الجزء 40: عتق أم سجن

كان راقدا بمهجعه ..
حين بدت ذاكرته مشوشة الملامح ، و إختلطت ألوانها حتي ظهرت رمادية مثقلة بالغيم ..
لم يكن من السهل عليه أن ينام بسكون هكذا ... و لكن آلامه و أعصابه المشدودة ، كلها أشياء أنهكت بدنه ، و جعلته يستسلم لغيبوبة السقم و الإنهيار تلك ..
كل عضو بجسده كان هادئا تماما ، عدا عقله .. عقله الذي راح يستحضر كل ذكري أحدثت آثرا بالغا في حياته ..
لا سيما حادثة واحدة في صباه ، لم ينسها أبدا ... رغم أنها تبدو بعيدة جدا ..
و لكنه يتذكرها بكل وضوح ..


حين كان صبي صغيرا في السادسة عشر من عمره ، و قتما حلت الكارثة المهـولة التي أودت بوالده و براءته في آن ..
لم يستطع منعها ، لم يستطع دحر الخطر بمفرده !
لاح لذاكرته ذلك المشهد الذي لم يفارقه طيلة حياته ..
عندما شق طريقه داخل المخزن المشتعل بآلسنة اللهب الحارقة ..
جال في حذر بحثا عن أبيه ... يبكي بحرقة و هو يصرخ مناديا عليه بأعلي صوته ..
ظل ينادي و لا من مجيب حتي بح صوته و إنجرح ... حتي لطخه السخام تماما ، و تسلل إلي رئتيه ليجعله يسعل بحدة ..
إزدادت حدة سعاله أكثر ، و تشوشت رؤيته أكثر و أكثر ، حيث لمعت أضواء غريبة أمام ناظريه و تطوح جسده بضعف ..
و لكنه ثابر ، و واظب علي البحث بما يمكن من السعة ..
حتي ذاك الآن الذي دوي فيه صوت الإنفجار المدمر !
لم يتذكر شيئا أخر بعد ذلك ، جل ما يتذكره أنه أفاق ليجد نفسه يتيما فجأة ..
ثم مشوها ، ثم مشردا ..
و في الأخير تحول بين ليلة و ضحاها من صبي يافع ، إلي رجل ناضج ، بات مسؤولا عن أمه السيدة الآرملة ، و شقيقه الطفل الرضيع !!
رافق ذلك المشهد ، ذكري أخري ..
و لكنها قريبة و واضحة جدا ..
ذكري تلك الجميلة ، جميلته كما أطلق عليها ذات الشعر الأشقر و العينان الزرقاوان ..
حين كانت بين يديه ، تبتسم له بحب و هي تمسح علي شعره و خده الخشن المجوف بحنان و لطف ..
ثم تضم رأسه إلي حضنها و تخبئه و كأنها أما تحمي طفلها ..
تفاعل عقله مع هذه الذكري بصورة سريعة ، و للحال تنشط أكثر و أخذ يعرض له أحداث الساعات الماضية كلها ..
و بغتة ... ساعده علي إسترداد وعيه ..


-هانيـــــــااااااااااااااا !
هكذا إنطلقت صيحته المتوحشة الجريحة لتربك هدوء الجو الساكن من حوله ، و لينتفض علي إثرها "زين" الذي جلس مسترخيا فوق مقعد وطئ وثير بجوار السرير ..
قفز "زين" نحوه مسرعا ، و أحاط كتفيه بذراعيه بقوة ليحبط محاولاته الهائجة في مغادرة الفراش ..
ثم هتف به في صرامة:
-عـااصم ... اهـدا ، اهــدا يـا عــاااصم !
تابع "عاصم" محاولاته للإفلات منه و هو يصيح بكل جنونه:
-اوعــي ... سيبنـي .. سيبنــي يـا زيــن ، هـي فيــن ؟ .. راحت فيـــن ؟ ... هـانيا فيـــــن ؟؟؟
لم يتمالك "زين" نفسه أكثر ، و هدر بصوت عنيف:
-بقـولك اهـدا ... انـت مش حـاسس بنفسـك ؟ .. ده انـت معدوم العـافية يـابنـي آدم ! ... اهمد بقـي ، الله يلعـن هانيـا علي اليـوم اللـي شـوفتها فيـه يـا اخـي !!
