مرت عدة أيام بهدوء بعد النزهة في الحديقة. حاول كل من ميرا وآدم التكيف مع الوضع الجديد بينهما، لكن الغموض حول حقيقة مشاعرهما كان دائمًا يحوم في الأفق. لم تتوقع ميرا أن تتلقى اتصالاً من والدها في ذلك الصباح، وهو يطلب منها شيئًا غير متوقع تمامًا.
"أريدكِ أن تأتي إلى القصر الليلة، ميرا." قال والدها بلهجة حازمة عبر الهاتف.
"لماذا؟" سألت ميرا بارتباك. لم يكن من عادته دعوتها فجأة.
"أريد مقابلة آدم." قال بوضوح، نبرته لا تقبل النقاش. "سيكون لدينا عشاء عائلي. أنا، ووالدتكِ، وأخوكِ، وأنتِ… وآدم."
شعرت ميرا بصدمة مفاجئة. مقابلة آدم؟ لماذا الآن؟
"لكن… أبي، لا أعتقد أن هذا مناسب—"
"هذا ليس طلبًا، ميرا. إنه أمر." قاطعها بحدة، ثم أنهى المكالمة دون انتظار ردها.
وقفت ميرا في مكانها، عقلها يدور بسرعة. ماذا يريد والدي؟ لماذا يهتم فجأة بآدم؟ ولماذا يدعوه إلى عشاء عائلي؟
عندما أخبرت آدم، رأى التوتر في عينيها، لكنه لم يظهر أي قلق على وجهه.
"حسنًا، ميرا، هذا متوقع." قال بهدوء وهو يجلس بجانبها على الأريكة. "عليكِ أن تتذكري، والدك ليس شخصًا ساذجًا. هو يعلم أن هناك شيئًا غريبًا في علاقتنا."
"لكن ماذا سنفعل؟" سألت ميرا، عيناها تلمعان بالقلق. "ماذا ستقول؟ إنه سيحاول كشفك!"
ابتسم آدم بخفة، ثم لمس يدها برفق. "لا تقلقي. سأكون مستعدًا."
في تلك الليلة، قاد آدم وميرا السيارة إلى قصر والدها الكبير. كان القصر يضيء بأضواء ذهبية، والحدائق الخضراء تحيط به، مما يزيد من هيبته. عندما وصلا، كانت ميرا تشعر بالقلق يتصاعد في صدرها.
"آدم، أرجوك… كن حذرًا." همست وهي تمسك بيده قبل أن يدخلا.
نظر إليها بابتسامة صغيرة، عينيه تحملان هدوءًا غريبًا. "لا تقلقي، ميرا. كل شيء سيكون على ما يرام."
لكن قلبها لم يهدأ. كان لديها شعور بأن هذه الليلة ستكشف الكثير.
عندما دخلا القصر، استقبلهما والد ميرا،
"آدم." قال بصوت هادئ، لكنه حمل تحذيرًا خفيًا. "أادم ادم الرجل الذي. دخل حياة ابنتي "
ابتسم آدم بأدب، ثم انحنى قليلاً. "سعيد بلقائك مرة اخرى، سيدي."
جلس الجميع حول طاولة العشاء الفاخرة: والد ميرا، والدتها، وأخوها الأكبر. كانت هذه العائلة تملك هالة من القوة والسلطة، لكن آدم، رغم ذلك، كان يجلس بينهم بثقة وهدوء، كأنه معتاد على مثل هذه المواقف.
شعرت ميرا بقبضة باردة تتشكل في معدتها. لماذا يدعوه الآن إلى هذا العشاء؟ ما الذي يخطط له؟
"صحيح." قال والدها بهدوء، عينيه تركزان على آدم بحدة. "لكن هناك الكثير مما لا أعرفه عنك. أخبرني، آدم… ما هي قصتك؟"
شعرت ميرا بأنفاسها تتسارع، لكنها ظلت صامتة. كان آدم يواجه اختبارًا الآن، وعليه أن يجد طريقة للتعامل معه.
أخذ آدم نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى والد ميرا مباشرةً. "لا توجد قصة معقدة، سيدي. الحقيقة أنني لا أعرف أهلي."
تجمد الجو للحظة، شعرت ميرا بأن قلبها يغرق. هل هذا صحيح؟
نظر والدها إليه بتركيز. "ماذا تعني؟"
"أنا يتيم." قال آدم ببساطة، نبرته هادئة لكنها تحمل شيئًا من الحزن. "نشأت في ميتم. لا أعرف شيئًا عن والديّ، ولا عن عائلتي. كل ما لديّ هو اسم، وحياتي بدأت فعليًا من هناك."
اتسعت عينا ميرا، وشعرت بألم خفي في صدرها. يتيم؟ لم يكن هذا ما توقعته.
تبادل الجميع النظرات، لكن والد ميرا لم يظهر أي تعاطف. ظل يحدق في آدم، كأنه يحاول كشف أي علامة على الكذب.
"إذن، كل هذا المال، وكل هذه الثقة… حصلت عليها بنفسك؟" سأل بصوت منخفض.
ابتسم آدم بخفة، عينيه لا تفارقان عيني والد ميرا. "نعم، سيدي. لقد بدأت من الصفر. عملت في عدة وظائف، واستثمرت كل قرش كنت أجمعه. كانت هناك صعوبات، لكنني لم أستسلم."
"وأين هذا الميتم الذي نشأت فيه؟" سأل أخو ميرا، صوته يحمل نبرة شك واضحة.
