الفصل التاسع والثلاثون: لقاء من جديد


كانت ميرا تسير في أحد شوارع المدينة الباردة، حقيبتها الصغيرة على كتفها، ورأسها مائل قليلاً نحو الأسفل، غارقة في أفكارها. منذ ذلك اليوم، لم تتوقف حياتها عن التغير. كل يوم كان يبدو وكأنه يمضي ببطء شديد، كأنما الحياة فقدت ألوانها. لم يكن هناك شيء يُشعرها بالفرح أو الأمان. آدم… هل يمكن أن تكون هذه الحياة بلا وجودك؟

توقفت أمام باب شقتها، وأخرجت المفاتيح ببطء. كان الجو باردًا، والسماء ملبدة بالغيوم. عيناها كانتا تراقبان الأرضية، غارقة في الذكريات التي لا تستطيع الهروب منها. لقد رحلت… لقد انتهى كل شيء.

لكن قبل أن تتمكن من إدخال المفتاح في الباب، سمعت صوتًا خافتًا خلفها.

"مرحبًا، أيتها الجميلة… هل تحتاجين إلى مساعدة؟"

تجمدت ميرا في مكانها، وعيناها تتسعان ببطء. التفتت ببطء لتجد مجموعة من الشباب يقفون في نهاية الزقاق، عيونهم تلمع بالخبث. ماذا…؟

"ماذا تريدون؟" سألت بحدة، تحاول إخفاء الخوف الذي بدأ يتسلل إلى قلبها.

ابتسم أحدهم، ثم تقدم خطوة نحوها. "أنتِ تعيشين هنا وحدك، أليس كذلك؟ من الخطير أن تتجولي وحدك في هذه الأحياء، يا عزيزتي."

شعرت ميرا بأنفاسها تتسارع، لكنها حافظت على رباطة جأشها. لا، لن أدعهم يخيفونني.

"غادروا من هنا." قالت بحدة، عينيها تركزان على وجوههم واحدًا تلو الآخر.

لكنهم لم يتراجعوا. بدأوا يقتربون ببطء، عيونهم تلمع بالخبث. "لماذا كل هذه العدوانية؟ نحن فقط نحاول أن نكون أصدقاء."

شعرت ميرا بأن جسدها يتوتر. تبًا… هل أهرب؟ أم أواجه؟

لكن قبل أن تتمكن من التحرك، ظهر ظل كبير خلفهم. ظلال داكنة تحركت بصمت، وسمعت صوتًا عميقًا مألوفًا، يقطع الصمت:

"قلت لك… دعيها وشأنها."

تجمد الجميع في مكانهم، ثم التفتوا ببطء. وقفت ميرا، عيناها تتسعان بصدمة. لا… لا يمكن… هل هذا…؟

الشخص الذي ظهر من الظلال كان طويل القامة، عريض المنكبين، وكان يرتدي معطفًا أسود طويلًا، ووجهه نصف مخفي تحت القبعة. لكن صوته… صوته كان مألوفًا جدًا.

"من أنت؟" صرخ أحد الشباب، محاولًا إخفاء خوفه.

لكن الرجل لم يتحرك. وقف هناك، ساكنًا، وعيناه تركزان على ميرا. "قلت… دعوها وشأنها."

ثم، بحركة سريعة، تقدم نحوهم. كان هناك شيء مهيب في خطواته، وكأن كل حركة كانت محسوبة بدقة. لم يستطع الشباب التحرك، وكأنما تجمدوا في مكانهم.

"ابتعدوا عنها." قال بحدة، صوته يحمل نبرة من القوة.

"سنريك!" صرخ أحدهم، ثم اندفع نحو الرجل. لكن قبل أن يتمكن من الاقتراب، تحرك الرجل بحركة سريعة، وأمسك بذراعه، ثم ألقاه على الأرض بحركة واحدة.

شعرت ميرا بأنفاسها تتسارع. هذه… هذه الحركات… لا يمكن أن تكون…

لكن الرجل لم يتوقف. تحرك بسرعة، وأسقط الشباب واحدًا تلو الآخر. كان كأنه عاصفة لا يمكن إيقافها. عندما انتهى، كان الجميع ملقين على الأرض، يئنون من الألم.

"م-من تكون؟" همس أحدهم، عينيه تلمعان بالرعب.

