الجزء 38


ظلت تنظر في أثره مدهوشة لا تصدق أنه وبخها الان أمام الجميع أو بطريقة أخري أمرها كأنه والدها..

رأت شبح ابتسامة يتراقص علي وجه عمتها التي جلست مرة اخري علي كرسيها تتصفح المجلة التي كانت علي الطاولة أمامها...

صاحت بحنق وغيظ : دكتور وقح و قليل الادب .. أنا هندمه علي اليوم اللي وافق فيه انه يبقي دكتوري.

ثم قالت لـ"سعاد" : خديني علي فوق بسرعة.

دفعت "سعاد" الكرسي الي الامام متجهة به ناحية المصعد .. ولكن استوقفهم صوت "بدور" الأتي من خلفهم : معاكي حق .

استدارت "دانه" برأسها تستجدي منها ما تفوهت به الان : حضرتك قولتي ايه يا عمتو؟؟

اغلقت "بدور" المجلة التي كانت بيدها ثم نهضت باتجاههم لتشير لـ"سعاد" بالذهاب قائلة : اتفضلي انتي يا سعاد أنا هطلعها اوضتها.

انصرفت الاخيره لتقوم "بدور" بتولي مهمة اصالها بنفسها ..و بعد ان وصل المصعد الي الطابق العلوي وانفرج بابه، دفعت هي بدورها كرسي "دانه" المتحرك برفق الي الرواق لتقول بلؤم : أنا كمان معجبنيش طريقة الدكتور الجديد ده .. متكبر و اسلوبه مش كويس .. تحسي من كلامه انه بيتحداكي بكل بجاحه .. و كأنه مستضعفك.

كانت "دانه" تقلب كلام عمتها في عقلها جيدا بعد ان استطاعت ان تثير فيها نار الضغينة اتجاه ذلك الطبيب المتعجرف..

لاحظت "بدور" ذلك في هدوءها .. لتنتشلها من شرودها حين فتحت باب غرفتها و ادخلتها قائلة : علي العموم انتي مش هتروحي في المعاد اللي هو قاله دا .. انا هكلم دكتور توفيق النهارده اقوله انك مش عاوزه دكاترة تاني.

طبعت قبلة صغيرة علي جبهته ثم استطردت كلامها : ارتاحي دلوقتي يا حبيبتي .. انا هنزل اتابع تجهيزات الغدا تحت.. .

ابتسمت لها ابتسامة صغيرة لتخرج هي وتغلق الباب خلفها .. تاركة "دانه" في حيرة من أمر ذلك المتغطرس ..
....................

بينما في ذروة ذلك اليوم الذي كانت قد اشرقت فيه الشمس لتبدد غيوم الايام السابقة..

استيقظت بتأفف وانزعاج من ذلك الضوء الذي اجبرها علي فتح عيناها قسرا .. نظرت حولها لتستعيد نشاط عقلها وتتذكر ليلة زفافها التي لا تنسي ..

التقطت عيناها تلك الطاولة الخشبية التي تحمل فوقها الكثير من الطعام الشهي و لكنها لم تكن لها شهية له رغم سوء تغذيتها الفترة السابقة ..
تذكرت ايضا وجوده معها فنظرت علي الارض مكانه لتجده غير موجود .. اعتقدت انه في المرحاض ولكنه لم يكن موجود ايضا .. شعرت ببعض الانتشاء عندما وجدت نفسها بمفردها في الغرفة ..

تنهدت براحة .. ثم جهزت نفسها .. لتسمع طرق علي الباب .. جعلها تسرع في تخبئة شعرها بوشاحها ثم اذنت للطارق بالدخول : ادخل.

دلفت "أمال" بابتسامة تباركها قائلة : الف نهار مبروك يا ست هانم..

ردت عليها بإيجاز و وجه خال من تعابير الفرح : الله يبارك فيكي .

-انا جايه أقولك ان سي أدم بيه مستنظرك في الدوار تحت ..

لم تفهم المكان الذي يقصده لمقابلتها فاستفسرت منها عنه : فين الدوار دا ..؟!

