الجزء 7: كل عضلة تئن

تسمرت "هنا" بمكانها لدي سماعها الصوت الرجولي الخشن المنبعث من خلفها ..
و بفعل عصبيتها المشتعلة ، إستدارت بقوة ، و تدفقت منها كلمات الغضب ، فصرخت فيه:
-نعم انت كمان ! سيادتك جاي تكمل حلقة الوصل القذرة مع زميلك الحيوان ؟ فرحانين انتوا الاتنين بالبدل اللي لابسينها و بتفتروا علي خلق الله ! بس اذا كانوا الغلابة بيسكتوا عليكوا عشان بترعبوهم فأنا مش هسكت و مش هتقدروا تعملولي حاجة ، امثالكوا اصلا مايستهلوش ينولوا شرف الوظيفة اللي هدفها حماية الناس و تأمينهم بدل ترهيبهم.
كان طولها خمسة أقدام و سبع إنشات ، لكنها إضطرت لأن ترفع رأسها كي تنظر إلي وجه الضابط الذي كان طوله ينوف علي ستة أقدام و إنشين إثنين ..
كانت تقاسيمه القوية مكسوة بتعبير جدي مذهول ، إلا أن عينيه العسليتين أعطتا إنطباعا بأنه كان يبتسم لها بإعجاب ..
كان قلبها يخفق في إيقاع سريع جراء نظراته القوية المتفحصة التي أربكتها ، لكنها عادت ترسم علي ملامحها تعابير الغضب و الإنفعال ، بينما رفع أحد حاجبيه ساخرا و قال:
-بعد الخطبة العنيفة دي ماعتقدش ان في حد هنا قدر يضايقك او يأذيكي !
شمخت برأسها متحدية و هي تقول:
-محدش اصلا يقدر يضايقني و لا يأذيني.
إبتسم بنعومة قائلا:
-لا واضح.


صوته المنخفض و الأجش قليلا كان فيه رنة تبهج السمع ، لكنها لم تلحظها لشدة سخطها عليه ..
و هنا هب أمين الشرطة من فوق مقعده ، ثم رحب بالضابط الواقف أمامه في حفاوة بالغة:
-اهلا اهلا يا سيادة المقدم ، نورتنا يا إياد بيه.
"إياد راشد" .. أحد أهم رجال - وزارة الدفاع العام - التابعة لجهاز مباحث أمن الدولة
و هو أيضا واحد من أكفأ الضباط الحاصلين علي أعلي مستوي من التدريب و الإعداد نسبة لقيامه بعمليات مكافحة الإرهاب ، و توفير الحماية لكبار الشخصيات ..
يُعد "إياد راشد" من أفضل رجال القوات الخاصة نظرا لذكاؤه و شجاعته و قدرته علي التعامل مع شتي التهديدات ، و قد إكتسب شهرة عالية بين كافة أجهزة الأمن بعد الكثير من العمليات الخاصة و السرية التي قام بها ، فمهمته الأساسية هي مكافحة الإرهاب ، و القيام بالعمليات الخاصة .. :
-معلش يا باشا ، ماضيقش نفسك بالناس اللي هنا ، احنا بنعرف نتصرف معاهم كويس.
قال أمين الشرطة تلك الجملة في إعتذار مرتبك ، فرمقه "إياد" بنظرة حادة قائلا:
-يعني ايه مش فاهم ؟ بتتصرفوا معاهم كويس ازاي يعني ؟؟!
تلعثم الأخير مضطربا ، فعاد يقول بتوتر:
-يا باشا اقصد اقول اننا بنقدر نحل المشاكل البسيطة وديا ، و المشاكل الكبيرة مش من اختصاصنا زي ما حضرتك عارف ، احنا بنتحفظ علي المتهمين اللي هيترحلوا علي النيابة و مابنخليش حد لا يشوفهم و لا يقابلهم ، و الانسة دي و والدتها جايبين اكل لمتهمة محجوزة هنا و قال ايه عايزني ادخلهولها !
-دخل الاكل.
هتف "إياد" بصرامة ، فتمتم الأمين:
-نعم !!
أعاد "إياد" قوله مجددا و لكن بحدة زائدة:
-قلت دخل الاكل ، المحبوسين هنا بني ادميين بردو ، و الخدمة هنا مش ( 7 Stars ) يعني لا في اكل و لا شرب كويسين .. نفذ الامر يا امين.
لفظ جملته الأخيرة بلهجة قوية أدي الأمين علي إثرها مسرعا التحية العسكرية بآلية قائلا:
-تمام يافندم .. حاضر هدخله بعد ما يتفتش.
في تلك اللحظة ، نظرتا "هنا" و "قوت القلوب" إلي بعضهما البعض في دهشة بالغة ، بينما تجاهلهما "إياد"بقوله للأمين:
-انا جيت بقوة من الداخلية عشان اخد سعيد الغزولي المشتبه بيه في اخر عملية ارهابية.
-عارف يافندم ، هو موجود عندنا تحت في الحجز من ساعة ما جه ، دقيقة هانزل بنفسي مع العساكر اجبهولك.
و إنطلق الأمين يلبي أمر "أياد" بطواعية ..
فيما تنحنحت "قوت القلوب" و توجهت نحو "أياد" و شكرته .. فمنحها إبتسامة هادئة .. خفضت "قوت القلوب" رأسها و هي تشق طريقها إلي خارج القسم ..
مشت "هنا" في أعقاب أمها ، و بينما هي تمر إلي جوار "إياد" الذي رمقها بطرف عينه سرت بأوصالها رعشة طفيفة لم يسبق أن أعترتها من قبل قط ..
تجاهلت تلك المشاعر الغريبة و أستمرت في تعقب خطوات أمها فعل كل لن تراه بعد الأن أبدا ..


