الجزء 15


بعد مرور سويعات الفجر المعدودة اشرقت الشمس بنورها لتنفذ من نوافذ قصر الشرقاوي و تداعب تلك الاميرة النائمة ذات الشعر الغجري...

فركت عيناها بضجر من ذلك الضوء المحرق لعيناها البندقيتين .. لتقل و هي تستل الغطاء علي وجهها : سبيني انام كمان شويا يا عمتو ..

تسلل الي اذنيها صوت مألوف عليها ، فتحت عيناها بجحوظ وانتفضت برأسها , لتأكد عيناها جميع شكوكها فقد كان هو يجثوا قريبا منها , فـ خرج صوتها متوترا : زين؟!

اتسعت ابتسامة المدعو الأخير علي ثغره : يا صباح النشاط علي الناس الكسلانه.

تداركت حالتها فسحبت الغطاء عليها وقالت بذهول: انت بتعمل ايه بدري عندنا ، مش كنا سيبينك امبارح في شقتك؟

قضب حاجبيه ثم زم شفتيه بعبوس : انا بقولك صباح الخير وانت بتطردني ,الله الله.. الله الله. ( غلظ صوته ) الله الله .. بنت الحسب والنسب بتطردني من قصرها.

وضعت كفاها علي اذنها بضيق من صوته الرجولي الخشن الذي يؤذي اذناها الرقيقة وقالت: بس يا مزعج.. صوتك مزعج..
اشار" زين " لنفسه بطريقة درامية مجاهدا في ترقيق نبرة صوته: انا.. انا صوتي مزعج.. انا يا حقوده.

لوت "دانه" شفتيها بسخرية قائلة: ايوا انت صوتك مزعج..انت مفروض تقبض علي المجرمين بصوتك دا.. هيسلموك نفسهم علي طول.
ضربها برفق علي مؤخرة رأسها قائلا : اه من لمضتك محدش بيغلبك في الكلام ابدا.

ضحكت وهي تؤكد علي كلماته الاخيرة قائلة: ابدا.
شاركها الضحك الذي سرعان ما بدأ ينسل عن وجهه ويعود اليه التجهم ليجلي صوته قبل ان يعلمها بما اتي ليخبرها به: دانه.. انا جاي هنا عشان اقول لك ان.. ان يعني.. ان ادم.. اخوك وقع من علي السلم امبارح...ونقلناه المـ ...
لم يتمكن من اكمال حديثه ، فقد رآي شحوب وجهها يزداد و تصارع زفيرها وشهيقها معا بقوة ليهتف بلهفة مطمئنا: بس والله هو كويس وبخير دلوقتي.
اخذت بندقية عيناها تدور في جميع الاتجاهات بتشتت و ضياع و قلب صغير يرتجف في قفص ضلوعها .. وبدأ الشؤم يتسلل اليها لتنزل علي عيناها غمامة سوداء يصاحبها شعورها ببرد قارس ادي الي ارتجاف جسدها رجفات صغيرة بدأت في التزايد ..
وما هي الا ثوانيا و كان جسده يرتخي امامه بلا حول ولا قوة، ليندفع "زين " صارخا: داااانه

حاول ان يفيقها و ينثر الماء علي وجهها من ذلك الكوب الموضوع بجوارها.. ولكن دون جدوي..

