لا تعلم لماذا أحست بأنفاسها تختلج في صدرها حين سمعته يقول تلك الكلمات ، فرفعت إليه وجهها الشاحب بسرعة ، و سألته بإقتضاب:
-عايز تعترفلي بإيه ؟؟
أطرق رأسه ، و ظل صامتا للحظات .. أراد أن يجمع أفكاره ، و يستحضر الكلمات المناسبة للتصريح عما يجيش بصدره ..
لكنه فجأة هب واقفا ، و سار صوب النافذة الزجاجية القريبة من موضع مجلسهما ..
إستند بيديه إلي حافتها الرخامية ، و سكن قليلا ..
راقبته "هانيا" منتظرة ما سيخرج من فمه في تشوق ، فيما تقلصت ملامح وجهه المعذب في شيء من الآلم ، فإبتلع غصة مريرة في حلقه ، و سحب نفسا عميقا ، و بدأ يتكلم و لكن بصوت متحشرج بعض الشيء:
-زمان و انا صغير .. ابويا ماكنش بيحب ينزلني الشارع العب .. بس قعدت اتحايل عليه في مرة من المرات لحد ما نزلت ، المهم اتخانقت مع ولد و ضربني و ضربته
لما رجعت البيت و هدومي مقطعة ، ابويا شافني .. قالي مين عمل فيك كده ؟ قولتله فلان.
صمت لثوان ، و تابع بصوت أجش:
-حسيت ساعتها ان عضم وشي اتكسر من كف ايده اللي نزل علي وشي .. و قالي بعدها انزل هات حقك يابن الـ***
نزلت جري و مسكت الولد ده فرمتتته لدرجة ان وشه مابقاش فيه اي علامة مميزة ، و طلعت قولتله انا مسكته فرمته و عورته.
صمت مرة أخري لدقيقة كاملة ، ثم عاد يقول بنبرة متهدجة إنفعالا:
-نفس القلم هو هو نزل تاني علي وشي ، و المرة دي قالي ، ادخل اقلع هدومك و استحمي يا كلب و اوعي تنزل الشارع ده تاني
و بالليل ، لاقينا الباب بيخبط .. ابويا فتح ، لاقينا والد صاحبي و ابنه معاه وشه كله ملفوف بالشاش ، ابويا رحب بيه و قاله ، اهلا اهلا يا استاذ اتفضل ..
الراجل دخل و قاله ، انا زعلان و الله ، يرضيك عاصم يعمل في اخوه كده ؟ ابويا قاله لا و الله مايرضنيش .. و إتكرر قدام الراجل و ابنه نفس القلم هو هو لتالت مرة ، بس المرة دي لا عيطت و لا حتي حسيت بآلم اد الصدمة في ابويا ..
و فضلت مقتنع ان ابويا مجننون ، و بقيت اسأل نفسي .. هو عاوز ايه ؟ .. اتخانقت ضربني ، نزلت ضربت اللي ضربني بردو ضربني .. و لما الناس جت بردو ضربني !.اكيد ابويا مش طبيعي.
و هنا إلتفت إليها ، و كانت نيران المدفأة تنعكس علي عينيه الحادتين و صفحة وجهه نصف المشوه ، ثم قال بهدوء هذه المرة:
-بس لما كبرت ، و بعد كل التجارب اللي مريت بيها .. عرفت معني التلت اقلام ..
اول قلم .. اوعي تسيب حقك ، تاني قلم .. اوعي تفتري علي حد ، تالت قلم .. اوعي بسببك حد يجي يقول انك اتسببت في مشكلة قدام حرمة بيتك او قدام حرمة بيوت الناس.
نظرت إليه بمزيج من الدهشة و الإستنكار ، و سألته محتدة:
-و لما انت اتعلمت كل ده .. بتعمل عكسه ليه ؟ .. بتفتري ليه ؟ بتتعدي علي حرمة بيوت الناس ليه ؟؟!
إنفلت عقال غضبه و إنفعاله بغتة ، فصاح بعنف متهور:
-أنا ماشي علي كلام ابويا .. مافيش خطوة خدتها في حياتي مش سليمة ، انا صاحب حق .. و لحد اخر نفس هفضل احارب لحد ما اخد حقي.
