إنفرجت أساريره عند قبولها عرضه ، فشد قامته بإعتداد و هو يتنهد بإمتنان ، ثم يقول:
-تمام .. انا هنزل استناكي تحت ، هتلاقي هنا في هدومك كل حاجة ، هتلاقي هدوم للسباحة انا كنت عامل حسابي و جايبهملك.
إبتسمت "هانيا" في هدوء ، بينما مشي هو صوب الباب ، و قال قبل أن يخرج:
-متتآخريش !
ثم خرج .. تنهدت "هانيا" براحة لدي خروجه ، كم هي متوترة الأعصاب بسبب وجودها هنا معه بمفردها داخل هذه الغرفة ..
إنها لمعجزة .. أنها إستطاعت النوم بجواره طوال الليل !
ترددت "هانيا" لحظة قبل أن تنطلق نحو الخزانة الضخمة ، لكنها طوت الخطي إليها و فتحتها ..
راحت تستعرض ما تحتوي عليه من ثياب و ألبسة ، بحثت في كل مكان عن ملابس السباحة التي قال عنها حتي وجدتها أسفل رف جانبي ..
تطلعت "هانيا" إلي المايوهات بشيء من التردد و القلق .. لقد كانت جميعها مصممة علي أحدث طراز ، و كان أسوأها مايوه أزرق سماوي بلون عينيها من قطعتين في غاية الأناقة ، و لكنه كان غير محتشم ..
و هناك مايوه أحمر ، و لكنها أدركت أنه لا يتلاءم مع شعرها الأشقر ، لذلك أبعدته عنها ..
لكنها كانت تميل أكثر للمايوه الأول ، أحسته الأقرب إلي ذوقها ، و إلي المايوهات التي إعتادت أن ترتديها ..
لذلك ما كادت تهم بالخروج من الغرفة حتي عادت فجأة إلي الخزانة ، و إستبدلت المايوه الأحمر بالمايوه الأزرق ، و قبل أن تغير رأيها ثانية ، إرتدت خفيها و أخذت علي جسدها وشاح خفيف يسترها ، ثم أسرعت إلي الخارج ، و أقفلت الباب وراءها ..
عند إنتصاف النهار ..
إنتظرت "سمية" حتي خرجت أمها من المنزل ، و ركضت إلي هاتفهها ..
أغلقت عليها باب غرفتها ، و قفزت فوق سريرها .. أجرت الإتصال بـ"إسلام" و هي تستطيع أن تسمع خفقات قلبها المترقبة ..
لحظات قصيرة مرت عليها و كأنها سنوات ، حتي أتاها صوته البذئ:
-ايووه يا سوما .. مسا الفل يا قمر ، عاملة ايه ؟؟
بدا "إسلام" كأنه يحدث شخصا أخر في تلك اللحظة ، عندما قال بصخب:
-يا بت .. يا بـــــــت ، عندكوا طبيخ ايــه يا بت ؟ .. طب انا جاي خلي امك تعمل حسابي !
إستشاطت "سمية" غضبا ، فصاحت به في عصبية:
-انت يا بني آدم ، مش بكلمك ؟؟!
إنتبه "إسلام" لها ، فقال معتذرا:
-معلش يا سوما ، معاكي اهو يا حبيبتي .. كنا بنقول ايه ؟؟
إبتلعت "سمية" عصبيتها ، و ذكرته بهدوء:
-كنا بنقول عملتلي ايه في الخدمة اللي طلبتها منك ؟؟
-يا حبيبتي ماتقلقيش كله تمام .. انا ظبط مع شوية عيال صحابي و الطلعة دي بتاعتنا خلاص ماتشليش هم.
أكدت "سمية" عليه بلهجة تحذيرية خالطها التشكك:
-اسلام .. مش محتاجة اوصيك !
قهقه "إسلام" عاليا و هو يقول بإسلوبه المقيت:
-هعهعهعهعهعه .. طبعا مش محتاجة توصيني يا سوما ، دي البت بطاية تتاكل آكل .. من ساعة ماورتيني صورها و انا مش علي بعضي ، دي نعمة يا ست الكل حد يفوت النعمة ؟؟!