لم يجد بدا من حملها الي المشفى.. انتشلها بين ذراعيه و خرج ملتقطا معطفها من علي حامل ثيابها ليغطيها به ويهرع الي الخارج ، ياخذها الي المشفي ذاتها ال تي بها "أدم "..
.........
كان يجلس في مكتبه يطالع تلك الأخبار علي شاشة حاسوبه ، يتمعن في قراءة احد الأخبار بتركيز كبير .. حتي طرق احدهم الباب واخرجه من تركيزه، فخلع نظارته الطبية عن عينه وقال: ادخل.
ليفتح الباب ويظهر مدير اعماله السيد "محمود " ... رحب به مصافحا اياه : اهلا يا محمود. اتفضل اقعد.
"محمود" : صباح الخير يا مهران بيه عرفت اللي حصل للشركة الاجنبية اللي بتصدر لنا قطع الغير لهياكل الطيارات والمحركات ، بتنهار.. أسهمها نزلت فجاه من امبارح.
استند "مهران" باحدي يديه علي ذراع كرسيه .و الاخري يحك بها جبته وهو ينظر لحاسوبه : كنت لسه بقرأه حالا قبل دخولك ، انهيار شركة(A.D.S) ، و خسارات تتوالي علي مالكي الشركة.
رد "محمود" بقلق قائلا: طب والعمل يا مهران بيه احنا كدا كمان هنتاذي؟
أومأ الاخير بالرفض قائلا: لا بالعكس جدا احنا هنعرض مساعدتنا ليهم ونحاول نكسبهم لصفنا ونساعدهم..
أومأ "محمود" باقتناع، ثم استطرد" مهران " كلامه قائلا: عاوزك بس تجمع لي كل المعلومات الأكيدة عن الشركة دي.
أومأ "محمود " برأسه قائلا : تمام لما حضرتك ترجع من السفر هتلاقي المعلومات كلها علي مكتب حضرتك.
ابتسم" مهران" قائلا: ربنا يبارك فيك يا محمود انا اجلت سفري لبكره لحد ما اطمن ان الدنيا امان علي البنات..
انهي كلامه ثم دار بكرسيه ناحية النافذة يشاهد حركة الحرس الجدد بتمعن ثم قال بثقل: انا عاوزك تخلي بالك من البنات كويس يا محمود اعتبرهم زي ندى بنتك.
صدع رد الاخر سريعا مؤكدا : طبعا يا باشا مش محتاجه توصيني..

عاود" مهران" النظر اليها قائلا بامتنان: شكرا , مكنتش عارف من غيرك كنت هعمل ايه.

"م حمود" : كان ربنا هيبعت لحضرتك الطيبين اللي يساعدوا حضرتك لكرمك و تواضعك بين رجال الاعمال بالرغم من انك اقواهم... انا بفتخر دايما اني بشتغل عند حضرتك.

ابتسم "مهران" قائلا: انت بتشتغل معايا مش عندي يا محمود .. انت موهوب فعلا في مجالك و انا اللي مبسوط بشغلى معاك.. و دلوقت خلينا نخرج نباشر التجهيزات الأمنية برا.

أومأ "محمود " مؤيدا, ليسيرا معا الي الحديقة الخلفية للفيلا يتابعان تجهيزات الامن فيها و حولها.. .

كان يراقب تلك التجهيزات الفتيات الثلاث من خلف ستار الشرفة ... لتبدأ" تقى" في تعليقاتها الساخرة التي لا تنتهي..: ايه جو فيلم كود36 دا ياتري هنحب بقي مين من الغفر اللي تحت دول.

ضحكت الاخرتان علي كلامها و عقبت "الينا" قائلة: شيفه اللي واقف عند البوابة هناك دا.

دققت" تقي" النظر وقالت ببلاهة وابتسامة سمجة: اه حلو وقمور..و..

قاطعتها "حلا" قائلة : لا يا تقتوقه احنا نقصد الكلب اللي ماسكه في ايده ..

تفوهت بكلماتها تلك ثم انفجرت في الضحك بطريقة هستيرية وانضمت اليها "ا لينا ".. و الاخر تدبدب الارض بقدميها , ينهشها الغيظ من سخريتهما..: لا والله؟.. طيب انتي اللي جبيته لنفسك..

انطلقت تركض خلفهما ممسكة بعلبة رذاذ اللون الاصفر ترشها عليهما .. لتعلو ضحكاتهم وصرخاتهما ايضا.. فـ ينخلع قل"ب مهران" عند سماعهم ولكنه رأهما من خلف الستار الشفاف يلهون فابتسم مستودعا اياهم عند ربه ان يحميهن له..
............................

وصل زين بسيارته التي نثرت تراب الارض و احدثت سحابة غبار امام مدخل المشفى .. لتجعل الجميع ينتفض اثر دخوله المرعب وصراخه الهائج في وجه الممرضيين: دكتور بسرعه يا شوية بـ....

آتي مجموعة من الأطباء و نجدها من بين ذراعيه مسرعين في اسعافها بأقصي سرعة ..