باغتته بعدائية:
-و ايه وجه الحق في اللي عملته و اللي بتعمله فيا ؟؟
رأته يعود بالخطي نحوها مرة أخري و هو يبتسم في تهكم مرير .. و لما وصل إليها و جلس قبالتها مجددا ، مد جسده ليكون علي مقربة منها ، ثم قال بتؤدة و ثبات:
-انتي وجه الحق نفسه .. انتي حقي يا هانيا ، حقي اللي مش هتتازل عنه مهما حصل.
و هنا ، تهاوت دموعها الحبيسة منذ إسبوع و أكثر ، و هتفت غاضبة:
-لأ مش حقك .. انت عدوي ، مهما كان اللي بينك و بين ابويا ، او اللي كان بين ابوك و ابويا .. هتفضل عدوي ، كفاية اصلا اللي عملته فيا .. انت دمرتني ، دوست عليا برجليك و سوتني بالأرض .. انا شفت معاك ذل عمر بحاله ، و عمري ما هسامحك.
راحت عيناه ترسلان شرارات خطر و هو يتفحص وجهها المتمرد الحزين ، ليصيح فجأة:
-انا مادمرتكيش و لا دوست عليكي و لا عملت اي حاجة من اللي قولتي عليها .. انا ماجيتش جمبك ، انا ماقربتش منك حتي يا هانيا .. انتي لسا زي مانتي ، انا مالمستكيش !
************************************
وقفت علي باب غرفتها ، تراقب طريق المرور لتتأكد من خلو المكان ..
فلما إطمأنت لذلك ، إندفت تعدو بخطوات خفيفة كالريشة و هي حريصة أشد الحرص علي ألا يصدر عنها أي صوت و لو ضئيل يدل علي تحركات غير طبيعية ، فتلفت الإنتباه لها ..
خرجت من المنزل تماما كاللصوص من خلال باب خلفي ملحق بالمطبخ يستخدمه الخدم ..
و أخيرا وصلت عند البوابة الصغيرة للڤيلا ، و المغلقة بإحكام فلا يحرسها أحد ..
و هناك ، كان يقف "شهاب" خلف القضبان الحديدية المتينة في إنتظارها .. :
-في ايه يا شهاب ؟ .. ممكن افهم ايه سبب الجنان اللي حل عليك فجأة ده ؟؟!
حدجها "شهاب" بنظرة إزدراء جليدي حرجتها للغاية ، ثم قال بجفاف:
-بتتهربي مني ليه ؟ .. انا عملت حاجة ضايقتك ؟ .. في اخر مقابلة لينا ، حصل مني حاجة زعلتك ؟ .. و يا تري مابتجيش الكلية بسببي بردو ؟ ماتتكلمي يا هاجر ، اتكلمي و اوعدك اني همشي فورا و مش هتشوفي وشي تاني ابدا ، بس اعرف الاول ايه سبب هروبك مني !!
لم يتلق منها ردا سوي نظراتها الواهنة الدامعة و هي تضغط شفتيها في بعضهما بمنتهي الآلم و العذاب ..
ما أزاده ذلك إلا إنفعالا ، فهدر بقسوة:
-للدرجة دي مش طايقة تشوفيني و لا تسمعي صوتي حتي ؟ .. مش قادرة تردي عليا و تقوليلي امشي مش عايزة اشوفك تاني ؟؟
و كف عن الكلام للحظات ، ثم عدل من وضعيته ، و هندم ثيابه الفاخرة بحركات متغطرسة ، ثم قال بخشونة و هو يرمقها بنظراته المتعالية:
-عموما انا هريحك مني يا انسة هاجر و همشي . بس قبل ما امشي احب الفت نظرك لحاجة مهمة ، مش انا اللي حاولت اتقرب منك .. مش انا اللي طول الفترة اللي فاتت فضلت العب بمشاعرك و عواطفك .. انتي اللي عملتي كل ده ، و انا لو عايز هدفعك تمن كل اللي عملتيه معايا.
