الفصل التاسع: القناع الذي ينزاح

بعد خروج ميرا من المكتب، شعرت بأنها فقدت السيطرة على أعصابها تمامًا. أخذت نفسًا عميقًا، ثم التفتت نحو آدم، عيناها تلمعان بغضب مكتوم.

"آدم، اخرج من هنا." قالت بصوت ثابت، تحاول إخفاء ارتجاف يدها. "لا أريدك أن تكون هنا. عد إلى المنزل."

حدق آدم فيها للحظة، ملامحه الهادئة لم تتغير، لكنه رفع يده برفق، كأنه يحاول تهدئتها. "ميرا، أنا فقط أردت—"

"قلت لك اذهب!" قاطعت، صوتها يرتفع دون أن تدرك. "ارجع إلى البيت الآن. أنت تتسبب في فوضى. أحتاج إلى بعض الوقت وحدي."

ظل واقفًا في مكانه، يحدق فيها بصمت. ثم، ببطء شديد، أومأ برأسه.

"كما تشائين، سيدتي." قال بهدوء.


استدار وخرج من المكتب بخطوات هادئة، وراقبته ميرا بصمت حتى اختفى تمامًا خلف الباب. شعرت بنبضاتها تتسارع، لكنها لم تستطع تفسير هذا الغضب الذي اجتاحها. شيء ما في طريقة تصرفه، في إصراره على التدخل، جعلها تشعر بأنها تفقد سيطرتها على حياتها… وهذا ما تكرهه أكثر من أي شيء آخر.

في مكان آخر من المدينة...

قاد آدم السيارة بسرعة، ملامحه تبدلت تمامًا. كان وجهه، الذي كان دائمًا يعكس الهدوء والابتسامة الرقيقة، مشدودًا الآن بالغضب. عيناه تلمعان بكراهية وحقد لم يظهر من قبل، وأسنانه تصر بقوة كأنه يكاد يحطمها.

"ما الذي أفعله؟!" صرخ بصوت عالٍ، يضرب المقود بقبضته. "ما هذا الغباء الذي تورطت فيه؟ كيف أقنعوني بالمشاركة في هذه التمثيلية السخيفة؟!"

كانت كلماته تمزق الهواء في السيارة، وكأن الغضب المكبوت بداخله انفجر أخيرًا. رفع يده وضرب المقود مجددًا، ثم أوقف السيارة فجأة على جانب الطريق، يتنفس بسرعة وكأنما كان يجري مسافة طويلة.

"كيف يمكنني تحمل هذه الفتاة المدللة والعنيدة؟" تمتم بصوت مليء بالمرارة، ثم ضحك ضحكة قصيرة، جافة ومليئة بالاحتقار. "سنة كاملة؟ هذا… مستحيل. مستحيل أن أتحمل هذا الوضع لمدة سنة كاملة!"

أخذ نفسًا عميقًا، لكن عينيه كانتا تشتعلان بحقد قاتم. "كيف يمكنني أن أظل حبيس هذا العقد السخيف؟ كيف استطاعوا إجباري على قبول هذا الوضع المهين؟!"

ثم توقف، يداه ترتجفان على المقود، وحاول أن يتنفس ببطء. "اهدأ… اهدأ." همس لنفسه، عينيه تنظران إلى الأمام بتوتر. "عليك أن تبقى هادئًا. إذا فقدت السيطرة، ستخسر كل شيء."

أغمض عينيه لثوانٍ، ثم فتحهما ببطء. وجهه بدأ يستعيد ملامحه الهادئة، لكن عينيه لا تزالان تلمعان ببريق مظلم.

"لكن… هذا مهين." تمتم بصوت منخفض، وكأنه يتحدث إلى نفسه في مرآة. "مهين جدًا."

كان الغضب يموج في صدره، لكنه حاول كبحه. وضع يده على قلبه، شعر بنبضاته القوية تتصاعد وتزداد عنفًا. حاول أن يهدئ نفسه، لكن الكلمات خرجت من بين شفتيه دون وعي.

"لولا هذا…" همس، عينيه تتحولان إلى نظرة غامضة، مليئة بالألم والحنق. "لولا هذا القلب اللعين… لكنت الآن حراً."

لمعت عيناه لوهلة، وكأن شيئًا من ماضيه البعيد عاد ليطارده. ثم، فجأة، زفر بعمق، وكأنما دفع كل غضبه إلى الخارج دفعة واحدة.

رفع رأسه، نظر حوله إلى المدينة الهادئة، وأخذ نفسًا عميقًا مرة أخرى. كان يعلم أنه يجب أن يستعيد هدوءه، وإلا… كل شيء سينهار.

"اهدأ، آدم." قال لنفسه بصوت منخفض. "لديك خطة. تذكر الخطة."


لكن رغم محاولته تهدئة نفسه، لم يستطع نسيان الشعور بالخيانة الذي اجتاحه. كيف انتهى به المطاف هنا؟ كيف سُلبت حريته بهذه الطريقة؟ ولماذا، رغم كل شيء، يشعر بأن ميرا… هي العقبة الأخيرة بينه وبين حريته؟


"سأتحمل هذا." قال أخيرًا، نبرته تتحول إلى صوت جامد، بارد كالجليد. "سأتحمل هذه السنة، سأكون كما يريدون. لكن بعد ذلك… سأكون أنا من يضع الشروط."

ابتسم أخيرًا، لكن ابتسامته كانت مظلمة، فارغة من أي دفء. ثم، دون كلمة أخرى، أدار السيارة واتجه عائدًا نحو المنزل.
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية