من المؤكد أن الحياة بالسجن ليست أمرًا سهلاً، فهو مكان يُحرم فيه المرء من متع الحياة وقد يعاني من سوء التعامل أو المضايقات من زملائه. ولعل محاولات الفرار من السجون كثيرة على مر التاريخ، ولكن أن يحاول أحدهم الهروب من سجن الكاتراز، فهذا بالتأكيد أمر غاية في الجنون.
سبق لنا أن روينا بعض القصص المخيفة والمرعبة المتعلقة بسجن الكاتراز، ولكننا سنتناوله في هذه المقالة من جانب بوليسي بحت. الكاتراز هو أحد السجون الفيدرالية، يقع على جزيرة الكاتراز المنعزلة، حيث تحدها المياه من كافة الجوانب. وقد تم تشييد المبنى فوق تلك الجزيرة الصخرية شديدة الملوحة.
عقب تحويل المنارة الواقعة عليها إلى سجن، أصبح الكاتراز مكانًا صعب الهروب منه بسبب موقعه المتميز، كما أنه قد تم تصميمه ليكون مكشوفًا من كافة الزوايا ويقوم على حراسته حوالي تسعين حارسًا، مما يجعل مسألة الهروب أمرًا مستحيلاً. وعلى الرغم من تلك التحصينات الكثيفة، إلا أن تاريخ سجن الكاتراز شهد أربعة عشر محاولة للهروب، فشلت جميعها حيث ألقي القبض على بعض من حاولوا الهرب، وتم قتل ستة آخرين، بينما فر خمسة منهم واختفوا في ظروف غامضة، وهم محور قصتنا الحالية
اجتمع كل من السجناء فرانك لي موريس، والأخوان آنجلين، وآلان ويست. كان فرانك موريس قد عاش طفولة بائسة، دفعته للاتجاه إلى طريق الجريمة وتم اعتقاله في سن مبكرة بتهمة السطو المسلح، ثم هرب من السجن ليتم إلقاء القبض عليه في العام التالي إثر عملية سطو فاشلة على أحد البنوك، فتم إيداعه بسجن الكاتراز.
أما الشقيقان آنجلين، فقد نشآ في مزرعة والدهما جورج آنجلين وكانا يعملان في جمع المحصول، وهذا الأمر أدر عليهما المال، ولكنهما كانا دائمًا يشعران بحاجتهما للمزيد، فقاما بعمل أول عصابة للسطو المسلح فيما بينهما، ولم يستخدما فيها طوال حياتهما سوى مسدسات لعبة وليست حقيقية، حتى نصبت لهما الشرطة كمينًا محكمًا وتم إلقاء القبض عليهما، وعقب عدة محاولات فاشلة للهروب من بعض السجون التي أودعا فيها، تم نقلهما إلى سجن الكاتراز.
أما آلان ويست فقد تم إلقاء القبض عليه في محاولة سرقة سيارة، وتم إيداعه بالسجن في أتلانتا ثم فلوريدا، ثم تقرر نقله إلى سجن الكاتراز عقب عدة محاولات متتالية للهروب من السجن.
وضع فرانك موريس خطة للهروب، تعتمد على تآكل جدران الزنزانة بسبب الملوحة الشديدة وطبيعة الطقس على الجزيرة، مما يسهل عملية الحفر داخل الزنزانة المراد الهروب منها. وشرح خطته لرفاقه بأنهم سوف يقومون بعمل فتحة في جدار الزنزانة، ويتم تغطيتها بالملابس أو بعض السترات، مع الحرص على تنفيذ بعض الأمور. أولاً، أن ينقسموا إلى مجموعتين: واحدة للحفر والأخرى للمراقبة، وكذلك تصنيع بعض الرؤوس من المواد البسيطة لتضليل الحراس بشأنهم، ثم تجهيز بعض أدوات الحفر.
كانت الخطة تقوم على الفرار من السجن وتصنيع طوف بدائي يمكنهم من الانتقال من جزيرة الكاتراز إلى جزيرة أنجيل الأقرب لهم ليرتاحوا بها، ثم يمضوا في طريقهم إلى مدينة مارين، حيث يفترقون هناك.
جرى العمل بين المسجونين في عملية الهروب على قدم وساق. بدأوا فورًا في تجميع أدوات الحفر وبعض سترات النجاة وأفرغوها ليصنعوا منها جوانب للطوف الذي سوف يبحرون به حتى يستطيع حملهم. وقاموا بصنع بعض رؤوس الدمى من الشمع والصابون حتى يتمكنوا من تضليل الحراس وكاميرات المراقبة بالزنازين.
وبالفعل نجحوا في ذلك. كما أن حسن حظهم كان في تعطل المكنسة بالسجن، فعرض موريس عليهم إصلاحها. فككها بالفعل ووجد لها موتورين، فسرق أحدهما وأصلح الآخر. لم ينتبه أحد إلى ما قام به، حيث كان قد تعلم بعض الأمور من فنون الميكانيكا من أحد الكتب التي حصل عليها من مكتبة السجن.
أخذ الموتور إلى زنزانة الهروب وركب عليه رأس حفّار ليساعدهم في عملية حفر النفق. نجحوا بالفعل في اكتساب الوقت، ولكنهم كانوا قليلاً ما يستخدمون هذا الموتور خشية افتضاح أمرهم.
في ليلة مظلمة حالكة الظلام، قرر موريس أن يهربوا جميعًا بعدما انتهوا من كافة أمورهم. اعترض رفاقه على الهروب في هذا الظلام الحالك، ولكن موريس أقنعهم بأن هذا الظلام هو ما سوف يسترهم تحت جناحه ويساعدهم على إتمام مخططهم.
بالفعل، انطلق الرفاق جميعًا وخرجوا من الفتحة التي صنعوها ليتسلقوا بعدها مواسير الصرف ويتجهوا نحو نافذة التهوية التي كانت يسيرة التفكيك. ولكن آلان ويست لم ينجح في فك فتحة التهوية داخل زنزانته وطلب من رفاقه أن ينتظروه. خرجوا جميعًا وتجزؤوا للانطلاق حتى أتى آلان، ولكنهم كانوا قد أبحروا بالفعل قبل أن ينكشف أمرهم وتفشل الخطة، فما كان من آلان سوى أن عاد إلى زنزانته متحسرًا على ضياع الفرصة.
في اليوم التالي، وأثناء تجميع المساجين، اكتشف الحراس هروب المساجين الثلاثة، وأن ما يرقد في أسرتهم مجرد دمى تم صنعها. جن جنون الحراس، وقاموا بعرض مكافأة لمن يستطيع الوصول إليهم. اعترف آلان بالمخطط كاملاً، وأن المساجين الثلاثة سوف يتجهون نحو مدينة مارين.
لكن مع المزيد من البحث المكثف طوال شهور، تقرر أن المساجين الثلاثة قد لقوا حتفهم، وأن الطوف قد تحطم بهم في عرض البحر، لتجذب جثثهم سترات المياه القوية وتجرفهم نحو أماكن بعيدة. أُغلقت بذلك قضية هروبهم، وأُغلق سجن الكاتراز نظرًا لعدم وجود موارد مالية لترميمه، ونقل المسجونين إلى سجون متفرقة داخل الولايات.