ثم مرر عينيه عليها من أسفل إلي أعلي في تقييم مزدر ، و أضاف:
-بس انتي ماتستهليش اضيع معاكي وقت اكتر من كده.
و أدار لها ظهره ، و خطي بعيدا عنها ..
لم تتمكن "هاجر" من تحمل ظلمه و إتهامه الباطل لها ، فحررت مشاعرها المكبوتة ، و أطلقت صوتها المجروح ، لتقول و دموعها تسيل بغزارة و حرارة علي خديها:
-شهااااب .. استني يا شهاب ، ماتمشيش .. انا بحبك !
تجمد بمكانه لوهلة ، لكنه سرعان ما أفاق من الغفلة التي كادت تزجه بها مرة أخري ، إذ قال دون أن يلتفت إليها:
-مش هسمحلك تلعبي بيا تاني .. حاولي مع حد غيري يا انسة ، و نصيحة مني .. احسنلك ماتهوبيش ناحيتي بعد كده ابدا و الا ماتلوميش الا نفسك.
ثم إنتفض بشموخ ، و عاد من حيث آتي ..
بينما بقيت "هاجر" تحدق في أثره الفارغ و هي تبكي و تهتف إسمه في يأس حارق:
-شهــاب !
علي الطرف الأخر ..
تسمرت "هانيا" في تلك اللحظة من هول المفاجأة ، فتطلعت إلي وجهه المطل عليها ، و قالت بما يشبه الهذيان:
-انت .. انت بتقول ايه ؟ .. آاا آا ..
-بقول الحقيقة عشان اريحك من العذاب اللي انتي فيه !
قاطعها من قلب محروق ، إذ كان هو يتعذب مثلها أيضا ..
عجزت "هانيا" عن الكلام أمام نظرته المحترقة ، و عواطفه السافرة ، و لكنها في الوقت ذاته لا زالت لا تصدقه ..
إنما لهجته و نظراته بدتتا تآكدان صدق قوله ، و إن كان يحبها حقا كما قال من قبل ، فلابد أنه كابد الكثير مثلما كابدت هي و ربما أكثر ..
فعذابه مسطر علي وجهه ، بل و محفور في ثناياه المتقلصة ..
غامت عيناها بالحزن ، و مزق الوجع قلبها ، فتوسلته بمقلتيها الزرقاوين اللتين لطالما أبدي إعجابه الشديد بهما ، و همست:
-ارجوك ، من فضلك .. ماتكدبش عليا .. انا يومها شفت بعيني ...
-مش حقيقي !
قاطعها للمرة الثانية بصوت منخفض ، فلاحظت إلتماع عينيه و كأنه علي وشك البكاء ، بينما تنهد "عاصم" بثقل ، و راح يقص عليها الآتي ..
..................................................................
عندما دلف إلي غرفته ، كان يحمل جسدها المتهدل بين ذراعيه ..
و كان جسده ينتفض بالرغبة مع كل خطوة يخطوها نحو فراشه العريض .. مددها برفق فوق الأغطية السميكة الناعمة ، ثم جلس علي حافة الفراش قريبا منها ..
راح ينظر إليها بقوة و تركيز .. مسح جسدها من أسفل إلي أعلي بعينين نهمتين ، و علي إثر ذلك ، تصلب كل عرق و عصب بجسده ..
فلم يعد يطيق صبرا ، فك أزرار قميصه بسرعة فائقة ، فقد كانت أصابعه ماهرة في تلك اللحظة بالذات ..
و بلهفة و شوق بالغين ، دني برأسه من رأسها ، و راح يوزع علي وجهها قبلاته المحمومة ..
حتي وصل إلي شفتيها ، كان عاقدا العزم و بقوة علي نيل ما
يريد ، و كان مشتاقا لإرتشاف رحيق شفتيها حتي الثمالة ..
كان يمني نفسه بالإستمتاع بها و بجمالها طوال فترة غيابها عن الوعي ..
كان يرحب بشدة بالغوص في بحرها العميق ليستكشفها هو وحده لأول مرة فيحظر علي الآخرين مقاربتها سواه ، هو فقط من يحل له الإقتراب منها ، و سبر أغوارها بنفسه ..
