الفصل الثالث والعشرون: المواجهة

بعد قرار المحكمة الصادم، نادى القاضي على الحراس ليأخذوا عبود بعيدًا. كانت تلك اللحظة مليئة بالحزن واليأس، وكأن الحياة قد انتزعت من عبود كل أمل كان يتمسك به. كان يسير ببطء، ووجهه مكسور، وظهره مثقل بأعباء الفشل وخيبة الأمل. مع كل خطوة، شعر عبود بالضياع المتزايد. لم يعد لديه شيء ينتظره، ولا وطن للعودة إليه.


عندما دخل عبود الزنزانة مجددًا، جلس في الزاوية وحيدًا، عيناه مملوءتان بالدموع، وكتفيه منحنين تحت ثقل الهموم. نظر حوله، فوجد زميله في الزنزانة، السجين البلغاري غريغور، يجلس في الزاوية المقابلة يراقبه بصمت. كان غريغور قد اعتاد على التنمر على عبود منذ وصوله إلى السجن، لكنه بعد سماع ما جرى في المحكمة اليوم، تغيّرت نظراته نحوه.


كانت الزنزانة هادئة في تلك الليلة، لكن بداخل عبود كان هناك عاصفة من المشاعر. الخيبة، الحزن، الغضب، وكل ذلك ممتزج بمزيج من العجز والخوف. بينما كان يحاول الهروب من أفكاره، وقف غريغور فجأة واتجه نحوه.


وقف غريغور أمام عبود لثوانٍ طويلة، ينظر إليه بعينيه الحادتين. كان هناك شيء غريب في نظراته، مزيج من الشفقة والغضب الذي لم يعهده عبود من قبل. ثم فجأة، وبدون أي تحذير، رفع غريغور يده وصفع عبود بقوة، مما جعله يسقط على الأرض.


غريغور (بصوت غاضب ومليء بالتحدي):
"انهض! لا أريد أن أراك هكذا! لا يمكن أن تستمر في هذا الانهيار. الحياة لا ترحم من يضعف."

شعر عبود بالصدمة. لم يكن يتوقع هذا الهجوم، خاصة من غريغور، الذي طالما كان عدوًا له داخل الزنزانة. رفع عبود رأسه ببطء، ووجد غريغور ينظر إليه بنظرة أكثر جدية مما رآه من قبل.


غريغور (بصوت صارم):
"اسمع، لا أعلم ماذا حدث لك في المحكمة، ولا يهمني. لكن ما أعرفه هو أنك إن استمريت في السقوط هكذا، فلن تنجو. يجب أن تصبح أقوى. يجب أن تصبح رجلاً."

شعر عبود وكأن كلمات غريغور كانت تخترق قلبه. كان غريغور دائمًا يسخر منه ويتنمر عليه، لكن هذه المرة كان كلامه مختلفًا. كان هناك معنى آخر خلف تلك الكلمات، ربما كان درسًا قاسيًا، لكنه كان ضروريًا.


عبود (بصوت مكتوم وحزين):
"لكن... كل شيء انتهى. لا يوجد شيء أقاتل من أجله."


توقف غريغور للحظة، ثم نظر إلى عبود بحدة وقال:
"ليس كل شيء ينتهي فقط لأن المحكمة قالت ذلك. أنت هنا، ولا زلت على قيد الحياة. وهذا يعني أنه لا يزال هناك شيء تعيش من أجله. الآن، عليك أن تتعلم كيف تقاتل من أجل نفسك."

وقف عبود بصعوبة، كان الألم الجسدي والنفسي يطغى عليه، لكنه وقف. نظر إلى غريغور الذي لم يتحرك.


غريغور (بنبرة غامضة):
"تعال معي. سأريك شيئًا."

نظر عبود إلى غريغور بحيرة، لكنه تبعه بصمت. سار الاثنان عبر الممرات المظلمة في السجن، حتى وصلا إلى ساحة صغيرة مظلمة داخل السجن. كانت الساحة مهجورة تمامًا، والهواء فيها بارد. وقف غريغور في منتصف الساحة، ونظر إلى عبود.


غريغور:
"هذا هو المكان الذي ستبدأ فيه بالتغيير. هنا، حيث لا يوجد أحد سوى نفسك. هنا، ستتوقف عن أن تكون ذلك الشخص الضعيف الذي كنت عليه."

عبود وقف هناك، ينظر إلى الساحة ويتساءل عن مغزى كلام غريغور. لم يكن يفهم تمامًا ما الذي يريده منه، لكنه شعر أن هذه اللحظة كانت لحظة تحول. غريغور، السجين الذي كان يراه عدوًا، أصبح الآن يقدم له درسًا في الحياة، درسًا قاسيًا ولكنه ضروري.


غريغور (بجدية):
"الحياة هنا، عبود، ليست سهلة. إذا أردت البقاء على قيد الحياة، يجب أن تتغير. يجب أن تتعلم كيف تكون قويًا، وكيف تقاتل من أجل كل شيء تريده."

كانت كلمات غريغور قاسية، لكنها كانت واقعية. بدأ عبود يفهم ما الذي يعنيه. في هذا السجن، وفي حياته التي أصبحت مليئة بالصعوبات، لم يكن هناك مكان للضعف. يجب عليه أن يقاتل، أن يثبت نفسه، أن يقوى ليواجه العالم الذي يبدو وكأنه يقف ضده.

عبود (بصوت هادئ، لكنه مليء بالعزيمة الجديدة):
"أنا أفهم... سأبدأ من هنا."

ابتسم غريغور قليلاً، وأومأ برأسه. "حسنًا. الآن، لنبدأ."



إعدادات القراءة


لون الخلفية