الجزء 34
كانت تنوي شرا بها حقا ،لولا ان لمحهم العمدة "عبد الرحيم" و انقذ "ديانا" زوجة صديقه السابقة من "سمية" زوجته الجديدة التي رغم مشاعر الحقد التي تحملها داخلها اتجاه ما فعله ذلك القابع داخل العناية بلا حول ولا قوة، الا ان قلبها مازال يشفق عليه و تشتعل نيران الغيرة فيه من اي امرأة تحاول الاقتراب منه، خاصة الان فهي اصبحت زوجته الشرعية..
رمقها بأعين حادة كالصقر الجامح ثم قال بحزم: وخري يدك عنها يا ست سمية ، ماعوزش مشاكل اهنه ، والا جسما عظما امنعكم من شوفته .
تركتها "سمية" قائلة برجاء : لع .. لع .. خلاص يا عمدة انا .. انا..
اخذت تفكر في كذبة مناسبة لتبرر بها فعلتها و التي ما ان وجدتها حتي قطع العمدة حبل كذبها قبل ان تنسجه قائلا: ماعدش لكي عازه اهنه ي ست سمية السواج مستنيك في العربية عشان يوصلك ترتاحي شوي ، اتفضلي.
حاولت ان تعترض و لكن ألجمتها صوت عصاه حين ضرب بها الارض بصرامة لتعلم انه لا مجال للنقاش والمغادرة هي السبيل ..
التفت الي الاخري قائلا: الصبح جرب يشجشج عاد يا دكتوره وانتي لساتك اهنه ليه؟
تركت ذراعها الذي أدمته تلك المتوحشة بعد أن غرست اظافرها فيه مسببة علامات حمراء عليه ثم قالت: انا كنت ماشيه حالا و ساري مستنيني تحت، لكن كويس اني قابلتك.
- خير عوزاني في حاچه ولا اي؟
- ايوا عوزاك تجبلي رقم بدور اخت فخر.
ظهر علي وجهه علامات الريبة من طلبها ولكنها اردفت لتطمئنه: هي الوحيده اللي هتقدر تساعده في حالته دي ، ارجوك ساعدني اوصلها.
- والله ماينعز ابدا .. هو مش معاي .. بس اقدر اجيبه لك من سالم ولد عمهم.
- اكون ممنونه لك يا عمدة جدا.
-استغفر الله ي دكتوره ، اول ما النهار يبان له ملامح.. هشيع له الغفير يطلبه منه ياچيني و تجابليه بنفسك عندي.
- شكرا يا عمدة علي مساعدتك و علي استضافتنا في بيتك كمان.
- انتم ضيوفنا وواجبنا نكرم ضيوفنا .. بس ليا رجاء منيكي يا دكتوره.
سألته بإنصات: ايه هو يا عمدة؟
_ في البيت عندينا في ضيوف غيركم كمان ياريت ما يحصلش اي حرج او اي مشاكل او..
قاطعته قائلة بتفهم: انا فاهماك ي عمدة من غير كلام.. احنا ضيوف عندك منقدرش نكون سبب في اي مشكلة تحصل.. اسمح لي امشي قبل ما ساري يقلق.
- يسلم عجلك الزين يا دكتوره ، البيت هينور بوچودكم اتفضلي.
ابتسمت له ابتسامة صغيرة كرد لمعروفه معهم.. ثم نزلت الي "ساري" الذي قاد السيارة الي بيت العمدة.. ليصل اليها وينزل الحقائب و ينظر الي البيت بتردد لتدنو والدته منه وتهمس له بانجليزيتها : هل هي بالداخل ؟
أومأ لها بالايجاب .. لتستطرد :أتخشي أن تلتقي بها ؟
- نعم امي.
ضربته بخفة علي ظهره تحثه علي المضي قدما قائلة : لا تقلق عزيزي .. هي لا تعلم من انت بعد.
اطمئن قليلا او انه امتثل ذلك لكي يتغاضي عن اهانتها او كونها تعرفه كي يتمكن من المكوث معها في البيت نفسه ..
.........
في مثل تلك الاوقات كانت طائرة "أدم" تهبط علي سطح احدي المباني الادارية في مطار القاهرة الدولي..
بعد رحلة عانت فيها " الينا " الكثير و هي تقاوم خوفها المرضي من الطائرات .. كان هو يحاول تهدأتها حتي انه اضطر اكثر من مرة الي احتضانها عنوة ليشتت تفكيرها المزمن من رهاب الطائرات..
اوقف الكابتن محرك الهليكوبتر ثم قال: حمد لله علي السلامة يا كابتن ادم ، يا ريت حضرتك تمر علي ادارة المطار.
ربط "ادم" علي كتفه ثم قال بامتنان : شكرا لك ، اكيد همر عليهم.
حل حزام الامان الخاص به ثم نظر لتلك الشاحبة بجواره ليجدها جالسة بلا حراك كمن اطلقت العنان لجسدها لتتقاذفه امواج البحر كما تهوي..
فك لها حزامها ثم حثها علي النزول قائلا: يلا انزلي ...
انتبهت اخيرا له و انصاعت لأمره دون نقاش لتنزل بهدوء و تقف منتظرة امره التالي فهي لا تستطيع ان تتحكم في اعصابها الان..
احاط خصرها بيده وهو يقودها الي جوف المبني ليستقل المصعد و معه حقائبهم الي الطابق الاول ليخرج منه علي صالة الانتظار و منها الي الخارج ليوصلها الي السيارة التي تنتظرها و قبل ان تدلف الي السيارة اوقفها قائلا: استني يا الينا.