ترك أمواجها تتقاذفه و تطغي عليه ، فبات هائما علي وجهه لا يدر شيئا من حوله سوي أنه و أخيرا ، فتح لنفسه أبواب الجنة ..
و لوهلة ، آمن بإنه فقد السيطرة علي ذاته كليا و لا مجال للرجعة و لو خطوة واحدة عما أقبل عليه حتي الآن ..
فهي الليلة ، سوف تغدو ملكا له للأبد .... إلا أنه و بصورة مفاجئة ، إنتزع نفسه إنتزاعا من فوقها ..
إذ إرتد بوجهه للخلف و هو يلهث بعنف .. إبتعد عنها ، و أسرع يدفن رأسه في الوسادة بجوارها و يقلص يديه فوق رأسه محاولا كبح الرغبة الحارقة التي تكاد تدفعه إلي حافة الجنون ..
لا يمكن أن يفعل هذا بها .. قال محدثا نفسه ..
فإذا فعل ، سوف تكرهه مدي الحياة ، و لن تسامحه إطلاقا ..
إذن ، يجب أن ينظف خلده من وساوس ذلك الشيطان الذي لا يكف عن تحريضه علي إيذائها ..
فلو كان سيقضي اليوم ليلة بالجنة ، فإن جحيم الذنب سيكون مثواه أبدا خالدا مخلدا فيه حتي لو كفر عن إثمه طوال ما بقي من عمره ..
رفع "عاصم" وجهه أخيرا بعد أن ضمن سيطرته علي نفسه ، و أنه ما عاد جائعا للشهوة ، أو .. لها هي تحديدا ..
عاد يجلس بالقرب منها مجددا ، و أخذ يدقق النظر في هدوء بوجهها الملائكي البرئ و هي نائمة كالأطفال ..
إنها دائما تتمتع بمساحات راسخة من الجمال في كل حالاتها ..
غافية كانت أو مستيقظة ، فالوجه فيه إستدارة ، و البشرة بيضاظ صافية ، و العينان زرقاوان ، و الأهداب كثة كما الحاجبين المرسومين ..
و شعرها أشقر عسلي كلون الذهب الوضاء ، و صدرها مكتنزا يتوضع علي هضبة متسطحة لا نتوء فيها ..
فضلا عن باقي أجزاء جسدها اللينة البضة و الملساء ..
إنها تثير الفتنة في كل رجل يدقق النظر بذلك القوام الرائع ..
كل شيء فيها كان قد طمع به في البداية ، كما أوهم نفسه آنذاك أن الوقت حان ليتزوج و ينجب أولادا ، كان يتهرب من مواجهة الحقيقة ..
حقيقة وقوعه في غرامها بشكل مستميت .. صحيح أنه أصبح علي مر الزمن خبيرا في مصارعة التجارب المصيرية و التغلب عليها ، إنما تجربة الحب الحقيقي كانت جديدة بالنسبة إليه ..
أصبح "عاصم" متأكدا في تلك اللحظة أنه إذا حاول إرغامها علي تلبية رغباته سالكا ذلك الطريق الوعر المظلم ..
فحتما سيكون الفشل هو حصاده بأخر المطاف ، و لن تقدر هي أن تصدق بأنه فعل ذلك لأنه يحبها ، من جهة أخري هو محتارا ..
فإذا لم ينفذ خطته تلك ، لن ترضخ له ، لن تقبل به أبدا ..
إذن ماذا عليه أن يفعل الآن ؟ .. ما هو الحل الأمثل لتلك المشكلة ؟؟
أخذ يفكر و يفكر و بفكر ..... حتي لمعت برأسه فكرة ذهبية .. عصير التوت ، عصير التوت الذي شربت منه بالأسفل ..
هرع "عاصم" إلي الأسفل ليحضره و هو يفكر بفاعلية نجاح خطته ، فهو سيوهمها ، سيجعلها تعتقد بأنه إمتلكها بالفعل ، و بذلك يضمن بقائها معه ، و عدم تفكيرها في الهرب منه مجددا ..
