الفصل الأول: بداية الحب في خضم الحرب

عبود كان يبلغ من العمر 17 عامًا عندما تعرف على ليلى، الفتاة التي حولت حياته المليئة بالضياع إلى بصيص من النور في ظل الحرب المدمرة التي كانت تعصف بمدينتهما. كان طالبًا في سنته الأخيرة من الثانوية، يعيش مع والدته المريضة بعد أن فقد والده في قصف جوي استهدف الحي الذي يسكنون فيه. والده، الذي كان يعمل في متجر صغير لتأمين قوت يومهم، لم يعد موجودًا ليحميهم من الفقر الذي غمر حياتهم بعد رحيله.


عبود ووالدته عاشا في منزل صغير، لكن حتى ذلك المنزل لم يكن آمنًا، فمع القصف المستمر، تضررت نوافذ البيت، وتشققت جدرانه. كانت والدته تعاني من مرض مزمن يتفاقم مع انقطاع الأدوية الضرورية بسبب الحرب. في تلك الأجواء القاتمة، لم يكن لدى عبود أي مكان يلجأ إليه سوى مدرسته المتواضعة.


في تلك المدرسة المدمرة، حيث كانت الفصول الدراسية تبدو مهجورة والجدران مشققة، تعرف عبود على ليلى، الفتاة الهادئة والذكية التي عاشت مع عائلتها في الحي المجاور. ليلى كانت تكبر عبود بعام واحد، لكنها كانت تتمتع بنضج يتجاوز سنوات عمرها. رغم الدمار والظروف الصعبة، كانت ليلى تتمتع بعزيمة قوية وقدرة على التفاؤل. كانت تتفوق في دراستها، وتساعد والدتها في رعاية إخوتها الأصغر سنًا بعد أن غادر والدها إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل لكنه لم يعد.


عبود كان يراقب ليلى من بعيد في ساحة المدرسة. كان يشعر بشيء غريب يتحرك في قلبه كلما رآها. كانت هناك نظرة حزينة في عينيها، وكأنها تحمل هموم العالم على كتفيها، لكن رغم ذلك، كانت ليلى تبتسم دائمًا. تلك الابتسامة كانت تمنح عبود شعورًا بالأمل، في وقت كان الأمل فيه نادرًا.


اللقاء الأول:

في أحد الأيام بعد انتهاء الدروس، قرر عبود أن يجمع شجاعته ويتحدث مع ليلى. كانت المدرسة تفرغ تدريجيًا من الطلاب، وعبود كان يرى ليلى تجلس وحدها على مقعد خشبي متهالك، تحت ظل شجرة كانت لا تزال تقاوم الانهيار وسط الخراب. اقترب منها، وكلما اقترب، كان قلبه يخفق بقوة. لم يكن يعرف كيف يبدأ الحديث، لكنه قرر أن يتجاهل تردده وقال بصوت متردد: "مرحبا، ليلى."


رفعت ليلى عينيها ونظرت إليه بابتسامة هادئة. كانت ابتسامتها تلك اللحظة الوحيدة التي جعلته ينسى كل ما حوله. "مرحبًا عبود، كيف حالك؟" قالت بصوت دافئ.

كانت تلك البداية. كان حديثهم بسيطًا، عن الدراسة والحياة اليومية في المدينة المدمرة. لم يكن الحديث مليئًا بالرومانسية في بدايته، لكنه كان كافيًا ليفتح الباب أمام مشاعر دفينة بدأت تتشكل بينهما.


الحب في ظل الحرب:

مع مرور الأيام، أصبحت لقاءات عبود وليلى أكثر تواترًا. كانا يلتقيان في المدرسة أو بعد ساعات الدوام في الأزقة الخلفية لبيوتهما المدمرة، حيث كانا يجدان بعض اللحظات من الهدوء بعيدًا عن أصوات الانفجارات. كان عبود يتحدث عن حلمه بالالتحاق بالجامعة، رغم أنه كان يعلم أن الحرب قد تجعل هذا الحلم مستحيلاً. أما ليلى، فكانت تتحدث عن رغبتها في مساعدة والدتها وإخوتها، وعن شعورها بالمسؤولية تجاههم بعد أن غادر والدها.


مع كل يوم يمر، كان الحب بين عبود وليلى ينمو بصمت وسط الحرب. لم يكن حبًا مفعمًا بالمشاعر الجياشة، بل كان حبًا نابعًا من الحاجة إلى الأمان والدعم المتبادل في وقت كانت فيه الحياة تسحب كل ما هو جميل. كانا يجدان في بعضهما البعض ملاذًا من الخوف الذي يحيط بهما.


في أحد الأيام، وبينما كانا يتحدثان عن المستقبل، قالت ليلى لعبود: "لا نعرف ماذا سيحدث غدًا، لكن يجب أن نعيش اليوم بكل ما لدينا من قوة." كانت كلماتها تلك تملأ قلب عبود بالطاقة، رغم الخراب الذي يحيط بهم.


مأساة العائلة:

عبود لم يكن يعرف الحياة بدون الفقر. بعد موت والده في قصف مروع على السوق المركزي، تغيرت حياة عائلته للأبد. كانت والدته تبذل جهدًا فوق طاقتها لرعايته، رغم أن صحتها كانت تزداد تدهورًا مع مرور الوقت. لم يعد لديهم دخل ثابت، وكان عبود يعمل في أعمال بسيطة بعد الدوام المدرسي ليساعد في تأمين احتياجاتهم الأساسية.


ليلى كانت تعيش وضعًا مشابهًا. والدها كان قد غادر منذ عامين إلى الخارج، واعدًا بأنه سيرسل المال للعائلة لكنه لم يعد منذ ذلك الحين. والدتها كانت تعمل في المنزل، تحيك الملابس لإعالة أطفالها، لكن المال كان قليلاً ولم يكن يكفي لسد احتياجاتهم.


تقارب القلوب:

في خضم كل هذا الألم والفقر، كان عبود يجد في ليلى مصدرًا للقوة والأمل. كانت اللقاءات بينهما تصبح أكثر دفئًا مع مرور الوقت. لم يكن الحب بينهما مجرد عاطفة عابرة؛ بل كان عبارة عن رابطة قوية تجمع بين شخصين يبحثان عن الأمان في عالم مزقته الحرب.


في أحد الليالي المظلمة، وبينما كانا يجلسان على سطح أحد المباني المطلة على المدينة المدمرة، التفت عبود إلى ليلى وقال: "هل تعتقدين أننا سننجو؟"

نظرت ليلى إلى السماء المليئة بالنجوم، وأجابت بهدوء: "لا أعرف، عبود. لكني أعلم شيئًا واحدًا... ما دمنا معًا، سنجد طريقة للبقاء."

كان ذلك الحب هو الشيء الوحيد الذي جعلهما يتمسكان بالحياة.



إعدادات القراءة


لون الخلفية