الجزء 28

ظل الذهول والغيظ يتراقصان علي معزوفة غضبه المنبعثة من اسطوانة حدقته السوداء التي تدور علي كل ما حوله ، كانت فاجعته كبيرة حقا..
لم تتخير صدمة المحيطين به عن صدمته ابدا ..
نظر الي تلك التي تخفي وجهها خلف وشاحها صائحا بغصب: مين دي؟
لوي "ادم" فمه بابتسامة ساخرة و هو يراه علي حافة الهذيان ، ثم نظر الي "الينا" نظرة لطيفة و هو يبعد ذراعها الذي تشابك بذراعه برقة قائلا : لحظة و راجع .
ابتسمت له ابتسامة صغيرة تعني قبولها بذهابه طالما اخبرها انه سيعود..
عاد "أدم" لملامحه الساخرة و هو ينظر لوالده الذي ظل يراقبه بغيظ وهو يسير ناحية الشيخ يمسك بدفتره الذي سجل به عقد الزواج الذي وقع عليه الاثنين منذ دقائق معدودة قائلا : علي ما يبدو ان فخر باشا نسي يقرأ اسم عروسته و هو بيوقع قسيمة الجواز.
زم شفتيه بامتعاض زائف ثم استطرد قائلا: خليني أنا اقرأه ، عروستك اسمها سامية محمدبد العظيم الديب.. فاكر الاسم دا يا فخر بيه.؟؟
شخصت عيناي "فخر" و صدي اسمها يتردد داخله ليذكره بحقارته و دناءته عندما كان شابا ، تلك هي نفسها الفتاة التي اغواها و دنس شرفها ثم القي بها ط كالخرقة البالية .. لا يعلم كيف افلتت من عارها .. أخر ما وصله عنها ان أهلها قد قتلوها عندما علموا بفضيحتها..
فاق من شروده في الماضي علي صوت ابنه الاكبر و هو يعلن للجميع عن زواجه قائلا بتباهي : أنا و دكتورة الينا اتجوزنا علي سنة الله و رسوله من ساعة بس .



ثم نظر لوالده و هو يزأر بشراسة قائلا: يعني احترامها من احترامي ، و اللي يفكر يلمسها هيلقيني متصدر له بالمرصاد.
اظلمت عيني "فخر" بغمامات غضب ضارية رأيها "ادم" جلية عندما اخذ يقترب منه ، لم يهز ذلك شعرة منه بل وقف راسخ القدمين شامخ الرأس منتظرا ردة فعله ..
بعد دقيقة واحدة كان كف "فخر" يهوي في الافق ليكون مرقدة وجه "ادم" ولكن كانت يدها اسرع منه امسكت بيده بقوة ثم انزلتها و هي تقف جوار زوجها قائلة : مش هشوفك بتهين جوزي و اسكت.
نفض "فخر" يده من قبضتها ثم قال بفحيح الافاعي البشرية التي تسعي دائما لهدم البيوت: استني لما يعرف حقيقتك انتي و ابوك الاول.
قطبت حاجبيها و هي تنظر لـ"ادم" بملامح جاهلة لمقصده فعقب "ادم" علي كلامه قائلا: تقصد ايه؟
"لو عاوز تعرف تعالي ورايا"
قال ذلك ثم ادار ظهره له و دلف الي مكتب العمدة مغلقا الباب خلفه مخرجا ذلك الظرف من جيبه و هو يقسم داخله ان ينتقم من "مهران" و بناته دفعة واحدة ..
مرت بضع دقائق ثم وصل لمسمعه صوت طرق علي الباب ، اذن للطارق بالدخول أته صوته الاجش قائلا : عاوز مني ايه؟
ابتسم ابتسامة صفراء لفضوله الذي ساعده في اثارته للمجيء اليه .. ثم التفت اليه مناولا اياه مظروفا مهتر بدا كأنه قد مر عليه زمن حتي صار ورقه الذي جبل منه مُصفرا.. تناوله "ادم" بيده قارئا ايه لتبدل الأدور في عشية و ضحاها و يتسلل الغضب منه اليه..
سيدة العشق ل ايمان احمد يوسف...............
خرج" ادم" من الغرفة وجهه مسودا خاليا من التعابير .. نظر حوله فوجد بهو المنزل فارغا الا من بنات مهران و صديقيه "زين" و "ساري" و العمدة و "سالم" ابن عم والده و عروس ابيه و بعض النساء اللاتي يقمن بالتنظيف.
اسرع "زين" اليه قائلا : كان عاوزك في ايه؟
نظر بطرف عينه ناحيتها ليجد علامة الخوف والحيرة بادية علي قسمات وجهها و حركت عيناها المتلجلجة ..
لم يبالي لخوفها و عقب علي سؤال صديقه قائلا: حاجة مش مهمة .



