الجزء 48

و أنا مش موافق"

قالها و هو يمسك بكتفيها قبل ان يضمها اليه ويردف قائلا : احنا عمرنا ما بعدنا عن بعض .. غير بسبب شغلي و حاليا انا في اجازة ومش مستعد انك تبعدي عني لحظة واحدة.

ابتعدت عنه قليلا تنصب ظهرها لتنظر اليه بعينين يملأهما الاصرار : حبيبي أنا هستناك تيجي تزورني ..(زمت شفتيها بطفولية ثم اردفت ) و لا انت مش ناوي تيجي لي بقي و الينا هتاخدك مني ؟!

احتضن وجهها الصغير بيده ثم أجابها بنبرة حب دافئة ككوب قهوة دافئ في ليلة باردة : أنا مفيش حاجه علي وجه الأرض تقدر تاخدني منك , وانتي عارفه دا كويس.

ابتسمت له بعذوبة و هي ترمش بأهادبها مؤكدة : عارفه, بس ماننكرش ان اللي يتجوز واحده زي الينا ينسي نفسه والدنيا بحالها مش اخته بس.

شرد قليلا في صورة المذكورة في الحديث لتبتسم شفتاه و تلمع عيناه ببريق لم يلحظه سوي تلك التي تجلس أمامه مبتسمة تناديه وهو لا يجب : لااا دا انت شكلك واقع .. طيب مابدهاش بقي.

اقتربت منه قليلا لتقرصه في وجنته لتنخزها منابت لحيته وتتأوه : ايه دا ؟ قلت لك احلق دقنك حرام عليك ... دا انت شوية وهتربطها بفيونكة .

قهقه من فعلتها ثم نغزها برفق في رأسها : مهما كبرتي هتفضلي عيله.. و شقيه.

- معنديش اغلي منك يا دومي اتشاقي عليه.

اتسعت ابتسامته أكثر ليقول : اتشاقي وادلعي براحتك , انتي كل حاجه ليا في الدنيا دي.. ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي.. (قبل ان تجرفهما أمواج عاطفتهما الجياشة. انتصب واقفا ليقلب سجاج الأمر ) يلا يا ست الحلوين عشان تنامي بدري لان من بكره هنروح المستشفي سوا.

اعترضت قائلة باستياء : لا معلش سبني شويه اكمل قراءة الكتاب دا و بعدين هنام روح انت خليك جمب الينا ..

زاغت عيناه باحثة عن مهرب و لكن لا مفر فهي بالنهاية ستعلم انه طلقها و لكن لم يحن الوقت المناسب لتعلم لذلك اكتفي بابتسامة صغيرة كرد علي ما قالته ثم انحني ليطبع قبلة علي جبهتها هاتفا بحنان بالغ : تصبحي علي خير يا أميرتي.

- و انت من أهل الخير يا حبيبي.

خرج من غرفتها متوجها الي غرفة مكتبه ، متجاهلا عمته التي لاقته اثناء هبوطه الدرج..

" ماله دا ؟؟ لما اطلع اشوف البلوه اللي فوق وبعدين ابقي اشوف ايه حكايته دا كمان .."

ذلك ما قالته "بدور" حين تخطاها "ادم" ولم يلقي لها بالاً..

..............

في احدي غرف القصر الفاخرة..

كان ممددا علي الفراش ينظر للسقف بجانبه زوجته التي يتحاشي النظر اليها فبسببها بدأ قلبه القاسي يلين بحبها الأبدي له.. و لكن ليس لها ذنب لتفني حياتها معه فهو الان طريح الفراش لا يقوي حتي علي التفوه بكلمة واحده .. هو الان علي اتم الاقتناع ان الله يرد المظالم الي اهلها يوما.. بالامس البعيد كان يتوعد لها بشر لـ خداعها له , و اليوم هي ترعاه في مرضه ..