بصوت تآرجح بين الإضطراب و الإنفعال ، صاح "عاصم" غير عابئ بآلامه الجسدية:
-هانيـا فيــن يـا زيـن ؟ .. خدوهـا ؟ ... يعني ماعدتش في البيـت ؟ .. رد عليــا !
و أمسكه بياقتي قميصه ، فضغط "زين" جفنيه بشدة و هو يردد بفحيح حانق مغتاظ:
-الله يخربيتها يا شيخ ... دي لو سحرالك ماكنتش هتقدر تعمل فيك كل ده !!!


إرتجفت أصابع "هانيا" قليلا و هي تحاول في أقل ضجة ممكنة أن تفتح الباب الزجاجي الذي يطل من غرفتها علي الشرفة ..
إنها لا تريد إزعاج أحد هنا ، خاصة أنها تعلم بإن وجودها غير مرحب به من قبل بعض سكان المنزل ..
رغم الحفاوة الهائلة التي تلقتها بالأمس ، إلا أنها إستطاعت أن تتبين مدي زيفها ..
فقد إفتعلتها "دينار" و إبنتها "رضوي" فقط إرضاءً لـ"توفيق" .. أو بالأحري إرضاءً لـ"مروان" ...
و ذلك ما حارت فيه إلي الآن ، و ساورتها التساؤلات حول حقيقة الآمر ..
فلما يهتم "مروان" لأمرها فجأة هكذا ؟ .. منذ متي و هو يعتنق شيم الرجولة أو النخوة أصلا ؟ ...
لطالما كان شابا مستهترا وفظا !
تري إلام ينوي ؟ .. ماذا يريد من وراء كل هذا ؟؟؟
نفضت "هانيا" عن رأسها عن الأفكار في ذلك الحين ، و تنفست الصعداء لدي إنفتاح باب الشرفة ..
و نوعا ما شعرت بإرتياح بسيط ، إذ بخلاف كل الأحداث التي وقعت بالأمس ، بقيت الليلة الماضية هي الأكثر تآثيرا ..
حيث بعد ساعات طويلة قضتها تتقلب في السرير غير قادرة علي النوم من شدة تدفق الأفكار الملحة علي ذهنها ..
شعرت بإنها لم تعد تطيق ، فتركت الفراش و حتي الآن لم تفكر في العودة إليه ..
لم تستطع أصلا أن تفكر سوي به هو ..
تري كيف حاله الآن ؟ .. تساءلت ... هل أصبح بخير ؟ .. أم أنه تأذي بدرجة كبيرة ؟؟؟
بات قلبها يخفق هلعا كلما تتخيل مكروها أصابه .. لن تتحمل هذا ، ليس بعد أن فرض حبه عليها ، و إحتل مشاعرها و تفكيرها ، و ملك كيانها ...
الآن فقط أدركت فداحة فعلتها !
ما كان يجب أن تتركه ، أو حتي تفكر مجرد التفكير في الآمر ..
ندمت أشد الندم علي تلك الخطوة المتهورة المشوشة التي إتخذتها بلا تفكير عميق أو منطقي ..
فهي قادرة في هذه اللحظة بالذات علي الشعور بشيئا منه ينمو في أحشائها مع كل ثانية تمر عليها ..
أصبحت متآكدة من هذا ، إحساسها آكد لها تلك الحقيقة دون برهان مرئي أو عملي ..
ليته يآتي ... ليته يآتي في الحال و يأخذها ليعيدها مجددا إلي قلعته الحصينة .. و إن فعلها بالقوة ، لن ترفض ، لن تمانع ..
ستذهب معه بكامل إرادتها ..
فقد أمضت ليلة واحدة بعيدا عنه ، إلا أنها كانت ليلة طويلة ، طويلة جدا لا نهاية لها ..
ستتذكرها دائما ، مدي الحياة .. إذ لم تتوقف عن البكاء لحظة واحدة ، و شعرت ببشاعة الوحدة ..
