الجزء 25
شعرت ذات مرة بسعادة منقوصة، بفرحة مغتصبة،
بنار انتقام باردة، بحقد افعواني اضحي بلسم لقلبك.
ذلك ما شعر به "فخر الدين" حين تبين ذلك الحقد في عيني "ادم "،
شعور خالج روحه كأنه ترياق شفاءه،
رغبة جامحة هاجمته، تدفعه نحو احتضانه و الاعتذار،
تدفعه نحو بكاء الاسي علي كاهله،
نحو تدمير من سبب له تلك الجروح الغائرة في وجهه الذي يحمل كثيرا من جمال وجه أمه تماما..
و لكن حين رآه ممسكا بمعصم ابنة عدوه، ارتدي قناع الجبروت علي حق و اخذ ينظر له ببرود.
اما "ادم " فكان قلبه في تلك اللحظة مقيد بأغلال من الجحيم، يعافر من اجل البقاء، زاد اشتعالا عندما رآي الغرور و البرود في عيني والده.
لم يشعر باي شىء حوله، حتي انه لم يشعر بذلك الرسغ الذي يعتصره بقبضة يد ه.
اخذت الدموع تنساب من عينيها الما علي ما آلت اليه الامور. تود ان تصرخ في العالم اجمع و لكنها لم تجد لها صوتا كأن لسانها اضحي معقودا قجأة ،لابد من ان روحها الراحلة السبب وراء انعقاده . كل ذلك و هي تختنق في سواد ذاك الوشاح.
في لحظة اندفع "فخر الدين " يقف امامه مباشرة يرميه بنظرات حده،
ينتزع يد "الينا " الاخري جاذبا اياها نحوه.
لتصبح بين ناري الأب و ابنه، كل منها يجذبها اليه حتي شعرت بانهم علي وشك ان يمزقانها الي نصفين في سبيل ان لا يحصل عليها الاخر.
و عندما شرع والدها بالصراخ فيهما، كانت الظلمة قد تمكنت منها
و انتزعت روحها بالكامل ، لتطرح ارضا كجثة هامدة ليكشف الوشاح عن وجهها و يتركها الاثنين لتنتهي حرب العناد بينهما و تعتليهم الصدمه..
كانت صدمة "ادم" كبيرة عندما رأي فتاة شابه ملقاه امامه ممسكة بيده في حين تاركة يد والده رغم انه كان سيصبح زوجها منذ لحظات مضت..
هرع والدها واختاها اليها محاولين افاقتها..
صرخ فيهم "مهران "مهددا "فخر الدين" بالاخص: ابعدوا بعيد عن بنتي احسنلكم .
فك "ادم" يدها المتشبثة بيده والذهول مسيطرا عليه .. لم يستفق من صدمته في والده.
لدرجة انه لم يلقي بالا لاحساسه بانه يعرف تلك الفتاة.
حملها "مهران" علي الفور، ليسقط غطاء راسها عند قدمي "ادم" ينساب شعرها مسترسلا امامه..
لتلحق به النساء الي الطابق العلوي محيطين به لسترها بحاجز نسائي كي لا يراها احد من الرجال...
بدا الرجال في المغادرة ضاربين اكفهم علي ما حدث.. يرتطمون بكواهل "ادم"
الذي سقط جاكيته من يده من صدمته..
لينظر له بغل مفجع و يقل بنبرة صوت هادئة من صدمته: انا مش مصدق عنيا، رايح تتجوز بنت في أد بنتك بكل برود... انت جنسك ايه !!
اكمل ارتداءه لقناع البرود وقال بلامبالة: و ايه يعني!!
كان علي وشك التشبث بتلابيبه ولكن انقذه من يده هبوط "مهران" السلم غاضبا، ليمسك هو بتلابيب"فخر الدين" و يزأر بغضب: اقسم بربي يا فخر لقتلك لو حصل لـ " الينا " حاجه.. هقتلك..... هقتلك و بايدي دول.