أثارت كلماته الغيرة بقلبها ، إلا أنها تجاهلتها لتقول له بمنتهي الغل و الشر:
-اسمعني كويس يا اسلام .. انا عايزاك انت و اصحابك دول تخسروها عالأخر ، عايزاها تخرج من الليلة دي مش نافعة بعد كده خااالص لأي حاجة ، فاهمني ؟؟
بحماس ملتهب آتاها رد "إسلام":
-عنيا يا سوما ، ماتقلقيش انا مش هكون لوحدي هيبقي معايا 8 غيري و زي ما انتي عايزة مش هنخليها تنفع لحاجة خالص بعد كده.
ثم قال بمزيج من التعجب و الإستنكار:
-و لو اني مش عارف الملاك البرئ ده آذاكي في ايه عشان تعوزي تعملي كل ده ؟ .. كل ده عشان الواطي خطيبك ؟ طب هي ذنبها ايه ؟؟
بتكشيرة شيطانية ، باغتته "سمية":
-لحد كده و مالكش فيه بقي يا اسلام .. احنا بينا اتفاق هتعمله هديك المبلغ اللي طلبته انت و زمايلك ، انما كلام كتير في اللي مايخصكش مش عايزة ، و اوعي .. اوعي تصعب عليك بنت الـ***** دي.
-ايه ايه ايه ابلعي ريقك شوية يا سوما .. اهدي يا حبيبتي ، خلاص كل اللي انتي عايزاه هيحصل بعون الله.
أطلقت تنهيدة ثقيلة متبرمة قبل أن تقول:
-اما نشوف !
عندما لحقت "هانيا" بـ"عاصم" إلي حيث أرشدها بالأسفل عند حوض السباحة ..
كان هو يقف هناك يعد المناشف ، و يضعها بالقرب منهما حتي يتمكنا من تجفيف جسديهما بعد الخروج من الماء ..
كان يرتدي ملابس السباحة تحت بنطلونه الكحلي ، و لم تري "هانيا" منه إلا ظهره العاري الأسمر ..
فلاحظت به آثار حروق أيضا ، و لكنها كانت تختلف عما هي في وجهه .. فالحرق في جانب وجهه الأيمن بليغ إلي حدا ما ..
أما ذلك الذي بأعلي ظهره ، يكاد يكون مرئيا ..
و كأن "عاصم" شعر بها في هذه اللحظة بالذات ، فإستدار إليها و علي وجهه ابتسامة عريضة ..
حبست "هانيا" أنفاسها و هي تحدق فيه .. بقامته النحيلة الطويلة الممشوقة ، و عضلاته المفتولة المتناسقة كليا ..
و فهمت للحال لماذا دائما تراه وحشا ؟ .. أنه حقا كما قال لها من قبل ، لم يترك عملا شاق أو قاس إلا و مارسه ..
ربما هذا ما نحت بناء جسده الضخم .. يا للروعة !
يا للروعة ! .. لم تري "هانيا" جسدا ضخما و متناسقا بهذا الشكل الرائع من قبل أبدا ..
من ناحية أخري ، طوي "عاصم" المسافة بينهما بخطوتين واسعتين ، و قد أضفي عليه شعره الأسود و المبعثر بفوضوية طابع شبابي جذاب ، فقد بدا فتيا ينبض حياة و حيوية .. :
-شكلك حلو اوي في المايوه ده !
قالها "عاصم" مسرورا و هو يعاينها بدقة و تفحص ، بينما عضت علي شفتها السفلي في حرج و خجل ، فإبتسم بخفة و سألها:
-جاهزة ؟؟
أجابته بإيماءة خرساء و هي تحاول أن تغض بصرها عن جسده نصف العاري ، فضحك بمرح و هو يراقبها ، و في الوقت ذاته يخلع بنطلونه ليصبح فقط برداء السباحة السفلي الذي يصل إلي ما فوق ركبيته الرشيقتين ..
إعتدل في وقفته ، و عاد يسألها:
-طب ايه ؟ .. مش هتنزلي ؟؟
بصوت أجش ، قالت "هانيا" مطرقة الرأس:
-بعدك !
ضحك مرة أخري بنفس المرح ، ثم إنصاع لرغبتها ، و قفز برشاقة داخل الحوض .. ثوان و برز رأسه فوق سطح الماء ..
و فجأة ، شعرت "هانيا" برغبة قوية للمكوث بجانبه .. فقد كانت بركة السباحة جميلة ككل شيء داخل القصر و خارجه ..