- دي هتلاجيه في ضهر الدار علي طول يا هانم .

أومأت لها تشكرها قائلة : طيب شكرا .

خرجت "أمال" بعد ان نقلت رسالة "أدم" لتقوم هي بتجاهل طلبه و تذهب لتستلقي علي الفراش ..
...................

بينما كان "أدم" يجلس برفقة "ساري " و بيده سنبلة صفراء يعبث بها ..

- لم أشأ أن تتدهور حالتها .. لذلك أخبرتها أني سأقيم حفلا في الفيلا عندما أعود.

- يالا الخساره كنت ارغب في التعرف عليها هي ايضا..

-هل كنت ستكذب عليها مثلما فعلت معي ؟!

-أنا اعلم انني اخطأت أخي ولكن خشيت أن تكره وجودي .. أو ترفض أ..

ربط علي كتفه بيده قائلا: مهما حصل انا وانت و دانه منقدرش ننكر حقيقة اننا اخوات .

ابتسم "ساري" و التمعت عيناه بوميض فرح حين سمع ذلك الكلام منه ..ليصمت قليلا ثم قال: كان نفسي اتعرف عليكم من زمان جدا.. بس..

نظرللارض بحزن ، ليتفهم "أدم" مشاعره و اسباب امتناعه .. فيقرصه في وجنته ويمازحه : انا عريس علي فكره ..يعني مش وقت تنكد عليا .. بدل ما أوريك صورة الاخ الشرس اللي انت رسمته في دماغك حقيقة دلوقتي.

قهقه بقوة من مشاكسته له ليقول بتلقائيته المعتادة و باجنبيته التي لا تخلو محادثاته منها : قولت لي عريس ؟ .. و لماذا انت هنا تاركا عروسك بمفردها ؟؟

لكزه "أدم" ليكف عن الضحك قائلا : و ما دخلك انت أيها البالون الوسيم المتضخم .

بالفعل اختفت ابتسامة "ساري" وحل مكانها الوجوم والضيق .. ليقوم من مطرحه و يعتذر منه بالذهاب .. شعر "أدم" بتغيره المفاجئ و كاد يلحق به لولا أن أوقفه العمدة قائلا : واااه لساتك اهنيه ليه يا ولد؟

نظر "أدم" لأخيه الذي ظل يبتعد عنهم حتي اختفي ثم عاود النظر اليه قائلا : أنا بستني الينا يا عمدة تنزل.

- شيعت لها حد يا ولدي؟

- ايوه .. و اكيد بتجهز نفسها ..

- يا ولد اطلع شوفها .. البيت بعيد عن اهنه وعاوزكم تلحجم توصلوا قبل ما ضلم عليكم..

- ماشي يا عمدة هطلع اشوفها.

................

كانت تجلس بأريحية علي الفراش مغمضة عيناها بانتظار شقيقاتها التي ارسلت لهم كي يأتوا .. سمعت صوت الباب يفتح لتقول حين ظنت انهن من أتوا : اتاخرتوا عليا ليه.؟!

فتحت عيناها لتجده هو من يقف أمامها و الشر يتطاير من عينيه .. لم تعد تعلم اين يختفي موج البحر الذي تراه فيهما..؟! ..و متي تصبح مظلمة كأعماق المحيط هكذا..؟!

-انت ؟

-ايوه انا جوزك يا ست هانم اللي طلب انك تنزلي له ومنزلتيش.

انتصبت مكانها ..لتجلس علي الفراش قائلة : لان جوزي دا ميعرفش اننا مينفعش نخرج بره البيت النهارده.

زفر أنفاسه المحبوسة داخل صدره تكويه ثم قال: لا متقلقيش .. والدك المبجل و العمدة بعتنا علي بيت صغير نقعد فيه اليومين اللي فضلين لنا هنا قبل ما نسافر القاهرة عشان نبقي لوحدنا وعلي راحتنا .. و قبل ما تقولي كلمة زيادة .. زي الشاطرة هتروحي تجهزي شنطه صغيره ليك وليا وتحصلني فورا..