نظر اليها بطرف عينه ليجدها مازالت تحدق به رغم الشحوب الجلي علي وجهها الا انها مازالت تقاوم خشية ان يحتاج شيء و تكن نائمة.. انتفضت علي الفور حين نظر اليها تسأله متلهفة لخدمته : عاوز حاجه اچبهالك يا فخر بيه ؟

أومأ لها ليشير الي دفتر و قلم كانا موضوعين علي الطاولة المتواجده في الغرفة .. هرعت علي الفور لتحضرهم اليه .. التقطتهم ثم عادت لتضعهما اسفل يده اليمني ليكتب لها ما يرد قوله : اتفضل اهاا . خبرني باللي عايزه.

كانت يده ترتعش لدرجة انه أوقع القلم من يده .. لتلتقطه هي وتوقفه بين اصبعيه السبابة والوسطي مرة أخري ليخطي ما كان يكتبه من جديد .. بعد دقيقة ناولها الدفتر لتقرأ هي أيضا بصعوبة : ان..انتي .. أكـ..أكلتي؟..(نظرت له لترد علي سؤاله بابتسامة ) ايوه لتكون شايل همي اياك؟!.. هههه .. ماتخافش مرتك مابتنساش روحها.

ابتسم لها ثم التقط الدفتر منها ليخبرها بان تذهب لتنم قليلا .. و لكنه قبل أن يخط كلمة واحده وجدا طرق يأتي من خلف الباب .. لتسرع "سميه" و ترتدي حجابها الثقيل علي رأسها لينزل عليها ويغطيها بالكامل .. ثم ظهرت بصوت جهور..

- مين ؟!

- أنا بدور.

اقتربت بخطي سريعة من الباب لتفتح لها و تنقض عليها تعانقها بقوة : واه اتفضلي يا ست بدور .. يا مراحب .. اتوحشتينا جوي جوي.

احتضنتها "بدور" علي مضض فهي تكره وجودها هي و زوجها .. ولكن لا ترد ان تبدي مقتها للعلن فسيأتي دورهم في الانتقام... و لكن ليس الأن .: اهلا بمرات اخويا .. ازيك يا سمية؟!

- زينة ..( أكملت بأسي و هي تنظر ناحية فخر ) .. بس فخر بيه زي ما انتي واعيه عليه اكده .. حالته ماتسرش لا عدو ولا حبيب.

نظرت باتجاهه فوجدته مغمض العينين : هو نايم و لا ايه؟

- كان صاحي دلوجيت .. تلاجيه غفي شوي.

- هجي اشوفه بكره الصبح يكون ارتاح شويه.. و انتي لو احتاجتي اي حاجه انا اوضتي اللي جمبكم علي طول دي.

- منتحرمش منيك واصل يا عمتي.

ابتسمت "بدور" باستياء من لقبها التي ارفقته بها ثم اعترضت عليه بلباقة : قولي لي يا بدور بس يا سمية احنا مش في البلد احنا هنا في القاهرة و محدش عاد بيقول عمتي لاخت جوزها.. ماشي يا حبيبتي.

شعرت "سمية" باحراج شديد منها ..... فحديثها مبطن بإهانة خفية جعلتها تشعر بضيق و لكنها ردت : حاضر.

ربتت "بدور" علي كتفها برفق : تصبح علي خير يا حبيبتي.

- وانتي من اهل الخير.

أغلقت الباب خلفها ثم القت نظرة علي زوجها المدد علي الفراش قبل ان تعود الي كرسيها وتتقوقع فيه علي نفسها .. ليسحبها سلطان النوم الي بلاطه قسرا فتقع في سطوته..

............

بعد مدة من الانفراد بنفسه و تعلله لعمته حين أتته برغبته في الجلوس منفردا ..

ليتذكر علي الفور ما اخبرته به "الينا" اليوم عن مكالمة عمته لشخص ما و تهديدها لـ "ماهر" ابن عم والدها..

- ياتري يا عمتي علاقتك ايه بـ ماهر دا؟!

تنهد بثقل ثم غادر الي من يهوي ضعفه أمامها.. دلف موصدا الباب خلفه بهدوء تام كي لا يقظها من نومها .. جلس علي الكرسي الفاخر الماثل في غرفته بثقل يشعر بروحه تتمزق بسلاسل من سعير لا يعلم بمن يثق .. كان يظن الأمر الذي تستره عمته عنه هو أباه فقط .. و لكن يبدو أن هنالك أسرار كثيرة.. تخفيها عنه..

