الجزء 12

صعد سلم الطائرة بأقدام متثاقلة تأبى الرحيل ، رفع احداهما درجة ولم يقوي علي رفع الاخري ليعاود النظر ناحية ذلك البناء الزجاجي في المطار ،و روحه تتمزق الما من براثن الفراق الموحش ..
حتي انه ليس فراق منصفا ابدا فهو لم يودعه قبل ان يرحل، لن يطبع صورته الاخيرة في ذاكرته ويتركها اسيرة عقله لتصبر روحه علي الفراق كم هذا محزن حقا ..
اكمل صعود الدرج ولجا الي الطائرة حتي جلس في مقعده في درجة رجال الاعمال .. ثم ربط حزام الأمان وشرد في ذكراه معه..
لم يكن من الهين ابدا ان يفصل روحه عن ذلك المكان الذي حوى بين ازقته وشوارعه ذكرياته مع والده.

والده الذي يعشق وجوده في حياته ؛ لقد كان أبا عظيما حقا، زرع فيها الكثير من الخصال الحميدة..ارتسمت ابتسامة حزينة علي ثغرة وهمس قائلا : وداعا دادى..

تذكر غضب والده كلما حادثه بالانجليزيه فاعاد وداعه باللهجة المصرية وهو ينظر من النافذة الصغيرة جواره: مع السلامة يا والدى..

سمع النداء الأخير لربط أحزمة الأمان واعلان الكابتن عن اقلاع الطائرة .. لكنه لم يكن يشعر بالراحة ابدا كان قلبه يعتصر الما لا يقوي علي تركه وحيدا.. كاد ينهض مغادرا ولكن اوقفته المضيفة قائلة بتحذير: الي اين سيدي الطائرة سوف تقلع الان ، رجاءا اعد ربط حزام الامان.

زاغت عينيه وتشنجت عضلات وجهه ، حقا لا يقوي علي الرحيل..
لا يستطيع تركه ابدا كيف سيعيش بمفرده فقال سرا لنفسه: لن اجلس وافترض سوء العواقب ..

، علي الفور امسك بمعدته وادعي الألم واخذ يصيح بصوت عال لتأتي اليه المضيفة متلهفة: ماذا بك سيدي؟

تلوي في مقعده قائلا بألم : معدتي، الم شديد ... اااه ..في معدتي..

استفسرت الاخري: هل تعاني من مرض ما، او تتبع علاج ما؟

رد "ساري " بضيق من كثرة ثرثرتها : لا انها المرة الاولي.. اااااه.

انتفضت المضيفة اثر صرخته الأخيرة وقامت باخبار الكابتن ، الذي أعلن عن الفور عن وجود حالة طوارئ و عودة اضطراري الي المطار..
سيدة العشق/ايمان احمد يوسف..
عودة الي مصر..
دلف "زين" الي المطعم يفتح الباب لـ "آدم " الذي دلف بهيبته يحمل "دانه" الخجولة بين يديه..
"ادم الناس بتبص علينا"
صدعت بها "دانه " بنبرة خجلة وصوت نعومي ليحني نظره اليها قائلا بحنان: ولا واحد فيهم يفرق معايا.. انتى اللي تهميني و بس.. ارفعي راسك بقي و استمتعي بالخروجه.
كلماته كانت بمثابة جرعة ثقة لها جعلتها ترفع رأسها بفرح لأعلي تنظر حولها بانبهار بذلك المطعم الفاخر ، سمعت صوت رجولي يرحب بهم قائلا: اهلا ، اهلا..زين باشا و ادم بيه ..
صافحه "زين" بعدم اكتراث وهو يقلب نظره بين الطاولات يري افضلهم وابعدهم عن صخب الحاضرين : اهلا بيك.

استطرد الاخير قائلا: تحبوا تقعدوا ه...
قاطعه " زين" مشيرا الي طاولة منفردة بجانب حائط زجاجي يطل علي النيل.. بجماله الساحر ليلا: احنا هنقعد هناك.

اتجه "زين" ناحية الطاولة وفتح الكرسي لـ"دانه " لينزلها " ادم" وتجلس عليه ،تهندم فستانها و تسير بيدها علي شعراتها الناعمة تهندمها مكانها مبتسمة لـ"آدم " الذي جلس جوارها وجوارهما " زين " ..