قطب "زين" حاجبيه ، ليقترب "ساري" قائلا بلغته الاجنبية: هل انت بخير تبدو غاضبا من امر ما؟
نظر اليه "ادم" بكره قائلا: اذهب عني لا اريد ان اري وجهك قربي او قرب احد يقربني .
صدم "ساري" من هجومه عليه و قال: ماذا فعلت لك؟
تخطاه "ادم" قائلا بابتسامة جانبية يشوبها الاشمئزاز: تشبهه في كل صفاته السيئة ..تماما.
قال ذلك ثم رحل دون النظر اليها او توجيه اي حديث لها ، كأنها لا تمت له باي صلة كانت.
اما "ساري" ففطن ما فعله والده ، لقد اخبره بحقيقته و اوقع بينه و بين اخيه..
الي هنا و كفي دلف اليه ليفرغ غضبه المشحون به ثم يترك لها الجمل بما حمل ويرحل عنه .. يستحق ان يعيش وحيدا ليعلم بانه بدلا من ان يجمع شمل ابناءه و يصلح اخطاءه السابقة ، افسد الامر اكثر .
خرج "فخر " بعد ذهاب "ادم" و "ساري" وقال لـ "سالم" بصوت مهتر: يلا بينا يا سالم.
اقترب منه قائلا : وعروستك يا ولد عمي هتسيبها اهنيه ؟؟ ميصحش عاد..
نظر "فخر" بطرف عينه اليها مزدريا اياها ثم قال : هاتها معاك .
ضرب "سالم " كفيه من افعال ابن عمه ومصائبه التي لا تنتهي.. ثم ذهب الي احد الخادمات واخبرها ان تخبر "سامية " ان "فخر" ينتظرها في سيارته..
اما "زين" فلحق بـ "ادم" الي شقتهم التي يقيمون فيها ولأنه يعلم ان "ادم" عندما يغضب ينعزل عن العالم كالمستذئبين الذين يخشون ان يؤذي احبائهم عندما يتحولون ليلا لذا يؤثرون الوحدة حتي تنطفئ نيران غضبهم ..
اما هي فكانت تجلس في غرفتها تتحدث في الهاتف مع "محمود" مدير اعمال والدها تخبره بالوضع الحالي و بان "ادم" يسير في اجراءات براءة والدها ..
.............
مرت عدة ساعات و جميع من في المنزل نيام .. استيقظت هي علي صوت رنين هاتفها الذي التقطته بأعين ناعسة لتري من الذي يهاتفها في ذلك الوقت المتأخر من الليل.. كان مدير اعمال والدها يتصل بها ليخبرها بما يسود حياتها و ينغص عليها نومها و يخطف الراحة التي لم تهنأ بها بعد ..
قال لها : للأسف يا دكتوره الينا اجراءات خروج والدك اتوقفت علي اخر لحظه.
انتفضت عن الفراش منتصبة قائلة باستنكار : ايه؟ ازاي دا يحصل؟
أجابها قائلا : لما سالت عرفت ان في حد له يد في الموضوع.
وقفت مرتدية حذاءها البيتي ثم عقبت علي كلامه باقتضابط : حد!! حد مين دا؟؟
-أنا.
أتاها صوته من خلفها لتستدر علي الفور ناحية الباب فتجده يقف بهيبته المربكة لها واضعا يديه في جيبه بترفع.. مما جعلها تعلم بأن مجيئه في ذلك الوقت لا يبشر بالخير ابدا..



انتفض قلبها وجسده فزعا عندما رأته يدلف اليها موصدا الباب خلفه .. عقبت علي فعله و الرهبة تعتليها قائلة بتلعثم: إ.ن ..انت.. بتعمل ا.. ايه ..هنا ؟
أجابها ببرود ولا مبالة :انا جي اشوف عروستي اصل مشبعتش منها.
زادتها كلماته رعبا و وجلا .. ليظل يقترب منها علي مهل وهي تتراجع للخلف خوفا من ان ينصت لوساوسه الشيطانية .. رأت عيناه التي تتفرس جسدها بنظرات وقحة .. جعلت جسدها يرتعش باشمئزاز من نظراته ..هي زوجته ولكنهما اتفقا ان يصبح زواجهما علي الورق فقط.. لا لن تتركه يقترب منها .. مهما كلفها الامر.
اصطدم ظهرها بتلك الطاولة الدائرية الموضوعة في الغرفة لتلمس يدها تلك المزهرية الموضوعة فوقها لتمسكها بيدها مخبئة اياها خلف ظهرها استعداد لأي فعل قد يصدر منه..
علم "أدم" بما تخطط له و عرف إليما اوصلها تفكيرها فاستغل شعورها وتفكيرها وظل يتلاعب بها و جعله تشعر بأنها حتما علي حافة الهاوية ..
اسر عينيها برماديته الساحرة لتشعر بانها مقيدة امام نظرته فاقدة للسيطرة علي جوارحها ..