-انا مش عابدة عندك عشان تؤمرني.

-انتي ممكن تنزلي تقولي لهم الكلام ده .. ونشوف رد فعلهم هيكون ايه.

تذمرت و هي تضرب الارض بقدماها كالأطفال .. ليبتسم هو علي حالتها و يوليها ظهره وقبل انا يخرج استفزها قائلا : متتأخريش عليا يا حبيبتي عشان هتوحشيني جدا.

قال ذلك ثم اغلق الباب ..لتزمجر هي بضيق وغيظ وتلقي الباب بالوسادة خلفه..

.............

مرت نصف ساعة وهو ينتظر قدومها.. و لكنها لم تأتي .. يحاول ان يسيطر علي اعصابه كي لا يظهر وجهه القاسي أمام الجميع فهو بانتظار الانفراد بها ليقَّومها بنفسه..

انزل قدمه التي وضعها علي الاخري خلال دقائق انتظاره لها.. ليذهب اليها .. و لكن استوقفه نزولها الدرج .. ليهرع اليه و هو يدعي القلق أمام تلك الاعين التي تراقبهم : أتأخرتي ليه يا حبيبتي انا قلقت عليكي وكنت هطلعلك حالا.

علمت علي الفور بتلك التمثيلية التي يؤديها .. كم هو بارع في التمثيل حقا .. سايرته قائلة : انا اسفه يا حبيبي كنت بجهز شنطنا.

ألجمته تلك الكلمة التي صدم عند سماعها..انها المرة الاولي التي يسمعها فيها تقولها .. كانت مفاجئة بالنسبه له .. لم يتوقع انها ستقولها له يوما حتي وان كانت غير صادقه.

ابتسمت بخبث عندما رأته مسمرا مكانه .. اخذت تهبط الدرجات بتروي حتي بقيت بضع درجات تفصل بينه وبينها فقامت بالقاء نفسها و صاحت باعلي صوتها ليلتقطها هو بذراعه و يمسك بها قبل ان تقع .. نظر الي وجهها بخوف و قبل ان يسألها عن ما حدث همست له في الخفاء قائلة : هترفض اننا نروح للبيت اللي بيقوله عليه حالا ولا اكسر لك رجلي بجد و اقعد هنا غصب عنك.

رفع حاجبيه وشخصت عيناه من خبثها لا يصدق انه تعلم من اللؤم شيء ؛ متي استطاع ان يدنس العالم نقاءها ؟؟

رد عليها بهمس : انتي لو رجلك كانت كويسه دلوقتي كنت هرفض بس انتي وقعتي و.

-لا انا بمثل عشان تلاقي حجه نقعد بيها هنا..

-امممممممم قولتيلي حجه طيب.

-طيب ايه؟؟

-اصبري بس.

ثني جزعه قليلا لتجد نفسها بين ذراعيه في لمح البصر لاتصدق كيف فعل ذلك .. لم تشعر به الا وهو يقول للعمدة : لو سمحت يا عمدة ابعت حد يجبلنا الشنط دي علي بره..

-ماشي يا ولدي.. روح انت بس.

خرج بها الي السيارة ليضعها في المقعد الخلفي .. لتتعلق هي في رقبته قائلة : مش هركب .. مش دا اللي احنا عوزينه.

-مين قالك يا حبيبتي اني مش عاوز الخلوة الجميلة دي بك .. دا انا محتاجها عشان اعيد تأهيلك من أول وجديد.

-مش هسيب رقبتك .. ان شالله تتكسر في ايدي .. مش هسيبك تركبني العربية بالغصب.

-تماااام

فجاءها بقبلة طبعها علي ثغرها.. جعلتها تفلت رقبته لتقع علي المقعد جالسة .. ليستغل اضطرابها ويغلق الباب بسرعة و يتجه الي مقعده ليأمر السائق ان يدير السيارة و يقودهم الي وجهتهم الجديده... و هو يتوعد لها بيومين لن تنساهم في حياتها كله..

................................

نهاية الفصل...


إعدادات القراءة


لون الخلفية