الجزء 31


" .... جحيمي "

أخذت كلمته تلك تصدع داخلها حتي أوقعتها في بحر حالك السواد أشد سوادا من الليل المظلم ، ظلت تعافر للنجاة ولكن قوة خفية تأتي من أعماق البحر المظلم لتقيد قدمها وتسحبها لأسفل .. لم تعد تقوي علي التنفس ..

ظلت تضرب الماء بقدميها و كأن حربها مع مآسي الأرض لم تكفي ليأتي البحر ويهاجمها ..

ظلت تركل الماء بقدمها حتي أستسلم لضراوتها و حل عنها راحلا.. بدأت تعوم علي السطح متذكرة قوتها التي لا تعلم الي أين ولت عنها كل تلك المدة ..

ها هي "الينا" القوية تعود .. فتحت عيناها فجأة ليكن سقف الغرفة أول شيء تراه .. لم تأخذ وقت طويل لتذكر أين هي ؟ فهي لم تنسي بعد..
انتصبت لتجلس علي الفراش تنظر في ارجاء الغرفة تري ما ان كان أحد معها .. كانت الغرفة مظلمة قليلا والجدار الزجاجي تغطيه الستائر الرمادية والسوداء بإحكام شديد ولم تلتقط عيناها أي أحد .. علمت أنها بمفردها في الغرفة .. و أنه لم يحصل عليها و هي غائبة عن الوعي .. جيد نقطة لصالحها عرفتها عنه ..

انها الحرب عندما تؤت أوزارها لا مكان للنزهاء فيها اما اتباع سياسة الخداع او الارتحال عن عالم البشر للابد ..

نزعت تلك الابرة المنغرزة في عروقها بعنف لتلقي بها علي الارض لتتساقط بضع قطرات من دمائها علي الفراش .. ضغطت بيدها علي الثقب الدقيق الذي احدثته تلك الابرة .. حتي تجلط الدم وتوقف نهائيا..

نهضت متجهة الي غرفة الملابس الملحقة بالجناح فلابد ان جناح فخم كهذا لا يخلوا من مثل تلك الغرف ..

دلفت لينبغ حدسها وجدتها مليئة بالثياب الرجلية و الأحذية الفخمة .. لا تصدق انه ثري لهذه الدرجة ابدا .. لا يهم .. اتت لتبحث عن شيء ترتديه .. نظرت في ملابسه الرياضية .. لتبتسم بخبث عند ما وجدت ما تبتغيه .. سحبته من الخزانة علي الفور ثم توجهت الي المرحاض لتتأهب لحربها القادمة والتي ستكون أنوثتها سلاحها الأساسي فيها..

مرت ساعة كاملة خلالها أتت رئيسة الخدم و معها بعض الفتيات التي قمنا بتنظيف الغرفة وازلنا الستائر عن تلك الشرفة الزجاجية ثم أخبرتها أن الافطار علي المنضدة وان سيدها سيوافيها بعد قليل ليتناولا الافطار معا..

همست لنفسها بعد ان رحلت " ماري" : عاوز تفطر معايا يا أدم بيه ..

اكملت بسخرية قائلة : فطار الهنا يا ابن الشرقاويه .

خرجت اخيرا مرتدية بنطالا رياضيا أسود و تيشيرت رياضيا ابيض كانت قد اضافت عليه بعض التعديلات في المرحاض ليصبح محددا لتفاصيل جسدها .. خجلت في بادئ الامر وكادت ان تتراجع ولكنها استجمعت شجاعتها و بررت انها ليست مذنبة ان ارتدت كذلك فهو في النهاية زوجها..

لفحتها رائحة القهوة المنعشة ولفت انتباهها تلك الطاولة الشهية .. لم تطل النظر اليها كثيرا.. بل راحت تأكل فالجوع لن يفيدها في شئ الان ، هي بحاجة لان تكون قوية ..

اعتقدت انه سيأتي كما أخبرتها تلك المرأة ..ولكنه لم يقدُم اليها ..

أصابتها الحيرة و القلق خشيت أن يكون قد رحل وتركها هنا حبيسة بمفردها ..

جذب انتباهها مقبض الباب و هو يدار ببطء .. دققت النظر لتتبين هوية ذلك الدخيل .. لتجدها سيدة "ماري" تدلف اليها وهي تتلفت حولها و وجهها مكتنز بصبغة حمراء..

أثارت الشكوك داخلها مما دفعها للتحدث معها بلغتها الأجنبية لتفهم عليها قائلة : ما الخطب سيدة "ماري"؟ .. لما تدلفين الي خلسة هكذا؟

ازدردت الأخرى ريقها بخوف قائلة : لا أعلم كيف سأخالف أوامر سيد "أدم" ولكن هناك من يريد أن يتكلم معك.

تجعد ما بين حاجبيها باندهاش فهي لا تعرف أحد هنا لكي يتحدث معها .. سألتها مستفسرة : من هذا؟

- انه سيد "زين"

أخذت تنبش ذاكرتها لتتذكر انه هو نفسه صديقه الضابط الذي كان معه في القرية والذي انقذ شقيقتها ..

انتفضت عن المقعد بسرعة بعد أن رأت فيه طوق لنجاتها من ذلك المعتوه فقالت بلهفة : أين هو ؟ هل هو بالأسفل؟

قالت ذلك وهي ترتدي سترتها لتداري ذراعيها المكشوفين و تلف حجابها حول رأسها ظننا منها أنه بالاسفل ..

- لا سيدتي .. بل هو علي الهاتف.

نظرت "الينا" الي يدها فوجدتها تناولها هاتفها الذي التقطته بدورها ووضعته علي أذنها قائلة : الو..

- الينا حبيبتي أنا حلا.

دق قلبها طربا عندما سمعت صوت شقيقتها فقالت بلهفة : حلا حبيبتي .. عامله اي ؟؟

حاولت الاخري التماسك كي لا تبكي وتسمعها : انت اللي عامله اي؟ طمنيني جوزك اخباره ايه؟

شعرت" الينا" بشيء غريب في صوتها فقالت : في ايه يا حلا ؟ في حاجه عندك؟ دا مش جوزي دا خاطفني.

ردت بابتسامة زائفة رسمتها علي ثغرها وهي تنظر لوالدها الذي يراقبها بشوق منتظرا دوره في الحديث مع ابنته : ايوه معك حق بابا خرج امبارح بكفالة .. و التحقيق لسه ماشي وان شاء الله يثبتوا ان الشركة الاجنبية هي السبب ورا الحادثه.. هو زعلان انك اتجوزتي كدا من غير رايه .. بس لما عرف ان أدم بيحبك و هيحميكي اطمن .. بصي خدي كلميه لانه مش قادر عاوز يكلمك من امبارح.. خدي هو معاكي اهوه.

اخذت شهيقا وزفيرا اكثر من مرة محاولة ضبط انفاسها مجلية صوتها محاولة صكه بصك الفرحة : الو... بابا.

اجابها بلهفة ونيران شوق تحرقه : ايوا يا حبيبة بابا.. عامله ايه؟

سقط قناع الفرحة عنها عندما سمعت صوته و وضعت يدها علي فمها تكتم شهقتها كي لا تصل اليه ..

اصابته الريبة من انقطاع صوتها فجأة فقال : الينا .. حبيبتي انتي سمعاني؟؟

أومأت برأسها و كأنه يراها ثم قالت : ايوه يا حبيبي سمعاك.. انا كويسه جدا..

-أدم كويس معاكي؟؟

ابتلعت تلك الغصة المريرة مر العلقم المحشرجة في حلقها ثم قالت : ايوه معيشني في جنة.

-هترجعوا من شهر العسل امتي؟

فطنت انه لا يعلم اي شيء نهائيا ابتسمت لذكاء شقيقتها فيبدوا ان تفكيرها اصبح ناضجا في يوم وليله .. تماسكت كي لا ينزلق لسانها بشيء يفسد كذبتهم و يقلق والدها ثم قالت : اسبوعين كدا ي بابا و هننزل.

-طيب انا عاوز اكلم ادم يا حبيبتي.

رددت اسمه بتلعثم هي تبحث عن حجة تقولها له : أ..أدم .. أدم.. أدم في حمام السباحة تحت يا باب لما يطلع هخليه يكلمك..

- ماشي يا حبيبتي . اهم حاجه تكوني مبسوطه .

-مبسوطه جدا .. فوق ما تتصور يا بابا.

- يعني مش ندمانه علي جوازتك من أدم ؟

- لا ابدا ليه بتقول كدا يا حبيبي؟

-عشان طلبتي منه انه يساعدني مقابل انك توافقي علي الجواز منه و عدي ال...

قاطعته قائلة : بابا مش مهم اي حاجة دلوقتي ..غير انك الحمد لله خرجت لنا بالسلامه ..

