الجزء 20
تنبهت جميع حواسه لتلك الكلمات الذابحة التي انطلقت من لسان يعرف مالكه جيدا ، أغلق عقله أبوابه رافضا تصديق ما قالته تلك الصغيرة نعم مازالت صغيرة لا تعي ماتفعله ، ليست خُرقة بالية عنده ليلقي بها لاي أحد. ، إنها ابنته البكور ، أول فرحة له في الحياة ، أول اثبات لعشقه لزوجته ، أيعقل ان تكون خرقاء لهذه الدرجه؟
كان يعلمها رزينة !!.. ما بالها أأصابها الغباء فجأة ؟، أأجبرت علي التفوه بتلك الكلمات..؟!
لم يعد يملك ذرة صبر واحده ، لقد طفح الكيل..
نظر لها قائلا: انتي قلتي ايه؟
ارتدت قناع الثبات و داخلها مضطرب يصرخ خوفا من ردة فعله: قلت انا موافقه علي شرطه.
زفر أنفاسه الثائرة بصعوبة مغمضا عينيه محاولا السيطرة علي انفعالاته قائلا بنبرة هادئة جاهد في اصطناعها: حبيبتي اطلعي اوضتك و متدخليش.
ثبتت قدماها في الأرض قائلة بشجاعة وتحدي لا تعلم عواقبهما أبدا : لا يا بابا مش هطلع اوضتي.
"الينا"
صرخ باسمها صرخة هزت أركان الفيلا كلها ، أجبرت الفتيات أن ينزلن من غرفهم ليروا ماذا يحدث ..
اغمضت عيناها و زفير انفاسها يزداد ، حاولت السيطرة علي نوبة ذ عرها قائلة بهدوء مصطنع : أنا صاحبة القرار ، و موافقه.
كانت تلك الجملة كفيلة باشعال فتيل غضبه الذي عمي بصره نهائيا ودفعه لصفعها ، و قبل ان يهوي كفه علي وجهها النعومي ، كان يقف هو حاجزا بينهما ممسكا بيد "مهران" بقوة ناظرا في عينيه بتحدي قائلا: عمرك ما عملتها و رفعت ايدك علي اي بنت ، بعد ما شبت هترفعها علي بنتك واللي هتكون مراتي ..
اكمل ساخرا: عيب يا رجل.
نفض" مهران" يده بعيدا عن قبضته التي كبلتها وقال بشراسة : انت تطلع برا بيتي حالا و ماشوفش وشك تاني يا فخر والا و اقسم بالله لد..
قاطعه قائلا:متكملش ، لانك هتشوفني كتير قوي الأيام الجايه.
القي بقنبلته وخرج ، متخطيا تلك التي تقف بثبات تنظر للهاوية أمامها ، ابتسم لجمالها الساحر و شجاعتها الجذابه ، و قبل أن يتخطي عُتبَة الباب قال ساخرا: مع السلامه يا حمايا العزيز.
استشاط" مهران" غضبا و هم ليلحق به ولكن عاد عندما سمع ارتطام شئ ما بالارض و اندفاع الفتيات بهلع صارخين باسمها " إلينا" ..
نظر خلفه ليهلع هو ايضا عندما نظر خلفه و وجدها ممددة علي الارض بلا حراك.
..........
في قرية اسيوط..
ظل" ساري" يسير في القرية بمفرده بعد ان منع السائق من مرافقته وأخبره بانه يود اكتشاف القريه بمفرده..
ولكي يخفي هويته كونه اجنبيا ارتدي عباءة اعطاها له عمه "سالم" ..
واثناء تجوله ،شعر بأعين ما تراقبه ولكنه كلما نظر حوله يجد القوم يسيرون عاديين ، أكد لنفسه أنها مجرد خيالات فقط لأن المكان مازال غريب عنه..
حتي مر علي مجموعة شباب في مقتبل سنه تقريبا قد يكبروه بقليل.
كان يتشاجرون فيما بينهم عن كونهم اقوي الفتيان ، زينة شباب القرية..
لم يكن ليقف ابدا ولكن تلك اليد الصغيرة التي جذبته من عباءته طالبة: عمو ممكن ترفعني ع كتفك عشان اتفرجو.
ابتسم لتلك الفتاة الصغيرة و سألها : انتى اسمك ايه؟
تشبثت بيدها في اصبعته الضخم مقارنة باصابعها الصغيرة وقالت اسمي: جميلة ، ها ارفعني عااد .
حملها" سارى " لأعلي ووضعها علي منكبه الأيمن مستمتعا بسعادتها وشقاوتها حتي اتاه صوت أحدهم يصيح من خلفه : بت يا جميلة.
جحظت عيني" جميلة " وهي تنظر للخلف لتري أخيها" فرحات" يحملق لها بأعين تشع شرارا غاضب .
دفعها خوفها منه الي التحرك باضطراب علي كتف" ساري" حتي كادت تقع علي الأرض لولا تحكمه في حركتها وحملها بين ذراعيه متجها الي ذلك الشخص الذي نادي عليها بعد ان فطن انه اخاه من تلك الملامح التي تشاركا فيها..
