الجزء 19: مواجهات حتمية !

في صباح اليوم التالي ..
داخل قاعة المسرح بمعهد التمثيل ، جلس "شهاب" قبالة الدكتور "حسن" رئيس القسم في زاوية جانبية ..
بينما بقية أفراد الفريق يتدربون فوق خشبة المسرح .. :
-انت عندك نبرة نادرة يا شهاب .. بتجمع بين الشجن و القوة و العذوبة ، كل دول ممكن تستعملهم في نفس الوقت زي ما قلتلك امبارح.
قال الدكتور "حسن" تلك الجملة مخاطبا "شهاب" الذي أفتر ثغره عن إبتسامة بسيطة أظهرت أسنانه الناصعة ، ثم قال مزهوا بنفسه:
-انا تحت امرك يا دكتور .. يشرفني اني اتدرب او حتي اشتغل تحت ايدك.
إبتسم "حسن" بإستحسان و قال:
-عظيم ، يبقي زي اتفقنا ليلة امبارح .. كل يوم بعد ما تخلص كليتك هتيجي هنا من 2 الضهر لـ 7 المغرب .. دي كلها هتبقي فترة التدريب اليومية اللي هنمشي عليها لحد ميعاد عرض المسرحية.
ثم نهض إستعدادا للرحيل و هو يقول:
-اظن انت اتعرفت علي المجموعة كلها امبارح و التعامل بينكوا بقي سهل .. عيش بقي حياتك و معاك كلمات الاغاني كلها ، عايزين الحان كويسة بقي !
أومأ "شهاب" مبتسما و هو يقول:
-ان شاء الله يا دكتور ، اوعدك بحاجات هتبسطك مني.
منحه "حسن" إبتسامة ودودة ، ثم إستدار علي عقبيه و سار خارجا من القاعة ..
و في الحال بدأ "شهاب" يعد و يهئ نفسه لأجواء تأليف الموسيقي مستعينا بجيتاره الخاص كبداية إستلهامية ..
و بينما هو في أوج تركيزه ، أتت "هاجر" من خلفه خلسة و فاجأته للمرة الثانية و لكن بلباقة و ود هذه المرة:
-صباح الخير يا مايسترو !


إلتفت "شهاب" نحو مصدر الصوت واجما ليجدها أمامه مرة أخري .. تنهد بعمق و أرخي تجاعيد وجهه ، ثم قال بتهذيب يعوض به عن فظاظته السابقة:
-صباح النور يا انسة آاا ..
سارعت الأخيرة بلهفة معرفة نفسها ثانية و كأنها لم تصدق تجاوبه اللطيف معها ..
و بدون تردد ، جلست في الكرسي المقابل له و الذي كان يجلس فوقه الدكتور "حسن" منذ قليل ، ثم قالت بجدية:
-انا بس كنت عايزه اعتذرلك لو كنت فهمتني غلط امبارح ! .. انا ماكنتش اقصد اضايقك ابدا .. انا دي طريقتي العادية ، مرحي زايد شوية او يمكن شويتين ، الناس اللي يعرفوني مابيزعلوش مني فلو كنت انت زعلان انا جاية لحد عندك اهو و بعتذرلك.
إبتسم "شهاب" بخفة ، ثم ردد بلطف:
-مافيش داعي للإعتذار يا انسة هاجر .. انا مش زعلان و الا ماكتتش هرد عليكي السلام اصلا.
زفرت "هاجر" بإرتياح قائلة:
-ماشي يا سيدي .. ريحتني و الله ، بس احنا خلاص بقينا زمايل و Team ( فريق ) واحد ، يعني لا تقولي يا انسة و لا اقولك يا استاذ ، ارفع الالقاب خالص و ناديني باسمي ، هاجر .. هاجر و بس.
أطلق "شهاب" ضحكة قصيرة و قال:
-ماشي يا هاجر.
بإبتسامة خجولة سألته "هاجر":
-تشرب قهوة معايا ؟؟
أومأ "شهاب" موافقا و هو يقول:
-اوكي.
عاينته "هاجر" بنظرها لأخر مرة مما بث فيه بعض الإستغراب ، ثم نهضت متجهة نحو منضدة ربضت فوقها مكينة صنع القهوة ...