لأنها لم تجده بجوارها ... ماذا يمكن أن تفعل الآن ؟ لا شيء ..
لقد تركته ، و لا أحد يمكن أن يعيده إليها أو يعيدها إليه .
تنهدت بآسي و هي تستدير عائدة إلي الفراش في محاولة أخري يائسة لإستحضار النوم ، علها تهدأ قليلا !
و لكنها ما أن وضعت رأسها علي الوسادة و أغمضت عينيها حتي لاح وجهه أمام عينيها ..
كان حضوره قوي هذه المرة ، حيث شعرت و كأنه قربها حقا ..
أغمضت عينيها بقوة أكثر لئلا تدع آثر الحلم يهرب منها ..
هذا الحلم الرائع المستحيل بنعومته المؤلمة ، و في شيء من الإيحاء ..
إستطاعت أن تشعر بذراعي "عاصم" القويتين الحنونتين تضمانها ، لكنها كانت تعرف أن ذلك محال .. فهو الآن بعيدا جدا عنها ، و لا مجال للوصول إليه ..
تلك الحقيقة أصابتها في الصميم ، فإعتراها آلم قوي ، لترفع رأسها عن الوسادة و تبدأ تجهش بالبكاء ...
لم يقطع وصلة بكاءها المستمرة ، سوي هذا الطرق المفاجئ علي باب غرفتها ..
كفكفت دموعها بسرعة ، ثم هتفت بنبرة ثابتة متكلفة:
-ادخل !
إنفتح باب الغرفة ، و أطل من خلفه "مروان" بوجهه المكفهر المجدب ..
عاينها في صمت للحظات ، قبل أن يقول بلهجة جافة:
-بابا عاوزك تحت !
تجعد جبينها بعبسة متسائلة و هي تقول:
-في حاجة و لا ايه ؟؟!


-مافيش حاجة هتخليني اتنازل عن حق خطيبتي ابدا يافندم !
قالها "إياد" صائحا بعنف و هو يقف في مواجهة مدير الجهاز الأمني داخل مكتبه ..
ليرد الأخير بعنف مماثل و هو يلوح بكفه في الهواء دلالة علي عصبيته:
-انت من امتي كنت ظابط طايش كده ؟ .. ما تفوق لنفسك يا إياد بدل ما افوقك بطريقتي ، اسمع كلامي دي اخر مرة هنصحك يا حضرة الظابط و الا بشرفي هاخد اجراءات ضدك هتزعل منها اووي.
بنبرة خشنة جادله "إياد":
-اولا انا سيبت الخدمة يافندم ، يعني مابقتش ملتزم بالواجبات الامنية زي الاول .. ثانيا اعمل فيا حضرتك اللي انت عاوزه و بردو حقها عندي و محدش هيجيبهولها غيري حتي لو كان اخر يوم في عمري !
-انت غبي ... عايز تضيع مستقبلك ، ثم مين قالك انك سيبت الخدمة يا سيادة المقدم ؟ .. احنا هنا في الجهاز ماعندناش استعداد نخسر واحد من أكفأ ظباطنا.
أجفل "إياد" و هو يقول في شيء من الإرتباك:
-يعني ايه يافندم ؟؟!
-يعني حضرتك لسا واقف في الصفوف يا سيادة المقدم .. استقالتك انا رفضتها ، و حبيت بس اديلك اجازة اليومين اللي فاتوا دول عشان تهدي اعصابك شوية.
ثم رفع إليه سبابته محذرا:
-انما لو فكرت تتهور و تعملي شغل مجانين يا إياد هندمك صدقني !
إلتقي حاجبي "إياد" ... و بدا له الأمر أكثر صعوبة الآن ، فرد بنبرة فاترة:
-يافندم .. ارجوك ماتصعبش الامور عليا اكتر من كده ، انا تعبان ... مش عارف احس بطعم اي حاجة ، و مش ههدا الا اما اخد بتارها بنفسي.
