من المؤكد أن حياة القتلة والمجرمين تثير الفضول والرعب في آن واحد، إذ من المحير أن نعرف كيف يفكر هؤلاء الأشخاص أثناء ارتكابهم للجريمة، وكيف يشعرون حينذاك. ومن المؤسف أن يلقى شخص ما حتفه وهو لا يدري ما الذنب الذي اقترفه. وهل حقًا يكون الأمر مجرد شهوة نحو القتل؟ هذه هي مذكرات أحد القتلة، يروي فيها قصته المروعة.
لا يدري الراوي، وهو أحد السفاحين، أي شيء بشأن والديه أو ما كان عليه من قبل. كل ما يعرفه هو أنه قد ولد في عام 1980م، ثم وجد نفسه طفلاً لقيطًا مشردًا بين مجموعة كبيرة من الأطفال الذين يشبهونه، لا هوية لهم. كان اسمه ريغوريس، وهو اسم يحمل الكثير من المعاني القاسية، وكان ريغوريس قاسيًا بالفعل.
نشأ ريغوريس بين عدد من الأطفال المشردين لدى أحد الأشخاص يدعى باد هاند، وهو متزعم لعصابة كل مهمتها أن تسرق وتستولي على ما ليس لها. كان الأطفال هم الطُعم الذي يلقيه على الأشخاص، فيطلقهم للشارع ليأتونه بالمال حتى إن وصل الأمر إلى السرقة. وإذا فشل الطفل في مهمته، فإنه يتذوق كافة ألوان العذاب والألم، ويُحرم من المأكل والمأوى وينام عاريًا حتى يأتي بالنقود!
عاش ريغوريس حياة قاسية في طفولته، وعند بلوغه سن المراهقة كان قد صار أكثر كفاءة في سرقة الأموال من الناس، وطوّر قدراته ليصبح شخصًا مقربًا من باد هاند. ولكنه عندما صار شابًا عشرينيًا، قرر أن يفر من هذا المصير وتلك الحياة المليئة بالعذاب والسرقة والنهب، ليعيش لنفسه فقط. هرب من قبضة باد هاند، وذهب إلى مدينة نيويورك، تلك المدينة الساحرة التي لا يوجد بها سوى الأثرياء والفقراء، لا مجال لأي حياة وسطية فيها.
عاش ريغوريس يجمع المال رويدًا رويدًا من تجارة المخدرات وجلبها لأبناء الأثرياء الذين يدفعون فيها أموالاً باهظة، فصار من الأثرياء في فترة قصيرة. قام بشراء منزل به قبو وقرر أن يجعله مخبزًا يصنع فيه الخبز ويبيعه. بدأ مشروعه وبدأ الناس يتعاملون معه، وعاش فترة من الوقت كان راضيًا فيها عن حاله.
وأثناء تجواله بالشارع، لمح باد هاند في المدينة التي يعيش بها. كان قد صار عجوزًا طاعنًا في السن، انحنى ظهره وظهرت عليه علامات الشيب الغزير. شعر ريغوريس بامتعاض وكراهية شديدة تجاه باد هاند، ظل فكره مشغولاً طوال اليوم وهو يتخيل نفسه يقتله. تذكر طفولته الشريدة وكيف تعلم كافة الموبقات لدى هذا الرجل، وراوده التفكير في قتله طويلاً حتى قرر أن يذهب إليه وينفذ ما جال بخاطره.
ذهب ريغوريس إلى المدينة القديمة حيث يقطن باد هاند، وطرق الباب. عندما فتح له العجوز، دفعه ريغوريس بقسوة إلى الداخل وضربه ضربًا مبرحًا، ثم طعنه بالسكين عدة طعنات وأخذ يتأمله وهو يفارق الحياة ببطء. لم يكتف ريغوريس بما حدث، بل حمل جثة باد هاند معه في العربة واتجه نحو منزله. أخذه إلى قبو المنزل حيث يضع منضدة العجين الخاصة بالخبز، وبدأ يفكر فيما سيفعل.
قطع ريغوريس جثة العجوز إلى أشلاء، وشعر بنشوة شديدة للغاية لم يشعر بمثلها من قبل عندما انطلقت نافورة الدماء من باد هاند بعدما فصل ريغوريس رأسه عن جسده. بعدما انتهى من تقطيع الجثة، أخذها وألقاها في الفرن لتتحول إلى رماد. وضع منه البعض على عجين الخبز. ولم لا؟ أليس من المفترض أن يتذوق هو والناس طعم الفوز والنصر؟ هو الآن يشعر بنشوة شديدة ويرغب في تذوق لحم من آذاه.
مرت الأيام سريعًا وريغوريس يفكر في القتل. لم يرتوِ من قتل باد هاند فقط لأنه آذاه، وإنما اكتشف تلك النشوة في نفسه. بدأ في اختطاف بعض الضحايا من رجال العصابات، وكان ينتقيهم ممن ليس لهم دور حيوي حتى لا يبحث عنهم أحد. وصل عدد ضحاياه إلى أكثر من ستين ضحية، كلهم بلا هوية ومن أماكن متفرقة. انتقى أول كل شهر ليأخذ ضحية جديدة.
يقول ريغوريس في مذكراته: "غريب أن يكون لكل الضحايا نفس التساؤلات والتوسلات والآثام. أنا الآن حر طليق، أقتل وأتلذذ بمتعة القتل والسلخ والتقطيع. فالأمر له نشوة ليس لها مثيل. أنا الآن حر طليق، فإذا وجدتني، فإما أن تشاركني لذتي، أو تكون أنت التالي على المنضدة."