تغلل اسمها الي مسمعه ليردد داخله اسمها دون وعي منه ..
اما "مهران" فنفض يده تاركا "قخر" الذي كاد يختنق لولا تدخل العمدة"عبد الرحيم" لينقذه من بين براثنه ليصرخ "مهران" باعلي صوته : فين الحكيمة (الدكتورة) يا غفير الزفت.
اتاه الغفير مهرولا : شيعنا لها و جايه اهه يا بيه.
اومأ له ثم قال بنبرة غاضبة: اول ما توصل ابعتها لي فوق.
القي بكلماته ثم صعد الدرج ليقل بصوت جهوري: مفيش جواز هيتم و لو عاوز تحبسني احبسني، بس مش هخليك تطول ضافر واحده من بناتي..
لم يستدر له بل ظل مكملا صعوده، ليزداد اشمئزاز" ادم" منه بسبب ما سمعه.. مما دفعه لالتقاط جاكيته الملقي ارضا و المغادرة بسرعة قبل ان يحدث ما لا يحمد عليه.
............................................................
بينما في قصر أدم الشرقاوي ...
كانت تجوب الارض ذهابا و ايابا تحترق بنار الانتظار لا يجيبها احد منهم.. حتي "زين" هاتفه اغلق فجأة مما زاد من ارتعاب روحها و زعر قلبها..
قطعها دخول "دانه" بابتسامة هادئة قائلة: مساء الخير يا عمتو.
اجابتها بتجهم واقتضاب وهي منشغلة بهاتفها: مساء الخير يا دانه، ايه اللي خرجك من اوضتك.
تجعدت قسمات وجهها مبتلعة غصة مريرة تجمعت من شعورها بانها حبيسة تلك الغرفة فقالت بنبرة حزينة: انا اسفه.. انا كنت جايه اسأل عن "أدم" لاني مجاليش الصبح ومش موجود في اوضته.
زفرت الاخيرة انفاسها متأففة قائلة باندفاع وهي مازالت منشغلة بهاتفها : راح البلد عشان يقابل فخر و المشكلة انه ميعرفش حاجه عن فرحه ا....
تداركت اخيرا هوية "دانه" و بأنها ابنة شقيقها الذي باءت بزواجه امام ابنته اثناء غضبها.. تحجرت "دانه" في كرسيها و سألت بأعين زجاجية و روح مستنزفة: ب..با..بابا.. ن..نز..نزل يتجوز؟!
ما ان انهت تلعثمها حتي انفجرت باكية تتعالي شهقاتها .. وما ان كان من "بدور"الا ان اقتربت منها بلهفة تطمئنها ولكن تصنمت حين اشهرت دانه كفها في وجهه موقفة اياها..
مديرة كرسيها ناحية الباب مرة اخري مغادرة الي غرفتها تتبعها "بدور" قائلة بتوتر وأسف: حبيبتي انا مكنتش اقصد باباكي.. اسمعيني يا دانه
اسرعت من تحريك عجلات كرسيها لتدلف وتغلق الباب بقوة ، موصدة اياه خلفها.. لتبدأ في دفع كل ما يقابلها ليسقط حطاما علي الارض محدثة جلبة عارمة أخافت "بدور" و جعلتها تهرع الي الخدم ليحاولوا مساعدتها في فتح الباب.. قبل ان تؤذي نفسها.
سيدة العشق/ايمان احمد يوسف.
عودة مرة اخري الي تلك القرية
خاصة عند" أدم" الذي ذهب ليجلس علي احدي ضفاف المجاري المائية علي الحشائش الخضراء الندية تاركا لدموعه المتحجرة العنان لتسيل لا اراديا علي وجنتيه .. يمر امامه شريط حياته البائسة وكلما مر كلما زاد تأجج تلك النيران الحارقة في صدره.. حتي انه حينما وصل الغضب زروته ضرب قبضته في الارض صارخا بقوة..
