بعض العملاء السريين ، يظل أمرهم سرًا لفترات طويلة جدًا من الوقت ، ولا تتمكن أجهزة الاستخبارات من التوصل إليهم بسهولة ، كما يتوقع البعض وأحد هؤلاء هي عميلة ، طاردها البوليس النازي طويلاً ، وهم لا يعلمون بشأن هويتها شيئًا ، سوى أن لديها إصابة بقدمها ، جعلتها تسير عرجاء ، وكانت تلك هي السمة الأبرز لتلك العميلة ، جعلت كافة من تم تجنيدهم للبحث عنها ، يختصرون الكثير من الطرق من أجل التوصل إليها وتصفيتها ، حيث صُنفت بأنها العميلة الأخطر ، على الإطلاق ولذلك وجب الوصول إليها ، وتدميرها على الفور
لم تكن فيرجينا هال المعروفة لدى جيرانها ، بهذا الاسم سوى داهية متخفية كالحرباء ، في العديد من الأسماء والشخصيات ، التي احتار بينها جنود البوليس السري النازي ، فقد علموا لها أسماء عدة منها ، نيكولاس وكاميل وديان وجيرمين
ولدت فيرجينيا هال عام 1906م ، وكانت تتمتع بالشغف لتعلم اللغات وروح المغامرة ، وانحدرت هال من عائلة ثرية للغاية ساعدتها في شغفها فتعلمت اللغات بكلية رادكليف وبرنارد ، ثم تقدمت للالتحاق من أجل تعلم اللغات في أوروبا ، واستطاعت في هذا الوقت ، أن تعمل بالسفارة الأمريكية بمدينة وارسو
وعندما بلغت السابعة والعشرين من عمرها ، تم تكليفها بمهمة فيس تركيا ، وتحديدًا بمدينة أزمير ، حيث تعرضت هال لحادث أفقدها قدمها اليسرى أسفل الركبة ، تلك الإصابة التي منعتها تمامًا عن تحقيق حلمها ، بالالتحاق بالسلك الدبلوماسي ، ولكنها استكملت مسيرتها بساق خشبية باعتبارها موظفة بالسفارة الأمريكية
كانت هال قد حاولت تحقيق حلمها ، إلا أنها بعد أن رُفضت من الوظيفة التي حلمت بها ، تخلت عن عملها بوزارة الخارجية عام 1939م ، ثم التحقت بمكتب العمليات الانجليزية الخاصة ، وفي هذا الوقت كانت هال عائدة بالقطار ، من فرنسا إثر سقوط باريس في يد الاحتلال النازي عام 1940م وقابلت أثناء عودتها أحد مسئولي العمليات التنفيذية الخاصة الانجليز ، وتم تجنيدها منذ ذلك الحين لدى المؤسسة الانجليزية ، كأول عميلة متخصصة في عمليات تشغيل وتحليل إشارات الراديو داخل فرنسا
كانت هال تعمل في مدينة ليون ، وذلك طيلة عامين منذ تجنيدها ، كانت تراسل خلالها صحيفة النيويورك بوست ، وفي تلك الفترة ، علمت هال بتكوين أول جهاز لوكالة الاستخبارات الأمريكية قبيل فترة الحرب العالمية الثانية ، فانضمت له مما جعل طريق عودتها ، إلى فرنسا محفوفًا بالكثير من المخاطر الفعلية
ومن أجل مباشرة عملها ، تنكرت هال في هيئة بائعة حليب ، وصبغت شعرها باللون الرمادي ، وارتدت تنورات طويلة لإخفاء عرجها الواضح ، لتنقل هال فيما بعد ، لكثير من المعلومات شديدة الهمية ، إلى لندن والتي كان من بينها ، كيفية وطريق هبوط المظلات الحاملة للإمدادات ، والأسلحة وأنواعها وطرق تسليمها إلى المقاومة ، كما نقلت طرق تحرك القوات النازية على الأراضي الفرنسية ، وساعدها على إخفاء رسائلها ، ما تلقته من تدريبات سابقة ، على كيفية خداع وسائل التنصت الألمانية
لم تكن مهام هال متوقفة ، عند نقل المعلومات وإرسالها فقط ، وإنما امتدت لتشمل تدريب لثلاث كتائب مقاومة فرنسية ، تعمل على تخريب مقرات القوات النازية داخل فرنسا ، وكانت هال دائمة التنسيق ووثيقة الصلة ، بالمكتب داخل لندن مما جعلها على أهبة الاستعداد بشكل متواصل
وعملت هال على تهريب بعض الشخصيات ، الأكثر أهمية لدى الحلفاء إلى خارج الأراضي الفرنسية ، حتى هربت هي نفسها من فرنسا عام 1942م ، عندما احتلت القوات النازية ، ما تبقى من الأراضي الفرنسية آنذاك
كما نعلم كانت هال تسير بقدم اصطناعية خشبية ن وأثناء هروبها توجب عليها الانتقال عبر جبال البرانس سيرًا على قدميها ، مما كان يمثل أمرًا عسيرًا للغاية عليها ، حتى وجهتها نحو الأراضي الإسبانية ، ونجحت هال في الوصول إلى إسبانيا أخيرًا
لكنها كانت تفتقد إلى أية أوراق توضح هويتها الشخصية ، فتم إيداعها بسجن فيجيريس الإسباني ، حتى استطاعت هال تهريب رسالة ، إلى القنصل الأمريكي لدى إسبانيا ، عقب مرور ستة أسابيع على احتجازها ، مع أحد السجناء الذين تم تحريرهم ، فساعدت السفارة الأمريكية على تهريبها ، وتم تغطيتها لمباشرة مهامها مرة أخرى ، تحت مسمى أنها محررة تعمل لدى صحيفة ، شيكاغو تايمز الأمريكية
استطاعت القوات الأمريكية ، أن تحيد الجنود الأمان بعيدًا عن نطاق عمل هال ، حتى أنهكت قوى الجانب الأماني في البحث عنها ، والتوصل إليها لفترة طويلة ، حيث علم الجانب الألماني بنشاطها الدائم ، مما دفع الألمان إلى نشر إعلانات بمواصفاتها ومطالبة الإبلاغ عنها فور رؤيتها ، ولكن فشلوا في ذلك أيضًا حتى عام 1944م
عندما علم الرئيس هاري ترومان بما بذلته من مجهود وتضحيات ، فأصر على تكريمها إلا أنها طلبت أن يمنحها جنرال ويليان دونوفان ، صليب الخدمة المتميزة بنفسه ، فتم لها ذلك في مكتبه الخاص ، وبرفقة والدة هال