد " عاصم " الأسم في بطء و هو يفكر بعمق فيما سيحدث غدا صباحا



إعدادات القراءة


لون الخلفية