الفصل الثامن: حيرة الأب وارتباك ميرا

كان الصمت يخيم على الغرفة، وكأن الوقت توقف. ميرا كانت تشعر بتوتر شديد يلف المكان، لكن والدها لم يحرك ساكنًا، عيناه الواسعتان لا تزالان مثبتتين على وجه آدم. كان هناك صراع واضح يدور في ذهنه، وكأن عقله يحاول استيعاب ما تسمعه أذناه. ابنته العنيدة... لديها حبيب؟

ثم، وببطء شديد، استعاد تركيزه، وضاقت عيناه وهو يحدق في آدم. "أنت؟ أنت تقول إنك حبيب ميرا؟"

ابتسم آدم بثقة، لكنه حافظ على نبرته الهادئة. "نعم، هذا صحيح."

رفع والدها حاجبه بدهشة، ثم تمتم بصوت منخفض كأنه يتحدث لنفسه: "مستحيل… معقول هناك غبي يحب ابنتي العنيدة؟"

شعرت ميرا بوخزة خفيفة في صدرها، لكنها لم تقل شيئًا. كانت تعلم أن والدها يحبها، لكنه لم يكن قادرًا على فهم سبب رفضها المتكرر لكل من تقدم لها. لم يكن يعرف كيف تعيش حياتها الخاصة، ولماذا اختارت الابتعاد عن العلاقات العاطفية. هي لم ترفض الزواج فقط، بل كانت ترفض فكرة الحب بشكل عام. لم تشعر يومًا بأنها تحتاج لشخص آخر ليكمل حياتها.

والآن، فجأة، يقف أمامها شاب غريب يدّعي أنه "حبيبها"، ويواجه والدها دون خوف. كان الموقف غير واقعي تمامًا.

"كيف... كيف جعلتها توافق عليك؟" سأل والدها أخيرًا، مشيرًا بيده نحو ميرا وكأنه لا يصدق ما يحدث. "هذه الفتاة رفضت كل شاب حاول الاقتراب منها. لا أحد استطاع أن يكسب قلبها! كيف فعلت هذا؟"

شعرت ميرا بالارتباك يزداد. بدأت تتصبب عرقًا، وهي تحاول البحث عن طريقة لتبرير هذه الكذبة الكبيرة التي تورطت فيها. لكن قبل أن تتمكن من النطق، كان آدم قد أجاب بكل هدوء.

"هي من طلبتني." قال بجدية.

شهقت ميرا، عيناها اتسعتا من الصدمة. "ماذا؟!" صرخت، لكن آدم تجاهلها، مستمرًا في التحدث.

"لقد اختارتني لتكون حبيبها، ووافقت على كل الشروط." أضاف بصوت ثابت، ناظراً إلى والدها مباشرة. "أنا هنا لأن ميرا أرادت ذلك."

كان والد ميرا ينظر إلى آدم بذهول، ثم تحول ببطء نحو ابنته، حاجبيه يرتفعان بشكل خطير. "أنتِ… طلبتِه؟"

ارتبكت ميرا، وأخذت خطوة إلى الوراء، ثم نظرت بسرعة إلى آدم بعيون غاضبة. لماذا قال هذا؟! رفعت يدها بتوتر، ثم حاولت أن تبتسم بخفة، لكن الابتسامة كانت متوترة للغاية.

"أبي، أنت... أنت تعرفني. لا أطلب أي شيء من أي شخص." قالت بصوت منخفض، تحاول أن تبدو طبيعية. "نحن... نحن تعرفنا على بعضنا منذ بضعة أيام فقط."

"تعرفتِ عليه؟ أين؟" سأل والدها بسرعة، عينيه تضيقان بشك.

"في… في حفلة صديقتي." قالت بسرعة، ثم التفتت نحو آدم، ترسل له نظرة تحذيرية واضحة. "نعم، في حفلة صديقتي سالي. كنا نتحدث وتعرفنا على بعضنا. لم أكن أعرف أنه سيتحدث بهذه الطريقة."

كان آدم يراقبها بصمت، ثم فجأة ابتسم ابتسامة صغيرة، عينيه تلمعان بشيء من التسلية. "لكن، ميرا… ألم تختاريني لتكوني معي؟"

"ماذا؟!" رفعت يدها بسرعة، محاولة إسكاته. "كفى! أقصد، نعم، أنا… أعني…"

نظرت إلى والدها بتوتر، محاولة الحفاظ على وجهها الهادئ. "كل ما في الأمر أننا تعرفنا على بعضنا و… أعجبت به. هذا كل شيء."