ليرتعب ذلك الذي يراقبه من بعيد و يكف عن مراقبته ويقترب منه بلهفة ليشعر" أدم" باحد مقبلا عليه فترتفع يده بتلقائية لتقوم بإزالة أثار ضعفه الملتمعة علي وجنتيه وعينيه..
اقترب "ساري" علي مهل متنفسا الصعداء قبل ان يخطو تلك الخطوة ، فليس بالأمر الهين ان يفاجئه بوجود اخ له لابد انه سينهره و يبتعد عنه..
قاطعه صوت "ادم" وهو يسأله : انت مين؟؟
ارتعشت أوصاله خوفا ولكنه استجمع قوته و استحضر حس الفكاهة لديه بصعوبة و اندفع يجلس جواره مبتسما بمرح و هو يمد يده مصافحا: اسمي ساري و انت؟!
رفع "ادم" حاجبيه باندهاش من ذلك الدخيل الذي يقطع عليه خلوته بذكرياته وقال متجاهلا يده الممدودة : و عاوز ايه؟
هز "ساي " كتفيه مبتسما : لا شئ اردت ان اعبر عن اعجابي بشخصيتك القوية ، و وقوفك بجانب الحق.
قالها "ساري" بلهجته الاجنبية ، ليعقد "أدم" حاجبيه مسايرا اياه في لكنته : انت لست مصريا؟
أومأ "ساري " له مؤكدا ، ليستطرد "أدم" قائلا: لما أتيت الي هنا؟
تلاشت ابتسامة"ساري" تدريجيا و هو يفكر في جواب مناسب ، فقال: لامنع تلك الزيجة .
أثار جوابه ريبة "أدم " فسأله عن صلته بالأمر: و ما هي صلتك بها ؟
زفر أنفاسه مخفيا توتره لاحكام كذبته ثم قال: اقرب الي العروس و يهمني امرها.
استنبط "ادم" من كلماته الاخيرة شئ فقال: اتكن مشاعر لها؟!
اجابه نافيا بسرعة: اي مشاعر هذه يا رجل.. انا كأخ لها .
أومأ "أدم" بتفهم ثم مد يده له مصافحا: اهلا بك ادعي أدم و اعمل كابتن طيران.
صافحة "ساري" بحفاوة قائلا: سررت بمعرفتك كابتن "ادم" .. ادعي "ساري" في كلية الهندسة في سنة الاخيرة من الدراسة.
ابتسم "ادم" و انخرط مع "ساري" في حديث شيق ألهي "ادم" عن ألامه..
في نفس ذلك الوقت كانت "مهران" قد أرسل "حلا" الي الغفير لتطلب منه احضار الدواء الذي وصفته الطبيبة لـ"الينا" ..
تلقي منها الامر ثم رحل علي الفور لتبقي هي منتظرة اياه بالخارج لتري ضوء قوي يكاد يحرق مقلتيها ، منبعث من سيارة مقبلة عليها محدثة جلبة عارمة.
استشاطت غضبا واخذت تسعل بسبب ذلك الغبار الذي تسببت تلك السيارة في انتشاره بطريقة هوجائية ، اثناء ذلك هبط " زين" بهيبته يمسح بعينه المكان ليسأل احد عن وجهته ..
وقعت عينه علي تلك الفتاة التي تنحني مستندة بيديها علي ركبتها والاخري تكمم بها فمها اثناء سعالها المختنق.. اقترب منها سائلا اياها بعنجاهيته المعتادة مع الغرباء: لو سمحتي ده بيت عيلة السيوفي؟؟
رفعت "حلا" رأسها لترد عليه بل لتنفجر فيه ..
وما ان همت بالرد حتي ألجمت الصدمة لسانها و اسبلت أهدابها .. ليفاجأ "زين" ايضا من رؤيتها و يرقص قلبه فرحا من لقياها ولكنه لم يتخلي عن ترفعه فقال مستفزا اياها: هو التراب طرشك ولا ايه؟
اشتعلت عاصفة غضبها لترفع يدها صافعة اياه بقوة .. لتدر صفعتها وجهه للناحية الاخري وتجحظ عيناه من هول الصدمة ..