نظر الرجل إلى الشاب الملقى على الأرض، ثم انحنى ببطء. "قلت لك… دعها وشأنها."

ثم، بحركة سريعة، ألقى الشاب بعيدًا، ثم استدار نحو ميرا.

شعرت ميرا بأن جسدها يرتجف، ودموعها تملأ عينيها. لا… لا يمكن… هذا ليس حقيقيًا.

تقدم الرجل ببطء، ثم وقف أمامها، عينيه تلمعان بشيء من الحنان.

"هل أنتِ بخير؟" همس، صوته يحمل نبرة من القلق الحقيقي.

شعرت ميرا بأنفاسها تتسارع. صوته… هذا…

ثم، ببطء، رفع يده، وأزال القبعة عن رأسه. ظهر وجهه تحت الأضواء الخافتة، وعينيه تركزان على وجهها بحب وألم.

"آدم…" همست، صوتها يكاد لا يُسمع. "هل… هل هذا حقيقي؟"

ابتسم آدم ابتسامة صغيرة، عينيه تلمعان بشيء من الحزن. "نعم، ميرا… إنه أنا."

شعرت ميرا بأن جسدها يتهاوى. لا… هذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا. مدت يدها ببطء، أصابعها تلامس وجهه. هل يعقل…؟

"لكنك… لقد رأيتك… لقد رأيتك تموت!" همست، صوتها يختنق بالبكاء.

ابتسم آدم بحزن، ثم أمسك بيدها بلطف. "كان عليّ أن أفعل ذلك، ميرا… كان عليّ أن أخدعهم جميعًا."

"ماذا…؟" همست، عيناها تملؤهما الصدمة.

"المنظمة…" قال ببطء، صوته يحمل نبرة من الجدية. "كانت تعرف كل خطوة أخطوها. إذا لم أقم بإيهامهم بموتي، لم أكن لأتمكن من التخلص منهم جميعًا."

"ماذا تعني…؟" سألت، عيناها تركزان على وجهه بقلق.

أخذ آدم نفسًا عميقًا، ثم نظر حوله ببطء. "كان هناك أشخاص يعملون في الظل، أشخاص كانوا يتحكمون بالمنظمة من خلف الستار. إذا لم أقم بإيهامهم بموتي، لكانوا قد عادوا في يوم من الأيام."

"لكن…" همست، دموعها تتساقط بلا توقف. "لكنني… لقد عانيت… لقد—"

لكنه لم يدعها تكمل. لف ذراعيه حولها، وضمها إلى صدره بقوة. "أنا آسف، ميرا… أنا آسف لأنني تركتك تعانين بمفردك."

شعرت ميرا بأنفاسها تتباطأ، لكنها لم تقاوم. دفنت وجهها في صدره، وبدأت بالبكاء. "لماذا… لماذا تركتني؟ لماذا لم تخبرني؟"

"لم أكن أستطع." همس، صوته يحمل نبرة من الألم. "إذا أخبرتك، لكانوا قد عرفوا."

رفعت رأسها ببطء، عينيها تلمعان بالدموع. "إذن… ماذا الآن؟"

ابتسم آدم بخفة، ثم أمسك بيديها بلطف. "الآن… أنا هنا."

شعرت ميرا بأنفاسها تتسارع، ثم دفنت وجهها في صدره مجددًا. "لا تتركني مرة أخرى… أرجوك."

"لن أفعل." همس، صوته يحمل نبرة من الإصرار. "لن أتركك مرة أخرى، ميرا… أعدك."

ثم رفع وجهها ببطء، وشفتيه تلامسان شفتيها في قبلة طويلة، مليئة بالحب والألم والحنين. كانت القبلة التي انتظرتها طويلاً، اللحظة التي حلمت بها في كل ليلة. شعرت وكأن كل شيء قد عاد إلى مكانه… وكأن الحياة قد عادت إليها من جديد.

بعد لحظات، تراجع آدم ببطء، وعينيه تركزان على وجهها. "علينا أن ندخل."

"إلى أين؟" سألت، عينيها تلمعان بالحيرة.

"إلى المنزل." قال بابتسامة صغيرة. "لدي الكثير لأخبرك به."

ثم، ببطء، أمسك بيدها، ودخلا إلى الشقة معًا.




إعدادات القراءة


لون الخلفية