حدق والدها فيها بعيون مليئة بالشك، ثم تحولت نظراته إلى آدم. بدا وكأنه يحاول تقييم هذا الشاب الذي يقف أمامه. أخذ خطوة نحو آدم، حاجبيه يلتصقان معًا بحدة.

"استمع إلي جيدًا، أيها الشاب." قال بصوت منخفض، لكن نبرته كانت مليئة بالتحذير. "إذا كنت تلعب بمشاعر ابنتي أو تخدعها، لن أرحمك. هل تفهمني؟"

كان بإمكان ميرا أن ترى يدي والدها ترتجفان من الغضب. شعرت بقلق شديد، لكنها لم تستطع إيقاف ما يحدث. آدم، رغم ذلك، حافظ على هدوئه التام.

"أفهمك تمامًا." قال ببرود، عينيه مثبتتان على عيني والد ميرا. "لكنني أعدك، لست هنا لأؤذيها. على العكس، أنا هنا لحمايتها."

شعرت ميرا بشيء من الصدمة. حمايتها؟ من ماذا؟

والدها عبس، ثم نظر إلى ابنته بحدة. "وأنتِ؟ هل تعرفين من يكون هذا الشخص؟"

ابتلعت ميرا ريقها بصعوبة. كانت تعلم أن عليها السيطرة على الوضع قبل أن يتفاقم. أخذت نفسًا عميقًا، ثم خطت نحو والدها.

"أبي، كل شيء بخير." قالت بصوت هادئ، محاولة أن تبدو واثقة. "آدم… هو شاب جيد. وهو… حبيبي."

كانت الكلمة الأخيرة تخرج بصعوبة، وكأنها تخشى أن ينفجر شيء إذا قالتها بصوت أعلى. لكن والدها ظل يحدق فيها لثوانٍ، ثم تنهد بعمق.

"هذا جنون." تمتم، ثم استدار مبتعدًا. "لكن، سأترك هذا الأمر الآن. لكن اعلمي، إذا اكتشفت أن هذا الشاب يؤذيك أو يخدعك… لن أتردد في التدخل."

نظرت إليه ميرا بارتياح خفيف، لكنها لم تقل شيئًا. انتظرت حتى خرج والدها من المكتب، ثم التفتت ببطء نحو آدم، عيناها تشتعلان بالغضب.

"ماذا كنت تفعل؟!" همست بصوت حاد.

رفع حاجبيه ببراءة مصطنعة. "أنا فقط قلت الحقيقة."

"حقيقة ماذا؟!" تمتمت وهي تشد على أسنانها. "كاد أن يقتلك! هل تعلم مدى خطورة ما فعلته؟"

اقترب منها، تلك الابتسامة الغامضة لا تزال تزين شفتيه. "لكن، أليس من الأفضل أن يعرف والدك أنك لستِ وحدك؟"

"أنا لست وحدي." ردت بحدة. "لكنني بالتأكيد لست معك! نحن… نحن لا شيء. مجرد…"

"مجرد ماذا؟" سأل بصوت منخفض، يميل نحوها، عينيه مثبتتان على عينيها. "مجرد تمثيلية؟ أم أنكِ بدأتِ تشعرين بشيء آخر، ميرا؟"

شعرت بحرارة تتصاعد إلى وجهها، لكنها رفضت الاستسلام. رفعت ذقنها بتحدٍّ. "هذا… هذا غير مهم! المهم الآن هو ألا تتدخل في حديثي مع عائلتي مجددًا."

رفع يديه بتسليم. "كما تريدين."

لكن قبل أن تتمكن من قول شيء آخر، اقترب منها أكثر، ابتسامته أصبحت أكثر دفئًا. "لكن، ميرا… لا تنسي. أنتِ من طلبتِني. ولستِ مستعدة بعد للتخلي عني."

ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم استدارت بسرعة، قلبها ينبض بعنف. خرجت من المكتب وهي تحاول السيطرة على مشاعرها المختلطة.

آدم… ماذا تفعل بي؟
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية