الجزء 44
شعرت ان احدهم يتنصت عليها مما جعلها تتوتر و تهمس لمن تحدثه قائلة : اقفل دلوقتي هكلمك بعدين..
انزلت الهاتف عن اذنها و اتجهت بخطي متروية ناحية الباب .. لتفتحه علي حين غفلة لتجحظ عيناها من هول صدمتها و تقول : انتي؟؟
انتفضت الاخري من مكانها حينما أمسكت هي بها في الجرم المشهود .. لم تكن نيتها التنصت ابدا.. و لكن القدر هو من يفتح عيناها علي الحقائق..
رسمت البسمة علي وجهها لا تعلم كيف ولكنها تمكنت من ادعاء انها وصلت لتوها حين قالت: انا كنت لسه جايه اقول لحضرتك ان أدم وصل دلوقتي.
نظرت لها نظرة متفحصة يمزجها الريب و لكنها اكتفت بالايماء لها ثم قالت : تمام هروح اقولهم يجهزوا العشا.. و هبعت لأدم الخدم ينادوه .. تعال انتي متسبيش دانه لوحدها .
اعترضت بسرعة قبل ان تنزل الدرج: لا انا هروح اغير لبسي لانه اتبل و اقول لادم ان العشا جاهز مفيش داعي للخدم.
لم تستدر بل همهمت بمعني كما يحلو لك .. ثم اكملت طريقها في هبوط السلم و قلبها يتقد نارا يضاهي البرود الذي تظهره حين تتحدث معها...
.......
بينما في شقة مهران الجديدة..
كانت "حلا" تجلس علي الفراش شاردة الذهن .. تفكر في ذلك الذي يلاحقها كظلها..
تقي: احنا قسينا عليه قووي علي فكره.
- هو مين دا؟
- أدم جوز الينا .. طلع راجل معانا و انقذنا ..
- امممم .. معك حق.
- و صاحبه الظابط دا جدع و ابن حلال.
- ايوه صح .. و شهم..
ابتسمت "تقي" وهي تستدرج "حلا" لتسجل اعترافها بما تكنه داخلها اتجاه ذلك المسكين "زين".. فإن كان رأسها يابسا و قلبها يحمل في جعبته مشاعر له ، فـ سوف ترسله إليه و إن كانت حقا لا تكن له أي مشاعر فلن تقحم نفسها في الأمر ثانية...
استطردت قائلة : انا عرفت انه عنده بنت خاله عينها منه.
انتفضت من مكانها تقول : عينها منه ازاي؟
هزت "تقي" اكتافها و خرجت من الغرفة قائلة : معرفش انا سمعت..
خرجت "تقي" بعد ان اثارت غيظ توأمتها لتعدو الارض ذهابا واياب تغالط نفسها عن معاملتها اللئيمة معه.. تبحث عن حل لمشكلتها العويصة تلك طوال الليل..
............
اما "الينا" فطرقت الباب عدة طرقات ولكنها لم تسمعه يسمح لها بالدخول ، مما جعلها تفتحه و تدلف مغلقة اياه خلفها .. محاولة العثور علي زر الانارة بعد أن رات الغرفة دامية السواد و هي تخشي الظلام و عتمته..
وجدته اخيرا و ما ان فتحته حتي علت شهقتها ذلك حين التفتت ووجدته ممددا علي الفراش بثيابه التي كان يرتديها حين اتي .. مغمضا عينيه مستندا بساعده علي وجنته سمعت منه تأففات ضاجرة جعلتها تغلق بعض الازرار لتهدأ الانارة قليلا..
اقتربت منها علي استحياء منه فهي متوترة .. لا تعلم السر وراء ضعفها أمامه رغم نرجسيتها المتقلبة بين ولعها في ان تكون رجل و كونها امرأة ..
يبدو ان رجولته الطاغية اخرجت روح الأنثى التي قبرتها داخل أعماقها ..
-انت كويس؟
صوتها كان كفيل في اثارة مشاعره و جموح رغبته في احتضانها بكلتا ذراعيه.. ولكن بعد كذبها عليها اضحي تريقان ساما لتذكيره بانتقامه..
لم يتحرك انش واحدا حتي شعر باصابع رقيقة تبعد ذراعه عن جبهته قسرا برقة و حنان دفعه لان يفتح عيناه المكتظة بالغضب والحنق ، نفض يدها عنه قائلا : ما تحوليش تمسكيني تاني.
تسارعت دقات قلبها المضطربة من صياحه فيها و استنكاره لها حينما اعتدل و جلس علي السرير مما جعلها تصيح قائلة : ايوه اعرفه.
نظر لها بطرف عينه متفاجئا من ما قالته : انتي قولتي ايه؟
وجدها محدقة بتركيز في يدها التي تكاد تصرخ من ضغطها عليهم و صراع اصابعها اللامتناهي معاً.. كل ذلك جعله يوقن بتوترها مما جعله يقبض علي يدها برفق قائلا بنبرة هادئة : اهدي .. اهدي قولي لي في ايه؟
رفعت عيناها التي كانت مصوبة علي يدها لتواجه عيناه الزرقاء الكاحلة كالمحيط المظلم في ليل معتم ... ملأت رئتاها بالهواء ثم قالت باندفاع لازمته شجاعة كبيرة : الدكتور عدي يبقي ابن خالتي .. و كان في بينا اتفاق خطوبة..
ظهر صوتها مختنقا و هي تقسم له : اقسم لك يا أدم اني مقصدتش اني اكدب عليك امبارح لما سألتني بس انا اتوترت و معرفش ازاي لسان نطق كدب..
تزحزح قليلا من مكانه ليجلس بجانبها تماما دون ان يفصل نظره عنها ، سألها بصوت هادئ: جيتي تقولي لي دلوقتي ليه..؟ ما كنتي استمري في كدبتك عادي وانا مش هكشفك..
توترت زيادة من تقاربهما المربك و المسر في الوقت ذاته ، أخذت تنظر داخل عينيه التي اتضحت زرقاوتها و كأن المحيط القابع داخلها قد امسي عنه الليل و اشرقت الشمس عليه ..
عادت عيناه صافية .. قاطع شرودها سؤاله حين قال: سرحتي في ايه؟ لتكوني بتحبي الكدب ؟؟
ردت باندفاع معهود : لا انا عمري ما حبيته ولا حبيت اني اكدب ..عشان .. عشان كدا جيت اعتذر منك واقولك علي الحقيقة..
سعادته لم توصف في تلك اللحظة و لكنه كان يرد ان يقتل جميع الشكوك بداخله فسألها قائلا : انتي اللي قولتي له علي حالة دانه ؟
قضبت حاجبيها بعدم فهم ثم قالت : حالة دانه ازي؟
-انتي ماتعرفيش انه هيكون المعالج الفيزيائي الجديد لدانه .. و هيجي من بكرة يباشر الجلسات معاها ..
ازدردت ريقها بتوتر بالغ كان جليا علي وجهها ويدها وتلعثمها حين قالت : ج..جاي.. عـ..عشـ..عشان دانـ ..دانة .
اومأ لها ثم عقب قائلا : و اتمني انك تكوني معاها و تسنديها خصوصا انكم بقيتوا صحاب مقربين.
انتفضت من مكانها مبتعدة عنه و هي ترتعد خوفا من مقابلته فقالت : اعفيني انا من وجودي معاها في الجلسات دي..
تبعها دون تردد ليديرها اليه مرة اخري ثم سألها عن السبب: ليه يا حـبيـ... ليه يا الينا؟ انتي كمان دكتورة و..
قاطعته بصوتها الحاد : ادم انت عرفت ان انا وعدي كنا هنتخطب لولا جوازي بك واتفقنا .. انا عارفه انت عاوز توصل لايه؟ مش انا الزوجة الخاينة لجوزها حتي لو مكنش بيحبها و اتجوزها .. (اكملت بصوت مختنق حاولت اخفاءه ولكن دون جدوي) و اتجوزها عشان ينتقم من ابوها.