- اشكري لي ادم علي ما نتقابل ونقعد واشكره بنفسي.

- حاضر يا بابا خلي بالك من صحتك كويس لحد ما ارجع.

-و انتي كمان يا حبيبة بابا.

-حاضر.

-لا اله الا الله.

-سيدنا محمد رسول الله ..

- مع السلامه يا حبيبتي.

اغلقت معه و هي شاردة تفكر في كذباتها التي تكررت بشكل شنيع و لكنها تعلم جيدا انه لو عرف الحقيقة لأصابه الحزن عليها .. هذا افضل من ان تربكه و تقلقه عليها.

-هل انتهيتِ سيدتي؟

قالتها تلك السيدة المزعورة خوفا من ان يمسك سيدها بها في الجرم المشهود .. أومأت "الينا" برأسها ثم ناولتها الهاتف و شكرتها علي معروفها قائلة بامتنان : انا ممتنة لك سيدة ماري.

-علاما سيدتي ؟؟.. انا في خدمتك و خدمة السيد "أدم" .. صدقيني هو ليس قاسيا كما يبدو..

تجعد حاجبي " الينا " دهشة من حديثها عنه و قالت : يبدو انك تعرفي الكثير عنه ..

- اعرف ما يعرفه الجميع عنه هنا.

سألتها عندما تذكرت انه لم يأتي كما اخبرتها ليتناول طعام الافطار معها : صحيح أين هو؟ لما لم يأتي كما اخبرتني ؟

- لقد أتاه اتصال هام اجبره علي الذهاب فورا و اوصي ان نكون في خدمتك هنا..

- حسنا سيدة ماري اريدك ان تخبريني في اي بلد اجنبي نحن؟

- نحن في المانيا سيدتي.

شهقت "الينا" عندما علمت بموقعها .. يبدو انها تجهل الكثير .. جذبت " ماري " من يدها الي الشرفة الزجاجية لتشير للبحر قائلة : الا ترين البحر .. يبدو اننا علي جزيرة تحفها المياه.

- هذا صحيح سيدتي .. انه بيت سيد "أدم" البحري ..

- نظرت " الينا" بدهشة علي جانبيها لتجده بيت حالك يغطيه السواد من الخارج يظهر فخما ولكنه مخيف ايضا فهو يدفعك للشعور بالوحشة .

لا تصدق تكاد تجن .. شعور بالاختناق احاط بها دفعها لانهاء حديثها مع "ماري" سريعا لتخلو بنفسها تفكر قليلا : حسنا بإمكانك الرحيل.

انصرفت الي عملها دون ان تتفوه بكلمة اخري..

مر وقت طويل وهي تجلس القرفصاء في المقعد ضامة ساقيها الي صدرها محدقة في ذلك البحر الهائج غير مبالية للسعات البرد القارصة لجسدها ..

.......

في تلك الاثناء في استراليا ..

دلف الي منزل والدتها و هو يبحث عنها : أمي . أين أنتي؟

" أنا في المطبخ عزيزي"

ذهب حيث هي ليحتضنها من الخلف ويلثم وجنتها قائلا : يبدو ان أمي تعد لنا عشاء شهيا.

ابتسمت وهي تضربه علي يده التي تسللت لطبق السلطة الذي تعده : لا ليس قبل ان تغسل يديك اولا.

ضجر من فعلتها وعقب قائلا : اااه .. أمي انا لم اعد صغيرا لتعامليني هكذا.

قرصته من وجنته قائلة : بلي مازلت في عيني ذلك الفتي الصغير حتي تتزوج وتنجب لي حفيدا ألهو معه.

ابتسم مقبلا يدها تلك قائلا : لا امي لن احقق لك امنيتك حتي لا يأخذك ذلك الفتي مني ويشاركني حبك .

-لا تكن انانيا .. ليس لدي ابنا غيرك لأطلب منه ان يحقق لي امنيتي تلك.

-ااااااااه منك أمي ... اعلم ان اليوم لن يمر.

كاد يغادر الي غرفته ولكنها اوقفته قائلة : ما رايك في تلك الفتاة التي ظهرت معك في الجريدة ؟؟

- أمي لا اريد ان يتعكر مزاجي ارجوكي .. لقد جمعني القدر بواحدة ولم أقوي علي اخبارها بأنه أنا من يتحدث معها بسبب جسدي المكتنز ذلك .. لن تصدقي ايضا انها نعتتني بأبشع الالفاظ ساخرة من سمنتي هههههههه..