**********************************************

كان "عبيد" واقفا في منتصف حديقة ڤيلا "توفيق علام" يرش العشب الأخضر بالماء عندما تناهي إلي سمعه صوت جلبة خفيفة عند البوابة الرئيسية ..
إستدار وراءه و راح يدقق النظر حتي إستطاع أن يتعرف علي هوية الزائر الثائر .. ترك ما يفعله ، و سار نحو البوابة ..و صل عند الرجل المسن حديثا و فصل بينه و بين رجال الأمن بقوله:
-ايه ايه انت و هو حاسبوا .. وسعوا كده ده عم مرسي بواب البيت القديم بتاع توفيق بيه .. سيبوه.
ثم إلتفت نحو الرجل و قال بلطف:
-ازيك يا عم مرسي ؟ ليك وحشة و الله.
ببشاشة رد "مرسي":
-و انت كمان يا عبيد .. ايه اخبارك يالا ؟؟
تنهد "عبيد" بثقل و قال:
-اهو ماشية يا عم مرسي ، كل اللي يجيبه ربنا كويس .. بس قولي بقي يا عم مرسي ، ايه اللي فكرك بأهل البيت هنا ؟ جاي عايز حد فيهم و لا ايه ؟؟
-ايوه يابني ، انا كنت جاي للست دينار.
-طيب يا عم مرسي .. تعالي معايا انا هدخلك.
و أخذه من معصمه من بين رجال الأمن و سار به إلي الداخل .. :
-الا انت عايز الست دينار في حاجة مهمة يا عم مرسي ؟؟
تساءل "عبيد" بفضول ، فأجابه "مرسي" بتلقائيته المعهودة:
-انا جاي اشتكلها من ابنها مروان بيه.
قطب "عبيد" مستغربا و سأله بإهتمام:
-ماله مروان بيه ؟ .. عملك ايه يا عم مرسي ؟؟
-ما عمليش انا يابني .. عمل لسكان العمارة ، ما انت عارفه حمقي و بيخانق دبان وشه ، كل يوم و التاني يمسك في خناق واحد من الجيران و اخرهم كان الاستاذ رياض صالح ابن معالي وزير الخارجية.
-و عمل فيه ايه بقي ؟؟
-الموضوع مايستهلش يابني و الله .. كل ده عشان الاستاذ رياض ركن عربيته قدام العمارة في المكان اللي بيركن فيه مروان بيه ، ليه و ليه بقي انه يركن في مكانه ! .. ابص الاقيلك انهاردة الصبح مروان بيه ماسك في خناقه جوا مدخل العمارة و راسه و الف سيف مايسبه وكان هيضربه لولا باقي الجيران اتدخلوا و فصلوا بينهم كانت هتبقي مدعكة ، ما هو الاستاذ رياض مش كلح ( عجوز ) و لا ضعيف بردو ، ده شاب زيه زي مروان بيه و يساويه في كل حاجة تقريبا يعني لو كانوا طالوا بعض كانوا هيبقوا عاملين زي الديوك كل واحد يبطح التاني و لاحدش فيهم كان هيغلب في سنته ، كان زمانهم بيتخانقوا لحد دلوقتي.
همهم "عبيد" متداركا و قال:
-يلا ربنا يسترها عالناس كلها ، و انت عملت طيب انك جيت لازم الهانم تعرف طبعا.
-اه آمال ايه لازم تعرف.
ثم صاح فجأة:
-بس انت بردو ماعجبتنيش في موضوع كده.
تغضن جبين "عبيد" بعبسة مستغربة فسأله:
-موضوع ايه يا عم مرسي ؟ .. هو انا بشوفك اصلا !!
تجاهل "مرسي" عبارته و باغته بشيء من الحدة:
-انت ازاي تسمح لمراتك تروح تقعد مع مروان بيه في شقة البيت القديم و هي لوحدها ؟ حتي لو بتخدمه .. عيب بردو مايصحش ده راجل عازب و هي ست و حلوة كمان.
-انت بتقول ايه يا عم مرسي ؟؟
صاح "عبيد" بذهول و قد جحظت عيناه ، فعاد يسأله بشئ من العنف:
-انت شفت حنة ؟ هي هناك في البيت القديم ؟ و مع مروان بيه ؟؟
أجابه "مرسي" متلعثما:
-ايوه يابني .. انت ، انت بتتكلم كده ليه ؟ انت ماتعرفش و لا ايه ؟؟
إزدادت عيني "عبيد" إتساعا كما أحمرت أذنيه و برزت أوردته ، لكنه كبح إنفعاله و سارع إلي القول بهدوء:
-عم مرسي .. وحياة عيالك ما تجيب سيرة باللي حصل بينا دلوقتي ده للست دينار او لأي حد تاني.
رفع "مرسي" حاجبيه ذاهلا و سأله:
-هي ايه العبارة بس يابني ؟ .. في ايه فهمني ؟؟
رد "عبيد" بصوت ترواح بين اللين و الحدة:
-مش وقته يا عم مرسي .. المهم بالله عليك ما تجيب سيرة باللي حصل دلوقتي لحد ، ماشي يا عم مرسي ؟؟
هز "مرسي" كتفيه مذعنا و قال:
-خلاص يابني .. اللي انت عايزه .. مش هاجيب سيرة لحد !