اسند رأسه عل ظهر الكرسي الجاثم عليه ليغفو مكانه من شدة الارهاق..

...........

في صباح اليوم التالي لاسيما في شقة زين العادلي..

تسلل الي مسامعه طرقا مضجرا .. جعله يلقي بالوسادة متكدرا علي ذلك الازعاج فهو لم ينل قسطه الكافي من النوم بعد ..

صاح بضجر و توعد لذلك الضيف المزعج : بطل خبط يا بهيمه انا مش هجي افتحلك طاير.

لم يهمد الطرق بل زادت قوته واضحي عنيفا .. مما جعل" زين" يتمتم بغيظ : يخربيتك هتكسر علي الباب يا بغل انت ..

فتح الباب و حينما هم بالتشاجر .. عقد لسانه فجأة عندما رأي ضيفه ينظر اليه بغضب .. ليردد متفاجئا : عمي حسين ؟!!

رد الاخر بصرامة : ايوه عمك يا قليل الحياء روح استر نفسك , بنت عمك واقفه..

نظر ال نفسه ليجده مازال بقميصه الذي كان قد فتح بعضا من أزراره لتظهر عضلات صدره المفتولة .. ركض علي الفور للداخل تاركا الباب مفتوحا ، هاتفا بصوت عال اشبه ما يكون بالصراخ : اتفضل يا عمي البيت بيتك .. انا دقايق و جاي حالا .. انت وصلت مصر امتي؟!

ادخل حقائبه هو وابنته ثم دلفا بعد ان اوصد الباب خلفه : وصلنا المطار من ساعه.

أتاه صوته من الداخل : و مقولتش ليه يا عمي كنت جيت استقبلتك في المطار.

- ماحبتش اتعبك يا ابن اخويا .. الله يكون في عونك.

قبل ان يرد عليه كان "زين" قد انتهي من تبديل ثيابه و خرج لهما ليفتح ذراعيه مرحبا : حمدلله علي سلامتك يا عمي.

بادله "حسين" العناق باشتياق : الله يسلمك يا ابن اخويا والله لك وحشه يا بن الغالي .. مصدقتش انك هتتجوز حجزت تذكره و نزلت علي طول.

- في الحقيقة ولا انا مصدق.

- هههههه ، ازاي بقي؟ قولي بس العروسه تبقي مين؟

نظر للارض بأسي حين تذكر رفض "حلا " له رغم اعترافها الموثق في تسجيل صوت بانها قد غارت عليه ...فما الحب سوي غيرة تكوي فؤاد المحب حين يري دخيلا يوشك علي سرقة ممتلكاته .. تنهد بأسي قبل ان يرد قائلا : العروسه رفضتني.

صدمه رد عمه حين قال : معاها حق... و بتفهم.

اتسعت حدقتاه زيادة و سأل بغيظ : ازاي بقي معاها حق.؟! هو انت عمي ولا عمها هي ؟!

- سبني ارتاح شويه من تعب السفر و بعدين تحكي لي علي اللي حصل معاك و اقولك تعمل ايه؟!

..............

علي جهة اخري كان "أدم" قد استيقظ باكرا جدا و أعد حقيبته و أرسلها مع السائق الي حيث وجهته فقد عقد العزم علي الرحيل..

ثم وضع رسالته أسفل وسادة تلك الجميلة النائمة.. ليلقيها بنظرة طويلة قبل ان يغادر ....

وصل الي غرفة شقيقتها ليجدها قد تجهزت .. و بانتظاره .. اقبل عليها مبتسما : صباح الخير يا أميرتي.

ثم طبع قبلته المعتادة علي جبهتها .. لترد هي بسرور: صباح النور يا حبيبي.

- جاهزة يلا ؟!

تنفست بعمق ثم أومأت له بالايجاب: ايوه جاهزة.

