كرس القاضي جيوفاني فالكون Giovanni Falcone حياته لمحاربة المافيا ، حيث كان يعرف دائمًا أنه سيموت بسبب حملته القوية عليهم ، وفي النهاية حدث ذلك بالفعل ففي 23 مايو 1992م تم اغتيال جيوفاني فالكوني ؛ أحد أهم المدعين في إيطاليا في وضح النهار من قبل المافيا الصقلية
حيث تم قتل فالكوني باستخدام سيارة مفخخة مليئة بأكثر من نصف طن من المتفجرات ، وهذا بعد فترة طويلة رئاسته للمحاكمة التاريخية ضد المافيا ، وخلال تلك التجربة ولجزء كبير من حياته المليئة بالكفاح ، حارب جيوفاني فالكوني المافيا بكل قوته وكان دائمًا على يقين من أن مثل هذا المسعى الخطير الذي يسلكه سيكلفه حياته
الحياة السابقة : ولد جيوفاني فالكوني في حي فقير في باليرمو بصقلية ، وكانت طفولته شاهده على كمية الفظائع التي ارتكبتها المافيا هناك ، وهذا ساعد في تشجيعه على إحباط هؤلاء المجرمين كشخص بالغ ، فدرس فالكوني القانون في جامعة باليرمو وتخرج عام 1961م ، ومارس القانون لمدة ثلاث سنوات فقط قبل أن يصبح قاضيًا في عام 1964م
وبعد أن تم تعيينه للتحقيق في حالات الإفلاس ،
سرعان ما تتبع فالكوني الكثير من الفساد مرة أخرى وأوصله هذا إلى رؤساء المافيا ، وأدت محاكمته الأولية لهم إلى وفاة قاضي رئيسي أخر بسبب انتقام المافيا ، وبحلول عام 1980م قام فالكوني بوضع نفسه في عالم قانون مكافحة المافيا ، من خلال وجوده بفرع التحقيق في مكتب الادعاء في باليرمو عاصمة صقلية
وانضم فالكوني لهذا الفرع خلال فترة عصيبة في باليرمو ، فقبل وقت قصير من وصوله اغتالت المافيا الصقلية كوزا نوسترا القاضي سيزار تيرانوفا ورئيس الشرطة بوريس جوليانو ، وكلاهما كانا المدعين العامين في عمليات تجارة المخدرات في المافيا ، ومن بين جرائم أخرى للمافيا أنهم ترأسوا الفرع الذي انضم إليه فالكوني للتو
وقد يكون فالكوني قد وقع مذكرة الوفاة الخاصة به في اليوم الذي انضم فيه إلى مكتب النيابة في باليرمو ، لكن شغف فالكوني للعمل في التحقيق ضد المافيا أثبت أنه أقوى من خوفه من الموت ، حيث قال جيوفاني فالكوني أن الموت لم يكن أكثر أهمية بالنسبة لي من زرّ جاكيت ، أنا أنتمي لصقلية الحقيقية وليس صقلية المافيا
العيش في سرية : وضع جيوفاني فالكوني جميع أعماله في مكتب المدعي العام في مخبأ مقاوم للبازوكا ، تحت محاكم القانون بالمدينة وكان مكان عمله محاطًا بالتصوير الأمني للقاعات والغرف ، حول مكتبه وكان بيته على نفس المستوى من اليقظة ، وحيثما يذهب فالكوني كان يصحبه وابل من العربات المدرعة
هذا المستوى من السرية والأمان كان يتخلل كل جانب من جوانب حياة فالكوني ، وأيضًا تزوج زوجته في عزلة وكانوا غير مصحوبين بالعائلة أو الأصدقاء ، كان فقط معهم رئيس البلدية نفسه الذي أمر ببذل كل جهد لضمان سلامة فالكوني نفسه ومن هم أقرب إليه ، وأثبت فالكوني نجاحه في مواجهة المافيا مما سمح له بالدخول في جماعية غير رسمية ، أطلق عليها اسم تجمع أنتيمافيا أو ضد المافيا
وتألفت المجموعة من مجموعة مختارة من المحققين ، الذين شاركوا المعلومات التي لديهم في محاولة لتكوين استراتيجيات الادعاء ضد المافيا المنظمة ، ووقع كل من أعضاء المحكمة والقضاة باولو بورسيلينو وجوزيبي دي ليلو ، وليوناردو غوارنوتا على عقد غير مكشوف يحمي تحقيقاتهم وأنفسهم من تهديد كوزا نوسترا ، ويعتبر هذا العمل الذي قام به رجال أنتيميافيا أكبر ضربة ضربت لا كوزا نوسترا زعيمة المافيا في تاريخها ، الذي يبلغ قرون من الزمن