سبح "عاصم" حتي حافة الحوض ، و مد يده ليساعدها و يشجعها علي النزول .. نزعت "هانيا" الوشاح الخفيف من فوق جسدها بأصابع مرتعشة ، ثم خلعت خفيها و دارت حول الحوض حافية القدمين و هي تعي تماما أن ملابس السباحة لا تخفي مفاتنها إطلاقا .. بل تظهرها إلي حد كبير ..
صحيح أنها ليست أول مرة ترتدي مثلها ، و لكن الأمر غريب ، لا ، بل مفزع تحت وطأة نظرانه النهمة ..
إنحنت "هانيا" و غمست أصابعها في الماء لتختبر درجة دفئها ، و بعد لحظات إعتادت عليها ..
فجلست و أنزلت ساقيها بالبركة ، كل ذلك و "عاصم" لا يزال يمد لها يده ..
و بصورة إضطرارية ، أودعت يديها في يديه ، و تركته يسحبها إلي الماء الشفاف ..
إحتلت "هانيا" قشعريرة و نوع من الإثارة البهيجة عندما شاهدت جسدها و قد تجمع حوله فوران من الزبدة ، بينما ظل "عاصم" قربها خلال اللحظات الأولي ، ثم تجاوزها و هو يسبح بقوة و بسرعة غريبة أخذا طول و عرض الحوض ..
تشجعت "هانيا" لمرآي ذلك ، فإسترخت بدورها ، و غاصت بين الماء إلي الأسفل ..
و لما رفعت رأسها ، كانت قد وصلت إلي منتصف البركة ، و كان "عاصم" يسبح قربها ، و بدا القلق في عينيه ..
فسبحت تجاهه و هي تنفض شعرها عن عينيها ، و تقول بإسلوبها الودي المصطنع:
-قلقت عليا ؟؟
أجابها بخشونة:
-طبعا .. انت غطستي تحت اكتر من دقيقة !
عادت "هانيا" برأسها للخلف تقهقه برقة و هي تغلق عينيها من تأثير الشمس ، ثم عادت تخاطبه:
-ده كده وقت قليل .. تلاقيك انت قلبك خفيف شوية بس و ماجربتش الغطس قبل كده.
و فجأة رأت "هانيا" تلك الإلتواءة الشيطانية علي فمه ، و تلك الضحكة المتلألئة في عينيه .. ثم بعد ذلك شاهدته و هو يغوص أسفل سطح الماء ، فلم تعيره إنتباهها ، و إنشغلت بعصر شعرها المشبع بالبلل ..
و بينما كانت تفعل ذلك ، أحست به يشدها بكاحليها ثم يجذبها إلي أسفل البركة ..
إعتقدت "هانيا" أن رئتيها ستنفجران .. بينما تركها أخيرا ، فصعدت بسرعة إلي الهواء الطلق ..
شهقت بقوة ، و فتحت فمها تلهث بإعياء و هي ترفع الشعر الذي إنسدل علي عيونها ...و لما رأت رأس "عاصم" يطل من فوق الماء ، أرادت أن تنتقم و في الحال .. فتسلقت كتفيه و شدت بكل ثقلها حتي أنزلته تحت الماء ..
و هكذا خلال تلك اللحظات أصبح ذلك لعبة مرحة بينهما ، فراحا يتداعبان في الماء كالأولاد ، بكل بساطة ..
و قد نجح "عاصم" في دفعها للإنخراط معه في الغطس و السباق ، و أيضا علمها كيف تحبس أنفاسها مدة أطول تحت الماء ، و كيف تتحكم بتنفسها ..
إلا أن تلك السحابة الوردية ، سرعان ما إنقشعت عن بصر "هانيا" .. لتكتشف بصدمة ، أنها لم تعد تشعر بأي إرتباك في وجوده ، و أنها بدأت تتقبل الموقف ..
و لهذا ، و في أوج السباق بينهما .. إنتظرت حتي مر بها ، و أخذت تضرب الماء بأطرافها حتي إستدارت و سبحت في الإتجاه المعاكس له ..
أرادت أن تخرج من الحوض و تهرب منه ، لكنه سرعان ما عاد و لحقها في أخر لحظة .. حاصرها بين ذراعيه عند الحافة ، ثم سألها مستغربا و عيناه تومضان ببريق بندقي:
-ايه ؟ .. ايه اللي حصل ؟ رايحة فين ؟؟
كانت أنفاسها تتلاحق و هي تجيبه بشيء من العصبية:
-تعبت .. عايزة اخرج من هنا.