***************************************

داخل منزل صغير ، شديد التواضع بإحدي القري الريفية ..
أطلقت تلك السيدة الأربعينية صرخة مجلجلة و هي تقول:
-يا لهوووووووووي ، حرام عليكوا ماتموتوش بنتي ، ماتقتلوهاش حرام عليكوا.
فصاح بها زوجها المرتكز علي عكازيه:
-اخرسي يا وليا ، انكتمي بدل ما اخلص عليكي و اتاويكي انتي روخرة.
و تركها تنتحب و إلتفت نحو إبنه اليافع و قال بصوته الخشن:
-هو قالك انه عرف مكانها خلاص يا سالم ؟؟
أومأ "سالم" رأسه قائلا:
-ايوه يابا .. و انا رايحله دلوقتي ساعتين زمن و هبقي عنده و مش هرجع الا اما اجيبلك خبرها الفاجرة دي و ارد اعتبارنا.
-اجي معاك !
قالها والده بلهفة ، فلوح "سالم" بيده و هو يقول معترضا:
-لأ يابا خليك انت .. عشان لو حصل حاجة تبقي انت بعيد و ماتتبهدلش و انت كده.
تدخلت الأم صارخة:
-حرااام عليكوااا هتقتلوا بنتي ؟ .. لأ سيبوها الله يخليكوا هتوهالي هنا و انا احبسها في البيت ، مش هخلي الدبان الازرق يشوفها بس محدش يجي جمبها.
هتف الزوج بلهجة عنيفة:
-انكتمي يا حسنات مش عايز اسمع حسك و بطلي ولولة .. بنتك جبتلنا العار و العار في عرفنا مايتغسلش الا بالدم ، لازم نخلص منها و من بلوتها عشان ابنك ده يقدر يمشي و هو رافع راسه وسط الخلق و مايتعايرش بأخته.
و تركها تتابع نواحها و إلتفت نحو إبنه مرة أخري قائلا:
-يلا يابني اتكل علي الله .. خلي بالك من نفسك و لما تخلص ابقي كلمني.