إستقر "عاصم" علي هذا الحل نهائيا ، و عندما عاد إلي الغرفة .. إقترب من السرير ، و شرع ينفذ مخططاته ..
فنثر عصير التوت فوق الأغطية البيضاء ، ثم نزع ملابسه ..
و لكن ، كانت الخطوة الأخيرة هي الأصعب بالنسبة له .. إذ يجب أن ينزع عنها ملابسها هي الأخري ..
ظل لدقائق عدة واقفا أمام السرير بلا حراك ، لا يعرف من أين يبدأ ؟ و كيف يبدأ ؟؟
سحب نفسا عميقا ، و تقدم نحوها و قد حسم أمره ..
نزع عنها تلك السترة الصوفية بخفة يد و رقة ، و أكمل علي نفس الوتيرة حتي أصبحت بملابسها الداخلية فقط ..
عند ذلك ، شعر "عاصم" بوجوب التوقف في الحال ، لئلا تولد الشرارة بداخله و تشعل رغبته فيها مجددا ..
و لكن ما أبرعه في قدرته علي إمتصاص إنفعالاته ، و رغم جسده الذي راح يتصبب عرقا ، و ذلك الشيطان الخبيث الذي لا زال يوسوس له بلا هوادة ..
إقترب منها ثانية و هو يشيح بوجهه للجهة الأخري ، فنزع القطعتين الباقيتين من الملابس التي كانت فوق جسدها ..
و ها هي أمامه الآن عارية تماما كما ولدتها أمها ، و لكنه لم يحاول حتي أن يسترق النظر إليها ..
فيما أخذ يتحسس الفراش حتي وجد الملاءة الناعمة ، فسحبها علي جسد "هانيا" حتي ذقنها ..
عند ذلك ، زفر بقوة و كأنه خرج للتو من معركة عنيفة ، أتلفت أعصابه ، و إستنزفت قواه ..
...............................................................
فرغ "عاصم" من سرد كافة التفاصيل علي "هانيا" و راح يتأهب ردة فعلها ..
بينما حدقت إليه بفم مفغر من شدة الذهول .. إلتزم كلاهما الصمت للحظات بدت ثقيلة للغاية ، حتي برز صوت "هانيا" من وسط السكون اليأس ..
إذ تمتمت بشفتين مرتجفتين:
-يعني انت .. انت خدعتني ؟ .. عملت كل ده عشان ارضي اتجوزك ؟ .. و انا .. انا لسا زي ما انا ؟؟!
هزت رأسها في عدم تصديق و هي تحس بالأرض تدور بها و كأنها تستعيد أحاسيس عاشتها منذ زمن بعيد ..
ترك "عاصم" مقعده ، و ركع علي إحدي ركبتيه أمامها ، ثم أمسك يدها و شد عليها بقوة آلمتها ، ثم قال بصوت متهدج:
-ايوه انتي لسا زي ما انتي .. و انا مش اول مرة اعترفلك بحبي ، مش اول مرة اقولك اني بحبك يا هانيا .. انتي غيرتي فيا حاجات كتير
الولد اللي جوايا ، اللي عمره 16 سنة ، و اللي كنت فاكره مات من زمان .. جيتي انتي دخلتي حياتي ، طلعتيه .. اكدتيلي انه لسا عايش مامتش .. انا برا الاوضة دي يا هانيا عاصم الصباغ ، اللي يبان قوي و قادر علي اي حد و كل حاجة .. لكن جوا و انا معاكي .. ببقي عاصم الحقيقي ، عاصم الولد المراهق اللي ماكنش لسا اتشوه و لا اتشرد و لا داق مرارة القهر ، عاصم اللي توهت منه في دوامة الظلم و التار و المهانة
ارجوكي يا هانيا .. مش عايز اتوه تاني ، نفسي احس بالسلام و انهي الحرب اللي جوايا ، عايز ادفن الماضي كله و انساه .. اسمعي كلامي من فضلك ، انسي كل حاجة و ابدأي معايا من جديد .. انا هعوضك عن كل اللي فات ، و هعملك كل اللي انتي عايزاه.