علق بإبتسامة متسائلة:
-انتي زعلتي عشان سبقتك ؟ .. يا ستي تعالي نكمل و انا هفوتك من جمبي ، هخليكي تكسبيني.
بعصبية زائدة ، حاولت "هانيا" أن تزيل يداه اللتين تحاصراها و هي تهتف:
-من فضلك اوعي بقي .. خليني اطلع من هنا.
عبس بغضب لتحولها المفاجئ ، فإمتدت يداه لتطوقا خصرها .. شهقت مرة أخري في حنق و إعتراض ، فقال هو بلهجة قاتمة:
-كنت فاكر اننا في هدنة .. ايه اللي جرالك ؟ انا عملت حاجة ضايقتك ؟؟
-اللي بتعمله دلوقتي ده هو اللي بيضايقني.
قالتها بعنف ، و هي تحاول أن تدفعه عنها ، ثم أضافت بحزم:
-شيل ايدك.
إشتعلت عيناه حنقا ، فقال بشيء من الوعيد:
-انا صبرت عليكي كتير !
حدقت إلي خطوط وجهه القاتمة بعصبية حائرة ، و لم تفطن لتحرك يديه إلا عندما جذبها إلي صدره بسرعة البرق ..
ذعرت لتصرفاته العنيفة ، و إحتجت ، لكن كالعادة ذهب إحتجاجها سدي ..
بينما رفعها بين ذراعيه ، حيث حملها بقوة أذهلتها من الحوض إلي المقعد الصيفي العريض .. إذ ألقاها عليه ، ثم مال علي مستوها ، و غمغم دون يفلتها:
-تعبتيني .. و خلاص جيبتي اخري معاكي ، اللي استحملته منك مافيش مخلوق يقدر يستحمله.
قلصها خوف لا يوصف ، فرددت بغباء:
-انا مأجبرتكش تستحمل ، سيبني احسن و خلي كل واحد منا يروح لحاله .. انا بكرهك.
بدت كمن أُخذ علي حين غرة ، إذ خرجت الحقيقة من فمها دون تفكير ، فإبتسم "عاصم" بسخرية ، ثم لصق صدره بصدرها أكثر و أكثر ، و أخذ يديها في يديه ، و كان صوته رقيقا بخطورة عندما قال:
-انا عارف انك بتكرهيني يا حبيبتي .. و صدقيني دي حاجة مش عاملالي اي مشكلة اطلاقا ، انا كمان ممكن اتجاهل كرهك ليا .. بس طاوعيني من فضلك ، لاني بجد مش عارف تصرفاتي معاكي الايام الجاية هتبقي شكلها ايه .. و زي ما انتي عارفة وضعنا مختلف دلوقتي ، يعني مش هيبقي عليا لا حرج و لا ملامة.
إرتعش ذقنها قليلا من الإنفعال ، و قد شحب محياها ، و أحست بإرهاق رهيب غزا روحها بصورة خاصة ..
تساءلت بمرارة .. كيف لها أن تحاربه إن كان يعني ما يقول ؟ .. تريد أن تتحرر من قيوده ، و أن تقطع كل صلة تربطها به ..لكنها بين ذراعيه ، تشعر بأنها سجينة ، و لا مجال لها بالفكاك ..
خلال هذه الدقائق القليلة ، كان يراقبها بتركيز ، حتي مد يده ، و قبض علي خصلة من شعرها ، و لفها حول إصبعه ..
أغمضت "هانيا" عينيها من النبرة الشرسة في صوته ، عندما أضاف:
-متصورة انتي ازاي عذبتيني طول الفترة اللي فاتت ؟ .. شهرين و انتي قاعدة هنا في بيتي ، معايا تحت سقف واحد ، قدامي و مش قادر اطولك .. ليـــه ؟؟
لفظ أخر كلماته بغيظ غاضب ، فإبتسمت هازئة و هي تقول:
-و هو انت سيبتني في حالي ؟ .. ما انت كسرتني و خدت كل اللي انت عايزه.
ثم إنفعلت أكثر ، و صاحت به:
-قولي ليه انت ؟ .. ليه عملت فيا كده ؟ انا عملتلك ايـ ...
أسكتها فجأة بقبلة جائعة و هو يضمها إليه بقوة .. سرت قبلاته مع لمساته في جسدها و كأنها صدمات كهربائية ..
