عاد الصمت إلى المنزل بعد المحادثة الأخيرة، لكن التوتر لم يختفِ. جلس آدم على الأريكة، عيناه تنظران إلى الفراغ، وكأنه يغرق في بحر من الذكريات. بجانبه، كان دوم يراقب كل حركة، بينما كانت ميرا تقف في منتصف الغرفة، تحدق فيهما، عيناها تلمعان بالارتباك والألم.
"حسنًا." قالت أخيرًا، صوتها يحمل نبرة من الإصرار. "أريد أن أفهم كل شيء. لا مزيد من الأسرار، آدم. ماذا يحدث هنا؟"
أخذ آدم نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى ميرا مباشرةً، وكأنه قرر أخيرًا أن يكشف لها كل شيء. لا مزيد من الأكاذيب.
"هل تريدين أن تعرفي؟" قال ببطء، عينيه تلمعان بجدية. "حسنًا… سأخبركِ."
جلس دوم إلى جانبه بصمت، عينيه تراقبان ميرا باهتمام. ثم أومأ برأسه لآدم، وكأنه يشجعه على المضي قدمًا.
"اسمعي، ميرا… لم أختر هذه الحياة." بدأ آدم، صوته منخفض لكنه كان واضحًا. "كل ما حدث لي بدأ منذ أن كنت طفلاً."
تجمدت ميرا في مكانها، عيناها تتسعان ببطء. "طفلاً؟ ماذا تقصد؟"
أخذ آدم لحظة ليلتقط أنفاسه، ثم استمر: "كنت في الميتم، كما أخبرتكِ من قبل. لكن ما لم أخبركِ هو أنني لم أبقَ هناك طويلاً. عندما كنت في السادسة من عمري، جاءت المنظمة… واختطفتني."
شعرت ميرا بوخزة في صدرها. اختطفوه؟
"اختطفوك؟ لماذا؟" سألت، عيناها تلمعان بالذهول.
ابتسم آدم ابتسامة مريرة. "لأنهم كانوا بحاجة إلى جنود، ميرا. كانوا بحاجة إلى أطفال يمكنهم تشكيلهم… وتحويلهم إلى آلات قتل."
"آلات قتل…" همست ميرا، لكنها بالكاد استطاعت استيعاب الكلمات.
أومأ آدم ببطء. "أخذوني، وأطفالًا آخرين مثلي. درّبونا على القتال، على استخدام الأسلحة، على أن نكون بلا قلب. كانوا يعلموننا أن الألم ليس إلا وهمًا، وأن المشاعر هي ضعف."
كانت ميرا تحدق فيه، عيناها تملؤهما الدموع. "لكن… لماذا؟ لماذا فعلوا هذا بك؟"
نظر إليها آدم، عيناه تلمعان بشيء من الألم. "لأنهم كانوا يريدون جنودًا مخلصين، أشخاصًا يمكنهم السيطرة عليهم. حولونا إلى قتلة محترفين، إلى أدوات يستخدمونها في تنفيذ عملياتهم."
شعرت ميرا بقشعريرة تجتاح جسدها. كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا؟ "لكن… لماذا لم تهرب؟"
ضحك آدم بمرارة، لكن ضحكته كانت خاوية من أي سعادة. "هرب؟ لم يكن هناك مهرب، ميرا. كانوا يراقبون كل شيء، يسيطرون على حياتنا تمامًا. كل خطوة، كل حركة، كانوا يتحكمون بنا."
ثم أخذ نفسًا عميقًا، وكأنه يجمع شتات أفكاره. "كبرت، وأصبحتُ… الأفضل بينهم. كنتُ قاتلًا مأجورًا، أنفذ المهام التي تُسند إليّ بلا تردد. لكن مع مرور الوقت، شعرتُ بأنني… أتحطم من الداخل."
نظرت إليه ميرا، عيناها تلمعان بالدموع. "آدم…"
"في أحد الأيام، قررت أنني أريد الخروج." قال ببطء، صوته يحمل نبرة من الحزن العميق. "أخبرتهم أنني أريد التقاعد. لكن… لا أحد يترك المنظمة، ميرا. لا أحد."
"ماذا فعلوا بك؟" همست، جسدها يرتجف من الرعب.
