الفصل التاسع والعشرون: خيانة أم مصير غامض؟

مرت الأيام ببطء شديد على عبود داخل أسوار السجن، لكنه كان يشعر أن شيئًا ما قد تغير بداخله. لم يعد ذلك الشاب الضعيف الذي دخل السجن محطمًا. بعد سنوات من المعاناة والتدريب تحت إشراف غريغور، أصبح عبود أقوى وأكثر حذرًا. لكن رغم قوته الجديدة، كان هناك أمر يشغله في عقله باستمرار: أين هو غريغور؟ ولماذا لم يرسل له أي شخص كما وعد؟


في صباح يوم مشمس، جاء الحارس كعادته ليستدعي عبود للتوقيع على الأوراق النهائية قبل ترحيله إلى سوريا.

الحارس (بنبرة رسمية):
"عبود، حان وقت التوقيع على أوراقك. سيتم نقلك قريبًا."


عبود لم يبد أي علامات على الاضطراب. وقف بثقة وتوجه إلى المكتب الإداري. أمامه كانت الأوراق التي تنتظره ليوقعها. أخذ القلم بيده، لكنه في داخله كان يتساءل: "أين هو الشخص الذي وعدني به غريغور؟"


الضابط الإداري (بصوت بارد):
"هذه هي أوراق الترحيل. عليك التوقيع هنا، وهنا."

كان عبود ينظر إلى الأوراق وكأنها آخر رمق له في هذه الحياة الجديدة التي كان يأمل أن يعيشها خارج السجن. لكنه لم يكن يريد أن يُظهر أي ضعف، فابتسم بخفة قبل أن يوقع الأوراق.


عبود (متمالكًا نفسه):
"حسنًا، سأوقع. لكن لدي سؤال. هل اتصل بي أحد في الفترة الأخيرة؟ أي شخص من خارج البلاد؟"

الضابط الإداري (مستغربًا):
"لا أحد. يبدو أنك تتوقع زيارة؟"

ابتسم عبود ابتسامة باهتة وقال:
"شيء من هذا القبيل."

وقع الأوراق وأعادها للضابط، لكنه في داخله كان يشعر بمرارة. أين هو غريغور؟ لماذا لم يرسل أحدًا كما وعد؟ هل خان ثقته؟ أم أن شيئًا قد حدث له ولم يتمكن من الوفاء بوعده؟



عاد عبود إلى زنزانته ليقضي ساعاته الأخيرة قبل الترحيل. جلس وحده في الزاوية، عينيه تحدقان في الجدار، لكنه لم يكن يرى الجدار حقًا. كل ما كان يراه هو صور غريغور، ووعوده، وكلماته التي رددها مرات ومرات في رأسه.

عبود (بينه وبين نفسه):
"هل خانني؟ هل كذب علي؟ أم أن هناك شيئًا آخر؟"

كان يعرف أن غريغور ليس رجلاً يمكن أن يخون بسهولة، لكن الشك بدأ يتسلل إلى عقله. كل شيء كان مرتبًا بشكل غامض؛ الوعد، الخطة، والآن هو يواجه مصيره وحيدًا. لم يعد يريد أن يصدق أنه قد تم خداعه، لكن في داخله كان هناك جزء من الغضب والخيبة.


جاء الحراس في المساء ليأخذوا عبود من زنزانته. كانت هذه هي اللحظة التي طالما تخيلها بطرق مختلفة. هل سيهرب؟ هل سيأتي شخص من طرف غريغور وينقذه في اللحظة الأخيرة؟ لكن الآن، لم يكن هناك أحد.

الحارس (بنبرة جادة):
"حان وقت الرحيل يا عبود. سيتم نقلك إلى المطار الآن."

لم يكن هناك خوف في عيني عبود، بل كان هناك تحدٍ. رغم كل ما حدث، ورغم الشكوك التي بدأت تراوده حول غريغور، لم يكن ليترك نفسه يتحطم. وقف بثبات، وتوجه نحو الحافلة التي ستقله إلى المطار.


عبود (بينه وبين نفسه):
"مهما حدث... سأخرج من هذا المأزق. حتى لو لم يكن غريغور هنا، سأجد طريقي."


كان الطريق إلى المطار طويلًا وهادئًا، لكن عقل عبود لم يكن كذلك. الحافلة التي تقلّه تمر بشوارع وطرقات لم يرها منذ سنوات، لكنها لم تكن تشغله. كان عقله منشغلًا بغريغور وبالوعد الذي قطعه. "هل كان كل شيء كذبًا؟" كانت هذه الأسئلة تتكرر بلا توقف، لكنه كان يرفض الاستسلام لهذا الشك تمامًا.

في تلك اللحظات، عاد لعبود شعوره بالثقة والعزيمة. لم يعد ذلك الشاب الضعيف الذي كان يهرب من مصيره. الآن، بعد كل تلك السنوات في السجن، وبعد كل التدريب والقصص التي تعلمها من غريغور، كان يعرف شيئًا واحدًا: عليه أن يعتمد على نفسه.

عبود (بصوت خافت بينه وبين نفسه):
"إذا لم يأتي أحد لإنقاذي، سأجد طريقي للخروج."


عندما وصل إلى المطار، تم نقله إلى منطقة انتظار المسافرين المرحلين. جلس عبود في زاوية الغرفة، محاطًا بالحراس الذين يراقبون كل حركة. لكن ما كان يشغل عقله هو خطة للهروب. هل يمكن أن يكون هناك فرصة أخيرة؟ هل سيأتي أحد في اللحظة الأخيرة، أم أنه يجب أن يعتمد على نفسه بالكامل؟


بدأ يفكر في كل المهارات التي تعلمها من غريغور، وكيف يمكنه استخدامها في هذه اللحظة. "إذا لم يكن هناك من ينقذني، سأنقذ نفسي"، قال عبود لنفسه بصوت واثق.


بينما كان ينتظر في المطار، جلس عبود يراقب حركة الناس من حوله. كان يعرف أن هذه اللحظة هي الحاسمة. إذا لم يتحرك الآن، فسوف ينتهي به الأمر في سوريا، وهذا ما كان يحاول تجنبه طوال تلك السنوات.

بدأ عبود يخطط لخطوته التالية. فكر في محاولته التسلل من بين الحراس، في اللحظة التي يتم فيها نقله إلى الطائرة. كان يعرف أن الفرص قليلة، لكنه تعلم شيئًا واحدًا في السجن: الحياة لا تمنحك الكثير من الفرص، وإذا سنحت لك إحداها، عليك استغلالها بأي ثمن.

عبود (بصوت هادئ لكنه مصمم):
"سأخرج من هنا... سأجد طريقي."

في تلك اللحظة، لم يعد عبود ينتظر أن يأتي أحد لإنقاذه. أصبح هو سيد مصيره.



إعدادات القراءة


لون الخلفية