و علي الفور وصلت بجهاز للتنفس الصناعي و اخترق جسدها ابرة مهدئة لتهمد نوبة الفزع التي اصابتها ..

ثم املى الطبيب تعليماته لممرضة : الانسة ضغطها واطي جدا ركبي لها محلول بسرعة... و راقبي مؤشراتها و قيسى لها الضغط كل ساعة وقولي لي علي النتيجة أول بأول.

أومأت الممرضة بتفهم .. ليخرج الطبيب ويطمئن" زين" علي حالتها.. ذلك الزين الذي لم يتمهل لحظة واتصل بـ" بدور" يخبرها لتهلع اليهما علي الفور..

سيدة العشق لـ ايمان احمد يوسف.

بين ظلام الليل الدامس كانت طائرته تحلق في الأفق فوق المحيط قاصدة وجهتها الي مصر ..

" ساري ": ابي لما طلبوا منك العودة الان , انا متأكد من انك تخفي عني شيء ما.

حملق فيه والده قليلا ثم زفر انفاسه الحارة التي تنبع من حمم صدره المتأججة : ثأر قديم يا ساري لابد من انهاءه الان.

وجل "ساري" من تلك الكلمة وقال : ومن سيفدي ذلك الثأر...(شرد يفكر قليلا لتشخص عيناه و هو يهدر قائلا) : أنا؟ أيعقل لهذا السبب أصرت علي في مصاحبتك؟؟

نظر اليه والده بأعين زائغة يملأها الخوف والقلق.. ليعود بذاكرته الي ماضي آليم حين خسر املاكه واضحي فقيرا لا يملك ضمانا لمستقبل صغيره المدعو "أدم" و تلك الرضيعة المدعوة " دانه ".. كان يحب زوجته جدا كانت شابة مثقفة جميلة تملك ملامح الفتيات الغربية كانت تنسل من طبقة متوسطه الحال تعيش في القاهرة تعرف عليها في حفل زفاف في بلدتهم كانت تحضره ومن وقتها وهو لم ينبت عنها حتي امتلكها واصبحت زوجته و مع الوقت تغير حاله للأسوأ ولا يدري ما السبب..

تذكر ذلك اليوم المشؤم حين اتي اليها وقال..: حبيبتي احنا هنسافر كلنا استراليا فرصتنا هناك , كتير سفروا ورجعوا بملايين... هنأمن مستقبل ولادنا..

كانت تبكي بحرقة و تهز رأسها بعنف رافضة السفر: لا مش هسافر ولا ولادي هيروحوا معاك.. عاوز تسافر سافر لوح..

لم تكمل بسب صفعته التي اخرستها ليزأر بغضب عارم: اخرسي يا بنت. الـ.... انتي عاوزه تعقدي علشان حبيب القلب . عشان تفضلي جنبه و تخنيني معاه.

خلع حزامه و شرع في ضربها بقوة وهي تصرخ غافلين عن تلك الأعين الصغيرة التي تراقبهما ببراءة من خلف فتحة الباب الرفيعة..

بعد ان افرغ نوبة غضبه قال وهو يعيد هندام ثيابه: هتسافري معايا انتي والولاد ورجلك فوق رقبتك.

لم تقوي علي الرد و جداله بل دفنت رأسها في الوسادة تكتم شهقاتها المعذبة .. لتختفي تلك الاعين الصغيرة المراقبة حينما هم" فخر الدين" بالولوج خارج الغرفة صافقا الباب خلفه..

ذهب الي عمته وهو يرتجف خوفا : عمتو..... عمتو... بابا ضرب ماما جامد.

احتضنته" بدور" بقوة وقالت : متخفش يا حبيبي متخفش.

ظل فترة يرتجف في حضنها حتي هدأ, فتركته وانطلقت لتري تلك الغارقة في وحشية بطش اخيها الطائش.. وما ان فتحت باب غرفتها حتي صرخت بصوت عال ايقظ" ادم" ودفعه الي الهروله اليها ليري أبشع شئ لا يقوي طفلَ في عمره ان يراه ويتحمله طيلة حياته..


إعدادات القراءة


لون الخلفية