لانت ملامح المدير ، كما لانت نبرته و هو يربت علي كتفه بلطف قائلا:
-انا مقدر شعورك يا إياد ... و صدقني انا واقف جمبك ، بس انت في و في الاخر ظابط شرطة ، و مش اي ظابط شرطة .. انت كفؤ لدرجة انك بتطلب بالاسم في اكبر مواكب الحراسات الخاصة ، فاهم يعني ايه ؟ .. يعني اللي بيطلبوك بيحطوا حياتهم بين ايديك و هما مطمنين انهم هيبقوا بخير ، ماينفعش تهز صورتك او تضيع مستقبلك بإيدك ..
اولا انا مش هسمحلك ، ثانيا في نفس الوقت هعملك اللي انت عايزه بس في حدود الصح .. في حدود القانون !
إلتقت "إياد" نفسا عميقا دون أن يجيب ، فتابع المدير بجدية صارمة:
-كل اللي انت عايزه هيحصل ... اوعدك.

**********************************

يستلقي "جاسر" علي آريكة غرفته ..
يقبض بيمناه علي زجاجة شراب « الڤودكا » .. و يضغط بيسراه علي وحدة التحكم الخاصة بالتلفاز ..
يتنقل بين القنوات بلا هدف ، ثم في ملل يختار إحداها و يلقي بوحدة التحكم جانبا ..
يتجرع كمية كبيرة من الزجاجة لينهيها دفعة واحدة ، فيتجشأ بطريقة مقززة ..
صدح هاتفهه بنغمته الصاخبة في هذه اللحظة ، فمد يده بتثاقل ، و إلتقط الهاتف من فوق المنضدة بجواره ...
ثم أجاب بنبرة خاملة:
-الوو !
آتاه صوت صديقه الثائر علي الفور:
-انت فين يا استاذ ؟ .. مابتردش ليه علي المكالمات حضرتك ؟؟؟
مسح "جاسر" بكفه علي وجهه مغمغما:
-ايه يا ستينج ؟ .. مالك يا اخي ؟ ... شايط عليا كده ليه ؟؟!
-اصلك و لا علي بالك .. جيت جيتلنا بلوة و سيبتها و جريت !
إكتنفه دوار بسيط من تآثير كمية الخمرة الهائلة التي تجرعها منذ قليل ، و علي الرغم من هذا ، سأله متجهما:
-في ايه يا ستينج ؟ .. حصل حاجة ؟؟؟
-اه هيحصل .. انت ازاي يا بني آدم انت تدي اوامر زي دي للرجالة ؟ .. عايزهم يحقنوا الواد مرة كل 4 ساعات ؟ .. انت عايزه يموت ؟ احنا ماتفقناش علي كده يا جاسر !
باغته "جاسر" بعصبية:
-ما يموت و لا يغور في 60 داهية يا سيدي .. مالك خايف كده ليه ؟ و بعدين ما لازم نعمل كده اومال هتجيب مفعول ازاي ؟؟!
-يا بابا بمجرد ما بتدخل جسمه تاني بيتنكس ، اما اللي انت عايز تعمله ده هيموته .. انا آمرت الرجالة يوقفوا شغل الجنان بتاعك ، شوف بثي انت لسا عايزه تعمل فيه ايه تاني عشان كده اقامته طولت عندنا اوي الصراحة ،مش ناقصين يروح فيها و نروح وراه احنا كمان في 60 داهية.
زفر "جاسر" في غضب شديد ... و لم يجد بدا من المعارضة ، فتمتم علي مضض:
-خلاص ... كفاية عليه كده ، ابعت جتته لأخوه بقي .. ارميه علي بوابة قصر الصباغ !


بعد أن أخذت حماما كاملا ..
إرتدت تلك الملابس التي أعارتها "رضوي" إياها لتغير فيها ريثما يبتاع لها عمها خزانتها الخاصة ..
إرتدت سروالا لطيفا من القطن الوردي ، و قميصا مقلما بالأبيض و الوردي ..
فبدت جذابة تلفت النظر ، رغم شحوب وجهها و تلك الهالات الزرقاء الخفيفة التي أحاطت بعينيها ..
عقصت شعرها الذهبي إلي الخلف علي شكل ذيل حصان ، و أخيرا إنتعلت صندلا من الفلين ..