انزلها أمامه و اشرع يده يصافحه ، ليفاجئه ذلك الرجعي بيده التي هوت علي خد اخته الصغير قائلا: خرجتى ميته من الدار يا ... ابوك هيجتلك النهارده.. وبتعملي ايه عاد علي كتف العجل ده.
طفلة لا تعي من الدنيا شئ سوي صراخ ذلك الذي يثبت رجولته عليها بكبت طفولتها و متباهيا بمعاملته القاسية معها معتقدا انها بذلك يصك رمز رجولته..
دفنت جسدها خلف "ساري" الذي أ لجمته الصدمة مكانه ولكنه استفاق منها عندما تسلل اليه صوت نحيبه فنهرها قائلا :ماذا انت بفاعل ، هل جننت؟
لم يفهمه ذلك الهمجي و فغر فاهه ليبتسم "سارى" ساخرا: قبل ما تورينا رجولتك علي اختك الصغيره، اتعلم الاول .. يا. متخلف
حمل" ساري" جميلة علي ذراعه يهدهدها : اهدي يا جميلة ، انتي عارفه طريق بيتك؟
أومأت ايجابا بطريقة طفولية وهي تفرك عيناها بعبوس ، ليبتسم لها مداعبا أرنبة انفها بود أمام أخيها المتسلط الذي اغتاظ من توبيخ و تجاهل "سارى" له ، ولكن داخله يجبره علي الصمت لا يعلم لماذا..
اوصل" ساري " الطفلة الي والدها الذي رحب به كثيرا عندما عرف نسبه ، اما "ساري" فظل يجاهد نفسه كي لا يخطئ امامه ويتفوه باي كلمة انجليزية توقعه في شركهم ويظنون انه يسخر منهم..
لم يكن لقاءا طويلا ، انتهي بتوديعه ل"جميلة" بحب و تهديده ل" فرحات" علي اهانته له و صفعه لصديقته الصغيرة و العودة الي بيت الشرقاوي..
سيدة العشق / ايمان احمد يوسف.
بينما في فيلا آدم الشرقاوي..
كانت "بدور" تباشر عملها في الاهتمام بحديقة القصر كعادتها حتي اتاها اتصال أربكها، جعلها تلقي بتعليماتها علي البستاني وتنصرف مسرعة الي غرفتها .. مغلقة الباب باحكام خلفها..كي لا تتسرب حروف حديثها الي اذان الماره..
عاودت الاتصال بذلك الذي هاتفها منذ دقيقة و انتظرت رده.. حتي انتفضت فزعا عندما أتاها رد الطرف الاخر و قالت: انت ايه اللي بتعمله ده؟
أتاها صوته ساخرا: سالم لحق ينقلك الأخبار؟!
صاحت فيه بضجر قائلة: إنت راجع عشان تدمره تاني .. هتفضل لحد امتي اناني.. الشعر الابيض غطي راسك صحيح بس لسا قلبك حجر اسود زي ما هو .
امتقع وجهه بغضب من كلماتها اللاذعة و صرخ بغضب : احترمي نفسك يا بدور ، وخليك فكره اني اخوكى الكبير.. واني اللي بتتكلمي عنه دا ابني .. انا صحيح مش أب مثالي بس مستحيل اكره ابني او افكر ادمره زي ما انتي بتخترفي.
تجعدت قسمات وجهها وهي تشير باصبع يدها الحره قائلة بتهديد كأنه يمثُل أمامها : اقسم بربي يا مهران ، ما سيبالك فرصة واحدة تؤذيه هو او اخته ، انا اللي ربتهم و اعتبرتهم ولادي و اتخليت عن حياتي كلها عشانهم ومستحيل اسمح لمخلوق علي وجه الأرض يضايقهم حتي لو كنت انت..
ألقت بكلماتها في وجهه دفعة واحدة ولم تترك له مجالا للرد وقبل أن تغلق الهاتف قالت ساخرة: اااه .. كنت هنسي مبروك عليك البرنسيسة الصغيرة،، عيب على شيبتك.
أغلقت سريعا بأنفاس لاهثة كجندي انتهت مداهمته للعدو توا ..
اما "أدم" فلم يكن الوضع مثتتبا أبدا فشكوكه حول عمته ظلت تساوره حتي اقسم الا يجلس مكتف الأيدي أبدا و ذهب الي غرفة شقيقته يحادثها في الأمر علها تكون علي دراية به، ولكن القدر كان حليفه في تلك اللحظة خصيصا، لم يعانده او لنقل احب اللعب بحياته ، او قد يكون شغوفا بتقديم احدي صدماته باكرا له علي طبق من فضة..
......................... ... .
في غضون عدة ساعات كانت" إلينا" تستعيد وعياها بعد اغمائتها المفاجئة لتجد دفء غريب يكبل يدها يتسرب سرا لأوردتها ، يذيب الجليد المتصلب في عروقها يعيد إليها الأمان من جديد ، ظلت تسدل اهدابها عدة مرات بتردد حتي تعتاد الضوء لتجد اختاها تصرخ احداهما بفرح: حمدلله علي السلامه.