طلب كلا منهم طبقه المفضل و عصيره الخاص ..
ثم اخذوا يتحدثون قليلا حتي انطفأت الاضواء فجأة ثم سلطت اضواء خافتة في منتصف الصاله و صدع صوت نغمات هادئة دفع العشاق الي الاستيقاظ من بياتهم الليلي و اعلان عشقهم امام الخلق ..
التقط كلا منهم حبيبته تتمايل بين ذراعيه شاعرين بان اقدامهم لم تعد تلامس الارض..
منهم من كان يكتفي بالمشاهدة فقط لان زوجها او حبيبها رفض الخروج معها او لكونها مازالت عزباء تحلم بان ترزق بعاشق مجنون كاولئك العشاق.. كان من ضمن تلك الطائفة "دانه "التي اخذت تتأملهم بهيام ..
حتي تفاجأت بأحد يحملها.. شهقت ليصل لمسمعها صوته الحنون: تسمحيلي بالرقصة دي؟
اسبلت عيناها بتعجب من طلبه و قالت : ادم... انا..
قبل ان تعترض تحرك بها ليصفق "زين "بحماس لينتبه الجميع لهما ويبداوا بالتصفيق لهما ايضا..اخذ "ادم" يراقصها وهو يحملها متمنيا ان تكون سعيدة وان يثبت لها بانها تستطيع ان تعيش كاي فتاة في سنها ..
همست في اذنه بصوت متحشرج: ادم انا عاوزه امشي الناس كلها بتبص عليا.
شاكسها "ادم " قائلا: لا يا هبله دول بيحسدوكى علي الشاب القمر اللي انتى بترقصى معاه.. اللي هو انا وبكل فخر.
ضحكت "دانه "علي حركات "آدم" المتفاخرة وقالت: طب خد بالك لتقع بينا ويبقي منظرنا وحش.

رخي" ادم" قبضته قليلاقائلا بفزع مصطنع: الحقي هتقعي.
تشبثت برقبته بقوة وخوف ليضحك قائلا: قولت لك مليون مره متخفيش وانا جنبك.
ردت بعينين متلألأة بوميض فرحة عارمة : وانا قلت لك وهفضل اقول لك انك أحن أخ في الدنيا.

ابتسم " آدم" لها محاولا سحق تلك الذكري التي هاجمته الان عندما تذكر طفولته معها ، كم كانت ذكري قاسية..
انتهت الرقصة وعادوا الي مقاعدهم ، وزين لا يخلو من كلماته المعسولة لـ "دانه " واطرائه علي اسلوبها مُصرا علي احراجها.. ومضايقتها فقد اخذ ينزل خصلات شعرها الناعمة علي عينها مستمتعا باثارة غضبها..
ام "ادم " فكان سعيدا برؤيتهما معا ..
سيدة العشق/ ايمان احمد يوسف.
كانت "الينا " تبدل ثيابها ، و اثناء اغلاقها لسحاب سترتها الجلدية السوداء صدع صوت هاتفها بوصول اتصال.. اخرجته وردت..
-الو.
الطرف الاخر:الو.. ايوا يا إلين انا جايه لك عشان نخرج نكمل شوبنج.
-انا مش في البيت يا احلام انا في النادي وخلصت تدريب و رجعه البيت..
-هتتخلي عني؟
-لا خلاص تعالي وانا هقول للحراس يمشوا ، بس متتاخريش عليا.. انا هستناك هنا .
،هوه انا جايه لك حالا..باي.
اغلقت "الينا " معها وانطلقت الي الحرس تخبرهم بان يرحلوا وجلست في الصالة تتدرب علي الحركات الجديدة حتي صدع هاتفها بوصول رسالة قصيرة اليها.. فتحتها لتجدها من احلام كتبت فيها..
"أسفه يا إلينا مش هعرف اجي، اصل وقعت من ع السلم وانا نزله".
قرأت "إلينا "الرسالة وهي مضطربه لا تعلم أتحزن لمرض رفيقتها ؟! ام تغضب لكونها انتظرتها و اغضبت والدها بصرفها للحراسه ...؟!

اغلقت الهاتف بعنف ثم دثته في جيب حقيبتها الظهريه مغلقة اياها بعنف ثم خرجت بسرعة مرتدية خوذتها مخبأتا حجابها اسفلها باحكام ثم ادارت محرك دراجتها البخارية عائدة للفيلا بمفردها..
سيدة العشق،ايمان احمد يوسف.
في تلك الاثناء كان "ادم " يضع "دانه" في فراشها وينزع عنها حذائها مدثرا اياها بعد ان غفت من سحر مياه النيل الملونة بانعكاس الانوار فيها..
ثم خرج واغلق الباب خلفه مبتسما برضا عن تلك الأمسية الرائعة فقد كانت "دانه" سعيدة وهذا ما يدخل السرور لروحه.. معتقدا انه قد قارب بينها وبين "زين" ...

اعترضته بدور معاتبة بانزعاج: مبسوط كدا؟
دارت حدقتى عيناه بضجر و هو يدس يده في جيبه متأففا: انا معملتش حاجه.. انا خرجت اتعشي مع اختي و صاحبي .. بس و حضرتك اللي رفضتي تيجي معانا..

عقدت حاجبيها قائلة: متفرقش حاجه عنه ابدا نفس طريقته البارده في الرد.