ثم خرجت من غرفتها لتوافي "مروان" عند البهو الصغير حيث أرشدها ..
هبطت إلي الطابق السفلي سالكة سلالم الرخام .. في هذه الأثناء ، داهمها شعور خفي بوعكة وشيكة تكاد تصيبها ..
لكنها تغاضت عن هذا الشعور ، و حاولت ألا توهم نفسها بالتعب لئلا تسوء حالتها بحق ..
كان باب قاعة البهو مقفلا ، فوضعت يدها علي مسكة الباب ، و ترددت في الدخول علي أخر لحظة ..
عندما سمعت صوت ثالث إنضم لصوت عمها و "مروان" ..
إختلج قلبها فجأة لأنها عرفت من يكون صاحبه ...
هزت "هانيا" رأسها بعنف ، و تساءلت عن سبب مجيئه ..
قامت بجهد كبير لتهدئ أعصابها ، فأخذت نفسا عميقا ، ثم أحكمت قبضتها علي مسكة الباب ، و فتحته بصورة مفاجئة ...
وقفت لثوان جامدة وراء مصراعي الباب ، و عيناها تحدقان في الثلاثة رجال الجالسين هناك أمامها مباشرة ..
في الوسط يجلس عمها ، و علي جانبيه جلسا كلا من "مروان" و السيد "شركس" محامي العائلة في مقعدين متقابلين ...
لينهض السيد "شركس" و يستقبلها إستقبالا حارا و هو يصافحها قائلا:
-اهلا اهلا بآنستنا الجميلة .. حمدلله علي سلامتك يا حبيبتي ، ماتتصوريش فرحتي كانت عاملة ازاي يا هانيا لما كلمني توفيق بيه الصبح و قالي علي الخبر الحلو ده .. بجد الف حمدلله علي سلامتك !
منحته "هانيا" إبتسامتها الرقيقة الرزينة ، و قالت:
-شكرا يا انكل شركس.
و هنا جاء صوت عمها الهاديء:
-تعالي يا هانيا .. تعالي اقعدي جمبي هنا.
و ربت علي مكان فارغ بجواره فوق الآريكة ، أطاعته "هانيا" و مشت صوبه علي مهل ، ثم جلست إلي جانبه صامته ..
فإعتدل "توفيق" في جلسته ، و بدا و كأنه يؤجل حديثا دون مبرر قبل أن يقول:
-انا حكيت كل حاجة للأستاذ شركس يا هانيا ، من اول ما اختفيتي لحد ما رجعناكي امبارح .. و كمان وكلته يتصرف في كل حاجة ، و بإذن الله هيحللك كل المشاكل عن قريب.
و أدار رأسه نحوه متسائلا:
-مش كده و لا ايه يا متر ؟؟
بكل تآكيد و حماسة ، رد "شركس":
-طبعا يا توفيق بيه .. سيبوا كل حاجة عليا و اطمنوا خالص ، كل اللي انا عايزه بس توكيل من الانسة هانيا عشان اقدر ارفع دعوة الطلاق قبل ما الطرف التاني يسبقنا و يرفع دعوة و يطلبها لبيت الطاعة.
-مش ممكن يحصل الكلام ده طبعا !
قالها "مروان" بلهجة خشنة ، ليوافقه "شركس" قائلا:
-ماتقلقش يا مروان بيه .. ان شاء الله كله تحت سيطرتي ، و الامور كلها في صالحنا ، المحاضر اللي قدمها توفيق بيه خلال الشهور للي فاتت بإختفاء الانسة هانيا ، زائد البوليس اللي راح يفتش القصر مرة و مالاقاش حاجة ، و الجواز اللي تم بالغصب .. كل دي حاجات بتثبت فعلا انه كان خاطفها و مخبيها جوا بيته ، و الكلام ده كله هيتآكد اكتر لما تقف الانسة هانيا في المحكمة و تشرح وضعها كان عامل ازي طول المدة اللي فاتت.
ثم أضاف يطمئنهم بإبتسامة:
-اطمنوا يا جماعة ... كل حاجة هتمشي زي ما انتوا عايزين.