اجهشت بالبكاء فور انتهائها ، السبب الذي دفعه لاحتضانها بين ذراعيه ممسدا بيده الغليظة علي حجابها لتهدأ لم يخجل حين سرق تلك اللحظة من الزمن ..: اششش .. اهدي خلاص.
شعر بابتلال ثيابها الذي تسرب عليه عبر قميصه ليبعدها قليلا عنه مبقيا ذراعيه تطوقانها ثم قال بحنان: لبسك مبلول جدا لازم تغيريه بسرعة قبل ما يجي لك برد.
أومأت له رغم شعورها بحرارة تكتسح جسدها المندي : هروح اغير لبسي في الاوضة.
ابتسم لها بعذوبة لتندهش هي من تبدل حاله في لحظة هكذا ..ما ان فك حصارها حتي شعرت بلسعات البرد تتخبطها مما جعلها ترفع يديها علي ذراعيها محاولة منها للحفاظ علي دفئهما..
اما "أدم" فكان النعيم يتملكه شعر بغبطة لم يشعر بها منذ زمن بعيد ..
ظل يراقبها حتي توارت داخل غرفة الثياب.. تفاجأ بصوت طرق علي الباب جعله يغلقه بالزر الكترونيا قبل ان يرد كي لا يزعجهم احد .. و عندما طال الطرق رد ليجدها رئيسة الخدم تخبره ان العشاء جاهز : معلش يا سعاد هاتيلنا العشا علي الاوضه هنا.
-حاضر..
ابتسم و هو يحك رأسه من الخلف حين قرر في اللحظة والتو ان يوثق زواجهما اليوم..
دلف الي غرفة الثياب علي مهل ليقابله ظهرها المكشوف امام عينيه فهي لم تنتهي من ابدال ثيابها بعد ..اقترب منها اكثر حتي تفاجأت به يحتضنها من الخلف .. كان برقع الخجل مسيطرا في تلك اللحظة عليها.. جعلها ترفع بلوزتها لتخفي بها صدرها : اد..ادم.. انت بتعمل.. ايه؟
لم ينطق بحرف واحد بل ادارها اليه برفق ليقابل وجهها لا يفصل بينها وبين وجهه سوي بضع انشات فقط .. : من واجبي كزوج لما اشوف مراتي بردانه ادفيها.
احمر وجهها وجسدها خجلا منه ومن حديثه الجرئ معها .. عدم اعتراضها او مقاومتها جعله يتشجع و يقترب اكثر ليلثم فمها في قبلة واجمة.. لتغمض هي عينيها لا اراديا منها .. لتهاجمها ذكري اتفاقه معها و اذلاله لوالدها .. و تدفعه عنها بكل ما أوتت من قوة .. ليستدر هو علي الفور لاعنا ضعفه امامها ..
التقط سترته مغادرا القصر بسرعة البرق رافضا التحدث مع اي مخلوق كان.. شياطين الدنيا توسوس له بهواجس لعينة..
اما هي فسقطت علي الارض تبكي بقهر ، فاقترابهما من بعض قد يحرق العالم بأكمله و يهلكان معه .. لابد ان تتخلص من مشاعر قديمة باتت تسكن جوارحها ليصبح قلبها فارغا مهيئا لاستقبال طوفان مشاعره .. و لا بد عليه ان يتنازل عن انتقامه فهي لن تسمح ان يستغلها لانجاب طفله ابدا..
.....
كان يقود السيارة بطريقة جنونية لا يعلم الي اين مساره ..؟! لم يلفت انتباهه سوي صوت هاتفه يصدع باتصال من زوجة ابيه الطبيبه .. حول المكالمة علي سماعات السيارة ليتمكن من القيادة والتحدث في ان واحد..:الو.
-مرحبا أدم .. انا عوزاك تيجي المستشفي حالا .. لقد استعاد والدك وعيه فور خروجك من عنده ولكنه في حالة لا يرث لها .. اسرع فهو يطلبك..
اغلق معها وهو يتنحي بسيارته ليعود الي الطرق المؤدي للمشفي ... ذهابه ليس سوي لحاجته لأجوبة كثيرة..منه..