"أرغموني على تنفيذ مهمات أخيرة. كانوا يريدون التأكد من أنني لن أفتح فمي أبدًا. صوّروا كل عملية، كل جريمة. إذا قررتُ الهرب أو خيانتهم، كان لديهم الدليل ليدمروا حياتي."
ثم نظر إليها مباشرةً، عينيه تلمعان بالغضب والحزن. "وأخيرًا، عندما لم أعد أتحمل… قدموا لي عرضًا. لعبة. إذا نجحت فيها، سأحصل على حريتي."
"اللعبة…" تمتمت ميرا، جسدها يرتعش. "تقصد… هذا؟ أن أكون 'حبيبًا'؟"
أومأ آدم ببطء. "نعم. لكن… لم أختر هذا حقًا. لقد أرغموني على ذلك. قالوا لي إنها فرصتي الوحيدة للخروج، وإلا… سيجعلونني سجينًا إلى الأبد."
شعرت ميرا بأنفاسها تتسارع. كل هذا… كان مزيفًا؟
لكن قبل أن تتمكن من قول المزيد، تدخل دوم بصوت منخفض. "آدم لم يكن مجرد قاتل، ميرا. كان الأفضل. المنظمة لم ترد أبدًا التخلي عنه، ولا أظن أنهم سيفعلون."
نظرت ميرا إلى دوم، عيناها تملؤهما التساؤلات. "ماذا تقصد؟"
أخذ دوم نفسًا عميقًا، ثم قال ببطء: "آدم كان محترفًا في عمله، أكثر من أي شخص آخر. لقد نفذ عمليات لم يكن يمكن لأي شخص آخر تنفيذها. بالنسبة للمنظمة، آدم هو كنزهم. لن يتخلوا عنه بسهولة."
"لكنهم قالوا إن هذه ستكون مهمته الأخيرة." قالت ميرا، عيناها تلمعان بالأمل. "إذا نجح، سيحصل على حريته، أليس كذلك؟"
ابتسم دوم بسخرية. "هل صدقتِ ذلك حقًا؟ المنظمة لا تعطي الحرية لأي شخص. إذا تركوا آدم يذهب، سيخسرون أهم قاتل لديهم. لا، هذه ليست لعبة لخروجه… هذه طريقة أخرى للسيطرة عليه."
شعرت ميرا بدموعها تفيض. كل شيء… كان كذبة؟
"ميرا…" همس آدم، لكنه لم يستطع قول المزيد.
كانت ميرا تحدق فيه، عيناها تلمعان بالدموع والألم. "إذن… أنا مجرد جزء من هذه اللعبة. كنتُ مجرد أداة؟"
"كلا!" صرخ آدم فجأة، عينيه تلمعان بالغضب. "أنتِ لستِ مجرد أداة! لم أكن أعلم… لم أكن أعلم أن هذا سيحدث."
"لكن هذا ما يحدث!" صاحت ميرا، صوتها يحمل نبرة من الألم. "كل شيء مزيف! نحن… نحن…"
ثم فجأة، انهارت ميرا، جسدها يرتجف من البكاء. "كنت أظن… كنت أظن أن هناك شيئًا حقيقيًا بيننا."
شعر آدم وكأن قلبه يتمزق. حقيقي؟ لكن كيف يمكن أن يكون هناك شيء حقيقي وسط هذا الكذب؟
"ميرا…" همس، ثم تقدم خطوة نحوها، لكنه شعر بأن المسافة بينهما لا تزال شاسعة. "أرجوكِ، فقط… امنحيني فرصة. سأخرجكِ من هذا. أعدكِ."
لكن ميرا كانت تبكي، عيناها تلمعان بالحزن. "وكيف ستفعل ذلك، آدم؟ كيف ستنقذنا؟ أنت بنفسك لا تستطيع الهرب."
كانت كلماتها كالخناجر في قلبه. إنها محقة. لكنه لم يستطع التراجع الآن.
"سأجد طريقة." قال أخيرًا، صوته مليء بالتصميم. "سأفعل أي شيء… لأجلك."
نظرت إليه، عيناها تلمعان بالحزن، لكنها لم تقل شيئًا. هل يمكنها أن تثق به؟
في تلك اللحظة، أدرك آدم شيئًا واحدًا: مهما كان عليه أن يفعل، لن يترك ميرا تواجه هذا المصير وحدها. سيحميها… مهما كلفه الأمر.