أمضت "هانيا" الليلة الماضية كلها ترتعد و تتعذب مسهدة ..
بعد أن أخفي "عاصم" من أمامها جميع الأدوات الحادة التي يمكن أن تستخدمها لآذية نفسها ، كما أنه سد الشرفة و أوصد الباب و النوافذ ..
كانت متكومة علي جانبها الأيمن ، و كان صدرها يغلي كمرجل إذ لم تستطع كبح مشاعر القهر التي تغلغلت في أعماقها ..
فأطلقت شهقة مختنقة ، فلم يبق لديها دمعا تذرفه ، لقد ذرفته كله يوم أمس حين تم هتك عرضها بصورة بشعة ..
حتي أنها لم تكن في وعيها حتي تدافع عن نفسها .. بل كانت مخدرة و كانت كالدمية بين يديه ، فعل بها ما شاء دون عناء أو مقاومة منها ..
لقد كان وحشا بكل ما تحمله الكلمة من معني ، و بلا ضمير و لا إحساس .. إنتزع طهارتها و براءتها ..
لم تعد تتحمل مراراتها .. و لم يعد هناك والدها ليحميها ، ماذا فعلت له حتي يفعل بها ما فعله ؟ .. لا شيء سوي أنها جميلة جدا فأراد أن يمتكلها بأي ثمن كتحصيل حاصل لمجموعة ممتلكاته الثمينة ..
كانت ورة صيف برية في حقل من الأعشاب الضارية ، و قد صمم هو علي تدميرها ، إذ إعتاد الحصول علي ما يريد ، إنها تعرف ذلك جيدا ..
فهو طوال حياته لم يحاول شيئا إلا و ظفر به ، و هي كانت الشوكة الوحيدة التي تمكنت من وخز كبرياءه و كرامته ..
بإلاضافة أنها تكرهه و تنفر منه و تبعده عنها بقوة جلفة ربما هذا ما جعلها تحدي يريد الفوز به ، ربما رفضها المستمر له حرض رجولته المهانة علي الظهور أمامها ..
ضغطت بأصابعها المرتعشة علي عينيها اللتين شعرت أنهما غارتا في وجهها و أصبحتا جافتين و موجعتين بعد سحبة طويلة من بكاء مرير و حاد ..
لقد أحياها بكراهية لم تكن تتصور أنها ستتمكن من إستشعارها تجاه أي مخلوق علي وجه الأرض
قبل أن تلقاه ، كانت تجهل معني الذل و القهر و الإزدراء الذاتي .. لكنها اليوم و بفضله إكتسبت خبرة عالية في إستكشاف حياة القسوة و الهلع ..
في تلك اللحظة .. سمعت "هانيا" صوت المفتاح يدور في قفل الباب ، فإنتفضت مذعورة و جلست فوق الفراش ضامة ساقيها إلي صدرها ..
كما توقعت .. دلفت الخادمة مرة أخري بطاولة الطعام الجراراة ، و لكنها لم تكن بمفردها ، كان "عاصم" يسير في أعقابها هذه المرة ..أمرها "عاصم" بوضع الطاولة إلي جانب الفراش ، ثم أصرفها ..
إنصاعت الخادمة لآوامره ، و بعد أن خرجت و أغلقت الباب من خلفها ، تقدم "عاصم" من سرير "هانيا" ببطء ، و خلال لحظات .. كان جالسا أمامها علي حافة الفراش ..
لم تحرك "هانيا" ساكنا و بقيت علي وضعيتها حتي سمعت صوته الصارم يقول:
-لحد امتي هتفضلي رافضة الاكل ؟؟
لم ترد "هانيا" و لم ترفع إليه نظرا حتي ، فتنهد بسأم و قال:
-اللي بتعمليه ده مامنوش فايدة .. خلاص اللي حصل حصل و انتي بقيتي ملكي .. مش ناقص غير اثبات شرعي بس و علي بكرة بالكتير المأذون هيجي و هنكتب كتابنا.
عند ذلك .. رفعت "هانيا" وجهها و هتفت بصوت مبحوح تماما من كثرة صراخها الحاد و الذي لم ينقطع منذ ليلة أمس:
-و الله لو الدنيا اتقلبت من تحت لفوق مافيش حاجة هتجبرني ابقي مراتك و بردو مافيش حاجة ممكن تشهد اني ملكك .. انا مش ملكك.