ركبت معه السيارة وبعد ساعة من القيادة أوقف "أدم" السيارة قبل المشفي ببضع مترات و حل حزام الأمان الذي يتلحفه .. مما اثار ريبة "دانه" وجعلتها تستفسر منه قائلة : انت وقفت لنا هنا ليه؟! .. لسه المستشفى قدام شويه.

- عارف.. احنا هننزل هنا عشان نطلع شقتنا اللي في العمارة دي ..هنقعد فيها طول ما انتي بتتعالجي.

ترقرقت عيناها بالدموع لتهطل منها لا اراديا :انت اجرتها امتي؟!

-تقصدي اشترتها امتي؟!
-كمان اشترتها....
- أنا معنديش غير اخت واحده و مش مستعد تبعد عني و لو لحظه واحده..

- انا بحمد ربنا اني عند اخ زيك ... انا فعلا كنت خايفه انك تسـ...

ازال دموعها بيده برفق ثم قال بنبرة حنونة : هشششش .. قلت لك قبل كدا انا مستحيل اسيبك لحظة وحده .. انتي مش اختي بس لا و بنتي وأمي و كل حاجه ليا في الدنيا .. طول ما أنا جمبك مش هخليكي محتاجه لحاجه أبدا.. يلا بينا عشان أوريكي شقتنا الجديده ..

ابتسمت له بامتنان و فرح : يلا بينا.

............

بعد انقضاء فترة الصباح لتمر رتيبة علي الجميع فالقصر أضحي فارغا عليهم .. استيقظت "الينا" بكامل نشاطها بعد ان اخذت كافة الرعاية الكاملة بالأمس.. لتجد شقيقاتها بجوارها كما اخبرها "أدم" ..

" انتي بتقولي ايه ؟! .. طلقك؟! "

صاحت بها "تقي" .. عندما حكت لهما عن ما حدث معهما بالأمس..

ردت عليه بضيق و شعور غريب بالاختناق يسيطر عليها : ايوه .. طلقني ي تقي .. و انتهينا خلاص.

- و ناويه عليه يا الينا دلوقتي؟!

- مش عارفه يا حلا.. مش عارفه.

- طيب أنا عاوزه احكي لك علي حاجه حصلت هتخليكي تقررى كويس..

قضبت "الينا" حاجبيها و سألتها باستفسار : حاجة ايه اللي حصلت ؟!

نظرت "حلا" الي" تقي" التي اسدلت اهدابها لتشجعها علي ان تقص لها ما حدث معهما و كيف تمكن "أدم" من مساعدتهم ..

- انا لازم اكلمه حالا .. موبايلي فين ؟!

نهضت الفتاتان لتبحثا عنه لتذهب "تقي" الي غرفة الثياب تبحث عنه هناك في حين "حلا" بحثت عنه في الغرفة نفسها لتجده موضوعا أمام المرآة... ناولتها اياه لتلتقطه بلهفة وتتصل به لكن دون جدوي .. فقد كان هاتفه مغلقا..

حاولت مرارا وتكرارا و لكن لا يجدي نفعا فهاتفه مغلقا نهائيا.. قاطعتها "تقي" وهي تهتف أثناء خروجها من غرفة الثياب : الينا مش دا الجلفز اللي ضاع منك في اليوم اللي جيتي فيه البيت متأخره بسبب انك كنتي بتنقذي واحد شفتيه بيضرب في الشارع..

-وريني كدا.

اقتربت منها وناولتها اياه لتتفحصه بعناية و تحضر في ذاكرتها صورة تلك الذكري و يتضح لها أنه هو نفسه فعلا.. صعقت من هول الصدمة فكيف وصل الي هنا ..: انتي لقتيه فين؟!

- لقيته جوا علي الارض .

تذكرت الخدوش نفسها التي كانت تظهر في وجهه كلما نظرت إليه عن كثب .. وضعت يدها علي فمها تكتم شهقتها عندما تذكرت صورة عمته و صوتها نفسه الذي سمعته في الهاتف.. عندما تحدثت إليها وقت الحادث.. هل هو نفسه من أنقذته ؟! و هل كان يعلم بأنها هي نفسها من انقذته ؟!

..............................................


إعدادات القراءة


لون الخلفية