غدت عينا "دينار" حزينتين منذ فترة ، تحديدا منذ غياب زوجها عن المنزل ..
و بينما كانت تجلس فوق آريكة وثيرة بقاعة الجلوس الفسيحة المترفة تشتغل الدانتيلا قرب مدفأة حطب مصنوعة من الرخام ، ولج "مروان" فجأة و علي ثغره إبتسامة بسيطة ..
رمقته أمه بنظرات محتقنة ، ثم عادت تركز إهتمامها علي ما تفعله .. كانت "رضوي" أيضا جالسة إلي جوار والدتها ، تمر بأصابعها في حذر علي الألوان الباهتة لذلك البساط الحريري القديم الذي زينته رسوم لطاووس مبهر الجمال ..
و بمرح جلس "مروان" إلي جانب أمه واضعا ساق فوق الأخري قائلا:
-مساء الفل يا دودي ، وحشتيني !
لم تجب "دينار" علي عبارته التحببية ، و تابعت شغلها ، فعقد "مروان" حاجبيه في تذمر مصطنع و هو يقول:
-الله ! مابترديش عليا يا دودي ؟ بقي كده ؟؟!
ردت "دينار" في حدة قائلة:
-مالكش دعوة بيا لو سمحت.
إبتسم "مروان" بخفة ، ثم مال عليها و هو يقول مداعبا:
-طب و لو ماسمحتش يعني هتعملي ايه ؟؟
تأففت أمه في ضيق ، بينما صاحت "رضوي" تحدث أخيها:
-بص يا مروان ، شوف ماما عملت ايه في الدانتيلا دي !
و ناولته البساط الحريرب ، فتلمسه "مروان" و هو يتفحصه في تقييم معجب ، ثم قال:
-وااو ! حاجة جميلة بجد.
و حول نظره إلي أمه متابعا:
-و الله انا مستعد افتحلك اتيليه ليكي مخصوص يا دودي عشان تعرضي فيه شغلك الحلو ده.
قالت "دينار" بصلابة واجمة دون أن تنظر إليه:
-مش عايزة منك حاجة.
زال مرح "مروان" في تلك اللحظة و رد بشيء من الإنفعال:
-و بعدين يا ماما ! لحد امتي هتفضلي واخدة مني موقف كده ؟؟!
بنبرة باردة أجابته "دينار":
-انت عارف لحد امتي.
زاد إنفعاله و هو يهتف بعصبية:
-سبق و قلتلك ان المحكمة حكمت خلاص و الثروة اتقسمت ، و سبق و قلتلك بردو ان بابا مشي بمزاجه محدش اجبره يمشي.
عند ذلك نظرت إليه قائلة في ندم و سخط:
-انا اكتشفت اني غلطت غلطت عمري لما وافقتك و مشيت وراك يا مروان .. كنت فرحانة بيك و قلت ابني كبر و اكيد اللي شايفه هو الصح ، لكن للأسف خيبت املي فيك.


كان صوتها واضحا مقتضبا ، و لكنه يتسم بالصرامة ، و كانت تبدو و كأنها تتحدث إلي طفل متمرد ، ثم إستطردت قائلة بحنق:
-يا تري فكرت ابوك عايش ازاي دلوقت ؟ تقدر تقولي هو فين ؟ بياكل ازاي ؟ بيشرب ازاي ؟ بينام ازاي ؟ ها يا مروان ! تقدر تقولي توفيق فين دلوقت ؟؟
ببردو و نفاذ صبر أجابها "مروان":
-ايوه يا ماما عارف هو فين دلوقتي.
تصلبت "دينار" شاخصة عندما قال ذلك ، فبسرعة سألته:
-طب هو فين ؟ هو فين يا مروان ؟؟
حك "مروان" طرف ذقنه و هو يجيبها بهدوء مرهق:
-قاعد في الغورية عند واحد صحبه اسمه رشدي هلباوي.
قلبت "دينار" الإسم بين شفتيها محاولة تذكر هوية الشخص ، حتي نجحت في أستذكاره ، فهتفت:
-ايوه ايوه رشدي هلباوي ده كان صاحب ابوك من زمان اوي.
ثم أنبت نفسها قائلة:
-بس ازاي انا مافكرتش انه ممكن يروحله ؟ ازاي ؟؟!
-معقولة بابي قاعد في المنطقة دي دلوقتي ؟؟!!
قالتها "رضوي" في إستنكار مزدر ، بينما باغتها "مروان" بجفاف:
-محدش قاله يمشي و يسيب بيته.
ثم قام بالتمويه عن الموضوع بقوله:
-المهم انا كنت عايز اتكلم معاكوا انتوا الاتنين في موضوع مهم.
أطل التساؤل من عيون كلا من "دينار" و "رضوي" فتابع "مروان" باسما:
-انهاردة في الشركة جالي واحد .. طالب ايد رضوي.
طرفت "رضوي" بعينيها في توتر ، بينما تساءلت "دينار":
-و ده يبقي مين بقي ؟؟
إتسعت إبتسامته و هو يردد:
-مش هتصدقي .. اكرم الصواف.
إرتعدت "رضوي" بهلع عندما تسلل إسم زوجها السابق إلي سمعها ، فيما صاحت "دينار" بغضب:
-نعم ! ايه اللي بتقوله ده ؟ انت ازاي اصلا تسمح للبني ادم الحقير ده انه يدخل الشركة و يقابلك ؟ لأ و بمنتهي الوقاحة كمان يفاتحك في الموضوع ده كمان ! انت اتجننت ؟؟


