أحباب الله؛ تلك هي اللفظة التي نسمعها عند ذكر الأطفال، فهم ملائكة وضعهم الله في الأرض، حتى يسعنا تقبل كل ما فيها من سوء. بفطرتهم، تتجدد الحياة وتنبعث الآمال من جديد. لكن لك أن تتخيل أن هناك من يمكنه أن يؤذيهم دون أن يطرف له رمش.
نعم، فالطفل ليس ملاكًا لدى البعض، وإنما وسيلة لتحقيق غاية. وعندما يتحول الطفل إلى مجرد وسيلة، تكون الغاية سيئة للغاية. من تجارة الأعضاء إلى التسول أو القتل من أجل المال، هنا نقف حائرين أمام الطبيعة البشرية التي قد تدفع إنسانًا لقتل تلك البراءة، أيًا كان دافعه. وأن يأتي الأمر من جانب المرأة، تلك هي الدهشة في ذاتها.
تباينت الأسباب والدوافع التي خلفها المجرمون عند قيامهم بأعمال القتل أو الانتقام. فكثيرًا ما نجدهم مختلين عقليًا أو مضطربين نفسيًا، ولكن أن يرتكب أحدهم جريمة من أجل المال! هذا هو ما قد لا يخطر على قلب بشر، خاصة إن أتت الجريمة بين يدي امرأة.
انركيتا مارتي، لا أحد يعلم من أين أتت، ولكنها بدأت حكايتها في برشلونة مع نهاية القرن التاسع عشر. كانت واحدة من الفتيات اللاتي يأتين إلى المدينة بحثًا عن فرصة جيدة للعمل وربح المال، وغالبًا ما ينتهي بهن المطاف في الحانات كعاهرات بثمن بخس.
عملت انركيتا في البداية كخادمة في منازل بعض الأثرياء، ثم انتقلت للعمل في مهنة الدعارة وصارت من أكثر الفتيات المعروفات للزبائن. من خلال هذا العمل، علمت انركيتا رغبات زبائنها، خاصة الشواذ منهم، في العلاقات. هؤلاء كانوا يدفعون ثروات طائلة لإشباع ميولهم الجنسية السادية.
بدأت انركيتا في توفير الأطفال المطلوبين لهؤلاء السادة حيث يفرغون بهم شحناتهم السادية. لا أحد يعلم من أين كانت تأتي بهم انركيتا، ولكنها كانت توفرهم. وفي إحدى المرات، داهمت الشرطة منزلها لتجد العديد من الأطفال من الجنسين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وخمسة عشر عامًا. بالرغم من ضبطها متلبسة، إلا أنه أُطلق سراحها بفضل زبائنها الأثرياء.
لا أحد يعلم متى بدأت انركيتا تهتم بأمور السحر والقتل والوصفات السحرية، ولكن في تلك الفترة كانت أوروبا تعج بالوصفات السحرية التي تعيد للمرأة شبابها وحيويتها. كان من المعروف أن دماء الأطفال تمتزج مع أشياء أخرى لتصنع إكسيرًا للحب. بينما يدخل الشحم مع بعض الزيوت ليدهن به الجلد ويعيد إليه شبابه، فتظل المرأة نضرة وشابة.
في النهار، كانت انركيتا تبدو كمتسولة ترتدي ثيابًا رثة، تذهب لأحياء الفقراء وتراقب الأطفال من بعيد لتختار ضحيتها. في الليل، كانت تبدو ككونتيسة ثرية، تذهب إلى المجتمعات الراقية بعربة خاصة، وتتقرب من الأثرياء الجميلات وتعرض عليهن وصفاتها التي يعرفنها جميعًا. دماء الفقراء ليست مهمة قدر الحصول على الشباب الدائم.
لم تدم سعادة انركيتا طويلًا. فقد أوقعها حظها العاثر في اختطاف طفلة تُدعى تريزيتا وضعتها في منزلها. عقب 17 يومًا من اختطاف الطفلة والبحث الدائم عنها وتعميم صورها، كانت الطفلة داخل المنزل قد وجدت طفلة أخرى حدثتها عن الأمور التي تقوم بها انركيتا. كانت معها طفل آخر أخذته ومددته على الطاولة وذبحته، ثم قامت بتعبئة دمائه في قناني زجاجية وخلطتها بأشياء أخرى. وضعت جسده في إناء يغلي لتقوم بأمور مشابهة. عندما أدركت الطفلتان مصيرهما، شاهدت واحدة من جيران انركيتا الطفلة. لم تتعرف عليها، فهي تعرف أطفال الحي بأكمله. تذكرت صورة الطفلة التي عممتها الشرطة وأبلغت الشرطة.
داهمت الشرطة المكان ووجدت الطفلتين. اضطربت انركيتا وادعت أنهما ابنتاها. لكن بتفتيش المنزل، وجد المحققون أشياء مرعبة: دماء وبقايا أشلاء أطفال، وملابس قديمة رثة ملقاة هنا وهناك. عقب القبض عليها، بدأت الصحف تكتب عنها وتصفها بمصاصة دماء برشلونة. لكنها عندما اعترفت وزجت بأسماء كبيرة في الدولة آنذاك، لم تُحاكم واختفى سجل اعترافاتها فجأة. ظلت بالسجن لفترة ثم وُجدت مقتولة. ادعت الشرطة أنها قد قُتلت بواسطة السجينات الأخريات، وتم دفنها بسرعة في قبر حقير إلى جوار السجن. وأغلق ملفها إلى الأبد.