-اتقصد تلك الفتاة المصرية التي تحدثت معها علي الانترنت.

-نعم ، علمت اليوم انها هي نفسها شقيقة تلك الفتاة التي اراد ابي الزواج منها..

مسحت علي وجهه بحنان قائلة : لا تحزن حبيبي .. الجمال جمال الجوهر وليس الجسد..

-لا احد ينظر للاشياء كما تنظرين اليها أمي.

-لا بأس عزيزي .. سـ.........

لم تكمل حديثها بسبب هاتف "ساري" الذي اعلن عن وصل اتصال له .. اخرجه من جيبه ليجده المحامي الخاص به .. بعد ترحيب اخبره بان والده نقل الي المشفي وانه بين الحي والموت ..

- امي يجب ان اعود الي مصر .

استفسرت عن سبب توتره وقراره المفاجئ: لما بني ؟ ماذا حدث؟

-نقل أبي الي المشفي .. و حالته خطيرة.

شهقت قائلة : سأسافر معك.

نظر لها قائلا : أمتأكدة أمي؟

أومأت له برأسها وعيناها تغرورق بالدموع : لا أستطيع البقاء هنا دون أن اراه.

- حسنا امي ولكن قد تتقابلي بزوجته الجديدة و...

- قاطعته قائلة وهي تنحي دموعها جانبا : لا تقلق يا بني .. أمك امرأة راشدة .

- حسنا هي بنا سأطلب منهم تجهيز الطائرة الخاصة .

......................

حل الليل في المانيا سريعا ..

وهي مازالت تقف في الشرفة تطالع البحر ولكنها كانت قد ازاحت حجابها ليظهر شعرها المكور لأعلي..

مضي كثير من الوقت حتي دخل معذبها الذي سكن افكارها ملقيا بظله عليها و دون سابق انذار نزع مشبك شعرها لينساب بحرية علي ظهرها ليهمس في اذنها مصرحا بلامبالة منه : عاجبني شعرك كدا اوي.

اشتعلت نيران غضبها من لمسه لشعرها ومن اقترابه الشديد منها ولكنه كظمت غضبها ولم تلقي له بالا وتجاهلت وجوده..

انزعج من تجاهلها فقال متشدقا بسخرية تقطر سما : لما اكلمك ترد عليا .. احسنلك عشان ما اتصرفش معاكي تصرف ميعجبكش.

وكزته بكوعها في معدته علي حين غِرة منه ، ليبتعد قسرا عنها ممسكا بمعدته بألم لتقل : وفر تصرفاتك لنفسك يا ابن الشرقاوية ..

عاد الي الوقوف منتصبا وعلي شفتيه ابتسامة ساخرة ظلت تزين ثغره وهو يقول : هي حصلت .. و انا اللي كنت عاملك جو رومانسي.

اشار بيده لداخل الغرفة خلفه .. لتلتقط عيناها شموع حمراء و ورد جوري ملقا و عشاء رومانسيا وفستان اسود لامع موضوع علي الفراش..

جذب نظرها ثانية اليه و هو يجذبها من يدها ليصطدم صدرها بعضلات صدره بقوة و يضغط بيده علي خصرها بقوة حتي كادت تزعم انها شعرت بأصابعه تغرس في خصرها .. وقال : شكله خساره فيكي .. احنا نقضي الليلة في الضلمه احسن .. ولا انتي بتخافي من الضلمه يا بنت السيوفي ..

هي حقا تخشي الظلام كيف علم بتلك المعلومة .. حاولت مقومته ولكنه كان كالجبل الراسخ كلما قاومته كلما اعتصرها اكثر بذراعه همس لها قائلا : حركتك دي مش هتبعدني عنك .. دي بتخلني عاوزك اكتر.

جحظت عيناها عندما فطنت الي ما يرنو اليه لا تصدق انه حقير الي هذه الدرجة لا تذكر اي حركة تعلمتها .. لا تذكر ماذا يتوجب عليها فعله في مثل هذا الموقف و اي رد فعل يتوجب عليها استخدامه ضده ، فهو محكم قبضته عليها حتي انها لا تستطيع ركله ..

اغمضت عيناها بقوة كي لا تتقابل بعينيه الزرقاء كموج البحر و همست لنفسها طالبت العون من ربها ليخرجها من ذلك المأزق : يارب ساعدني.

...........................


إعدادات القراءة


لون الخلفية