صر علي أسنانه بغضب و هو يقول:
-و اللي حصل بينا امبارح ده تسميه ايه ؟؟
بنظرة كاوية صرخت فيه:
-اللي حصل ده حصل منك انت .. انا ماسلمتلكش بإرادتي ، و لا عمري هسلم ، و صدقني انا لو جاتلي فرصة اقتلك هعمل كده منغير ما اتردد ثانية واحدة.
بلغ الغضب مبلغه لدي "عاصم" فألقي بالكارت الرابح لينهي ذلك الكر و الفر:
-بس انتي ممكن تبقي حامل ، و انا ماعنديش اي نية اخسر او حتي استغني عن الطفل اللي هتجيبهولي.
إنقبض قلبها برعب لفكرة إحتمالية حدوث الحمل منه !
فصرخت بتهور:
-لأ .. لأ مستحيل .. مستحيل اكون حامل منك انت لأ.
ببرود رد "عاصم":
-و مستحيل ليه ؟ .. انا راجل و ماعنديش حاجة تمنعني اني ابقي اب ، و انتي كمان ست و ما شاء الله شايف ان بنيتك سليمة و صحتك كويسة .. و ان شاء الله علي ايدك هيجيلي الطفل اللي نفسي فيه.
صرخت بوهن ذعر و هي تهز رأسها بعنف:
-لأاا .. لأ .. مستحيل ، مش ممكن .. مش ممكن ، ماينفعش.
و أنفجرت باكية بضعف و إنهيار .. ضاق "عاصم" ذرعا بذلك و ليسكتها ، إقترب منها فجأة و شدها إليه دون سابق إنذار ، ضمها بقوة إلي صدره ، فتشنجت في البداية ، لكنها سرعان ما أدركت أنه لم يعد هنا ما تخشي فقدانه و هي لا تزال تبكي بحرقة بين ذراعيه و دموعها تغرق صدرية قميصه ..
بينما أخذ هو يدلك ذراعيها و يمسد علي ظهرها علها تهدأ و لكن عبثا ذهبت محاولاته ..
شعرت "هانيا" فجأة بجسده يتصلب ، فساورها القلق و دفعته عنها ، فكانت الصدمة عندما رأت تلك النظرة المشتعلة في عينيه ، و التي يخصها بها هي فقط .. فيما قال "عاصم" مزمجرا:
-ماتبصليش كده .. قلتلك قبل كده ، مش انا السبب في اللي حصلي.
و قبل أن تفهم أنه كان يقصد ندبته ، قام هو بحركة سريعة و جذبها إليه لتصطدم مرة أخري بصدره الصلب ..
بينما إبتلع هو باقي أنفاسها بين شفتيه و هو يغرز أصابعه بين خصلات شعرها ..
كانت قبلته غامضة .. جائعة و متطلبة بقسوة ، إنتفض جسدها بعنف و إرتفعت يداها غريزيا نحو كتفيه و لكنهما عجزتا عن دفعه بضعف شديد سببه إرهاقها الجسدي و سوء تغذيتها المهملة ..
تفجرت الدموع من عينيها ، بينما تركها فجأة و هو يلهث و جسده يرتعش من الرغبة ..
حرك الغثيان بداخلها بما فعله لها ، فتراجعت للوراء زاحفة علي مرفقيها و هي تغطي فمها بكفها تكبح رغبتها الشديدة في التقيؤ ..
رمقته بنظرة مزدرية نكراء كسهم أخير في جعبة عينيها الكارهتين .. بينما غمغم "عاصم" من العصبية:
-انتي ملكي.. و مافيش اي حاجة ممكن تغير الحقيقة دي ، و مافيش اي حاجة ممكن تمنعني عنك .. و لا حتي انتي.
ثم أعلن بصرامة:
-بكرة المأذون هيجي و هنكتب كتابنا ، و صدقتي بقي او ماصدقتيش انا اكتر حاجة بكرهها هي اني آذيكي بأي شكل من الاشكال .. عشان كده ارجوكي اقبلي الامر الواقع عشان ماتتعبيش نفسك و ماتتعبنيش معاكي ، لأن مهما حصل انا مش ممكن اسيبك ابدا.
و في اللحظة التالية .. كانت وحدها تماما بالغرفة بعد أن خرج و أغلق الباب من خلفه .. بينما كانت ترتعد آسي و رعبا و كان عزاءها الوحيد هو أن لو كان أباها - علي قيد الحياة - لقتله بصورة بشعة مثلما قتل هو روحها ...