حاول "مروان" تهدئتها بطريقته الدبلوماسية:
-اهدي بس يا ماما و خليكي منطقية عشان نعرف نتفاهم.
بعصبية حارقة ردت "دينار":
-نتفاهم في ايه يا ولد ؟ انت مش فاكر اللي حصل و لا ايه ؟ مش فاكر الحيوان ده عمل ايه في اختك ؟؟!
-هو جالي ندمان جدا علي فكرة و مستعد يعمل اي حاجة عشان رضوي تسامحه و توافق ترجعله ، مستعد كمان لكل طلباتها.
في تلك اللحظة ، لم تتحمل "رضوي" سماع المزيد ، فهبت واقفة علي قدميها ، و إنفجرت بعنف قائلة:
-انا لا يمكن اوافق ارجع لأكرم يا مروان ، مستحيل ارجع للإنسان المقرف السافل ده ، و اللي انا مش قادرة استوعبه انت ازاي قبلت علي نفسك تقابله و تتكلم معاه بعد كل اللي حصل !!
حدجها "مروان" في صمت هادئ للحظات قبل أن يقول:
-انتي عارفة اكرم بقي ايه دلوقتي يا رضوي ؟!
بحدة شرسة أجابت "رضوي":
-مش عايزة اعرف عنه اي حاجة.
تجاهل "مروان" تعليقها و تابع:
-اكرم الصواف دلوقتي بقي من كبار رجال الاعمال في البلد .. بقي يحتكم علي ملايين و بقي راجل محترم مش حتة شاب كحيان زي زمان ، دلوقتي هو بقي من مستوانا فعلا و يقدر يعيشك ملكة.
ظلت "رضوي" علي ذهولها و حنقها لا تستطيع أن تصدق كلام شقيقها ، خالت أنه فقد عقله كليا ، فهزت رأسها بعدم تصديق قائلة:
-انا بجد مش مصدقة اللي بسمعه منك ! ده انت اخويا ، ازاي عايز ترميني بأيدك تاني في النار ؟؟!!
هنا إشتعل غضب "مروان" فصاح ساخطا:
-خلاص براحتك ، انتي ادري مني بمصلحتك.
بدت عظام أصابع "رضوي" تتقلص ، و شعرت أنها ستنفجر بالتأكيد إذا لم تغادر قاعة الجلوس فورا ..
و بالفعل إستدارت علي عقبيها و هرولت تجاه الدرج قاصدة غرفتها ..
نظرت "دينار" إلي إبنها في لوم و عتاب ، فتململ "مروان" متأففا و هو يقول:
-ماتبصليش كده يا ماما .. انا كنت عايز مصلحتها بس خلاص بقي .. مادامت مش راضية هي حرة .. اكيد مش هغصب عليها.
-القهوة يا هانم !
قالتها "حنة" بصوت متحشرج و هي تنحني لتضع الصينية الصغيرة فوق الطاولة الخشبية أمام "دينار" ..
بينما لاحظ "مروان" نبرة صوتها الضعيفة ، فنظر إليها و هاله ما رأي ..
ملامحها ذابلة ، كما بدت شاحبة للغاية و قد نقص وزنها بشكل ملحوظ أيضا ..
لم يستطع "مروان" منع السؤال القلق الذي إنطلق من بين شفتيه:
-مالك يا حنة ؟ شكلك عامل كده ليه ؟؟
بصوت شبه متخدر أجابته "حنة":
-بعافية شوية يا مروان بيه.
أطل القلق من عيني "مروان" و هو يقول:
-طب لما انتي تعبانة بتشتغلي ليه ؟ المفروض ترتاحي في سريرك ، يلا روحي و انا هطلب دكتور دلوقتي.
و شرع في إخراج هاتفهه ، فباغتته أمه:
-مافيش داعي يا مروان هي راحت المستشفي امبارح .. و بعدين انا قلتلها تستريح في السرير و ألحيت عليها لكن هي اللي رفضت.
رد "مروان" في إستغراب شديد متجاهلا ملاحظة أمه عن إهتمامها براحة الخادمة:
-راحت المستشفي امبارح ! ليه ؟؟
إضطربت "حنة" كثيرا لطريقته المثيرة للشك ، فيما بدت "دينار" و كأنها لم تستشف أي أمر غامض بينهما ، إذ قالت بنبرة غير مبالية:
-كانت حامل و للأسف سقطت .. ربنا يعوض عليها ان شاء الله.
تصلبت ملامح "مروان" ثم إستحال التصلب إلي تشنج عندما نظر إليها في تساؤل غاضب ..
بينما إستأذنت "حنة" و إنسحبت مسرعة لتنقذ الموقف لئلا ينكشف الأمر برمته ...