و الاخري تلمع عيناها بوميض فرح قائلة: اخيرا صحيت لنا.
تجاهلت عيناها الجميع وتسلطت علي تلك اليدان التي تقبض علي كفها الصغير براحة وأمان و دون كلمة واحدة تعاتبت الأعين و الافئدة ، لوعة فؤاد أب ، علي استعتاد ان يلقي بروحه في المهالك علي الا يصيب احداهن مكروه ، و فؤاد فتاة محطم من تحاذق القدر بها و ابداعه في عذابها..
لمح "مهران" في عيناها اصرار كبير، و انها لن تعود عن قرارها ، اغمض عينيه بآسي وانسحب لتعود هي لشعور اللا أمان لتبرد اوصالها بصقيع غريب رغم حرارة الجو العالية.. هذا ما يسمي بشعور اللا حياة.
جلست الفتيات بجوارها يحاولن مواساتها بعد ان علمن بما حدث فقالت" حلا" : انا اللي هوافق علي الجوازه دي هو محطش شرط إنها تكون بنته الكبيرة.. أنا اللي هنفذ حكمهم المتخلف ده.
ردت "تقي" قائلة: لا انا اللي هقدر عليهم ، انا اللي هسافر واتجوز الراجل دا وم...
قاطعتهم تلك التي تجلس شاحبة بينهم كمن سلبت منها الروح قسرا : محدش فيكم يتكلم في الموضوع دا ، الموضوع انتهي و انا اللي عليا الاختيار .
قاطعاها باعتراض: بس..
نظرت لهم بحزم: انا اختكم الكبيرة و مجبرين تسمعوا كلامي... و اتفضلوا كل واحدة علي اوضتها عشان هنسافر البلد الصبح عشان الفرح.
ابتلعت غصات مريرة وهي تتحدث معهم هكذا ، نظرت كل منهم للاخري وهن يرونها تنهض جاذبة حقيبة سفرها من غرفة ثيابها ، ململمة ثيابها بها ..
ثم نظرت لهم باندهاش من تصنمهم مكانهم قائلة بجدية: واضح انكم مش حبين تيجوا فرحي.. مع انكم حلمتم معايا باليوم دا..
لم تكمل فقد وجدت اذرع الحنان تحفها من كل جانب وصوت نحيبهم يعلو ، يعلمن ما تمر هي به، لم تقوي علي الصمود و سقطت كل اقنعة الثبات الزائفة و تركت لعبراتها العنان تنساب بصمت علي حظها العاثر..
...................... ........
في صباح اليوم التالي بعد ليلة قضاها كل منهم في ملكوته الخاص..
وصلت السيارة التي تنقل الفتيات الي الصعيد يتقدمها سيارة والدهم الذي آبي مرافقتهن في سيارة واحدة..
توقفت السيارات أمام بيت عتيق فاخر ضخم البنيان يشبه القصور القديمة هبط" مهران" من سيارته وتبعنه الفتيات يترجلن من السيارة بأقدام متثاقلة..
يتلفتن حولهن بخوف تجمعهن" إلينا" تحت كنفها لتشعرهم بالأمان التي تفتقده هي الان.. تحادث خاطره في صمت و هي تتذكر محاولاتها في اقناع والده بالامس..
«انا عشان اخواتى و عشانك مستعدة اعمل اي حاجة ، و صدقني انا مقتنعة ان ربنا هينقذني من الورطة دي قبل ما تحصل»
أخذ قلبها ينتفض ذعرا تشعر باختناق يعتصر رئتيها .. يغلفهما من الخارج يحول دون سريان الهواء اليهما..
في تلك الأثناء كان "ساري" يصيح في والدها بالعبارت الإنجليزية التي يعلم مقته الشديد لها: أكاد أجن من افعالك .
اخذ يضرب علي رأسه بيديه بضجر وغضب و هو يجوب الغرفة ثائرا يزأر : ما دافعك للزوج بفتاة تصغرك ب اربعة و ثلاثون عاما ، اي ثأر هذا الذي يدعوك لتدمير حياة الاخرين بدم بارد هكذا.
ظل يراقب الاخر تحركاته الغاضبة ببرود دون النطق بحرف واحد.. مما زاد من غضبه.. و جعله
ينظر له صائحا: لماذا لا تجيبني ابي.
رد عليه ببرود قائلا: مستنيك لما تخلص غلط فيا.
هدأت ثورته قليلا: انا لم اخطئ في حقك ابي ، بل انت من تخطي بك حاجز العمر وجعلك تهزِ بافعالٍ لا تدري عواقبها.
كان رده صفعة اخرست "ساري" و جعلت عيناه تشخص في غضب ..
"واضح اني معرفتش اربيك كويس..
انا مش باخد رأيك انا بعرفك بس.. والفرح بكره مش عاوز تحضر انت حر ... اتفضل علي اوضتك "
خرج ساري منزعجا ، يجزم انه لن يجعل تلك الزيجة تتم ابدا.. حتي وان كلفه الأمر حياته...
....