اشتعلت عيني "آدم" عندم فطن مقصدها وصاح بغضب: انا مش زيه انا .. انا مش زي البيه اخوكى..الل...
اسكتته بصفعة هوت علي وجهه جعلته يصمت ملجمة الصدمة لسانه..
كانت صفعتها تلك بمثابة وقود اشعل بركان الغضب داخله وقبل ان يعميه الغضب ويرتكب شيئا يندم عليه خرج بسرعة بسيارته من القصر ..
اما "بدور" فظلت ترتعش يدها غير مصدقة ما ارتكبته يداها من جُرم في حقه..

سيدة العشق إيمان أحمد يوسف.

كانت "إلينا " تقود بمهارة عالية حقا دفعها حماسها و خلو الطريق من الزحام الي ان تزيد سرعتها قليلا و ليتها لم تفعل فقد انفلط مكابح دراجتها واضطرت لايقافها والهبوط لرؤيتها... اخذت تفحصها بعيناها حتي تبينت المشكله فرفعت قامتها بتأفف:مش وقتك.
ضربت اطار الدراجة بقدمها بسخط ثم سارت للامام قليلا علها تجد من يساعدها، حتي رأت ضوء منبعث من سيارة بعيدة.. اندفعت نحوها علها تطلب المساعدة من سائقها ولكن تسلل القلق إليها عندما اقتربت منها و وجدت باب السائق مفتوحا على مصرعه و مقعده فارغ .. لتقترب علي مهل منها وهي تتلفت حولها ، لتري المفاتيح معلقة بمحرك السيارة لتثار الريبة داخلها علي الفور ، فـ اخذت تتلفت حولها..باحثة عنه..
انتفضت هلعا عندما سمعت صوت لكمات وأنين احدهم يأتي من مكان ما خلفها..
ازدردت ريقها بخوف ثم اخذت تقترب بحذر من مصدر ذلك الصوت الذي حتي ازداد وضوحا ليتبين لها اربع شباب ممسكين باحدهم ، يكيلون اليه باقدامهم ... فار الدم في عروقها من بشاعة المنظر فعدلت من قفاز يدها ،حشمت أمرها في انقاذه من بين مخالبهم الضارية ...

ظهر ظلها للشباب الاربعة ليتوقفوا عنما كانوا يفعلوه و يلتفتوا لذلك الذي حجب الضوء عنهم.
نظر كل منهم للاخر فاغري أفواههم من ذلك الشبح الذي يقف أمامهم .

حُلت عقدة لسان احدهم فقال: انت مين؟

سمعته "الينا" ، فتنفست. براحة واثرت الا تنزع خوذتها حتي يظلوا عند ظنهم بانها شاب. لذلك لم تنطق بحرف واحد حتي لا يتبينوا هويتها الحقيقية.. فتصبح هي ضحيتهم التالية..

اندفع ذاك الذي سألها ناحيتها بغضب لتجاهلها لحديثه وقال : انت شكلك عاوز تتربي معاه.. تعالا لي انا..

قبض يده وسدد لكمة لها تفادتها هي حينما انحنت و ضربته بقوة في صدره و انتقلت بخفة لتصبح خلفه و تضربه بذراعها علي ظهره لتوقعه علي الأرض ساعلا بشدة ، تتشدق روحه اثر ضربتها التي تعلم جيدا اين موضعها ومدي تأثيرها..

اندفع الثلاثة نحو صديقهم ، وما ان رأوا حالته المزرية تلك حتي توعدوا لذلك المتطفل بالثأر منه .

اندفعوا نحوها للنيل منها ، فوقف احدهم خلفها وكبل ذراعيها بقوة و وقف الاثنان الاخران امامها متأهبين لضربها والقضاء عليها، متوعدين لها بالموت ولكن "الينا " كانت اسرع منهم صدمت راس الذي يكبلها من الخلف بخوذتها لتدمى راسه و بكعب حذائها الاسود الذي يشبه احذية الرجال اكملت عليه حين دعست قدمه بقوة ليبتعد متأها وتبدا في مواجهة الاخيرين حتي لكمها احدهما في ذراعها بقوة شعرت حينها بان عظامها تهشمت ، ولكنها كتمت انينها و ضربته بقدمها في معدته وفكه ليفر الاخر هاربا.. ويهرب الباقية خائفين خلفه..

انطلقت "الينا " نحو ذلك الملقي علي الأرض و الدماء تغطي وجهه تخفي اسفلها ملامح وجهه و حدقتاه الرماديتان تدور في فلك مظلم تبحثان عن بصيص ضوء ، هزته برفق وحذر قائلة بخوف: يا حضرت انت سامعني.. كانوا عاوزين منك ايه؟؟
صدرت همهمات متوالية عنه وهو يحاول الرد علي سؤالها، رفعت "الينا " خوذتها لتظهر عيناها التي التصقت في ذاكرته المشوشه قبل ان يغط في سبات اغماءته.
هلعت الينا عندما سكن جسده وشخصت عيناها عندما اسدلت أهدابه لتهزه بعنف محاولة منها في ايعادته للوعي : لا .. متغمضش عنيك .. فوق .... فوق.

.................


إعدادات القراءة


لون الخلفية