 


علي الطرف الأخر ..
هبط "عاصم" إلي الطابق السفلي و هو لا يري أمامه من فرط غضبه و عصبيته ، فهو يتحمل منها ما يفوق طاقة أعظم رجل في الكون ..
و لكنها ترفضه و ترفضه دائما و أبدا ..
لقد جرب معها كل الوسائل المتاحة لديه .. بلباقة و لطف ، طلب الزواج منها .. بالترهيب و التهديد ، عاود طلب الزواج منها مرة أخري ..
و في الأخير ، كسر الحواجز التي منعته عنها و أيضا لا تزال علي عنادها .. ماذا يفعل أكثر من ذلك .. :
-ايه يابني .. قالب وشك كده ليه ؟ و جايبني علي ملا وشي ليه ؟ خير !!
قالها "زين" مرتابا و هو يتفحص وجه صديقه بدقة ، بينما قال "عاصم" بوجوم:
-تعالي نقعد الاول.
دلفا إلي حجرة المكتب .. إحتل "عاصم" مقعده قبالة "زين" ثم أشعل سيكارة و سحب منها نفسا عميق و نفثه علي مهل ، و أخيرا مضي بالقول بلهجة آمرة:
-بكرة عايزك تيجي علي الساعة 8 بالليل و تجيب معاك مآذون.
-مآذون !!
ردد "زين" ببلاهة ، و سأله:
-و عايز مآذون ليه يا عاصم ؟؟
أجابه "عاصم" بهدوء و هو يتأمل وهج سيكارته:
-عايزه عشان اكتب كتابي.
هز "زين" رأسه و هو يقول مستنكرا:
-و هتكتب كتابك علي مين ؟؟
رد "عاصم" بشيء من الأنفعال:
-علي هانيا طبعا .. مين غيرها يعني !!
إتشح وجه "زين" بتعبير واجم غامض و هو يستوضحه:
-و هي موافقة ؟؟
هز "عاصم" رأسه نفيا و هو يمتص عبق التبغ الفاخر بقوة ، فباغته "زين" مستهجنا:
-طيب و لما هو لأ ، هتكتب كتابك عليها ازاي ان شاء الله !!
صاح "عاصم" في عنف:
--زي الناس يا زين .. هتجوزها بكرة خلاص انتهي.
إزداد حنق "زين" فإكتسب صوته رنة حقد مكثفة و هو يهتف بإعتراض:
-لأ يا عاصم .. انا مش هشترك معاك في اللعبة دي تاني ، و كمان مش هسمحلك تكمل فيها !
سحب "عاصم" النفس الأخير من سيكارته ، ثم أطفأها و هو يردد بهدوء:
-و انت مين انت بقي عشان تسمحلي او ماتسمحليش ؟ .. ماتنساش نفسك يا زين ، انا اول ما قابلتك زمان كنت حتة شاب كحيان لسا متخرج و مش لاقي وظيفة كناس حتي .. انا اللي عملتك .. اوعي تنسي ده ابدا.
كان "زين" يراقبه و هو يقول تلك الكلمات مشدوها .. إذ لم يتوقع يوما أن يسمع كلاما مماثلا أو مقاربا لهذا من "عاصم" ..
لكنه هب واقفا فجأة كما العاصفة و قال بهدوء مماثل ناقض تلك النيران المستعرة في عينيه:
-بس حتة الشاب الكحيان ده يا عاصم هو اللي بدماغه و شطارته وصلك لكل اللي انت فيه دلوقتي ده .. راس مالك القليل اللي كنت محوشه يوم ما قابلتني كبر و زاد علي ايدي انا.
رد "عاصم" بفم ملتو بسخرية:
-مافيش حاجة بإسمك يا زين ، انت شريكي بدماغك بس زي ما قلت دلوقتي ، و اعتقد اني كنت و لسا باديك حقك تالت و متلت.
حدجه "زين" بإبتسامة هازئة و قال:
-لأ عداك العيب يا صاحبي .. بصراحة ماقصرتش.
ثم هتف بجدية صارمة:
-بس انا بقي قررت استقيل انا و دماغي من الشغل عندك .. و كمان قررت احرم نفسي من كرمك و عطفك عليا.
سأله "عاصم" بجمود:
-يعني ايه ؟؟
أجابه "زين" بصلابة:
-يعني من انهاردة انت من طريق و انا من طريق .. و مش هاتشوف وشي تاني يا عاصم.
وإستدار مغادرا بسرعة كبيرة ..
بينما صعد الدم إلي وجه "عاصم" إذ شعر بالندم علي كل حرف تفوه به ، فأزاح بعنف ما فوق سطح المكتب لتسقط بعض الأشياء محدثة دويا قويا ...

 

كانت تقف أمام المرآة .. تتبرج و تتهئ إستعدادا لملاقاة "مروان" عند عودته ..
وقفت تتآمل بإعجاب تلك المنامة الحمراء المثيرة ، لقد أهداها "مروان" إياها منذ عدة أيام و أوصاها بأن ترتديها له الليلة ..
إبتسمت بشيء من الخجل و هي تتخيل ردة فعله عندما يراها هكذا !
في تلك اللحظة .. سمعت جرس الباب يرن ، لابد أنه وصل .. و أخيرا ..
تنفست"حنة" بعمق و إتجهت إلي الخارج و هي تهتف:
-ايوه ايوه .. ايوه يا حبيبي جاية اهو ، انت نسيت مفتاح الباب و لا ايه ؟؟
و فتحت باب الشقة ... !!!!!!!!!!



إعدادات القراءة


لون الخلفية