نظر آدم نحوه، ثم قال بهدوء: "في قرية صغيرة بإيطاليا. مكان بعيد، لا أحد يعرفه تقريبًا."
ابتسمت أم ميرا بخفة، محاولة كسر التوتر. "يا إلهي، لابد أن الأمر كان صعبًا جدًا عليك."
نظر إليها آدم بابتسامة دافئة، لكن عينيه كانتا تعكسان ألمًا خفيًا. "لقد كان صعبًا، نعم. لكنني تعلمت أن أكون قويًا، وأن أعتمد على نفسي."
أومأ والد ميرا ببطء، لكنه لم يبدُ مقتنعًا. "وأخبرني، لماذا اخترت العمل في الاستثمارات؟ بدلاً من البحث عن جذورك أو معرفة من تكون حقًا؟"
كان السؤال مليئًا بالشكوك، شعرت ميرا بأنها على وشك التدخل، لكنها عرفت أن هذا ليس وقتًا مناسبًا.
أخذ آدم لحظة، ثم قال بصوت منخفض: "لأنني… لم أكن أريد أن أكون مجرد ضحية لماضٍ لا أعرفه. فضّلت أن أبني حياتي بنفسي، بدلاً من البحث عن أشباح الماضي."
كان هناك صمت طويل بعد كلماته، شعرت ميرا بأن الجميع كانوا يفكرون في كلامه. لكن والدها كان ينظر إلى آدم بحدة، وكأنّه يحاول رؤية ما خلف كلماته.
"حسنًا." قال والد ميرا أخيرًا، نبرته جافة. "هذا… يبدو مقنعًا. لكن، أخبرني، ماذا تنوي أن تفعل هنا؟ مع ميرا؟"
شعرت ميرا بأنفاسها تتوقف. هذا هو السؤال الحقيقي.
نظرت إلى آدم بترقب، وعينيها تلمعان بالخوف والقلق. ماذا سيقول؟
نظر آدم إلى ميرا، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها كانت دافئة. "سيدي، أنا هنا لأنني أريد أن أكون جزءًا من حياة ميرا. أعلم أن هذا يبدو غريبًا، لكنني حقًا أهتم لأمرها."
كان هناك صمت مطبق، ثم انفجرت نادين، أخو ميرا، بالضحك الخفيف.
"أهتم لأمرها؟" سأل بابتسامة ساخرة. "هل تعني أنك… تحبها؟"
شعرت ميرا بأن قلبها ينبض بعنف. ماذا؟ هل يقصد ذلك حقًا؟
لكن آدم، رغم كل شيء، حافظ على هدوئه. نظر إلى نادين مباشرة، ثم قال بصوت عميق: "نعم، سيدي. أعتقد أنني… بدأت أحبها."
انفجرت أم ميرا بابتسامة واسعة، عينيها تلمعان بالفرح. "يا إلهي، هذا رائع! ميرا، هل هذا صحيح؟"
نظرت ميرا إلى آدم، عيناها تلمعان بالارتباك. هل يقصد ما يقول؟ لكن في تلك اللحظة، لم يكن هناك شيء يمكنها فعله سوى النظر إلى والدها، الذي كان يحدق في آدم بحدة.
"حب؟" قال والد ميرا ببطء، عينيه تضيقان. "هذا… كلام كبير، يا آدم."
لكن آدم لم يتراجع. "أعلم ذلك، سيدي. وأعلم أنني سأحتاج إلى الكثير من الجهد لأثبت لك أنني جاد."
"هذا صحيح." قال والد ميرا ببرود. "لأنني سأراقبك جيدًا، يا آدم. لا شيء يمر من أمامي دون أن أراه."
كان الجو مشحونًا، لكن آدم، كعادته، حافظ على رباطة جأشه. "أتفهم ذلك تمامًا."
نظر إليه والد ميرا طويلاً، ثم أومأ ببطء. "حسنًا، إذاً… سنرى، يا آدم. سنرى."
بعد العشاء، غادر الجميع غرفة الطعام، لكن والد ميرا أمسك بآدم، يشير له أن يتبعه إلى المكتب.
"آدم، أريد أن أتحدث معك على انفراد." قال بجدية.
تبع آدم والد ميرا إلى المكتب، عينيه تراقبان كل حركة. عندما دخلا، أغلق والد ميرا الباب، ثم استدار لينظر إليه مباشرةً.
"اسمعني جيدًا، آدم." بدأ بصوت هادئ، لكنه كان يحمل تحذيرًا واضحًا. "إذا اكتشفت أنك تخدع ابنتي، أو أن هناك شيئًا تخفيه، سأدمر حياتك."
شعر آدم ببرودة تجتاح جسده، لكن ملامحه ظلت هادئة. "لا أخفي شيئًا، سيدي."
"حقًا؟" سأل والد ميرا بحدة. "لأنني أعلم أن هناك شيئًا مريبًا فيك. شيء لا أستطيع تحديده بعد… لكنني سأعرفه."
تبادل الاثنان نظرات حادة، ثم أومأ آدم ببطء. "أنت حر في البحث، سيدي."
ابتسم والد ميرا بخفة، لكن ابتسامته كانت تحمل شيئًا من الخطر. "أجل، سأبحث. وسأجد ما أريد."
ثم أدار وجهه، مشيرًا إلى الباب. "والآن، يمكنك المغادرة."
خرج آدم من المكتب، لكن قلبه كان ينبض بسرعة. هذا الرجل… لن يتوقف حتى يكشف الحقيقة.