إصطحب "زين" و أعوانه من رجال الحراسة الجدد الشاب "شادي" صديق "شهاب" من أمام بيته حيث كانوا بإنتظاره إلي قصر "عاصم الصباغ" و من ثم أخذوا يجروه جرا في إتجاه حجرة مكتب "عاصم" فراح يسألهم في قلق و إضطراب:
-انتوا واخدني علي فين ؟ انا ماعملتش حاجة !
فتح "زين" الذي كان يترأسهم باب المكتب و دلف أولا ..
كان "عاصم" واقفا أمام النافذة المطلة علي الساحة الداخلية للقصر و قد عقد يديه خلف ظهره .. إنتبه إلي صياح "شادي" القلِق المذعور ، فإستدار ببطء بقامته المهيبة ، و نظر إليه و كانت تبدو علي وجهه نصف المشوه ملامح الشراسة و التدمير ..
دار حول مكتبه ، ثم أخذ يتقدم نحو "شادي" بخطوات ثابتة .. بينما إبتلع الأخير ريقه بتوتر و هو ينظر إليه بريبة شديدة و قد ثلجت أطرافه للشعور المرعب الذي عصف به في تلك اللحظة ..
وقف "عاصم" أمامه مباشرة ، و راح يحدجه بتلك النظرات الشرسة المتوعدة لبرهة ، ثم هتف بصرامة موجها كلامه لـ"زين" و لباقي أفراد الحراسة دون أن يحيد بنظره عن "شادي":
-اطلعوا برا كلكوا .. و إستنوا قدام الباب.
أطاع الجميع أمره بما فيهم "زين" الذي بدا ممتعضا من تصرفات صديقه الشريرة مؤخرا ..
بينما سكن "عاصم" للحظات قبل أن يرفع يديه فجأة و يجتذب "شادي" من ياقة قميصه بقوة قائلا و هو يسحق الكلمات بغضب بين أسنانه:
-مزقوق علي اخويا من مين ياض ؟ حد زقك عليه و لا انت اللي عملت كده من نفسك ؟؟
إزدرد "شادي" ريقه بخوف قائلا:
-مزقوق ايه بس يا باشا ؟ انا مش فاهم حاجة ! اكيد في سوء تفاهم و بعدين شهاب ده صحبي و انا آا آااااااه ..
قاطعه "عاصم" بتسديد ركله عنيفة بركبته إلي منتصف معدته مباشرة ..
أجبرته الضربة التي تلقاها علي الإنحناء .. لم يمنحه "عاصم" مجالا ليلتقط أنفاسه حتي و رفعه إليه ، ثم ضم قبضته بغضب و سدد له أول لكمة قوية أسفل فكه ، و ظل يكيل له اللكمات دون توقف فإنبثقت الدماء من بين أسنانه ، في حين كان يكافح السقوط علي الأرض مغشيا عليه ..
أمسك "عاصم" بتلابيبه و قربه منه مزمجرا:
-مشكلتي اني مابسيبش حقي .. و مابسامحش و لا برحم حد غلط معايا.
رد "شادي" في وهن متأوها:
-و الله ما عملت حاجة يا باشا .. انا ماليش ذنب ، شهاب هو اللي كان بيطلب مني اجبله البودرة ، انا ماكنتش بجبهاله من نفسي.
تقلص فم "عاصم" بغضب و هو يهتف بصوت كدوي الرعد:
-يعني كمان بتعترف انك انت اللي
حطيت رجله عالطريق الوسخ ده يا كلب.
تلعثم "شادي" و هو يردد بصوت متحشرج:
-لـ لأ لأ يا بـ باشا آا ..
-باشا !!