فلم تستطع الحركة أو إبداء ذرة مقاومة عندما قبلها طويلا و بشدة و كأنه يعاقبها .. و بدت بلا حياة ، بلا أنفاس إلا ما أعطاها من غضب ..
إن الغضب يحتاج إلي وقود حتي يظل مشتعلا ، و لن تعطه أي وقود ..
و شيئا فشئ ، خفف الضغط الوحشي ، و رفع رأسه قليلا ..
ففتحت عينيها ، و حملقت في عينيه المظلمتين و هي تكتم أنفاسها .. كانت أنفاسه الدافئة تلفح وجهها ، و أخذ يتحسس بكفه شعرها الذهبي و يزيحه بعيدا عن خدها ..
ثم سألها بصوت أجش:
-ليه دايما مصممة تطلعي الوحش اللي جوايا ؟ .. انا بحاول جهدي ابقي كويس معاكي !
تمتمت "هانيا" بصوت مهزوم:
-بس انت اللي دايما يتكسب في الاخر.
و شعرت برجفة جسده القوي ، فأحست بنشوة إنتصار لأنها تمكنت من إثارته لهذه الدرجة ، بينما راح يقبل أطراف شعرها العسلي و هو يقول و كأنه قرأ أفكارها:
-يا تري بترتاحي لما بتحسي اني مابقدرش اسيطر علي نفسي و انا معاكي ؟؟
أحست طنينا في أذنيها و هي تهز رأسها بسلبية عصبية ، و تقول بصوت مرتجف أضعف الثقة في كلامها:
-لأ .. مش برتاح .. انا مش بطيق لمستك اصلا.
تنهد بثقل ، ثم أدار فمه ليلثم باطن ذراعها بعمق ، ثم تركها أخيرا ، و نهض ليجلب لها روب التجفيف ..
كانت قد بدأت ترتجف بالفعل ، و أزرقت شفتاها .. فطوي الروب علي معصمه ، و مد يديه و أوقفها علي قدميها ..
ساعدها علي إرتداء الروب ، فأسدلت أهدابها و تركته يفعل بها ما يشاء .. لكنه فقط ، أراد أن يساعدها علي تجفيف شعرها و جسدها لئلا تصاب بالرشح أو البرد ..
تنحي جانبا عندما إنتهي من مهمته ، فمشت هي بإرتخاء عائدة إلي المنزل مجددا .. لا ، بل إلي سجنها مجددا ...
مرت عدة أيام أخري ، تعاقبت خلالها الأحداث بحياة جميع الأفراد ..
جميعهم ، و لكن دون "شهاب" .. الذي بات في حيرة من أمره ، لا يعرف ماذا صنع لها حتي تجافيه بهذه الطريقة !
إن أخر لقاء لهما كان عشية يوم زفاف أخيه .. و لم يفعل هو شيئا يسيء لها ، بل العكس .. عاملها بكل ود و إحترام ، و أحسن ضيافتها ..
كانا في قمة الإنسجام ، و بديا متفاهمان إلي أقصي حد .. لم يذكر ثمة شيء صدر منه و ضايقها !
إذن لماذا لا تجيب علي إتصالاته ؟ لماذا لا تحضر إلي التدريبات المسرحية بالكلية ؟ لماذا تتعمد عدم رؤيته ؟ لماذا تتجاهله ؟ ماذا فعل ؟؟؟
شعر "شهاب" أنه سيجن من كثرة الأفكار المحشورة برأسه .. فهو ضائع منذ إختفت عنه بلا سبب ، بلا مبرر ..
لذا قرر أن يزورها بمنزلها و ليكن ما يكون ..
و ها هو الأن أمام بواية ڤيلا ( الطحان ) .. و من حيث هو جالسا داخل سيارته ، تعلقت عيناه بشرفة غرفتها ، في حين أجري الإتصال بها ، فلم ترد كما توقع ..
عند ذلك ، قرر أن يلقي بالكارت الرابح ، فبعث لها برسالة ، مضمونها كان .. " هاجر .. انا واقف بعربيتي دلوقتي قدام باب بيتك ، لو ما ردتيش عليا حالا هضطر ادخلك و يحصل اللي يحصل " ..
