عبود لم يكن يصدق أن الطائرة قد هبطت في مطار فرانكفورت، ألمانيا. بعد سنوات من الصراع والمطاردة والتحديات التي بدت مستحيلة، وجد نفسه أخيرًا على أرض كان يحلم بالوصول إليها. مشاعر مختلطة من الفرح، الخوف، والارتياح اجتاحته، لكنه ظل هادئًا، تمامًا كما تعلم من رحلته الطويلة.
بعد خروجه من الطائرة، وقف عبود للحظات، يتنفس هواء ألمانيا لأول مرة. رغم أنه كان يعرف أن هناك المزيد من التحديات في المستقبل، إلا أن الشعور بالأمان كان يغمره. كان يعرف أن الخطوة التالية هي تسليم نفسه إلى السلطات الألمانية ومنظمة حماية اللاجئين، وهي الخطوة التي كان يخطط لها منذ أن غادر أثينا.
عندما وصل إلى مكتب الاستقبال التابع لمنظمة حماية اللاجئين، كان يتوقع نفس التعامل البارد والمهين الذي واجهه في تركيا واليونان. لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجأة كبيرة.
الموظفة في المكتب (بنبرة لطيفة): "هل تحتاج إلى مساعدة؟"
عبود (مندهشًا): "نعم، أنا لاجئ... أريد التقدم بطلب لجوء."
الموظفة (بابتسامة طيبة): "بالطبع، سنساعدك في كل ما تحتاجه. لا تقلق."
لم يكن عبود يتوقع هذا النوع من الاستقبال. في كل بلد مر به، كان يتم التعامل معه كمجرم أو عبء. هنا، في ألمانيا، شعر بشيء من الاحترام والكرامة لأول مرة منذ سنوات. تم تقديمه إلى مترجم، الذي بدأ في مساعدته بملء الأوراق وتقديم طلب اللجوء.
عبود (بين نفسه): "ألمانيا... يبدو أنني وصلت إلى المكان الصحيح."
بعد أن قام بملء الأوراق وتقديم طلبه، تم إرشاده إلى قسم الاستقبال، حيث التقى بفريق من منظمة حماية اللاجئين. على عكس ما مر به في البلدان الأخرى، كان الجميع يتحدثون معه بلطف ويشرحون له كل خطوة من الإجراءات.
الموظف (بابتسامة): "سنقوم بتسجيل بياناتك، وبعد ذلك سنرتب لك مكانًا للإقامة في أحد المراكز المخصصة للاجئين. لا تقلق، كل شيء سيكون على ما يرام."
عبود كان ما زال متفاجئًا. في كل لحظة، كان يتوقع أن يحدث شيء سيئ أو أن يتعرض للمهانة، لكنه وجد العكس تمامًا. كان الموظفون يهتمون به كإنسان، لا كرقم في طابور طويل من اللاجئين. لقد شعر وكأن جزءًا من روحه المكسورة قد بدأ في الشفاء.
بعد انتهاء الإجراءات الرسمية، تم نقله إلى مركز لاستقبال اللاجئين. كان المكان نظيفًا ومنظمًا، وكانت هناك فرق متخصصة لتقديم المساعدة للاجئين الجدد. تم تخصيص غرفة لعبود، وقدموا له بعض الملابس والأدوات الأساسية. حتى الطعام كان مختلفًا عما واجهه في المخيمات الأخرى.
عبود (بين نفسه وهو يتأمل الغرفة): "هل هذا هو المكان الذي كنت أحلم به؟ يبدو أنني أبدأ حياة جديدة بالفعل."
بدأ عبود يشعر بأن الأمور بدأت تتغير للأفضل. كان لديه طعام، مكان للنوم، والأهم من ذلك، كان لديه إحساس بالأمان الذي افتقده لسنوات طويلة. في كل يوم كان يتعلم المزيد عن النظام الألماني وعن حقوقه كلاجئ.
بعد أن استقر عبود قليلاً، كان أول ما خطر بباله هو الاتصال بليلى. أخذ هاتفه واتصل بها. لم تكن هناك كلمات كافية للتعبير عن مشاعره عندما سمعت صوتها على الجانب الآخر من الخط.
ليلى (بفرح وسعادة): "عبود؟ هل فعلتها حقًا؟ هل وصلت إلى ألمانيا؟"
عبود (بابتسامة ترتسم على وجهه): "نعم، يا ليلى. فعلتها. أنا هنا، في ألمانيا. لقد نجوت، وأخيرًا وصلنا إلى الحلم الذي كنا نتحدث عنه طوال السنوات الماضية."
صوت ليلى كان مليئًا بالسعادة والدموع في آن واحد. كانت تسمع عن مغامرته ومحاولاته المستمرة للوصول إلى الأمان، والآن كان عبود قد فعلها.
ليلى (بدموع الفرح): "يا الله، عبود... لا أصدق! كنت خائفة جدًا من أن يحدث لك شيء. لكنك فعلتها! أنت حقًا في ألمانيا!"
عبود (بحنان ودفء): "أجل، ليلى. كل شيء انتهى. لم أعد في خطر. كل ما كنت أفعله كان لأجلك، لأكون بجانبك في يوم ما. والآن، نحن على الطريق الصحيح لتحقيق ذلك."
ليلى (بصوت هادئ، مملوء بالامتنان): "أنت لم تستسلم أبدًا، عبود. وأنا فخورة بك. لطالما كنت تعلم أنني سأنتظرك، مهما طال الأمر."
عبود (بتنهيدة ارتياح): "ليلى، ما زال هناك طريق طويل أمامنا، لكننا سنواجهه معًا. لقد نجوت من الأسوأ، والآن لدي أمل في المستقبل."
مع مرور الأيام، بدأت المنظمة في تقديم جلسات تعليم اللغة الألمانية والدعم النفسي للاجئين. عبود كان متحمسًا لتعلم اللغة، لأنه كان يعلم أن اللغة هي مفتاحه للاندماج في المجتمع الجديد وبناء حياة جديدة. جلس في فصول تعليم اللغة، ملتهمًا كل معلومة تُقدم له، مستعدًا للانطلاق نحو مستقبله.
لم يكن عبود يريد فقط أن يكون مجرد لاجئ يعيش على المساعدات. كان يرغب في بناء حياته، في أن يصبح فردًا نافعًا في هذا المجتمع الذي استقبله بترحيب غير متوقع. بدأ بالتفكير في التعليم والعمل، وفي كيفية استغلال كل فرصة تُتاح له.
عبود (بإصرار): "لقد نجوت من كل شيء. سأبني حياتي هنا، سأحقق ما حلمت به طوال تلك السنوات."
وفي إحدى المكالمات التالية بينه وبين ليلى، كانت هناك لحظة مميزة. كانت ليلى قد بدأت تخطط لمستقبلها معه، وسألت عبود عن خططه.
ليلى (بابتسامة حالمة): "عبود، ما رأيك في المستقبل؟ هل تعتقد أننا سنجتمع قريبًا؟"
عبود (بإصرار وحب): "ليلى، لقد فعلت كل هذا من أجلك. وأعدك، أننا سنكون معًا. هذه البلاد تمنحني فرصة جديدة، وسأبذل كل ما بوسعي حتى نكون معًا هنا. لن أترك شيئًا يقف في طريقنا بعد الآن."
مع كل يوم يمر، كان عبود يستعد لحياته الجديدة في ألمانيا، وعيناه على المستقبل الذي سيجمعه بليلى.