قاطعه "عاصم" بتهكم لاذع ، ثم أردف بخشونة:
-باشا مين يالا ؟ انا عاصم الصباغ .. مايغركش منظري و البيت اللي انت واقف في ده .. انا اتربيت في شوارع كفر الزيات و سيدي سالم قبل ما ابقي باشا.
قال "شادي" بإعياء مضطرب محاولا تهديده:
-علي فكرة بقي .. انا مش مقطوع من شجرة ، عندي اهل و عزوة و ناس .. يعني لو جرالي اي حاجة اهلي مش هيسكتوا.
لكنه قد أخفق بتهديده المتهور الذي أثار "عاصم" بدل أن يردعه ، إذ إرتسمت علي وجهه ملامح وحشية ..
و إذا بـ"شادي" يطير فجأة عبر الحجرة ليصطدم بالمكتب و يسقط ما عليه بدوي قوي بعد أن لكمه "عاصم" غير قادر علي السيطرة علي غضبه ..
تفجرت الدماء من أنف "شادي" بينما هدر صوت "عاصم" بعنف:
-طب و رحمة ابويا لأخلي اهلك و ناسك دول يتحسروا عليك يابن الـ***
ثم إندفع صوبه و عاجله بلكمة قوية هوت به أرضا .. أتبعها بركلات عنيفة من قدمه تعالي علي إثرها صوت صراخ "شادي" الذي راح ينزف دما غزيرا من وجهه و من بعض أجزاء جسده الهزيل ..
بعد عدة دقائق ، خرج "عاصم" من مكتبه أخيرا مخلفا وراءه جسد "شادي" المطروح فوق أرضية المكتب ، و رغم برودة الجو ، كان العرق قد بدأ يتصبب بغزارة من وجه"عاصم" و جسده ، و كان صدره يعلو و يهبط بسرعة و هو يقول بصوت لاهث خشن:
-تكملوا عالكلب ده.
و إلتفت بوجهه إليه نصف إلتفاتة و قد إكتست ملامحه و صوته و نظراته شراسة مخيفة و هو يضيف بصوت قذف الرعب في قلب "شادي":
-كسروه .. عايزه يرجع لأهله مدغدغ .. مفهوم ؟؟
هتف أحدهم بجدية و كان ضخما أصلع له شاربا و لحية كثان:
-مفهوم ، اوامرك يا باشا !
كان "شادي" يعاني آلاما شديدة في كافة أنحاء جسده جراء الضرب المبرح الذي تعرض له علي أيدي "عاصم" رغم ذلك عصر عينيه من شدة الآلم و جاهد حتي صرخ متوسلا بصوت ضعيف:
-لأ يا عاصم باشا .. كفاية انا اسف سامحني .. سيبني امشي ابوس ايدك.
لكن توسلاته لم تأت بنتيجة ، إذ تواري "عاصم" عن ناظريه بسرعة ، و أقتربوا منه الرجال الأربعة بأجسادهم الضخمة و التي تفوح منها رائحة العنف و الشر ..
شرعوا في التناوب عليه بالضرب العنيف الوحشي ، بينما تكور "شادي" علي نفسه متألما و قد تعالت صيحاته و تأوهاته بصورة مخيفة ..
فيما أغمض "زين" عينيه غير راض عن تلك التصرفات الهمجية التي يراها أمامه ، فغادر المكان بدوره متضايقا ...

**************

أمضت "هانيا" ساعات النهار في أحد الغرف المتهالكة بقسم الشرطة حتي زحف الليل ..
كانت الغرفة خاوية و خالية من أي أثاث ، فقط هناك البرد الذي يكتنفها من كافة الجوانب ..
و بينما كانت تجلس "هانيا" فوق الأسمنت البارد .. تنهدت بسأم و هي تستند برأسها إلي الجدار ، تتابع بعينيها الزرقاوين المروحة المعلقة بمنتصف السقف و التي إستحال بياضها رماديا لتراكم الأتربة فوقها تدور في رتابة ، بينما المصباح الصغير فوق رأسها و المهتزة إضاءته يصدر صوتا كأزيز نحلة لزجة تحوم حول أذنيها في إلحاح ..
و خلال لحظات .. شردت "هانيا" بأفكارها ..
كانت تعلم تماما أنها تواجه موتا محتوما - ما إذا إستطاع عمها إزاحة هذا المصير عنها كما وعدها - ..
و لا شك أنه بحاجة إلي معجزة لكي يستطيع فعل هذا ، فتلك تهمة عقوبتها مشددة ..
ترويج السموم التي تقتل الملايين كل يوم ، ليس هذا أمرا هينا أبدا ، و لكنها بريئة و تلك التهمة نصبت لها ، و لكن من سيصدقها ؟
و من خلال هذا الموقف الذي عاشته حتي الأن ، مع هذا الصراع ، صراع البطل الذي يواجه أمرا لا يمكن تجنبه .. إسترجعت في مخيلتها كل ذكرياتها مع والديها ، و تصورت أيضا ردة فعل عمها عندما تفشل محاولته في إخراجها من تلك المِحنة ..
و عندما يعلم بنبأ موتها .. بالتأكيد سوف يعاني الشعور بالذنب طوال حياته ، فهو المسؤول عنها بصورة مباشرة بعد وفاة والدها بإعتباره أخر من تبقي لها في الحياة كلها ..
حتما لن يفيق من الصدمة .. و السيدة "قوت القلوب" ..
ستحزن حزنا جما عليها ، لن تتوقف عن ذرف الدموع .. فهي من تولت تربيتها منذ أمد طويل ، و قد شهدت علي مراحل نموها بدءاً من الطفولة و حتي الصبا و الشباب ..
أما زوجة عمها و أبنائه ! .. لا تتوقع منهم شيئا ..
أفاقت "هانيا" من شرودها علي إثر أرتجافة قوية سرت بأوصالها نتيجة البرد القارص الذي إشتدت حدته مع حلول الليل .. فإحتضنت ساقيها بشدة و ضمتهما إلي صدرها طالبة الدفء و الأمان ، ثم خبأت وجهها بين ذراعيها و راحت تبكي في صمت و هدوء تاركة العنان لحزنها ..
فقد صبرت كثيرا خلال الآونة الأخيرة و بات حزنها نهرا من الدموع ..
القدر يتلذذ في تدميرها و تفتيت عزمها و أعصابها ..
فحتي الأن جابهت الأمور بشجاعة ، لكنها اليوم تبوح بفشلها ..
و بينما كانت تصارع مخاوفها و شعورها بالبرد .. إنفتح باب الغرفة ليدلف العسكري الشاب و يتقدم نحوها ، و يضع أطباق طعام أمامها ، ثم يخرج في صمت و هدوء كما آتي ..
إشتمت "هانيا" الرائحة الشهية المنبعثة من أطباق الطعام المغطاة بالبلاستيك ، و فورا تعرفت علي مصدرها ..
و إبتسمت حين لاحت أمام عينيها صورة مربيتها ، السيدة الحنون "قوت القلوب" .. فطعام بتلك الرائحة الشهية لابد و أن يكون من صنع يديها ..
و رغم أنها جائعة ، و لم تأكل شيئا منذ الليلة الفائتة ، ألا أنها وضعت الطعام جانبا غير قادرة علي إلتقام و لو القليل منه ..
لم تحسب الوقت الذي قضته قابعة في تلك الزاوية تلملم شظايا روحها قبل ان تستعيد شجاعتها و قوتها و تقف مكافحة ضعفها ، مقررة بأن الوقت ليس مناسبا بالمرة للإنهيار ...