نبهه "مروان" بصوت قاطع كحد السكين:
-الاهم من ده كله .. لازم الكلب ده يتعاقب اشد عقاب.
-طبعا هيتعاقب يا مروان بيه .. ده ارتكب بدل الجريمة اتنين ، و الاتنين انيل من بعض ، اولا خطف بنت عم حضرتك ، ثانيا اجبرها علي الزواج منه ، و دي في القانون عندنا حاجة كده بمثابة اعتداء او اغتصاب علي حسب ما هتقرر المحكمة ، و لكن بآكدلك .. الحكم هيكون رادع.
جرت تلك المحادثة أمامها ، بينما كانت عاجزة عن إستيعاب كل ما يحدث ..
هل حقا يخططون للتفريق بينهم ؟ .. هل أصبحت اللعبة حقيقة ؟ ... و هل يودون آذيته أيضا ؟؟؟
لا .. هذا مستحيل ! .. لن ترضي بذلك أبدا ...
أفاقت فجأة علي صوت عمها و هو يتمتم في هدوء:
--خدي يا هانيا ... خدي يا حبيبتي ، امضي التوكيل ده للأستاذ شركس يلا !
خفضت "هانيا" رأسها للأوراق في يده ، تآملتها برهة ... ثم رفعت إليه بصرا صامتا لدقيقة كاملة ..
لتهز رأسها سلبا بعد ذلك ، قائلة بلهجة قاطعة:
-لأ يا انكل توفيق .. مش همضي توكيلات لحد.
تدخل "مروان" للحال مستفسرا بغلظة:
-يعني ايه مش هتمضي توكيلات مش فاهم ؟؟!
صوبت "هانيا" ناظريها تجاهه ، و كان جوابها قطعي مرة أخري:
-يعني مش عايزة يا مروان !
-مش عايزة ايه بالظبط ؟؟؟
-مش عايزة اتطلق من جوزي.
قالتها متحدية و هي تنظر إلي عينيه بقوة ، و بدوره أطلقت عيناه شررا محرقا ، ليثب وثبة هائلة علي حين غرة ، ثم يمد يده و ينتزعها من مجلسها صائحا بعنف:
-بتقولي ايه ؟ .. انتي بتهرجي ؟ ... ايه الكلام اللي بتقوليه ده ؟؟؟
إستخدمت قوتها الضئيلة بالنسبة لقوته الفائقة من أجل الخلاص منه و هي تهتف بإصرار و عزم:
-انا حرة يا مروان .. قلت مش هتطلق يعني مش هتطلق ، محدش يقدر يجبرني علي حاجة ، و انا عمري ما هقول كلمة واحدة ضد عاصم ، بالعكس انا هقف في صفه هو ضد اي حد ممكن يفكر يآذيه ... و مرة تانية ، محدش يقدر يجبرني علي اي حاجة انا مش عاوزاها يا مروان !
تقلصت عضلات وجهه بغضب ، فأخذ يهزها بقوة وحشية و هو يصيح بقسوة:
-بتقولي محدش يقدر يجبرك ؟ .. لا و انتي الصادقة انا اقدر ، زي ما هو قدر ينسيكي اسمك و يكسر شوكتك كده انا كمان اقدر اعمل اكتر من اللي عمله يا هانيا.
شعرت بغثيان ثقيل جثم علي أنفاسها إثر هزه العنيف لها ، بينما أضاف بفظاظته المعهودة:
-هتطلقي منه .. برضاكي ، و هنتجوز ، و الا بدل ما تبقي مطلقة هتبقي ارملة يا بنت عمي !
تدخل "توفيق" في تلك اللحظة محاولا فض الشجار بينهما ، إلا أن "مروان" لم يزداد إلا عنفا سواء في تصرفاته أو تهديداته ..
فتحطم تماسكها ، و شعرت بغتة بإنقباضة عنيفة أسفل معدتها جعلتها تصرخ بقوة و تستنجد بعمها:
-انكل توفيق .. الحقني يا انكل !
و من شدة الآلم الجسيم الذي راح يزداد ، فقدت وعيها و هي تشعر بذراعي "مروان" تسندانها هذه المرة ...
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية