كان السير والتر رالي علمًا من أعلام إنجلترا في عصر الملكة إليزابيث الأولى. لقد عمل جنديًا محاربًا، وقرصانًا، وشاعرًا، ومستكشفًا. ولد عام 1554م، ولعب دورًا بارزًا في هزيمة الأرمادا، وقاد بعثة الاستكشاف التي أنشأت مستعمرة فرجينيا. كما أنه عاد من العالم الجديد يحمل إلى إنجلترا وأوروبا نباتات البطاطا والتبغ.
قاد عملية نهب الأسطول الإسباني المحمل بالكنوز في قادس. ولكن كل هذه الأعمال والخدمات لم تشفع للسير والتر لدى العرش البريطاني. في عام 1603م، عندما اعتلى جيمس الأول العرش، اتهم السير والتر رالي بالخيانة العظمى.
قام صديق السير رالي، اللورد كوبهام، بتدبير مؤامرة على الملك جيمس. استغل عدوه في البلاط، السير روبرت سيسيل، تلك الصداقة واتهم السير رالي بالمشاركة في المؤامرة. كان اللورد كوبهام يجاهر بعدائه للملك جيمس، وقد اتصل بالسفير الإسباني وتباحث معه في توقيع معاهدة سلام إذا نجح بتنحية الملك ووضع عمته أرابيلا ستيوارت مكانه على العرش.
عند سؤاله عن دوره في المؤامرة، قال السير رالي بأن صديقه عرض عليه 10 آلاف كراون ليساعده في تحقيق السلام مع إسبانيا، ولكنه رفض العرض واعتبره واحدًا من أعمال كوبهام الغبية. ذهب روبرت سيسيل إلى كوبهام وواجهه بما يقوله صديقه رالي، فرد الأخير بعد أن اتضحت خيانة رالي له، بأن السير والتر كان هو المخطط الحقيقي لكل شيء. برغم أن التهمة لم تكن صحيحة، تم إرسال السير رالي إلى السجن.
كتب رالي رسالة إلى صديقه القديم كوبهام، الذي كان مسجونًا في حجرة مجاورة، مع أحد الحراس يطلب منه فيها أن يقول الحقيقة. استجاب كوبهام لطلب صديقه وأرسل إليه رسالة يعترف فيها ببراءة السير والتر. فرح رالي بالرسالة واحتفظ بها لإظهارها أثناء المحاكمة.
بدأت محاكمة السير رالي في 17 نوفمبر عام 1603م، وسط أجواء عدائية صورت السير رالي باعتباره خائنًا. تشكلت هيئة المحكمة من أربعة قضاة، كان أحدهم عدوه اللدود روبرت سيسيل. عندما وجهت إلى رالي تهمة الاشتراك في المؤامرة وذكرت بعض الأدلة، قال السير والتر: "أثبتوا أمرًا واحدًا مما تقولونه." غير أن المدعي العام أجابه: "لا، بل سنثبت كل الأدلة أيها المنحرف البشع. إن لك وجه إنجليزي، بيد أن قلبك إسباني."
دافع السير رالي عن نفسه دفاعًا مشرفًا، وظل محتفظًا بعزة نفسه. عندما أراد أن يلعب بورقته الأخيرة، رسالة كوبهام، وجد المحكمة قد سبقته إلى الشاهد الذي عاد وغير أقواله مجددًا ووجه الاتهام للسير رالي بأنه عميل للأسبان. أنكر رالي التهمة، بيد أن المحلفين لم يستغرقوا سوى ربع ساعة ليحكموا عليه بتهمة الخيانة العظمى.
كان نص الحكم الذي صدر عليه من أقسى الأحكام وأغربها: "سوف تُعرض في الشوارع من هنا إلى المكان الذي أتيت منه، السجن، وستظل هناك إلى حين تنفيذ الحكم فيك، حيث سيتم تقطيعك حيًا، وإخراج قلبك وبقية أعضائك وطرحها في النار أمام عينيك، ثم فصل رأسك عن جسدك. فليرأف الله بروحك."
قال أحد القضاة الذين حاكموا السير والتر وهو على فراش الموت: "لم تتعرض العدالة الإنجليزية للخزي والعار مثلما تعرضت له يوم محاكمة السير والتر رالي."
تعاطف الجمهور مع السير والتر، مما جعل الملك جيمس الأول يؤجل تنفيذ حكم الإعدام بالبطل السابق.
في العاشر من ديسمبر، سيق كوبهام وبعض من معه من المتآمرين إلى ساحة الإعدام، وقد أمر السير والتر بمشاهدتهم من نافذة زنزانته. قيل له أن الدور عليه الآن، وقبيل تنفيذ حكم الإعدام شنقًا، وأثناء تلاوة المتهمين لصلواتهم، صدر فجأة عفو عام عنهم وتحولت عقوبتهم إلى السجن المؤبد. أما السير والتر فقد تركوه يتعذب بعض الوقت قبل تبليغه بتخفيف الحكم الصادر بحقه.
قضى السير والتر 13 عامًا في السجن، كتب خلالها كتابه "تاريخ العالم". لم يفقد الأمل يومًا خلال تلك الفترة بنيل حريته. توصل أخيرًا إلى قلب الملك، توجه إلى جوانب الجشع والبخل وحب كنز الأموال في شخصية الملك جيمس، فتعهد بأنه إذا أفرج عنه سيجهز حملة على نفقته الخاصة لاستكشاف منطقة نهر أرينوكو، التي يعتقد بوجود مناجم الذهب فيها، وعندها سيقدم له كل ما يجده من ثروات هناك.
في مارس عام 1616م، وافق الملك على الاقتراح وأفرج عن السير رالي بدون أن يسامحه أو يعلن العفو عنه. كان السير والتر قد بلغ حينذاك 64 عامًا، وكان يشكو من الأمراض، غير أنه تمكن بمساعدة أصدقائه من تجهيز أسطول صغير، اتجه به نحو غوايانا. كانت الحملة مأساوية بكل معنى الكلمة، فلم يجد المنجم الذي كان يحلم بالعثور عليه، وفقد ابنه في قتال مع الأسبان، وتعرض للحمى وتمرد البحارة عليه. رجع إلى ميناء بلايموث بسفينة واحدة ليواجه غضب الملك ونقمته.
كان ينبغي قتله، ولكن بأية حجة؟ لقد أحيى الملك جيمس حكم الإعدام السابق الصادر بحقه من المحكمة، وأرسله في 29 أكتوبر عام 1618م إلى المقصلة.
وقف السير رالي أمام الجلاد بكل وقار ونبل، حياه وطلب منه أن يسمح له بتفحص الفأس، التي أمسكها وأجرى إصبعه على حدها قائلاً: "هذا دواء ناجح، يصلح بالتأكيد لشفاء جميع الأمراض." ثم طلب من الجلاد بكل شجاعة أن لا يغمض عينيه، وأن يضرب عنقه عندما يضع رأسه على خشبة المقصلة ويبسط يديه. لما تأثر الجلاد بشجاعته وتأخر في ضرب عنقه، بسط ذراعيه ثانية وقال: "ماذا تخشى؟ اضرب يا رجل اضرب!" سقطت الفأس على عنقه مرتين لتنهي حياة أشجع بطل عرفه عصر الملكة إليزابيث الأولى. عجب الناس من كمية الدم التي تدفقت من عنق العجوز المسن.