تظل الجريمة أمر بشع وسيء للغاية ، فهي تجسد المعنى الحقيقي للشر ، من تعذيب أو إزهاق روح ، وقد تكون بدوافع متغيرة من شخص لآخر ، فالجاني قد يرتكب جريمته إثر خلاف مع الضحية ، وآخر قد يرتكبها إثر اضطرابات نفسية وعصبية ، وهناك جرائم تتم بلا مبرر سوى الرغبة في القتل
الكثير من الجرائم يتم التعرف عقب مرور فترة ، على مرتكبها باستخدام الأدلة والتحقيق والتدقيق ، ولكن ألا يتم معرفة الجاني لهو أمر محير ، وهذا هو ما حدث في قصة الضحية آيسيدور فينك
آيسيدور شاب بولندي في الثلاثين من عمره ، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ليعمل بها فحصل على محل صغير ، حوله إلى مكان لغسل الملابس وكيها ، وكان يعيش في الغرفة الملحقة بالمغسلة
كان آيسيدور شاب وحيدًا ، يعيش وحده في الغرفة الملحقة بالمحل ، ولا يزوره أحد ، وكانت علاقته طيبة للغاية مع جيرانه وزبائنه ، وفي أحد الأيام سمع الجار القريب من شقة آيسيدور ، أصوات مرتفعة فيما يبدو أنه شجار ، وكانت الأصوات آتية من منزل آيسيدور
وفجأة صمتت الأصوات مرة واحدة مما جعل الجار يرتاب في الأمر ، فركض نحو الشرطي القريب في نفس الشارع ، ليصعدا معًا ويطرقا الباب ، ولكن لم يستجيب أحد ، وأدرك كلاهما بأن أبواب الغرفة مغلقة من الداخل ، ومع المزيد من الطرق بدأ الاثنان في الارتياب ، وقاما بمساعدة طفل صغير ، بإدخاله إلى الغرفة ليفتح لهما الأبواب خاصة أن الباب الخلفي ، كان مغلقًا أيضًا من الداخل ، والنوافذ لا تسمح بدخول وخروج أي شخص
لم تمض دقائق حتى فتح الطفل الباب ، ودلف الجار والمحقق إلى الداخل ، ليجدا آيسيدور ملقى أرضًا وينزف إثر إطلاق الرصاص عليه ، فقد كان مصابًا ثلاث طلقات نارية ، اثنين بالصدر وواحدة في معصمه الأيسر ، ولكن لم يكن هناك مسدسًا ! الأمر مثير للدهشة كيف كانت الأبواب موصدة من الداخل ، والنافذة لا تسمح لأي شخص بالغ بالخروج أو الدخول ، ولا يوجد سلاح للجريمة
مما جعلهم يستبعدون فكرة الانتحار ، فإذا كان قد انتحر فكان لابد من وجود المسدس الذي قتل به ، كما أن المكواه كانت لاتزال دافئة ، فبدا وكأن الشرطي والجار قد أتيا إلى الغرفة ، إثر حدوث الجريمة
بدأ الشرطي في فحص الغرفة جيدًا ليتبين بأنه لا توجد ، أية سراديب أو أبواب أو فتحات سرية داخل الغرفة ، تؤدي إلى أماكن بعيدة عن الغرفة ، وبسؤال جيرانه وزبائنه ، أقروا جميعًا بأن آيسيدور كان طيب المعشر ومهذب للغاية
وليس لديه أية عداءات مع أي شخص ، ولكنه كان قد بدأ في التصرف بغرابة قبل عام ، فكان لا يُسمح لأحد بالدخول إلى غرفته ، سوى بعض الناس فقط ، وكان يخشى دائمًا من السرقة ، الأمر الذي بدا منطقيًا خلال تلك الفترة من تاريخ أمريكا
بالفحص تبين أنه لم يتم سرقة شيء من المنزل ، فالنقود في جيبه كما هي لم يمسسها بشر ، وكذلك بعض التحف الثمينة كانت موضوعة على الأرفف ، داخل المنزل لم يمسها شخص لذلك ، توقع الشرطي أن الجريمة لم تحدث بدافع السرقة
ومع ذلك استمر البحث في دوائر الشرطة لمعرفة من القاتل ، في تلك الجريمة المحيرة ، وكيف دخل وخرج القاتل أيضًا دون أن يشاهده أحد ، أو حتى يقابل الجار والشرطي أثناء توجههما نحو المنزل ، قبل أن ينصرف القاتل !