محاكمة ماكسي : تعد محاكمة ماكسي المحاكمة الأكثر أهمية وفعالية على الإطلاق ضد المافيا الصقلية ، وتعتبر على نطاق واسع واحدة من أكبر المحاكمات في التاريخ ، فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأكيد وجود الكوزا نوسترا قضائيا ، وكانت أهمية هذا الاعتراف غير قابلة للشك ، وتم اتهام مجموع 474 من رجال المافيا بمجموعة واسعة من الجرائم ، وأدين 360 من هؤلاء المدعى عليهم
وتم الحكم ب 2665 عامًا من السجن لأولئك المدعى عليهم ، وهذا يشمل أيضًا 19 حكمًا بالسجن مدى الحياة تم منحها لرؤساء وقادة المافيا البارزين ، وقد قاد جيوفاني فالكوني الادعاء في المحاكمة ، التي بدأت في 10 فبراير 1986م وانتهت في 16 ديسمبر 1987م ، كانت هذه أكبر لحظة في هذا المسار الذي سلكه جيوفاني إلى جانب إدانة مثل هذا العدد الكبير من أعضاء كوزا نوسترا
لقد الشاهد في تلك القضية هو توماسو بوسكيتا Buscetta الذي حذر فالكون Falcone من تحقيقاته ، وقال له : هذا سيجعلك مشهورًا ولكن استعد لموتك ، كان من المعروف أن مافيوسي روزاريو سباتولا وسالفاتور انزيريلو نقلوا الهيروين من صقلية إلى عائلة الجريمة غامبينو في نيويورك
لذلك تعاون فالكون مع رودي جولياني ، الذي خدم في ذلك الوقت المدعي العام الأمريكي للمنطقة الجنوبية من نيويورك ، وقاموا بالتحقيق معًا في العمليات ضد عائلات غامبينو وإنزيريلو ، وقد كان لعمل جولياني إلى جانب فالكوني دورًا أساسيًا في تحطيم عصابة مافيا المخدرات ، فيما يعرف بقضية “توصيل البيتزا”
اغتيال جيوفاني فالكون : بدأ العمل الذي قام به جيوفاني فالكوني في صقلية وخارج صقلية لإحباط هؤلاء الغوغاء يؤتي ثماره في يونيو / حزيران 1989م ، حيث اكتشفت الشرطة كيسًا مملوءًا بالديناميت بالقرب من منزل على شاطئ البحر استأجرته شركة فالكون ، ولكن لسبب ما لم تنفجر القنبلة أبدًا
وفي أعقاب محاولة الاغتيال هذه علّق فالكوني لأحد زملائه قائلاً “تم رسم خريطة لحياتي: من قدري أن آخذ رصاصة من المافيا في يوم من الأيام ، الشيء الوحيد الذي لا أعرفه هو متى ؟ ” ، ولكن جاء ذلك اليوم بعد فترة طويلة من إقرار المحكمة العليا في كانون الثاني /يناير 1992م بإدانة ماكسي
ولما كانت هذه ضربة قوية لسلطة زعيم مافيا كوزا نوسترا ، شعروا بأنهم بحاجة إلى الانتقام ووفقًا لذلك كلف سالفاتوري ريينا رئيس منظمة “الكوزا نوسترا” بروسكا بمهمة اغتيال فالكون جيوفاني ، وقد كان بروسكا يعرف باسم “لوسكانا كريستياني ، وتم تنفيذ الهجوم في 23 مايو 1992م على الطريق السريع إلى مطار باليرمو الدولي من المدينة ، وهو الطريق الذي يسلكه فالكوني للوصول إلى منزله خلال زياراته الأسبوعية إلى صقلية
قام بروسكا بتفجير السيارات المفخخة باستخدام جهاز للتحكم عن بعد ، ففجر جزءًا من الطريق السريع أيضًا وقتل فالكوني وزوجته وثلاثة من أفراد أمنه في العملية ، وبحسب ما ورد استضاف رينا زعيم المافيا حفلًا للاحتفال بوفاة فالكوني بنخب الشمبانيا ، أما المطار الذي غادر منه جيوفاني فالكوني فقد أصبح باسمه الآن ، وتم منحه بعد وفاته جائزة الشجاعة تقديرًا لأفعاله البطولية التي أدت لموته ، حيث ترك بصمًة تاريخيًة ومثالًا يحتذى به لتحقيق العدالة