شعر بتخبطها و ضياعها فاقترب اكثر حتي اضحت بين ذراعيه مال اكثر عليها ليأخذ المزهرية بكل هدوء منها وهي مغيبة عما يفعله..
عندما شعرت بأنفاسه الحارة تلفح رقبتها تذكرت أنها تقف امامه بدون حجاب .. فانتفضت مبتعدة عنه لينظر هو بعيدا عنها مستجمعا رابطة جأشه متذكرا ما أتي لأجله ..
وارت شعرها عن نظره وقبل ان تنطق بأي حرف وجدت "حلا" تفتح الباب فجأة صائحة : الينا انتي كويسه ؟
التفت اليها "أدم" منزعجا من اقتحامها الغرفة , دون سابق انذار ..
علم من لهفتها علي اختها انها رأته وهو يتسلل الي غرفتها .. فراح ممسكا بذراع "الينا" جاذبا اياها خلفه للخارج..
حاولت" حلا" ان تمنعه من اخذها واخذت تصرخ ولكن دون فائدة..
أخذت "الينا" تقاومه فلم يجد بدا من حملها ...
رفعها عنوة فوق كتفه مكبلا جسدها بقوة كي لا تقع .. وهي تركل بقدميها في الهواء معترضة علي اختطافه لها اخذت تضربه بيدها علي ظهره ليتركها و لا تعلم انها تضربه علي ندوبه التي تملأ ظهره .. اهمل ألمه الذي شعر به .. وأكمل ما بدأه..
عندما هم بوضعها في السيارة حاولت الفرار منه , احتضن جسدها بذراعيه بقوة وظهرها يحتك بصدره لتقع بعض ازرار قميصه وهي تقاومه .. ادارها اليه و ضربها برأسه علي جبهتها لتفقد وعيها بين يديه ويحملها الي السيارة ويسير مسرعا الي شقته..
اما "حلا" فالتقطت عباءة "الينا" السوداء التي كانت ملقاه في غرفتها لتستر جسدها ثم وارت شعره بإهمال لتلحق بشقيقتها قبل ان يؤذيها ..
رأت سيارته تبتعد فـ صرخت في الغفير ليعطيها مفاتيح سيارة العمدة ويذهب ليخبره ان "ادم" اختطف شقيقتها ..
خمس دقائق وكانت تطارده لا تعلم متي اتقنت القيادة و لكن كما يقولون المواقف تصنع المستحيلات..
رأيها "أدم" في المرآة أمامه فزاد من سرعته حتي وصل الي شقته اغلق السيارة بإحكام علي "الينا " كي لا تتمكن" حلا" من كسر الزجاج المقاوم للرصاص والصدمات ثم صعد .
لتصل "حلا" و تترجل مسرعة من السيارة الي سيارته التي يخفي زجاجها الاسود ما بداخلها .. حاولت ان تفتحها وتضرب الزجاج بيدها ولكن دون جدوي .. صعدت الي شقته لتجد "أدم" يخرج وهو يدفع "زين" بعيدا عنه .. حاولت ايقافه ولكن دون فائدة صاحت فيه وهي تمسكه من تلابيبه: اختي فين يا حيوان؟
- اختك مش هتشوفيها تاني.
- لو قربت منها يا ادم يا مهران هقتلك واقتل عيلتك كلها .
فك يدها عن ياقته ثم دفعها بعيدا عنه لتصطدم بـ "زين" .. ويفر"أدم" هاربا ..
جلس في السيارة ثم ادار المحرك لينطق بسرعة البرق ليتصل بكابتن مروحيته التي تنتظره قائلا : أنا جاي في الطريق.. خليك مستعد.
شعر "أدم" بها تتململ فعلم انها ستستيقظ في اي لحظة لذا زاد من سرعته حتي لا تفق ويجن جنونها و تلهيه عن القيادة كما يفعلن النساء دائما عندما يغضبن ..
لحق به "زين" و" حلا" التي رافقته في سيارته ترجوه ان ينقذ شقيقتها من بطش صديقه فقال : ادم مستحيل يؤذيها صدقيني .. اهدي بس. وهنلحقهم قبل ما يسافروا.
ردت "حلا" بهلع : يسافروا ؟؟ يسافروا فين؟؟
نظر اليها وهو يدير مقود السيارة بضجر من افعال صديقه المتهورة : مش عارف .. كل اللي اعرفه انه طلب الهليكوبتر تيجي له هنا.
اقتربوا من المكان الذي حدد لهبوط المروحيه .. و لمح "زين" "ادم" وهو ينزل "الينا" قسرا ويجبرها للمضي قدما معه..
.......
كان السعير متجسدا في مقلتيه و هو يقبض علي رسغها بيد من حديد يجرها خلفه كالشاه التي تساق للذبح ، لا يبالي لصراخها و اظافرها التي تغرز في يده مجاهدة في التملص منه .. لا تعلم ماذا قال له والده جعله يثور هكذا .. و لا تعلم ما دخلها .. ولا تعلم ايضا كيف الخلاص من بطشه فقد القت بنفسها في عرينه معتقدة انه منقذها و لكن يبدو انه سوف يصبح جلادها..
تعثرت" حلا" وهي تجري وراءهما ليلتقفها "زين" بيديه فزعا عليها فقد كانت عيناها مغرورقة بالدموع محمرة كالدماء لا تستطيع الكلام من كثرة شهقاتها المتتالية .. فقط تقاومه وتشير ناحية اختها وهي تساق الي المجهول.. لم يجد بدا من الصمت فـ راح يزأر بشراسة مناديا عليه بأعلي صوته : ااااااااااااادم.
تسمر "ادم" مكانه لترتطم تلك التي يسوقها خلفه بظهره الصلب ،لتنتفض للخلف بسرعة ، مستمرة في محاولة فك قبضته التي أدمت رسغها قائلة بخوف و بكاء : سبني ، انا عم ..عملت .. لك .. ايه؟
خرج صوته باردا كصقيع الشتاء القارس .. كعاصفة اتت لتصعقها وحدها دون النظر اليها : قتلتوا أمي و حرمتوني منها.
شخصت عيناها الدامعة محركة رأسها يمينا ويسارا من هول صدمتها ، غير مصدقة ..
فان كان صادقا في كلامه .. فهي الان حتما في تعداد الموتي.
......
في تلجكم الاثناء كان "ساري" قد اعد حقائبه للسفر حاسما امره بانه لابد من التصدي لطغيان والده بطريقة ما..
اتصل بالمحامي العام لشركات والده في استراليا قائلا بحزم : مرحبا مستر اندرو .. اريدك ان ترفع لي قضية ما حتي اعود من السفر غدا.
-علي الرحب والسعه سيدي ، ما هي القضية؟
ضاقت عيناه التي برقت بشراسة خفية في نظراته ثم زفر انفاسه قائلا بهدوء: قضية حجر علي املاك والدي.
انتفض "اندرو" عن كرسيه غير مصدقا : ماذا قضية حجر علي املاك والدك؟


إعدادات القراءة


لون الخلفية