سمع "توفيق" طرقات علي باب حجرته ، فسارع بفتحه ليجد "رشدي" يلج إليه و هو يحمل بين يديه صحن صغير يتصاعد منه البخار ، و قال:
-نزلت الصبح زي المسروع لا فطرت معايا و لا اتغديت ، قلت اجبلك طبق شوربة سخن يدفيك في التلج ده.
فشل "توفيق" حتي في رسم إبتسامة مجاملة علي فمه ، فإستدار علي عقبيه و إتجه نحو أقرب مقعد بالحجرة و جلس فوقه متهالكا ..
قطب "رشدي" مستغربا مزاج صديقه السئ ، فلحق به و جلس إلي مقعد بجواره ، و وضع الصحن فوق طاولة صغيرة فصلت بين مقعديهما ، ثم حدجه بإهتمام متسائلا:
-ايه يا توفيق ؟ مالك في ايه ؟ و ايه اللي نزلك فجأة بدري انهاردة و منغير ما تقولي ! كنت فين ؟ قلقتني عليك !!
بدا "توفيق" متعبا و هو يقول في تخاذل:
-بنت اخويا واقعة في مشكلة كبيرة اوي يا رشدي ، كارثة لو ماقدرتش انقذها منها هتضيع.
صاح "رشدي" بقلق:
-كفا الله الشر ! مالها يا توفيق ؟ ايه الحكاية ؟؟
تنهد "توفيق" بأسي ، ثم رمقه بنظرة مطولة ، و راح يقص عليه كل ما حدث .. :
-لا حول و لا قوة الا بالله !
هتف "رشدي" بإنفعال و هو يضرب كفيه ببعضهما ، ثم تابع بغضب:
-اما الصباغ ده و لا ماعرفش اسمه ايه بني ادم و اطي و ابن *** .. انت متأكد ان هو اللي لبسها التهمة دي ؟؟
هز "توفيق" رأسه قائلا و هو يشعر بصدره يضيق بقوة:
-مافيش حد غيره يقدر يعمل كده.
تقلص وجه "رشدي" بحنق مزدر و هو يتساءل:
-طب هو بيعمل كده ليه ؟؟
-ما انا قلتلك .. بينتقم لأبوه.
-ايوه بس بنت اخوك ذنبها ايه ؟؟!
هز "توفيق" كتفيه و هو يقول في مرارة:
-افتري يا رشدي .. بس انا مش هسامح نفسي ابدا لو هانيا جرالها حاجة .. المفروض اني احميها بما اني عمها و اخر حد باقيلها في الدنيا .. انما انا لأول مرة و بعد كل اللي حصلي احس بعجزي .. انا عاجز عن حماية بنت اخويا يا رشدي.
ثم وضع وجهه بين كفيه و قد إستولي عليه الهوان ، فمد "رشدي" يده و ربت علي كتفه قائلا بصوته الأجش:
-بس يا توفيق .. وحد الله .. ان شاء الله سليمة و بنت اخوك هتطلع من المحنة دي بسرعة و علي خير .. و ربنا يجازي اللي كان السبب.
-يا رب !
ردد "توفيق" مكتئبا و هو يفكر في قلق بمصير إبنة شقيقه .. و تساءل للمرة العاشرة ..
تري كيف حالها الأن ؟؟!