نظرت "هانيا" إلي يده الشادة علي يدها بقوة أظهرت لون عروقه بوضوح رغم بشرته السمراء البرونزية ..
بقيت للحظات محدقة فيه ، فعرفت ما يتوجب عليها قوله .. :
-مش هينفع .. انا بيني و بينك الف سد و سور.
هز رأسه في شيء من الإنفعال ، و غمغم بصوت آجش:
-مافيش اي حاجة من دي يا هانيا .. كل حاجة مقدور عليها ، قوليلي بس انتي عايزة ايه ؟ و ايه اللي مش حباه فيا و انا اغيره !
شكلي ؟ وشي و الحرق اللي فيه مضابقك ؟؟!
هزت رأسها نفيا ، و قالت بصوت مخنوق ، و قد غشت الدموع عينيها الزرقاوين:
-لأ .. مش شكلك هو السبب ، ابويا .. ابويا هيفضل واقف بيني و بينك ، عمري ما هقدر انسي انك كنت سبب في موته علي الأقل .. عمري ما هقدر اكون ليك !
-بس انا قدرت انسي ان ابوكي كان السبب في موت ابويا يا هانيا.
-انت قدرت .. لكن انا مش هقدر.
قالت ذلك ، و حاولت الفكاك منه و النهوض من أمامه ، و لكنه أحبط محاولتها ، و إرغمها علي البقاء ، ثم قال بصوت خشن مفعم بالرغبة و قد نفذ صبره:
-لا يا هانيا .. انا عايزك ، و عايز ابصلك و عايز احضنك .. عايزك ليا لوحدي.
ثم أضاف و قد إستحالت نبرته فجأة إلي اللين فقال متوسلا:
-نفسي .. نفسي اضمك لحضني و لو لمرة واحدة بس و ماحسش انك مش عايزاني.
عادت مرة أخري للمقاومة ، إذ راحت تتلوي بين ذراعيه و قد ثارت ثائرتها و هي تصيح:
-اوعي بقولك .. انت عندك حق انا مش عايزاك ، افهم بقي .. سيبني !
جذبها إلي صدره بقوة ، و ردد بشراسة من بين أسنانه:
-لأ ، مش هسيبك المرة دي .. انتي مراتي ، خلاص بقيتي مراتي رسمي .. و اوعي تلوميني ، انا استنيت اللحظة دي بقالي كتييير و مش هقدر اصبر اكتر من كده .. انتي ليا يا هانيا .. ليا انا.
و ضغط علي الكلمات الأخيرة بشدة ، ثم نهض و هو يطوقها بقوة ، ثم يحملها إلي فراشه مجددا ، و لكن تلك المرة و هو له ملء الحق كونها زوجته ..
أطلقت "هانيا" شهقة رعب حين وجدت نفسها مرة أخري تحت رحمته ، فحاولت الفرار في يأس ، إلا أنه أجبرها علي البقاء حيث كانت راقدة في منتصف السرير ..
بينما إنحني برأسه ، و تغلبت العاطفة المتآججة علي بقايا تعقله ..
فيما جرف إحساسها دفق قوي من الذعر و الإهانة .. حاولت أن توقفه ، فلم تقدر .. إذ كيف تتغلب علي وحش متجبر مثله ، و إن يكن فقد سبق السيف العزل ، و هو لن يتركها أبدا الليلة حتي ينول مآربه ، و يشبع حاجته ..
إستسلمت "هانيا" لمصيرها ، و أغمضت عينيها ، حاولت أن تتخيل نفسها في لعبة من ألعاب الطفولة ..
راجية أنها إذا لم تري فلن تُري .... و بعد مدة لم تستطع أن تحسبها جيدا ، شعرت به ..
أصبح تنفسه الآن أثقل .. و سرعان ما توقفت حركته تماما ، إنبعثت منه تنهيدة ممتنة عندما تهالك أخيرا فوقها ، و صدره يضغط علي صدرها ...
كان بإمكانها أن تسمع ، و تحس بسرعة نبضات قلبه .. و لكن الشيء الذي لم تستطع أن تسمعه ، كان صوتها هي ..
فقد أحست ، و كأن الحياة ، قد نضبت منها …