لم تخب خطته ، إذ خلال لحظات .. طلت "هاجر" من شرفة غرفتها ، و هي تهز رأسها في عدم تصديق ، في نفس اللحظة التي عاود "شهاب" الإتصال بها مجددا ، فأجابت:
-انت مجنون يا شهاب ؟ .. ايه اللي جابك هنا دلوقتي ؟؟
رد بصرامة و خشونة:
-مابترديش عليا ، مابتجيش الكلية بقالك اسبوع و اكتر .. قلت اجي اشوف فيكي ايه بنفسي !
كانا يتحدثا في الهاتف و هما ينظران إلي بعضهما البعض بالوقت ذاته .. بينما صمتت "هاجر" قليلا و هي في حالة صراع مع نفسها ..
قلبها لا يريد أن يتنازل عن حب ذلك الفتي الساحر ، السابح في ملكوت قلبها .. مهما إبتعدت عنه ، فقلبها لا يجيد الخداع ، ما زال يعشقه ..
نطقت "هاجر" أخيرا ، فقالت في حزن و مرارة:
-طيب لو سمحت يا شهاب .. امشي دلوقتي و هنبقي نتكلم.
-لأ !
هتف بلهجة قاطعة ، و تابع:
-مش همشي الا اما تنزليلي دلوقتي حالا و اكلمك وش لوش.
-انت بتهرج يا شهاب ؟ .. انت عارف الساعة كام دلوقتي ؟ .. الساعة عشرة !!
صاح بإنفعال:
-انشالله تكون عشرين !
زفرت "هاجر" في توتر ، ثم قالت بإستسلام:
-حاضر يا شهاب ، هنزلك .. حاضر.
كان الليل قد بدأ يزدرد بقايا كسور المغيب ، عندما كانت تجلس "هانيا" جلسة هادئة أمام المدفأة في كرسي جلدي كبير ..
بدت ساهمة واجمة ، فجولة أخري راهنت عليها و خسرتها كالعادة .. الأن فقط ، آمنت أخيرا بقوته و دهائه ..
آمنت أنها لن تتمكن أبدا من هزيمته .. فهو المظفار دائما و أبدا ، هو وحده من ينتصر في كل مرة بطريقة ما أو بأخري ..
راحت "هانيا" في هذه اللحظات تستمع إلي صوت هسهسة الحطب في المدفأة ، و تخيلت قلبها يحترق ببطء كما ذلك الحطب تماما ..
بينما هو مسرورا ، و يحتفل بأخر إنتصاراته ، هي محرومة من لذة النوم ، من لذة الحياة ..
لا شك أنه أغبط لإستسلامها ، و أدرك أنه قضي عليها بالكامل .. فقد بدا ذلك واضحا جليا عليها منذ أيام ..
حين أدركت أن ما من فائدة ، و أنها لم تعد قادرة علي مقاومته ..
إذ تحطمت عزيمتها .. و تهاوت قوتها .. و سقطت شجاعتها ..
فلم تقدر حقا فعالية و كفاءة عقليته الفذة حق قدرها ، لقد نصب لها الألغام و الشراك ، و أستطاع أن يوقع بها في كل مرة دون جهد يذكر ..
أنه بينما إنتصر عليها بفضل قوته و ذكائه ، إذ بشراستها الأرستقراطية و نشاطها يضمحلا أمام سطوته الجبارة ..
حاولت "هانيا" قطع دابر أفكارها عند هذا الحد ، و لكنه هو من فعل ذلك بمنتهي السهولة عندما طرق بابها ، و ولج دون أن يحصل علي آذنها ..
لم تبدي "هانيا" إمتعاضا أو تبرما لتصرفاته كما كانت تفعل في الماضي ، فلم يعد يجدي هذا نفعا بعد الأن ..
علي الطرف الأخر .. أغلق "عاصم" الباب من خلفه ، و تقدم نحوها ..
كان ينظر إليها في آسف ، حقا آنه آسفا علي زيادة سوء حالتها النفسية ..
لذلك تركها طوال الأيام الفائتة ، و حرص علي عدم مضايقتها .. تركها تتمتع بحرية السكوت و الإنعزال ، علها تهدأ و لو قليلا ..
و لكن حدث العكس .. لذا هو آتي إليها الآن ، ليبوح لها بمكنونات صدره ..
لم تكن تنظر إليه عندما جلس في كرسي مجاور لها ، و قال بصوت هادئ ثابت:
-عايز اعترفلك بحاجة !