شعرت "حنة" برعشات متتالية تسري بأوصالها نتيجة البرد الذي إشتدت حدته في تلك الساعة المتأخرة من الليل ، و بينما كانت تعد فراشها إستعدادا للنوم بعد أن سبقوها جميع سكان المنزل و لاذوا بالدفء تحت الأغطية السمكية ..
أتي "مروان" خلسة من خلفها ، و قبض علي خصرها .. شهقت "حنة" فزعة جراء المفاجأة غير المتوقعة ، و إلتفتت وراءها لتصطدم بوجهه المتصلب ..
و من خلال ضوء الغرفة الخافت ، إستطاعت أن تر الغضب يفترش محياه ، كانت عيناه الرماديتين تبعثان الشرر ، فيما إمتدت يده الأخري تمسك بذراعها ، ثم أدارها نحوه بعنف و دفعه بها للإمام حتي إجتازا الردهة الكبيرة ، و صعدا الدرج ، و من ثم إلي غرفته الخاصة ..
أغلق الباب وراءهما بركلة من قدمه و هو لا يزال ممسكا بذراعها و قد غرز أصابعه في عظامها إلا أن الألم الجسماني لم يكن هو الذي بعث فيها رجفة الخوف ، بل الطريقة الخشنة العنيفة التي إستعملها معها هي التي أقلقتها ..
بينما أوقفها "مروان" بمنتصف الغرفة و هو يمسك كتفيها بكلتا يديه مصوبا نظراته الثاقبة إلي عينيها ، ثم زأر من بين أسنانه قائلا:
-الحمل اللي نزل ده .. نزل ازاي و ليه ؟؟
صوته المهزوز بإنفعال ، و إرتجاف عضلات صدغيه شيئان أثارا خوفها إلي أقصي حد ، فشعرت بعدم قدرتها علي الكلام و لم تنبس ببنت شفة ..
إرتجف جسده من الغضب ، فهزها بعنف مغمغما بشراسة:
-انطقي ! اتكلمي نزلتي الحمل ازاي و ليه ؟؟
هنا أخذت الدموع التي كانت تحبسها "حنة" طوال الأيام الماضية تتجمع بسرعة و تحجب عنها الرؤية ، فأغمضت عينيها بقوة لتطيح دموعها فوق خديها بغزارة ، فيما نطقت أخيرا أذ قالت بصوت ضعيف مرتعش:
-اول ما عرفت اني حامل .. خوفت يكون اللي في بطني ده من عبيد .. انت عارف اني مابحبوش و اني لا يمكن اخلف منه عشان كده روحت نزلت الحمل امبارح.
إحتقن وجه "مروان" و هو يسألها بخشونة:
-و جبتي الفلوس منين ؟ عملية زي دي بتتكلف فلوس كتير.
عضت "حنة" علي شفتها السفلي واهنة ، ثم أجابته:
-الفلوس اللي كنت دايما بتديهالي كل فترة كنت بشيلها ، ماصرفتش منها و لا مليم.
ضغط علي شفتيه بقوة محاولا كبح جماح غضبه ، و عاد يسألها:
-و افرضي كان اللي في بطنك ده ابني انا ! قتلتي ابني يا حنة ؟؟
بصوت أبح ردت عليه:


-ماكنتش اعرف ده من مين فيكوا ! و بعدين انت عايز تفهمني انك زعلان علي العيل اللي كان في بطني ؟ ده انا قلت انت هتتبسط مني لما تعرف اني عملت كده.
و لم تستطع مواجهة نظراته القاسية أكثر ، و أحنت رأسها ، فإستقرت عيناها علي حذاءه اللامع ..
حاولت "حنة" أن تواجهه بشجاعة مؤكدة له أنها قامت بالأمر الصائب ، و أنها أنقذته من طفل الخطيئة ، لكنها شعرت في تلك اللحظة و كأنها حشرة صغيرة لا فائدة منها ..
و للأسف لم يعد هناك مجال للمغالطة و التصليح ، فقد سلكت طريق الذهاب بلا رجعة ..
أفاقت من أفكارها المتضاربة و رفعت وجهها الغارق بالدموع إليه ، ثم قالت في إنكسار:
-انا عملت كل ده عشان بحبك .. ماقدرش اعمل اي حاجة تضايقك فتبعد عني .. انا اسفة.
و قبل أن تتم عبارتها خفضت رأسها لتنظر إلي الأرض ..
إنتظرت أن يرفض "مروان" إعتذارها ، و أن يلقي به في وجهها قائلا لها أن فرصة إصلاح ما فسد قد ولت ..
و بدلا من أن يفعل ذلك ، إمتدت يده إلي وجهها و راح يمسح دموعها بكفه الغليظ ، ثم رفع ذقنها بإبهامه حتي إضطرت "حنة" للنظر إلي وجهه ..
كان يبتسم تلك الإبتسامة الهادئة الساحرة التي يحتفظ بها دائما لها ، فحبست أنفاسها من قوة سحر جاذبيته ، بينما قال بخفوت أقرب إلي الهمس:
-انا ماقدرش ابعد عنك يا حنة .. انا بحبك و انتي عارفة كده كويس .. ماعرفش انا حبيتك ازاي و ليه ! لكن اهو بقي اللي حصل ، انا عمري ما برتاح الا و انامعاكي ، انتي الوحيدة اللي بتفهميني منغير ما اتكلم .. حبك ليا و حنيتك و خوفك عليا دول حاجات مخليا حبك يزيد في قلبي كل يوم عن اليوم اللي قبله.
هدأت ثورتها تحت تأثير سحر كلامه و إبتسامته التي لا تقاوم ، و تألقت عينيها بإبتسامة رقيقة نابعة من أعماق أعماقها ، فوضعت يديها علي صدره و هي تقول بعذوبة:
-انا كمان بحبك اوي اوي و الله .. ماقدرش استغني عنك ابدا.
أمسك إحدي يديها المسنودتين فوق صدره ، و رفعها إلي فمه مقبلا أياها بحرارة ..
لكنه عاد يقول بصرامة و قد إختفت البسمة من علي وجهه:
-بس مش معني كده انك ماغلطيش .. كان لازم تقوليلي انك حامل .. عرضتي حياتك للخطر و قتلتي الطفل ! مش ممكن كنت اوفق انك تخليه !!
-قلتلك ماكنتش اعرف اذا كان الطفل ده منك و لا لأ ، و بعدين انا خدمتك يا مروان بيه .. طلعت و لا نزلت هفضل حتة خدامة في بيتك .. مش معقول خيالي يشطح بيا اوي و اتخيل يعني ان يبقي ليا ولاد منك رغم ان دي امنية حياتي ، اني انا اللي اجبلك ولادك.
شد "مروان" علي يدها بقوة ألمتها و هو يقول بحدة:
-اولا 100 مرة قلتلك لما نكون لوحدنا اسمي مروان بس منغير بيه ، ثانيا ماتقوليش خدامة تاني مش عايز اسمعك بتقولي الكلمة دي تاني ابدا فاهمة ؟؟
لم تستطع أن تمنع رجفة الفرح التي إعترتها علي إثر كلماته ، و مع هذا قالت بشيء من الحزن:
-هي دي الحقيقة .. انا خدمتك ، عشان اقدر اكون جمبك طول عمري لازم ابقي خدامة.
قال "مروان" بغضب مزمجرا:
-قلتلك ماتقوليش الكلمة دي !
إبتسمت "حنة" بخفة و قالت:
-حاضر .. مش هقولها.
و ساد الصمت المكهرب للحظات ، ذلك الصمت الذي أثار مشاعرهما و رغبتهما في الحب ..
فقام "مروان" بالمبادرة و إقترب منها و طبع قبلة حارة علي وجنتها ، ثم تعددت القبل و توزعت حول وجهها و ما بين عنقها و صدرها إلي شفتيها ..
كانت "حنة" تتلوي شبقا مثل أفعي جائعة تنتظر فريستها ، فإستجاب "مروان" لطلبها دون أن يسمعه و حملها إلي فراشه ليتلطخا معا بطين الرذيلة ...