نظرت له و هي محاصرة بين باب السيارة الخلفي المفتوح علي مصرعه و جسده الذي يسد عليها الطريق ليردف بهدوء: احنا أوعي من اننا نلعب مع بعض لعبة القط والفار ، انتي لو روحتي اخر الدنيا هجيبك ، انا بعتك بس عشان لازم جوازنا يكون رسمي قدام الناس ، بعد اسبوع من النهارده هيكون فرحنا و هتكوني بعده مراتي بجد.. و اتفاقنا هيكون بينا احنا الاتنين بس والا باباك يهيكون ضحية عنادك و تهورك.
انتفض قلبها لتتسارع دقاته ثم اخذت ترمقه بنظراتها المضطربة ليتجلجل تنفسها و يزداد توترها و تبدا قدماها في الانهيار ليسرع هو في التقاطها و يحيطها بذراعيه قائلا: انتي كويسه؟
أومات له ثم قالت بتلعثم: ا..ا..انا عاوزه.. امشي.
زفر انفاسه و هي بين يديه لتتنفسها هي لضيق المساحة التي يحاصرها فيها ثم يبتعد رويدا عنها ويقول : هتصل بك لما اخلص الاجراءات.
لم تعقب علي حديثه بل اختبأت منه عندما جلست علي المقعد الخلفي و هي تلف نفسها بذراعيها ..
لم يرد ان يفتعل مشاكل الان لذا اغلق الباب بهدوء ، و عاد للداخل ليقوم بمد اجازته لشهر اخر باعتذار رسمي منه الي مديره و انه لم ينل اي اجازة علي مدار سنين عمله و هو بحاجة اليها الان ليستعد لزفافه.. بعد ان وافقوا عليها قام بالمغادرة علي الفور الي طفلته الصغيرة التي اشتاق اليها .. يعلم جيدا ان ما فعله هو الصواب ..
فهو لا يرد ان يكون لقاء "دانه" بـ "الينا" لقاء كراهية و بغض ، يريد ان يمهد له قليلا حتي لا يؤثر علي "دانه" لاحقا و يفسد عليه انتقامه..
.......
بعد مرور عدة ساعات..
في الصعيد..
استيقظت كل من "حلا" و " تقي" علي صوت جلبة في البيت و اقدام تحف بالأرض بازعاج دفعهما الي التنصت من خلف الباب ولكن لم يفهمن ما يحدث حتي رأوا "الهام" احدي العاملات في البيت .. جذبنها لداخل الغرفة علي حين غرة منها لتبدأ "تقي" في استجوابها قائلة : ايه الدوشة اللي في البيت من الصبح دي يا الهام؟
ارتعبت من طريقتهم في احضارها فقالت وهي ترتعش : دي يا هانم عشان الضيوف اللي في الچناح الغربي بنچهز لهم الاوض اللي هيجعدوا فيها.
عقبت "حلا" قائلة : تعرفي الضيوف دول مين؟
- دول يا هانم ساري بيه و معاه الست أمه .
ردت "تقي" قائلة بغل : يا بجاحتهم وكمان جين يقعدوا معانا هنا.
رمقتها "حلا" بتحذير قائلة : تقي .. احنا ملناش دعوه .. ده مش بيتنا عشان نحدد مين هيقعد ومين هيمشي.
خجلت "تقي" من نفسها فما تقوله "حلا" صحيح فهي ايضا ضيفة مثلهم..
-انا لازم امشي عاد ليستعوجوني ولسه ورايا مشاغل بالكوم .. تأمروني بحاچه يا هوانم.
ردت "حلا" عليها قائلة : لا يا الهام .. بس قوليلي هو الضيف اللي جه امبارح لسه موجود؟؟
- تجصدي الضيف قريبكم .. لع . ديه مشي من بعد ماچه ياچي بساعة..
أومأت لها "حلا" بتفهم لتغادر هي بعدها و تجلس الأخرى علي المقعد خلفها و هي تدمدم .... ذهنها شارد : انا مش عارفه بابا منعنا ليه نقابل عدي .. مع انه الوحيد اللي ممكن يساعد الينا في الورطة اللي هي فيها.
ضربتها "تقي" بخفة علي رأسها لتقظها من شرودها قائلة : عشان بابا مفكر ان الينا مبسوطه مع ادم وان مفيش مشاكل بينهم يا فالحة.
امسكت الاخيرة برأسها بعد ان تضاربت افكارها فهي لم تعد تفهم ما يدور حولهم حقا..
علي الناحية الاخري كانت " ديانا" والدة "ساري" تسير في رواق البيت منبهرة بجمال تصميمه الأثري العتيق .. نزلت الدرج بانبهار اكبر بعد ان طلب العمدة حضورها لتكون في استقبال "سالم" ابن عم "فخر" و لكنها وجدت الغفير يدلف صائحا : يا چناب العمدة يا چناب العمدة.
قطبت حاجبيها من منظره الذي يبشر بان هناك كارثة ما في طريقها اليهم.. كادت تستفسر منه عن سبب حالة الهلع تلك ولكنها رأت العمدة يخرج من مكتبة صائحا : في ايه يا ولد عاااد.
-في مصيبة .. مصيبة يا عمدة.
شخصت عيناي العمدة بفزع ثم صاح فيه بصوت عال : انطج مصيبة ايه يا بومة انت.
- في عربية دخلت البلد من دجايج و انجلبت في الترعة و بيجولوا انها عربية حد من البواهات..
انتفض العمدة مغادرا وهو يردد بزعر: چيب العواجب سليمة يا رب.. اچري يا زفت هات العربية بسرعة .. عشان نلحج نشوف في اي؟
نزل"ساري" علي الصوت ليجد والدته تقف بالاسفل فسألها بلهجته التي ترعرع عليها : ما الخطب امي؟
- لا اعلم عزيزي .. ما فهمته ان هناك سيارة وقعت في المياه ما .... و لا اعلم من بداخلها ..