مرت الساعات الأولى بصعوبة. لم تكن ميرا قد استوعبت بعد وجود آدم، الشاب الغامض الذي ظهر من الصندوق، في منزلها. جلست في غرفة المعيشة، تراقب حركاته وهو يتجول في المكان ببطء وكأنه يدرس محيطه. كانت تشعر وكأنها في تجربة علمية غريبة؛ في كل مرة يلتفت نحوها، تشعر بشيء مريب خلف ابتسامته الهادئة وملامحه المثالية.
"هل أنت جائع؟" سألته بارتباك وهي تقف بجوار المطبخ، غير متأكدة مما إذا كان يجب أن تعامل هذا "الشخص" كأي ضيف عادي.
ابتسم بلطف وهز رأسه. "لا، شكرًا لكِ. أنا هنا لتلبية رغباتك، وليس العكس."
رفعت حاجبها بدهشة. "إذن، ما الذي تفعله؟" سألت وهي ترى يديه تمران على الكتب المصفوفة على الرف. كان يتفحص عناوينها بعناية، وكأنه يحاول أن يتعرف عليها من خلال اهتماماتها.
"أتعرف عليكِ." قال ببساطة، وهو يسحب كتابًا عن الفن ويفتحه بلطف. "أريد أن أعرف ما تحبين وما تكرهين، حتى أستطيع أن أكون… حبيبًا مثاليًا."
شعرت ميرا بقلبها ينبض بشدة. ماذا كان هذا؟ هل هذا نوع من التلاعب النفسي؟ لكنها رفضت إظهار ضعفها أمامه، وقررت أن تأخذ زمام المبادرة.
"إذاً، بما أنك حبيبي المثالي، هل ستفعل أي شيء أطلبه؟" قالت بتحدٍّ، واضعةً يديها على خصرها.
نظر إليها بابتسامة دافئة، عيناه تلتمعان كأنهما يعكسان ضوءًا خفيًا. "تمامًا كما قلتِ، سيدتي."
عبست ميرا وهي تفكر بسرعة. أرادت اختباره، أرادت أن تعرف إلى أي مدى يمكن لهذا "الحبيب" الافتراضي أن يذهب لإرضائها. كانت متأكدة أن هذا مجرد واجهة أو مزحة، ولم تصدق للحظة أنه سيقوم بتنفيذ كل ما تطلبه دون تردد.
"حسنًا، آدم، لنرى..." رفعت ذقنها بوقاحة مصطنعة. "أريدك أن تنظف المطبخ بالكامل. وغرفة المعيشة أيضًا. ورتب غرفتي، إذا سمحت."
انحنى برشاقة، ووضع يده على صدره. "أمر بسيط جدًا. سأقوم بذلك في الحال."
راقبته وهو يتنقل بين الغرف بحذر، يلتقط المكنسة ويبدأ بتنظيف الأرضية، ثم ينقلها إلى غرفة المعيشة. كانت حركاته دقيقة وهادئة، لكنه لم يبدُ آليًا. على العكس، كان يفعل ذلك بلمسة لطيفة وكأن العمل نفسه يمتع عقله.
"مستحيل..." تمتمت ميرا وهي تراقبه.
أكمل تنظيف الغرفة، ثم انتقل إلى غرفة النوم. نظرت إليه بحذر وهو ينظم الوسائد، يرتب السرير، ويمسح الغبار عن المكتب. عندما انتهى، عاد إلى الوقوف أمامها، انحنى مرة أخرى برشاقة.
"هل هناك شيء آخر يمكنني فعله من أجلك، ميرا؟"
"مستحيل." كررت وهي تضع يديها على رأسها بذهول. "هذا… لا يمكن أن يكون حقيقيًا. ماذا لو طلبت منك أن تطبخ لي عشاءً فرنسيًا؟"
"أطباق فرنسية؟" رفع حاجبه بابتسامة صغيرة. "سأحتاج لبعض المكونات، لكنني أعدك بعشاء من الطراز الأول."
انفجرت ميرا ضاحكة، لم تستطع كبح نفسها. "لا أصدق هذا! أنت رائع جدًا لدرجة أنني بدأت أشك في أنك إنسان حقيقي!"
أخذ خطوة أقرب، عينيه الداكنتين مثبتتين على وجهها، ما جعلها تشعر بارتباك مفاجئ. "أنا حقيقي بقدر ما تتمنين، ميرا."
كان هناك شيء في طريقته، في صوته العميق، جعلها تشعر أن الأمر أعمق من مجرد كلام رومانسي. تنهدت بعمق، وحاولت تغيير الموضوع.
"حسنًا، حسنًا. هذا يكفي. لنجرب شيئًا آخر... هل تعرف أي ألعاب؟" سألت بابتسامة واسعة.
ابتسم بدوره، ولكن ابتسامته هذه المرة كانت مليئة بالمرح. "ما نوع الألعاب التي تودين تجربتها؟ شطرنج؟ أم أنك تفضلين تحديًا أكثر حيوية؟"
"ما رأيك في لعبة الأسئلة؟" قالت وهي تقترب منه بحماس. "سأسألك أسئلة عن حياتك، وتجيبني بأمانة. إذا أجبت بشكل صحيح، سأسألك سؤالًا آخر. أما إذا كذبت، سأعرف فورًا."
تردد للحظة، لكن تعابير وجهه لم تتغير. "أوافق، لكن بشرط واحد."
"وما هو؟" سألت وهي تضع يديها على خصرها مجددًا.
"إذا كسبتُ، سأطرح عليكِ سؤالًا واحدًا، وعليكِ أن تجيبي بصراحة."
"اتفاق؟" مدت يدها بعفوية.
أخذ يدها برفق، وقبل أن تشعر، كان قد وضع قبلة سريعة على ظهر يدها. "اتفاق."
تجمدت ميرا، دهشتها تحولت إلى ضحكة قصيرة. "حسنًا، حسنًا. فلنبدأ... ما اسمك الحقيقي؟"
"اسمي آدم، كما قلت لك."
"هذا ليس جوابًا! أنا أريد الاسم الحقيقي."
أخذ نفسًا عميقًا. "اسمي الحقيقي هو… إليوت، لكن الجميع في المنظمة ينادونني بـآدم."
"المنظمة؟" سألت بسرعة، لكن تعابير وجهه تغيرت فجأة، وكأن الحديث عن هذا الأمر ممنوع. "ما هذه المنظمة؟"
"هذه ليست من قواعد اللعبة." قال بهدوء، ثم تابع. "سؤالي الآن: لماذا طلبتِ حبيبًا من الإنترنت، ميرا؟"
ارتبكت لوهلة، لكنها استجمعت شجاعتها. "لم أطلبك لأنني كنت يائسة، بل فعلتُها من باب المزاح. كنت أظن أنك لست سوى دمية. لكن الآن…"
انتظرت لحظة قبل أن تكمل، لتفاجأ بنظرة الحزن التي ظهرت في عينيه فجأة. "والآن؟"
"لا أعرف. ربما... ربما أريد أن أكتشف المزيد عنك." قالت بصوت خافت.
ظل يحدق بها، وكأن هناك كلمات كثيرة يريد أن يقولها، لكنه كبحها. ابتسم أخيرًا ابتسامة مريرة، وتراجع خطوة.
"ربما ستكتشفين أكثر مما تتمنين، ميرا."
يتبع في الفصل التالي..
اذا اعجبتك الرواية برجى ترك تعليق او اعجاب على الرواية لنشر الفصول التالية باسرع وقت ممكن 😉😉