في صباح اليوم التالي ..
أضاءت الشمس الأرض بنورها ، و حتي تلك الغرفة الصغيرة في قسم الشرطة التي توسدت "هانيا" بلاطها الأسمنتي البارد طوال و هي نائمة ..
إستيقظت "هانيا" علي إثر ضوء الشمس الذي تسلل عبر النافذة الصغيرة للغرفة ..
فتحت عينيها تدريجيا متأوهة ، فقد كانت كل عضلة بجسدها تئن من الآلم نتيجة موجة الإنهاك الجارفة التي غمرتها منذ صباح اليوم الماضي ..
إستوت "هانيا" جالسة فوق الأرض و هي تري ضوء الشمس من النافذة يستمر في التسلل ، و بدخوله جاء العسكري هذه المرة ليصطحبها إلي مكتب "وكيل النيابة" ..
رافقته "هانيا" في صمت و هدوء و هي تشعر بتصلب حاد في عمودها الفقري ، مما جعل علامات الآلم ترتسم علي وجهها شيئا فشئ .. رغم ذلك إستطاعت أن تحفز جميع حواسها إستعدادا لملاقاة الضابط المحقق ..
تركها العسكري تلج وحدها إلي المكتب ، فتجاوزت عتبته بقامتها المتوسطة ، بينما حياها الضابط الجالس وراء مكتبه ببشاشة قائلا:
-صباح الخير يا انسة هانيا.
ردت التحية بهدوء واجم:
-صباح الخير يا حضرة الظابط.
-عندك زيارة يا انسة .. في حد مهم اوي جه مخصوص عشان يشوفك.
قطبت "هانيا" مستغربة و هي تردد:
-حد مهم جاي يشوفني انا ! مين ده ؟؟
-أنا يا أنسة هانيا.
و هنا شعرت بأصابع جليدية تعتصر أحشاءها ، إذ تلك النبرة ليست بغريبة علي سمعها !
فإستدارت مسرعة نحو مصدر الصوت لتصطدم بالوحش ..
تراجعت خطوة إلي الوراء كالمصعوقة ، و إنتفضت كل ذرة من كيانها في عنف ..
فقد كان ذلك الواقف أمامها هو ألد أعداءها ..
كان "عاصم" .. "عاصم الصباغ" شخصيا ... !!!



علي الطرف الأخر ..
إستيقظت "دينار" باكرا كعادتها و أعدت مائدة الأفطار في إنتظار إنضمام "رضوي" و "مروان" إليها ..
إلا أن "رضوي" فقط هي التي وافتها إلي حجرة الطعام ، فتساءلت بحيرة:
-الله ! اومال مروان مانزلش ليه عشان يفطر ؟!
-تلاقيه لسا نايم.
قالتها "رضوي" في لامبالاة و هي تسحب لنفسها كرسي و تجلس فوقه ثم تبدأ في تناول طعامها غير آبهة لقلق أمها علي شقيقها المدلل ..
بينما هزت "دينار" رأسها قائلة:
-لأ ، ده اول مرة يتأخر في النوم كده ! الساعة تسعة و نص .. و كمان ده اتأخر اوي عالشركة.
ثم هتفت بحماسة عفوية:
-انا هطلع اصحيه.
و صعدت "دينار" إلي غرفة إبنها ..
أدارت مقبض الباب .. و ولجت إلي الداخل .. لتتسع حدقيتها في صدمة بالغة و لتتجمد بمكانها ذاهلة ، لا تستطيع أن تصدق ما تراه الأن بأم عينيها !
إبنها .. و الخادمة .. في سرير واحد عاريان !
يطوقها "مروان" بذراعا قوية و لا يسترهما شيئا سوي ملاءة الفراش البيضاء .... !!!!



إعدادات القراءة


لون الخلفية