ليتسلل اليه صوتها المرتجف رغم قوتها التي تجاهد في تمثيلها: القلم دا عشان تتعلم ازاي تتكلم مع بنات الناس بذوق وبأدب.
وجه نظره اليها و لهيب عينيه يتطاير مشتعلا .. لتتلقاه "حلا" بلامبالاة رغم خوفها وتهم بالدخول الي المنزل لتجد من يسحبها من يدها الي الظلام مثبتا اياها علي حائط صلب ، مكمما فمها بيده ، مكبلا يديها بيده الاخري ليقترب من اذنها تلفح انفاسه المتقدة حجاب رأسها ليبدأ في التحدث بحفيف غاضب: مش زين العادلي اللي يضرب بالقلم من واحدة ست يا دكتورة.. و رحمة أمي في تربتها ما هسيب حقي في القلم ده.
كانت حالتها لا يرثي لها ترتعد بين يديه .. لا يعلم كيف امسك بها هكذا وكيف يقترب منها كل ذاك القرب .. تنبهت حواسه لخطأه ليبتعد عنها علي الفور تاركا اياها في صدمة خوفها يأبي الالتفات اليها حتي لا يتهور و يأسرها عنوة بين ذراعيه معيدا اليها أمانها..
ظلت "حلا" قليلا مكانها حتي استطاعت ان تعيد رباطة جأشها ثم تحاملت علي نفسها تنفض التراب عن ثيابها وتدلف للداخل بثبات زائف.. اما "زين" فظل يبحث عن "أدمط حتي دله احدهم .. مخبرا اياه بانه رأه يتجه الي منزله القديم .. ليذهب ويراه جالسا برفق احد الغرباء .. عنفه في البداية ثم انضم اليهم ليتعرف هو الاخر علي "ساري"..
اما "فخر الدين" فكان يجلس في غرفته يفكر فيما حدث منذ قليل .. توسوس اليه شياطينه .. تسيطر علي تفكيره تدفعه الي التقاط هاتفه والاتصال باحدهم قائلا: نفذ فورا ...عاوزه بكره يفلس ...و يبات في السجن.
انهي اتصاله وجلس يكمل تفكيره في كيفية الانتقام معتقدا بان " مهران" هو السبب في كره "أدم" له.
...................
عودة مره اخري لقصرأدم الشرقاوي..
كانت "دانه" تنام بين ذراعي عمتها تنتفض زعرا من ما حدث لها .. يضمد جرح يدها الطبيب .. ذلك الجرح الذي تسببت فيه احدي القطع الزجاجية لتزيد من نزيفها المتوالي..
مسكينة حقا لم تري يوماً سعداً في حياتها .. دائما فرحتها منتقصه، ايعقل؟ لانها عاجزة.. لطالما كانت قدماها سببا في تعاستها و انفصالها عن العالم و انطوائها عن الاختلاط بالاخريين.. ومعاناة عمتها وشقيقها.
بدأت انتفاضاتها تهدأ و حركتها تستكين بين يدي عمتها و حلي الظلام باكرا علي مقلتيها ، لتهلع "بدور" قائلة: ايه اللي حصلها يا دكتور ؟
اجابها مطمئننا : متقلقيش حضرتك ده تأثير المهدئ.. هتفضل نايمه للصبح .
لملم أشياءه ثم قال منبها: هي محتاجه راحة تامة ومتتعرضش لاي ضغوطات او زعل.
أومأت" بدور" بقلة حيلة وهي تتقطع أسي علي حالة صغيرتها.. ظلت جوارها الليل بأكمله ترفض النوم مستيقظة ، داعية الله ان يهون عليهم ما هو أت..
.................